عبدالله فدعق
الأصل في خطبة الجمعة مراعاتها لظروف المكان والزمان، وحال الجمهور المستهدف ومآلهم، وللأسف نجد أن بعض هذه الخطب قد شطت كثيراً عن هذا الإطار، فأصبح من المناسب حقا التفكير في موضوع (توحيد خطبة الجمعة)، بحيث لا يكون ثمة مجال لاجتهادات الذين يعتلون منابر مساجد المسلمين، ويؤمون فيها المؤمنين، من دون وعي أو إدراك، وهو ما أوقع المجتمعات المسلمة في مشكلات ظاهرة مع الفهم الصائب والممارسة الحقة للشرع والدين. بلا شك أن هناك ثمة متطلبات أساسية لإنجاح مثل هذا الموضوع الحيوي الهام، وعندما زرت مؤخراً الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة، وجدت أن الإخوة الأشقاء في الهيئة قد نجحوا نجاحا باهراً في موضوع توحيد خطبة الجمعة، حتى صارت الخطبة استثماراً تنموياً، وعملاً رياديا. إن فكرة (الخطبة الموحدة) قد تلقى شيئاً من الرفض في أول الأمر، لأسباب كثيرة، من أهمها التشكيك في نوايا المطالبين بها ـ وهو أمر متوقع ـ ولكني أنبه إلى أن الخطبة الموحدة المطلوبة، ليست مطلوبة لذاتها، فالمقصود هو فحوى موضوع الخطبة ذاتها، حتى نضمن بأمر الله تعالى نهضة موحدة، وتنمية شاملة للناس جميعا. إن مقومات نجاح الممارسة العملية لتوحيد خطبة الجمعة ـ كما شاهدتها ـ جعلت من موضوع توحيد الخطبة مثالا قد يُحتذى، بسبب اعتمادها على رصد حاجات الناس، وحسن الاستفادة والمراعاة للمناسبات الدينية والدنيوية بشقيها المحلي أو العالمي، وذلك وفق معايير كثيرة، أهمها توجيه المستمعين إلى حسن التعايش مع بعضهم البعض، ومع من يخالطونهم من غير المسلمين.
الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات أنشأت أيضا واحتضنت (المركز الرسمي للإفتاء)، وأستطيع أن أقول إن هذا الأنموذج لو قمنا باستنساخه وتجريبه، لما عاد لنا كبير مشكلة مع ضبط الفتاوى (الموتورة)، أو آراء المفتين (الفرادى). ففي هذا المركز يرد العلماء والعالمات العاملين والعاملات فيه ـ كل حسب تخصصه ـ على أسئلة الجمهور واستفساراتهم ـ وبأكثر من لغة حية، وذلك عبر خدمة الهاتف المجاني، أو خدمة الرسائل النصية، أو الإرسال عبر الموقع الإلكتروني، وأمام كل واحد من العلماء الأجلاء جهاز حاسوب ـ كمبيوتر ـ محمل عليه المراجع الشرعية اللازمة، وقرارات وتوصيات المجامع الفقهية، وكل إجاباتهم تدون بشكل تحريري، ومن بعد ذلك تراجع وتدقق وتصنف وتعتمد ثم تنشر، مع استثناء الإجابة عن أمور المشاكل الأسرية من نكاح وطلاق وخلع وحضانة ونفقة وتوابع ذلك، وما يتعلق بالحدود الشرعية والديات، والعقوبات والتعزير، والوصايا والهبات، والنزاعات والخصومات المالية، لأنها من اختصاص القضاء والمحاكم الشرعية، كما يستثنى أيضا الأسئلة المتعلقة بتفسيرات الأحلام، وتقييم مذاهب الفقه الإسلامي، أو الحكم على عقائد الناس، أو التعليق على فتاوى الجهات الشرعية الأخرى.
اقتصرت في هذا المقال على ذكر منتجين مباركين من جملة مخرجات ومنتجات مهمة، لعلنا نصل إلى قناعة مشتركة من أن المناداة بتطوير العمل الإسلامي حلم كل مسلم، ولتحقيقه لا بد من العمل على الأرض، وبدون العمل والتجريب سيظل التطوير حبيس الأنفاس و(الأدراج).
ذكر الحافظ علي بن الحسن بن هبة الهك الشهير بابن عساكر ـ رحمه الله ـ في كتابه (ذم من لا يعمل بعلمه) عن سيدنا علي بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ قوله: "هتف العلم بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل" وفي رواية "العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل".
المصدر: الوطن
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم