تيار الشذوذ.. وموقف المسلم منه

مركز حصين للدراسات والبحوث

2023-06-09 - 1444/11/20 2023-06-12 - 1444/11/23
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/فطرية التمييز بين الذكر والأنثى 2/ تحريم التشبه بالجنس الآخر 3/أغراض دعاة الشذوذ وأهدافهم الخبيثة 4/مفاسد الشذوذ وعواقبه 5/أساليب دعاة الشذوذ في نشر الرذيلة 6/واجبنا تجاه جريمة الشذوذ

اقتباس

دُعَاةَ الشُّذُوذِ وَالرَّذِيلَةِ قَد حَشَدُوا لِأَجلِ تَنفِيذِ مُخَطَّطِهِمُ الخَبِيثِ كُلَّ مَا يُمَكِنُ مِن الوَسَائِلِ، فَسَنُّوا لِرَذِيلَتِهِم هَذِهِ القَوَانِينَ وَالأَنظِمَةَ، وَجَرَّمُوا مَنْ يُعَارِضُهَا، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِن حِفظِ الحُرّيَّاتِ وَحُقُوقِ الإِنسَانِ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَومِ الدِّينِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجوَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ كُلَّهُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُمْ ‌مِنْ ‌ذَكَرٍ ‌وَأُنثَى)، وَجَعَلَهُم كَأَبَوَيهِم عَلَى جِنسَينِ: ذَكَرٍ وَأُنثَى، قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوجَينِ ‌الذَّكَرَ ‌وَالأُنثَى)، وَمَيّزَ كُلَّ جِنسٍ مِنهُمَا بِخَصَائِصَ وَصِفَاتٍ تُمَيّزُهُ عَن الجِنسِ الآخَرِ، (‌وَلَيسَ ‌الذَّكَرُ كَالأُنثَى)، وَذَلِكَ لِيَقَومَ كُلٌّ مِنهُمَا بِدَورِهِ المَنُوطِ بِهِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ، وَليُكَمِّلَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فِيمَا يَحتَاجُ إِلَيهِ، وَلِيَتَكَاثَرَ البَشَرُ وَيَتَنَاسَلُوا، وَيَخلُفَ بَعضُهُم بَعضًا فِي عِمَارَةِ الأَرضِ.

 

وَقَد فَطَرَ اللَّهُ الإِنسَانَ مُنذُ أَن خَلَقَهُ عَلَى التَّميِيزِ بَينَ الذَّكَرِ وَالأُنثَى، وَمَعرِفَةِ الفَرقِ بَينَهُمَا فِي الطَّبَائِعِ وَالقُوَى، (‌فِطرَتَ ‌اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ).

 

عِبادَ اللهِ: إِنَّ تَحدِيدَ جِنسِ الإِنسَانِ إِنَّمَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ فِي بَطنِ أُمِّهِ، فَفِي الصَّحِيحَينِ أَنّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَن يَقضِيَ خَلقَهَا قَالَ: أَيْ رَبِّ ذَكَرٌ أَمْ أُنثَى؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطنِ أُمِّهِ”.

 

وَلَمَّا كَانَتِ الحَيَاةُ لَا تَستَقِيمُ إِلَّا بِوُجُودِ الجِنسَينِ، وَتَمَيُّزِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمَا عَنِ الآخَرِ، جَاءَت الشَّرِيعَةُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى هَذَا التَّمَايُزِ، فَحَرّمَت تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَتَشَبُّهِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: “لَعَنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ”.

 

بَل حَرّمَت الشَّرِيعَةُ عَلَى الرَّجُلِ أَن يَلبِسَ الحَرِيرَ وَالذَّهَبَ؛ لِأَنَّهُمَا مِن لِبَاسِ النِّسَاءِ اللَّائِقَةِ بِطَبِيعَتِهِنَّ القَائِمَةِ عَلَى النُّعُومَةِ وَالزِّينَةِ وَالدَّلَالِ.

 

كُلُّ ذَلِكَ لِتَستَقِيمَ سُنّةُ اللَّهِ وَحِكمَتُهُ فِي خَلقِهِ، وَيَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ لِكُلٍّ مِن الجِنسَينِ الرَّاحَةُ وَالطُّمَأنِينَةُ، وَاستِقرَارُ العُقُولِ وَالنُّفُوسِ وَالأَبدَانِ.

 

أَيُّهَا الإِخوَةُ فِي اللَّهِ: لَقَدِ اتَّفَقَ أَصحَابُ الأَديَانِ وَالشَّرَائِعِ مِنْ آدَمَ -عَلَيهِ السَّلَامُ- إِلَى يَومِنَا عَلَى أَنَّ الإِنسَانَ ذَكَرٌ أَو أُنثَى، وَعَلَى ذَلِكَ سَارَتِ البَشَرِيَّةُ مُنذُ فَجرِ الخَلِيقَةِ، إِلَّا لَدَى شِرذِمَةٍ قَلِيلِينَ، بَلَغُوا مِن الوَقَاحَةِ وَالسَّفَاهَةِ وَالدَّنَاءَةِ مَا لَم يَبلُغْهُ إِنسَانٌ وَلَا حَيَوَانٌ.

 

وَلَقَد كَانَ مِن مَقَاصِدِ إِبلِيسَ فِي إِفسَادِ البَشَرِيَّةِ، وَاقتِيَادِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ -عَلَيهِ السَّلَامُ- إِلَى جَهَنَّمَ، دَعوَتُهُم إِلَى تَغيِيرِ خَلقِ اللَّهِ وَتَبدِيلِ فِطرَتِهِ، فَهُوَ القَائِلُ كَمَا أَخبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنعَامِ وَلَآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ).

 

وَعَلَى سَبِيلِ إِبلِيسَ سَارَ حُثَالَةُ أَتبَاعِهِ، فَدَعَوا إِلَى تَبدِيلِ الفِطرَةِ، بِفَتحِ بَابِ تَحوِيلِ الذّكَرِ جِنسَهُ إِلَى أُنثَى، أَو الأُنثَى جِنسَهَا إِلَى ذَكَرٍ، وَأَن يَتَزَوَّجَ الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى، وَأَن يَسِيرَ كُلٌّ فَردٍ خَلفَ مَا يُملِيهِ عَلَيهِ مَرَضُ قَلبِهِ مِن مُيُولٍ شَهوَانِيَّةٍ، فَهَذَا يَمِيلُ إِلَى نَوعٍ، وَذَاكَ إِلَى نَوعَينِ، وَهَكَذَا حَتَّى أَخرَجُوا أَكثَرَ مِن ثَـمَانِين جِنسًا، وَعَبّرُوا عَن هَذِهِ الفَوضَى اللَّادِينِيَّةِ وَاللَّا أَخلَاقِيَّةَ بِشِعَارٍ جَذّابٍ، يَحمِلُ رَمزِيَّةَ تَعَدُّدِ الأَلوَانِ!

 

وَأَحدَثُوا فَرقًا بَينَ جِنسِ الإِنسَانِ الَّذِي يُولَدُ عَلَيهِ، وَالجِنسِ الِاجتِمَاعِيِّ الَّذِي يُسَمُّونَهُ (الجَندَرَ)، وَهُوَ مَا يَختَارُهُ الإِنسَانُ لِنَفسِهِ مِن الأَجنَاسِ بَعدَ ذَلِكَ، فَالذَّكرُ عِندَهُم هُوَ مَن يَحلُو لَهُ أَن يَكُونَ كَذَلِكَ، وَالمَرأَةُ هِيَ مَن يَحلُو لَهَا أَن تَكُونَ امرَأَةً، وَلَيسَ لِمَا خُلَقَ عَلَيهِ الإِنسَانُ عَلَاقَةٌ بِهَذَا الجِنسِ الجَدِيدِ.

 

فَهُم بِهَذَا يُطَبِّقُونَ مُرَادَ الشَّيطَانِ مِن تَغيِيرِ خَلقِ اللَّهِ، مَعَ مَا لَهُم مِن أَغرَاضٍ أُخرَى، مِثلَ التَّكَسُّبِ المَالِيّ مِن هَذِهِ الدّعَوَاتِ، وَمَا تَجنِيهِ شَرِكَاتُ الأَدوِيَةِ وَتَبدِيلِ الجِنسِ مِن عَوَائِدَ.

 

وَمِن أَغرَاضِهِم أَيضًا: مَا يُرِيدُونَهُ مِن إِيقَافِ تَكَاثُرِ البَشَرِيَّةِ، لِزَعمِهِم قُصُورَ المَوَارِدِ عَن الوَفَاءِ بِحَاجَاتِ النَّاسِ.

 

وَمِن أَغرَاضِهِم: تَدمِيرُ نِظَامِ الأُسرَةِ الَّذِي يَجعَلُ الأَطفَالَ تَحتَ رِعَايَةِ وَالدَينِ، يُرَبِّيَانِ وَيُعَلِّمَانِ وَيَغرِسَانِ القِيَمَ، فِي حِينِ أَنّ شَيَاطِينَ الإِنسِ يُرِيدُونَ أَن يَتَوَلّوا تَنشِئَةَ الأَطفَالِ عَلَى إِعلَامِهِم وَتَعلِيمِهِمُ الـمُفسِد، بَعِيدًا عَن رِقَابَةِ الأَبِ وَوَعيِهِ.

 

وَمِن أَغرَاضِهِم: تَسهِيلُ الوُصُولِ الجِنسِيِّ إِلَى الأَطفَالِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِن سِيَرِ قَادَتِهِم وَزُعَمَائِهِم، وَقَد ظَهَرَت بَوَادِرُ تَسوِيغِ ذَلِكَ فِي عَدَدٍ مِن دُوَلِ الغَربِ -قَبّحَهُم اللَّهُ وَأَخزَاهُم وَرَدّ كَيدَهُم فِي نُحُورِهِم-.

 

وَمِن أَغرَاضِهِم: هَدمُ القِيَمِ المُتّفَقِ عَلَيهَا بَينَ البَشَرِ، فَلَا تَبقَى قِيمَةٌ مُحتَرَمَةٌ لَدَيهِم، وَلَا خَلُقٌ مُتّفَقٌ عَلَيهِ عِندَهُم، فَيَنفَتِحُ بَابُ الإِلحَادِ عَلَى مِصرَاعَيهِ، وَتَنقَلِبُ البَشَرِيَّةُ إِلَى وُحُوشٍ ضَارِيَةٍ فِي غَابَةٍ يَسُودُهَا قَانُونُ: البَقَاءِ لِلأَقوَى.

 

إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِن الأَغرَاضِ الدَّنِيئَةِ، وَالأَهدَافِ الخَبِيثَةِ، لَا بَلّغَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا.

 

عِبادَ اللهِ: لَيسَ بِخَافٍ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ سَلِيمِ الفِطرَةِ مَا هِيَ عَوَاقِبُ هَذَا الفِكرِ مِن دَمَارٍ وَهَلَاكٍ لِلبَشَرِيَّةِ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الدَّعوَةِ فَسَادَ الفِطَرِ، الَّتِي إِذَا دُمّرَتْ لَم يَبقَ لِلإِنسَانِ إِلَّا الِاضطِرَابُ النَّفسِيُّ، وَالسُّقُوطُ العَقلِيُّ، وَالِانحِرَافُ السُّلُوكِيِّ، فَلَا تَسأَلْ بَعدُ عَن الجَرَائِمِ وَالمَصَائِبِ، وَالأَمرَاضِ النَّفسِيَّةِ الـمُودِيَةِ إِلَى الدّمَارِ وَالِانتِحَارِ.

 

وَفِي هَذِهِ الدَّعوَةِ: انتِشَارُ الأَمرَاضِ وَالأَوبِئَةِ المُستَعصِيَةِ، مِثلِ جُدَرِيّ القِرَدَةِ الَّذِي نَشَرُوهُ مُؤَخّرًا، وَمِثلِ الإِيدزِ الَّذِي يَنتَشِرُ فِيهِم سَبعَةَ أَضعَافِ انتِشَارِهِ فِي غَيرِهِم، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذ يَقُولُ: “لَم تَظهَرِ الفَاحِشَةُ فِي قَومٍ قَطُّ حَتَّى يُعلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوجَاعُ الَّتِي لَم تَكُن مَضَت فِي أَسلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوا”. رَوَاهُ ابنُ مَاجَه.

 

وَفِي هَذِهِ الدَّعوَةِ: نَقضُ الدِّينِ، وَسُقُوطُ العَقِيدَةِ، وَفَسَادُ الأَنسَابِ، وَهَدمُ الأُسَرِ، وَضَيَاعُ الأَولَادِ، وَهَلَاكُ الإِنسَانِ، وَدَمَارُ المُجتَمَعَاتِ، وَتَحوِيلُهَا إِلَى قُطعَانٍ مِن الكَائِنَاتِ الشَّهوَانِيَّةِ الَّتِي انتَكَسَت فِطَرُهَا، وَارتَكَسَت عُقُولُهَا وَمُيُولُهَا.

 

وَفِي هَذِهِ الدَّعوَةِ -قَبلَ هَذَا وَبَعدَهُ- غَضَبُ الرَّبّ الجَبّارِ، وَوَعِيدُهُ الشَّدِيدُ بِعَذَابٍ فِي الدُّنيَا وَعَذَابٍ فِي النَّارِ، (وَمَا قَومُ لُوطٍ مِنكُم بِبَعِيدٍ)، الَّذِينَ أَتَوا الذُّكرَانَ مِنَ العَالَمِينَ، فَأَوقَعَ اللَّهُ بِهِم نَكَالَهُ وَعَذَابَهُ، قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعنَا بِمَا فِيهِمَا مِن الآيَاتِ وَالحِكمَةِ، أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَستَغفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم فَاستَغفِرُوهُ، فَيَا فَوزَ المُستَغفِرِينَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَالَاهُ، وَبَعدُ:

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ دُعَاةَ الشُّذُوذِ وَالرَّذِيلَةِ قَد حَشَدُوا لِأَجلِ تَنفِيذِ مُخَطَّطِهِمُ الخَبِيثِ كُلَّ مَا يُمَكِنُ مِن الوَسَائِلِ، فَسَنُّوا لِرَذِيلَتِهِم هَذِهِ القَوَانِينَ وَالأَنظِمَةَ، وَجَرَّمُوا مَنْ يُعَارِضُهَا، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِن حِفظِ الحُرّيَّاتِ وَحُقُوقِ الإِنسَانِ، وَرَبَطُوهَا -كَذِبًا وَزُورًا- بِالعِلمِ وَالأَبحَاثِ، وَأَدخَلُوهَا فِي الكُتُبِ المَدرَسِيَّةِ وَالنَّشَاطَاتِ التَّعلِيمِيَّةِ، وَرَوّجُوا لَهَا فِي أَفلَامِ السِّينَمَا وَالكَرتُونِ، وَنَشَرُوهَا فِي شِعَارٍ مُلَوّنٍ كُفرِيٍّ، فَوَصَلُوا بِذَلِكَ إِلَى كُلِّ بَلَدٍ، بَل إِلَى كُلِّ بَيتٍ، حَتّى لَم يَكَد أَحَدٌ يَأمَنُ عَلَى نَفسِهِ وَأُسرَتِهِ مِن هَذِهِ اللَّوثَةِ الخَطِيرَةِ.

 

وَقَد نَشِطُوا مُؤَخَّرًا نَشَاطًا مَسعُورًا، وَتَحَرّكَت دُوَلٌ كَثِيرَةٌ لِتَدعَمَهُم، وَشَرِكَاتٌ كَبِيرَةٌ لِتُؤَيّدَهُم، وَمَشَاهِيرُ تَافِهُونَ عَلَى شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ لِيُرَوّجُوا لَهُم، وَإِعلَامٌ فَاسِدٌ لِيَفتَخِرَ بِهِم، حَتَّى سَمَّوا شَهرَهُم هَذَا شَهرَ الفَخرِ، تَبَجُّحًا بِالفِعلِ الرَّذِيلِ، وَوَقَاحَةً لَم يَسبِقْ لَهَا مَثِيلٌ.

 

أَلَا شَاهَتْ تِلكَ الوُجُوهُ وَقُبِّحَت، وَأُتبِعَتْ لَعنَةً مِن بَعدِ لَعنَةٍ وَنُكِّسَت، وَأُغرِقَتْ فِي حَمأَةِ رَذِيلَتِهَا وَأُركِسَت.

 

وَالوَاجِبُ عَلَيكَ أَيُّهَا المُسلِمُ أَن تَكُونَ يَقِظًا وَحَذِرًا، فَتَعلَمَ أَنَّهُم يَستَهدِفُونَ أَبنَاءَكَ وَبَنَاتِكَ لِتَنكِيسِ فِطَرِهِم، وَتَشوِيهِ عُقُولِهِم، وَوَأدِ غَيرَتِهِم، فَعَلَيكَ أَن تَنتَبِهَ إِلَى وَسَائِلِهِم وَرَسَائِلِهِم، وَتُحصِّنَ نَفسَكَ وَأَهلَكَ وَأَولَادَكَ مِن كَيدِهِم وَمَكرِهِم، وَتُحَذِّرَهُم مِن الِانسِيَاقِ خَلفَ شِعَارَاتِهِم وَدَعَوَاتِهِم، أَو التَّطبِيعِ مَعَ رَذَالَتِهِم وَخَبَاثَتِهِم، فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ استِحلَالَ مَا حَرّمَ اللَّهُ، وَالخُرُوجَ المُطلَقَ عَن شَرعِ اللَّهِ، وَتِلكَ رِدّةٌ عَن الإِسلَامِ -أَجَارَنَا اللَّهُ-.

 

وَاعلَمُوا أَنَّ عَدُوَّكُم مَهمَا بَلَغَ مِنَ القُوَّةِ وَالعُدَّةِ فَأَنتُمُ الأَقوَى بِإِيمَانِكُم، وَقَادِرُونَ بِتَعَاوُنِكُم وَتَآزُرِكُم وَتَنَاصُحِكُم عَلَى دَفعِ تِلكَ السُّمُومِ، وَكَسرِ تِلكَ الأَموَاجِ:(‌وَلَا ‌تَهِنُوا وَلَا تَحزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ).

 

ثُمّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ.

 

اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِكُلِّ مَنْ يَسعَى لِإِفسَادِ فِطَرِ المُسلِمِينَ، اللَّهُمَّ دَمِّرهُمْ تَدمِيرًا، وَمَزِّقهُمْ تَمزِيقًا، اللَّهُمَّ أَحصِهِمْ عَدَدًا، وَاقتُلهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُغَادِرْ مِنهُم أَحَدًا، اللَّهُمَّ لَا تَرفَع لَهُم رَايَةً، وَلَا تُبقِ لَهُم غَايَةً، وَاجعَلهُمْ لِمَنْ خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَدرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِهِم، اللَّهُمّ أَدِر دَائِرَةَ السَّوءِ عَلَيهِمْ، وَاقتُلهُم بِسِلَاحِهِم، وَاكفِنَاهُم بِمَا شِئتَ يَا عَزِيزُ يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ. اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ، وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ، الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ. اللَّهُمَّ وَفّقْ وَلِيّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عِبادَ اللهِ: اُذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

تيار الشذوذ.. وموقف المسلم منه.doc

تيار الشذوذ.. وموقف المسلم منه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات