ثبات واستبشار بوقف إطلاق النار

الشيخ د محمد أحمد حسين

2025-01-17 - 1446/07/17 2025-01-19 - 1446/07/19
عناصر الخطبة
1/ثبات المرابطين في فلسطين ابتغاء رضا الله 2/الفرحة بوقف إطلاق النار 3/دروس وعبر من ثبات أهل غزة هاشم 4/الوصية بفكاك الأسير 5/الحث على توحيد شعب فلسطين ورعاية الأقصى

اقتباس

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: الشدائد مهما عظمت تزول، والخير مهما قل يكتبه الله في صحائف المؤمنين، في صحائف المخلِصينَ، في صحائف الثابتينَ، في صحائف المرابطينَ، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضِعْف، إلى أضعاف كثيرة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، وعد المؤمنين بنصره، وتوعَّد الكافرينَ والمنافقينَ والظالمينَ بخزيه وقهره، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا، محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين.

 

والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والساجدين الراكعين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل بقعة من ديار المسلمين.

 

وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: يخاطب الله -سبحانه وتعالى- المرابطين المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200]، ويقول جل من قائل: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 46].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: أبناء شعبنا الصابر المرابط، الثابت في هذه الديار المبارَكة، التي باركها الله، وبارك حولها، وجعلها نقطة الانطلاق من الأرض إلى السماوات العلا، بمعراج نبينا -عليه الصلاة والسلام-، من أرض المسجد الأقصى المبارَك الذي أسري به إليه، من المسجد الحرام، إنها لحظات فارقة، في حياة أبناء شعبنا لا بل أمتنا جمعاء، وقف النار، وقف هذه الحرب الإجرامية، التي شنت على شعبنا الصابر المرابط، جاء بعد سنة وما يربو أو يقترب من أربعة أشهر بعدها، وقد شيعنا إلى العلا والمعالي آلاف الشهداء، من الأطفال، والنساء، والشيوخ، والرجال، لقد شيعناهم جميعًا وهم أبناء المرابطين، وأحفاد الصالحين، الذين أخذوا هذه الديار أمانة في أعناقهم، عن سلفنا الصالح، فأبى هذا الشعب الصابر المرابط إلا أن ينهض بالأمانة على وجهها الأكمل، فتمسك بدياره، وتشبث بأرضه، رغم كل الصعوبات ورغم كل المحن، ورغم كل البلاء، ورغم كل النار والنيران، التي صبت عليه ظلمًا وعدوانًا.

 

نعم، أيها المؤمنون، نعم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: صمد وثبت ورابط، أبناء غزَّة هاشم، بكل إباء، وبكل صبر وثبات، متحدين كل صنوف البلاء واللأواء، إلى أن قضى الله أمرًا كان مفعولًا، ونسأله -تعالى- أن يرحم شهداءنا الأبرار جميعًا، وأن يسكنهم الفردوس الأعلى من جنانه، وأن يلهم ذويهم وشعبنا كله هو أهل الشهداء، وهو أهل الجرحى، وهو أهل الأسرى.

 

نسأله -تعالى- أن يمن على شعبنا الصابر المرابط بالعزيمة والثبات والرباط، حتى تنقشع الغمة، وحتى يتم لهذا الشعب ما يريده، من عزة وحرية وإباء واستقلال.

 

نعم أيها المسلمون، في المسجد الأقصى المبارَك وفي كل أنحاء المعمورة: ربما تعرض شعبنا، بل بالتأكيد تعرض لأبشع ما يمكن من المصائب والبلاء في القرن الحادي والعشرين، في القرن الذي يزعم العالَم أنَّه مع الإنسان، ومع حقوق الإنسان، ومع حرية الشعوب، ومع استقلالها، ومع احترام آدميتها، إلى غير ذلك من هذه المصطلحات التي ثبت عوارها، وثبت زيفها، وثبت أنَّها لمجرد التمويه، بل لذر الرماد في عيون الشعوب، في هذا العالم.

 

ولكنَّ الله بفضله، وبفضل الله وحدَه فَلَكَ يا ربَّنا الشكرُ، ولكَ الحمدُ، أن ثبَّتَّنا في هذه الديار المبارَكة، وجعلتَ شعبَنا الصابرَ المرابطَ أهلًا لحمل الأمانة، وجديرًا بأداء الرسالة، على وجهها الأكمل، رغم كل الجراحات، ورغم كل الابتلاءات، ورغم كل الحشد الذي اجتمع عليه، من أقطار هذه الدنيا.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ونحن نترحم على الشهداء جميعًا، وندعو الله الشفاء العاجل لكل جرحانا ومرضانا، وأن يضمد جراحهم، وأن يأخذ بأيديهم إلى الخير والحق، ونحن من علياء منبر المسجد الأقصى المبارَك، نتطلع لفئة أخرى عزيزة على نفوسنا وقلوبنا جميعًا؛ إنها لا تقل في تضحياتها وفي عطائها وفي صبرها وثباتها، عن أحيائنا الذين شيعنا الكثير منهم شهداء الواجب، شهداء الحق، شهداء لله -تعالى-؛ إنهم أيها المسلمون أسرانا البواسل، الذين لا ننساهم أبدًا، ونتطلع إلى لحظة حريتهم بكل شوق، وبكل رغبة، وبكل إباء كإبائهم، أسرانا البواسل الذين ضحوا بحريتهم في هذه الحياة، زهرات شبابهم قضوها في السجون والمعتقلات، وهم يتطلعون إلى غاية كبرى، ومهمة سامية، إنها الحرية لهم، ولأبناء شعبهم، ولأرضهم، ولمقدساتهم، فنرجو الله -تعالى- أن يكون اللقاء بكم قريبًا أيها الأسرى العظماء، أيها الأسرى الكرماء، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ، وأكناف بَيْت الْمَقدسِ، يا أبناء المرابطين، والصابرين، والقابضين على الجمر من أجل الحرية والكرامة والعزة، نعم، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[الْمُنَافِقُونَ: 8].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: الشدائد مهما عظمت تزول، والخير مهما قل يكتبه الله في صحائف المؤمنين، في صحائف المخلِصينَ، في صحائف الثابتينَ، في صحائف المرابطينَ، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضِعْف، إلى أضعاف كثيرة.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لقد أوصى رسولنا الأكرم وحبينا الأعظم بالأسرى، فقال لنا وللأمة: "فُكُّوا العانيَ"، والعاني أي الأسير، "وأطعِمُوا الجائعَ، وعُودُوا المريضَ"، فالعاني موجود وهو بحاجة إلى فكاك أسره، والجوعى ما أكثرهم، وبخاصة في غزَّة هاشم، إنهم بين القتل، وبين الحصار، وبين الجوع، وبين المرض، فهم بحاجة لمن يطعم جائعهم، ولمن يعالج مريضهم، ولمن يقف بجانبهم، في هذه الظروف العصيبة، ولعله بفضل الله -تعالى- وكرمه أن يهيئ لنا ولهم بإذنه -تعالى- كل مقومات الصمود والثبات والرباط، في هذه الأرض المبارَكة.

 

نعم، استُهدفوا في غزَّة، واستهدفوا في القطاع بأسره، ليهجروا ويهاجروا من تلك الديار المبارَكة، فأبوا إلا الرباط والثبات إلى أن قضى الله أمرًا.

 

نعم أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ونحن في انتظار الفرج -بإذن الله-تعالى- عن كل أبناء شعبنا، وعن جميع أسرانا، لنوقن حق اليقين بأن الله -سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير؛ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40].

 

جاء في الحديث الشريف، عن رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها" أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، لا نبي بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم؛ حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا وحبيبَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ونحن في شهر رجب الخير، شهر الإسراء والمعراج: نقول لكم: إن المسرى لنبينا -عليه الصلاة والسلام-، وإن المعراج به من هذه الديار يتطلب منا أن نقوم بواجب الرعاية، والحراسة، والعبادة، وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك؛ ليبقى عامرًا بالإسلام والمسلمين إلى أن يرث الله الأرض وما عليها؛ لأن المسجد الأقصى وهذه الديار هي جزء من عقيدتنا، وجزء من عقيدة كل مسلم في هذا العالم، فلنحرص على هذه الأمانة.

 

ونقول لكم يا أبناء الشعب الفلسطيني الصابر المرابط: عليكم جميعًا أن تكونوا وحدةً واحدةً؛ لأن هذه الديار المبارَكة، هذه الأرض المقدَّسة، التي ضحى الآلاف من مئات الألوف، من أبناء أمتنا الإسلاميَّة في سبيل أن تبقى حرة عزيزة كريمة، وأن تبقى عامرة بالإسلام والمسلمين، منذ الإسراء والمعراج بنبينا -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فتمثلوا يا أبناء فلسطين قول الحكيم العربيّ:

كونوا جميعًا بني قومي إذا طرا *** خطب ولا تتفرقوا آحادَا

تأبى الرماح إذا اجتمعنَ تكثُّرًا *** وإذا انفردن تكثرت أفرادَا

 

ورسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، فعلينا أيها المسلمون، يا أبناء هذه الديار المبارَكة، حتى نكون جديرين بأن نكون حراسَ وسدنةَ مسجدها ومقدساتها وحُرَّاس أرضها، أن نكون وحدة واحدة، وأن نكون صفًّا واحدًا، وأن نقتدي بهدي حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي قال لنا: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".

 

فيا أيها المؤمنون في هذه الديار المبارَكة، يا أهل الشهداء، ويا أهل الأسرى، ويا أهل الجرحى، ويا أهل الرباط والثبات: كونوا كما أمر الله -تعالى-: (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200].

 

اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويجمع كلمتنا، ويقودنا إلى الحق وعلى الحق، وإلى صراط مستقيم، اللهمَّ ارحم شهداءنا، واغفر لأحيائنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.

 

وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ: أقمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

ثبات واستبشار بوقف إطلاق النار.doc

ثبات واستبشار بوقف إطلاق النار.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات