توجيهات زوجية لحياة مثالية

الشيخ صالح بن عبدالمحسن العويد

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ الأسرة لبنة المجتمع 2/ واجبات الزوج في إسعاد الأسرة 3/ واجبات الزوجة 4/ منكرات ليلة الزفاف

اقتباس

وكن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي -بإذن الله- أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية، ومشاهدة الفضائيات يقبّح جمال الزوجة عند زوجها، وينقص قدر زوجها عندها، فتتباعد القلوب، وتنقص المحبة، وتضمحل المودة، ويبدأ الشقاق، ولا أسلم من الخلاص منها..

 

 

 

 

 

 

الحمد لله خلق الخلق تفضلاً، واصطفى من عباده رسلاً بعثهم مبشرين ومنذرين؛ ليهلك مَنْ هلك عن بيِّنةٍ، ويحيى من حيي عن بينةٍ. 

أحمده سبحانه وأشكره، وأساله المزيد من فضله وكرمه، وأعوذ به من أسباب سخطه ونقمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزَّه عن الأشباه والأنداد، وتقدَّس عن الصاحبة والأولاد.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صَلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليه، أقام للتوحيد منائر وأعلاماً، وعلى آله وأصحابه مَن كانوا للمتقين إمامًا، والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ، وسلم تسليمًا كثيرا أبدًا دوامًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فمن اتقى ربه علا، ومن أعرض عنه غوى.

أيها الأحبة: الأسرة أساس المجتمع، منها تفترق الأمم وتنتشر الشعوب. نواةُ بنائها الزوجان، (ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَـاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـارَفُواْ) [الحجرات:13].

والأسرة هي المأوى الذي هيأه الله للبشر ليستقر فيه، ويسكن إليه؛ وفي الزواج معمار الكون، وسكَنُ النفس، ومتاع الحياة؛ بقيامه تنتظم الحياة، ويتحقق العفاف والإحصان؛ يجمع الله بالنكاح الأرحام المتباعدة، والأنساب المتفرقة.

وهموم الزوجين عديدة ومتشعبة، ولكن حسن العشرة وطيب المودة تبددها، (وَعَاشِرُوهُنَّ بِلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19].

وفي الأسرة عتاب وَمَوَدَّة، سَخَطٌ ورِضاً، والرجل يرفعه الأدب، ويزكيه العقل، يضع من المودة أعلاها، ومن المحبة أسماها، يعفو عن الخطأ، ويتجاوز عن الزلل.

والمرأة خلقت من ضلع أعوج، وبمداراتها والصبر على ما يكرهه منها تستقيم الأمور، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً" متفق عليه.

ومَن كرُم أصله لان قلبه، وزوجتك هي حاملة أولادك، وراعية أموالك، وحافظة أسرارك؛ اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس، وتمحو ضغائن الصدور.

والثناء على الزوجات في الملبس والمأكل والزينة جاذب لأفئدتهن، وقد أباح الإسلام الكذب مع الزوجة لزيادة المودة لها.

والهدية بين الزوجين مفتاح للقلوب، تنبئ عن محبة وسرور، والتبسط معها ونبذ الغموض والكبرياء من سيما الحياة السعيدة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي -أي في الأنس والسهولة- فإن كان في القوم كان رجلاً.

وكن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي -بإذن الله- أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية، ومشاهدة الفضائيات يقبّح جمال الزوجة عند زوجها، وينقص قدر زوجها عندها، فتتباعد القلوب، وتنقص المحبة، وتضمحل المودة، ويبدأ الشقاق، ولا أسلم من الخلاص منها.

وكن لزوجتك كما تحب أن تكون هي لك في كل ميادين الحياة، فإنها تحب منك كما تحب منها، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي.

واستمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب، وبشاشة خلق، فقد كان نساء النبي يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن.

ومن علو النفس أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً إلا برضاها، فمالها مِلْكٌ لها، وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف، ولا تبخل عليها.

وتذكَّر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شؤونها فارْعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، ولا تعُد إلى دارك كالح الوجه، عابس المحيّا، فأولادك بحاجة إلى عطفك وقربك وحديثك، فألِنْ لهم جانبك، وانشر بين يديهم أبوتك، ودعهم يفرحون بتوجيهك وحسن إنصاتك، فقد كان النبي إذا رأى ابنته فاطمة قال لها: "مرحباً بابنتي!"، ثم يُجلسها عن يمينه أو شماله. رواه مسلم.

والحنوُّ على أهل البيت شموخ في الرجولة، يقول البراء رضي الله عنه: دخلتُ مع أبي بكر -رضي الله عنه- على أهله، فإذا ابنته عائشة مضجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها أبا بكر يقبِّلُ خَدَّها ويقول: كيف أنت يا بنية؟ رواه البخاري.

والقيام بأعباء المنزل من شيم الأوفياء، قيل لعائشة -رضي الله عنها-: ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: كان بَشراً من البشر، يفلي ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه. رواه أحمد.

والكرم بالنفقة على أهل بيتك أفضل البذل، ولا يطغى بقاؤك عند أصحابك على حقوق أولادك، فأهلك أحق بك.

ولا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرت منها، ولا تلمزها بتلك الزلات والمعايب، واخف مشاكل الزوجين عن الأبناء، ففي إظهارها تأثير على التربية واحترام الوالدين، والغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة.

وآثِر السكوت على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى.

إن حق الزوجة على الزوج عظيم، أُسرت بالعقود، وأوثِقت بالعهود.

الزوجات يكرمهن الكريم، ويعلي شأنهن العظيم، تقول عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي يكثر ذكر خديجة -رضي الله عنها-، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟! رواه البخاري.

والزوجة الحاذقة تجعل قلبها لزوجها سكناً، وتجعل في نفسها له طمأنينة، وفي حديثها معه ابتهاجاً وزينة، تصحبه بالقناعة، وطيب المعاشرة، بحسن السمع والطاعة في غير معصية.

تعترف بجميل الزوج وفضله، وتقوم بحقوقه، تؤمن بعلوِّ منزلته، وعظيم مكانته، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ الزوجة أن تسجد لزوجها".

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج، المرأة الصالحة إن رأت زوجها جنح ذكَّرَتْه بالله، وإن رأته يكدح للفانية ذكرته بالآخرة الباقية، تُعينه على نوائب الدهر، لا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً في غير معصية الله، تُعِين زوجها على بر والديه، فمِن تحت يديهما نشأ، وعلى أنظارهما ترعرع.

تطلب رضا ربها برضا زوجها، لا تتتبّع هفواته، ولا تظهر زلاته، حافظة له في الغيب والشهادة، إن حضر أكرمته، وإن غاب صانته.

لا تثقل على زوجها في النفقة، همُّها طاعة ربها برضا زوجها، وتنشئة أولادها على الصلاح والاستقامة، لا ترفع عليه صوتاً، ولا تخالف له رأيا.

بشَّر النبي خديجة -رضي الله عنها- ببيت في الجنة من قصب اللؤلؤ، لا صخب فيه ولا نصب، قال ابن كثير: لا صخب فيه ولا نصَب لأنها لم ترفع صوتها على النبي، ولم تتعبه يوماً من الدهر، فلم تسخط عليه يوماً، ولا آذته أبداً.

والعفة محور الحياة الكريمة، وزينة الزوجة قرارُها في دارها، تقول عائشة -رضي الله عنها-: إن خيراً للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يروها.

ذات الدين مطيعة لربها، ثم لزوجها، لا تتعالى عليه، ولا تتمرد على قوامته، ولا تسعى إلى منازعته، تراها ساعية في راحة زوجها، قائمة على خدمته، راغبة في رضاه، حافظة لنفسها، يدها في يد زوجها، لا تنام إذا غضب عليها زوجها حتى يرضى، كل ذلك ليقينها بأن فوزها بالجنة معلق بطاعة زوجها، مع قيامها بما فرض الله عليها.

أيها المسلمون، النعمة لا تذكر بالخطيئة، وليلة زفاف الزوجة إلى زوجها من آلاء الله العظيمة، والابتهاج بها لا يكون بنزع الحياء فيها، فيحرم على النساء الملبس المتعري ليلة النكاح، ولو بين النساء، لما فيه من الفتنة ومجانبة الستر والعفة، والمرأة مستضعفة، إن لم تؤخذ بيد وليها جنحت مع نفسها لهواها.

والغناء والمعازف في ليالي الأفراح وغيرها محرمة، وفي الضرب بالدف ليلة النكاح للنساء سنة شرعها الإسلام، وفيه غنية عن الحرام من المعازف والغناء، وقد أفتى أهل العلم بحرمة إجابة دعوة فيها منكر لا قدرة على تغييره.

وإن التبذير والمخيلة في الاحتفالات أثرةٌ على الزوج، وركضة من الشيطان، ولو جمع المالَ ما أنفقه بذخاً لبناء مسكن له، أو قضاء دينه لكان خيراً.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان:54].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

زوجية لحياة مثالية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات