ثمار محبة الله تعالى

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ نعمة محبة الله تعالى والشوق له 2/ حال العبد المشتاق 3/ مواطن أربعة يظهر فيها صدق الشوق لله 4/ من ثمار محبة الله تعالى 5/ السلف ومحبة الله تعالى 6/ الطريق إلى محبة الله تعالى

اقتباس

وجماعُ القولِ، وخلاصةُ الحديثِ، أنَّ الدنيا كلَّها إنما تطيب، والحياة إنما تهنأ، بمحبة الله -عز وجل-؛ فالحياة بدون محبة الله سراب، الحياة بدون محبة الله ضياع، الحياة بدون محبة الله غَمٌّ وهَمٌّ ونكَد، ولا يجد حقيقة ذلك إلا المحبون لربهم -عز وجل- يوم تطيب حياتهم، وتهنأ عيشتهم، على الرغم مما قد يصيبهم في دنياهم من آلام ومصائب تتبدد وتتلاشى بتلك النعمة العظيمة، نعمة المحبة، التي...

 

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والإكثار من الاستغفار والتوبة النصوح؛ فإن ذلك كله علاج ناجح للذنوب والمعاصي، ودواء نافع للغفلة والقسوة، رزقني الله وإياكم توبة نصوحا تكفر بها سيئاتنا، وترفع بها درجاتنا، إن ربي رحيم ودود.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن العبد يتقلب في نعم مولاه، يتقلب في نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، منذ كونه نطفة في رحم أمه وإلى أن يفارق الدنيا، فهو يتقلب كل يوم صباحا ومساء في نعم عظيمة يدرك بعضها ولا يدرك كثيرا منها.

 

ومن أعظم نعم المولى على العبد "محبة الله عز وجل"، هذه المحبة التي يقذفها الله -سبحانه وتعالى- في قلوب من اختارهم واصطفاهم من عباده وأوليائه.

 

وكيف لا تكون محبة العبد لمولاه من أعظم النعم التي يسوقها مولاه له، ولها من الآثار العظيمة في الدنيا والآخرة ما لا يخطر على بال؟.

 

وجماعُ القولِ، وخلاصةُ الحديثِ، أنَّ الدنيا كلَّها إنما تطيب، والحياة إنما تهنأ، بمحبة الله -عز وجل-؛ فالحياة بدون محبة الله سراب، الحياة بدون محبة الله ضياع، الحياة بدون محبة الله غَمٌّ وهَمٌّ ونكَد، ولا يجد حقيقة ذلك إلا المحبون لربهم -عز وجل- يوم تطيب حياتهم، وتهنأ عيشتهم، على الرغم مما قد يصيبهم في دنياهم من آلام ومصائب تتبدد وتتلاشى بتلك النعمة العظيمة، نعمة المحبة، التي يدركونها، ويعيشون ويطمئنون بها.

 

من هذه الثمار، ثمار المحبة، محبة العبد لمولاه، ما يجده المحب في قلبه من شوق، ليس شوقا إلى متع الدنيا ومباهجها، وإنما الشوق إلى لقاء الله، الشوق إلى لقاء الخالق؛ لأن المحبة تحمل على الشوق ولقاء المحبوب؛ فإن القلب إذا أبغض شيئا وكرهه جد في الهرب منه، وإذا أحبه جد في الهرب إليه وطلبه.

 

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد المحبين لربهم كان يسأل ربه -عز وجل- الشوق إلى لقائه، فعن عطاء بن السائب عن أبيه قال: صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة. فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

فلما قام اتبعه رجل من القوم، فسأله عن الدعاء، ثم رجع فأخبرهم به: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مُضِرّة، ولا فتنة مضلة، اللهم زَيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين".

 

وعن هذه الدعوات العظيمات التي دعا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدث بها عمارٌ ... يقول ابن القيم -رحمه الله-: سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه أن يهب له شوقا إلى لقائه مصاحبا للعافية والهداية، فلا تصحبه مع هذا الشوق إلى لقاء الله فتنة ولا محنة، وهذا -والله!- من أجلّ العطايا والمواهب؛ فإن كثيرا مما يحصل له هذا لا يناله إلا بعد امتحان واختبار، هل يصلح أم لا؟ ومن لم يمتحن ولم يختبر فأكثرهم لم يؤهل لهذا، فتضمن هذا الدعاء العظيم حصول ذلك والتأهيل له من كمال العافية بلا محنة، والهداية بلا فتنة".

 

إن هذا الشوق إلى لقاء الله -عز وجل- أيها الإخوة في الله يدعو المحب لمولاه إلى الجد في السير إلى لقاء محبوبه -عز وجل-، ويقرب عليه الطريق، ويطوي له البعيد، ويهون عليه الآلام والمشاق والمتاعب، ويزيل عنه كل فتور، ويحمله على كل صدق وإخلاص وإنابة وصحة معاملة، وهو من أعظم النعم التي ينعم الله -عز وجل- بها على عبده.

 

إن العبد المحب المشتاق إلى لقاء ربه -عز وجل-، لا يهدأ قلبه، ولا يقر قراره إلا بالوصول إليه -سبحانه وتعالى-، ومحك هذا الشوق إلى لقاء الله -عز وجل-، محكه مواطن أربعة يظهر فيها صدق الشوق إلى لقاء الله من عدمه، هذه المواطن الأربعة ذكرها ابن القيم رحمه الله في بعض كتبه.

 

الموطن الأول: عند أخذ العبد مضجعه، وتفرُّغ حواسه وجوارحه من الشواغل، واجتماع قلبه على ما يحبه، فإن العبد المحب المشتاق إلى لقاء الله -عز وجل- لا ينام إلا على ذكر من يحبه، وشغل قلبه به.

 

ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى مضجعه: "اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك؛ رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك، إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت".

 

وكان يحث أصحابة عند النوم على أن يسبح الواحد منهم ثلاثا وثلاثين، وأن يحمد الله ثلاثا وثلاثين، وأن يكبر الله أربعاً وثلاثين، فيكون مجموع ذلك مائة.

 

الموطن الثاني الذي يظهر فيه صدق الشوق إلى لقاء الله -عز وجل- عند الانتباه من النوم، فأول شيء يسبق إلى قلب العبد المشتاق إلى لقاء الله ذكر محبوبه -عز وجل-، فيقول عند انتباهه من نومه: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".

 

والموطن الثالث الذي يظهر فيه صدق الشوق إلى لقاء الله -عز وجل-: عند دخوله في الصلاة فرضها ونفلها، فإنها محك الأحوال جميعا، وميزان الإيمان، في الصلاة يوزن إيمان الرجل ويتحقق حاله ومقامه ومقدار قربه من الله، ونصيبه منه.

 

إن الصلاة -أيها الإخوة المسلمون- محل المناجاة والقربة، لا واسطة فيها بين العبد وبين ربه ومولاه المشتاق إلى لقائه، لا شيء أقر لعين المحب المشتاق ولا ألذ لقلبه ولا أنعم لعيشه من الصلاة إذا كان صادقا في محبته وشوقه لربه -عز وجل-؛ لأنه لا شيء آثر عند المحب ولا أطيب له من خلوته بمحبوبه ومناجاته له، وكأن العبد المسلم المحب لربه المشتاق إلى لقائه كأن هذا العبد في هذه الدنيا في سجن وضيق وهمّ وغمّ حتى تحضر الصلاة فيجد قلبه قد انشرح واستراح.

 

ولهذا كان إمام العابدين وسيد المحبين والمشتاقين لربهم، كان يقول لبلال: "يا بلال، أرحنا بالصلاة"، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت قرة عيني في الصلاة".

 

وبالجملة -أيها الإخوة المسلمون-: لا يزن العبد إيمانه ومحبته لله بمثل ميزان الصلاة؛ فإنها الميزان العادل الذي وزنه غير مائل، والله المستعان.

 

تأمل أيها المسلم حالك مع هذه الصلاة المكتوبة والمسنونة، تأمل حالك، هل تجد شوقا لها؟ هل تجد انشراحا في صدرك وأنت تؤديها؟ هل تجد حرصا على إقامتها؟ هل تتوجه مباشرة لإجابة الله -عز وجل- يوم يدعوك المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح! وتترك كل ما في يدك من أشغال وأعمال استجابة لنداء موالاك؛ لعلمك أن الصلاة مستراح قلبك، وراحة فؤادك، وطمأنينة صدرك؟.

 

هل تجد هذا أيها المسلم أم تجد عكسه وخلافه؟ إن أردت أن تزن إيمانك وصدق محبتك وشوقك إلى لقاء مولاك فاسأل نفسك عن حالك مع هذه الصلاة.

 

ويا سبحان الله! كيف يقصر المقصرون وكيف يفرط المفرطون -وهم كثر في هذا الزمن - في أداء هذه الصلاة المكتوبة؟ كيف لا يشهدونها مع جماعة المسلمين؟ كيف يحرمون أنفسهم من خيرات عظيمة؟!.

 

كيف يحرمون أنفسهم من لذة المناجاة ولذة القرب والتضرع بين يدي الله -عز وجل- وهم يعيشون نعم الله عليهم من أمن في بيوتهم، وصحة في أبدانهم، وسعة رزق، والمساجد لا تبعد عنهم، بل تحيط ببيوتهم ومنازلهم من جميع الأماكن والجهات، ومع ذلك تشكو مساجد المسلمين من ضعف المسلمين في المحافظة على هذه الصلاة!.

 

ثم أمر محزن آخر: تساهل الآباء الذين يحضرون للصلاة في دعوة أبنائهم وحثهم على الصلاة وأدائها.

 

أيها الإخوة المسلمون: والله إنه لَأمر محزن تتفطر منه القلوب وتتفتت منه الأكباد أن تحيط بمساجدنا بيوت معمورة بالرجال والشباب لا تنقصهم الصحة في أبدانهم ولا العافية في أجسادهم ومع ذلك لا نشاهدهم في جماعة المسلمين! لا نشاهد حضورهم للصلاة والعياذ بالله!.

 

إن أداء الصلاة دليل عظيم على إيمان العبد وصدق محبته وشوقه للقاء ربه -عز وجل-، ثم والله إن أداء الصلاة والمحافظة عليها سبب جالب لكل خير من خيرات الدنيا والآخرة، فهل يليق بك، أيها المسلم، يا من تدعي محبة مولاك والشوق إلى لقائه أن تبخل ببضع دقائق في مناجاة خالقك تعود بعدها في أمن وعافية وصحة وانشراح صدر، وتكفير سيئات، ورفعة درجات؟.

 

أسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه أن يوقظنا جميعا من رقدتنا ومن غفلتنا، وأن يمن علينا جميعا بالحرص والمواظبة على أداء الصلوات المكتوبة.

 

والموطن الرابع الذي به يظهر صدق العبد في محبته وشوقه لربه -عز وجل- عند الشدائد والأهوال، فإن قلب العبد المحب المشتاق لربه لا يذكر يوم تنزل الشدائد به والأهوال إلا أحب الأشياء إليه، ولا يهرب مما هو فيه من ضيق وشدة إلا إلى محبوبه ومولاه -عز وجل- فيجد في مناجاته وسؤاله رفع البلاء، يجد في ذلك الأنس والسرور والعافية.

 

جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بنتا له تقضي، فاحتضنها فوضعها بين ثدييه، فماتت وهي بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! قالت: ألست أراك تبكي يا رسول الله؟ قال: "لست أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إنّ نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل".

 

فكيف بما دون خروج الروح وحالة النزع والاحتضار؟ إن المسلم على كل مصيبة تصيبه وكل ألم ينزل به وكل مرض يمسه وكل شدة تحيط به يحمد ربه -عز وجل-، ويفزع إلى مولاه، إن من كان مشغولا بالله وذكره ومحبته في حال حياته وجد ذلك أحوج ما هو إليه عند خروج روحه إلى الله.

 

وأما العبد الذي يشق عليه ذكر مولاه -عز وجل-، وأعظم الساعات والدقائق وأشقها عليه تلك التي يذكر فيها ربه -عز وجل-، فقد يُخاف -عياذا بالله- عند خروج روحه ألّا يتيسر له ذكر مولاه في تلك الساعة الرهيبة.

 

إن من كان مشغولا بالله وذكره ومحبته في حال حياته وجد ذلك أحوج ما هو إليه عند خروج روحه إلى الله، ويقدم على الله تعالى قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مولاه الذي تحمل مشاق الأعمال طمعا في لقائه، فلا يخفى ما يلقاه المحب الصادق في محبته المشتاق إلى لقاء ربه من الفرح والسرور بمجرد القدوم، فضلا عما يستحقه من لطائف الإكرام وبدائع الإنعام.

 

ومن ثمار المحبة -أيها الإخوة في الله- التسلي عند المصائب، فإن المحب يجد في لذة المحبة ما ينسيه المصائب ولا يجد مِن مسها ما يجده غير المحب، فإذا سلم له محبوبه -عز وجل- لن يبالي بما فاته، فلا يجزع على ما ناله؛ لأنه يرى في محبوبه عوضا عن كل شيء، ولا يرى في شيء -مهما عظم- غير مولاه عوضا عن مولاه!.

 

فكل مصيبة عنده هينة إذا بقي له محبوبه ومولاه، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لما آذاه أهل الطائف ورموه بالحجارة حتى سال الدم من عقبه الشريف، كان يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي".

 

لو لم يكن -أيها الإخوة في الله- في المحبة من الفوائد إلا هذه الفائدة وحدها لكفى بها شرفا؛ لأن المصائب ملازمة للعبد في هذه الدنيا لا محيد له عنها، ولا يمكن دفعها بمثل محبة الله -عز وجل- والشوق إلى لقائه.

 

وهكذا مصائب الموت وما بعده، وهي من أعظم ما يصيب الإنسان، إنما تسهل وتهون بالمحبة، وكذلك مصائب القيامة.

 

وأعظم المصائب مصيبة النار، ولا يدفعها إلا محبة الله وحده، ومتابعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولهذا جاء في الحديث: "عينان لا تمسهما النار: عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله".

 

ومن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"؛ فاضت عيناه لما تذكر محبوبه وخالقه -عز وجل-، فاضت عيناه خوفا وإجلالا، فاضت عيناه رهبة ومحبة، فاضت عيناه يوم يذكر مولاه طمعا وشوقا لمولاه -سبحانه وتعالى-.

 

فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من أهل محبته وولايته، وأن يؤهلنا لنيل شرف محبته، إنه هو البر الرحيم الحليم الكريم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31].

 

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله المحمود بكل زمان، والمعبود في كل مكان، والمذكور بكل لسان، لا يشغله شأن عن شان.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومَن شذّ عنهم شذّ في النار.

 

أيها الإخوة في الله: من ثمار المحبة -جعلنا الله عز وجل من أهلها- ذلك النعيم والسرور القلبي الذي يجده المحب لربه في دنياه قبل أُخراه، وذلك لأن نعيم الدنيا جزء من نعيم الآخرة؛ بل نعيم الدنيا وجنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة الروح وغذاؤها ودواؤها في محبة الله -عز وجل-، ولا شيء البتة يشبهه من نعيم الدنيا.

 

إن المحب -أيها الإخوة في الله- لا يفارقه السرور، يجد حلاوة في قلبه فوق كل حلاوة، ويحصل له نعيم أتم من كل نعيم، وتناله لذة أعلى من كل لذة.

 

كان بعض السلف يقول: والله لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف!.

 

وقال آخر: إنه لَيمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا؛ إنهم لفي عيش طيب!.

 

وقال بعض المحبين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها. قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عن ما سواه.

 

قال بعض السلف: إن حبه -عز وجل- شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره، فليس لهم في الدنيا مع حبه -عز وجل- لذة تداني محبته، ولا يأملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر من النظر إلى وجه محبوبهم عز وجل.

 

هذا النعيم الذين يجده المحبون لربهم -عز وجل- لا يشترى بالمال، ولا يحصل عليه بالجاه والسلطان، وإنما يحصل بطاعة الله -عز وجل- وتقواه ومراقبته.

 

ويكفي -أيها الإخوة في الله- في فضل هذه اللذة التي يجدها المحب لربه في قلبه أنها تخرج من القلب ألم الحسرة على ما يفوت من هذه الدنيا ومباهجها ونعيمها الزائل.

 

وهذا السرور الذي يجده المحب لربه -عز وجل- يبعث على دوام السير إلى الله -عز وجل-، وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته -سبحانه-، ومَن لم يجد في نفسه هذا السرور وهذه اللذة بمحبة خالقه، وهذا الجد والاجتهاد في طلب مرضاة مولاه، من لم يجد شيئا منه فلْيتَّهِم إيمانه وأعماله؛ فإن للإيمان حلاوة، من لم يذقها فليراجع وليقتبس نورا يجد به حلاوة الإيمان.

 

إن للإيمان حلاوة لا ينكرها إلا جاحد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا".

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: مَن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا فاتَّهِمْهُ".

 

نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، نسأله -سبحانه- أن يجعلنا من أهل محبته، وأهل ولايته وطاعته، إن ربي رحيم ودود.

 

هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً".

 

اللهم صل وسلم وبارك...

 

 

 

 

 

المرفقات

محبة الله تعالى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات