تنبيه الحر بصيام الحر وأبواب الحسنات في شهر الخيرات

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الصوم
عناصر الخطبة
1/ فضل الصوم في الحر 2/ من أبواب الحسنات في شهر الخيرات 3/ تنبيهات مهمة متعلقة بالفرض والنفل 4/ فضائل القرآن في شهر الصيام 5/ أهمية الاعتكاف والتماس ليلة القدر 6/ بعض أبواب الخير في رمضان.

اقتباس

على المرء الموكل إليه عمل أو لديه وظيفة ألا يبخس عمله بحجة شدة الحر وصوم النهار، فيتأخر عن دوامه أو يخرج قبل انتهائه، أو يتقاعس في أداء عمله، ومن كان لديه عُمّال فليخفف عليهم الأعمال، ويسهل عليهم الأشغال؛ رجاء ثواب الكبير المتعال، ورحمة بهم من حرارة الشمس لاسيما عند الزوال، فالراحمون يرحمهم الرحمن. ولنأخذ -أيها الصائمون- درسًا من الحر وحرارة الشمس في وسط النهار ممن دهرهم كله صيف قائظ، فلا مكيفات ولا أجهزة كهربائية، ولا مساكن مكيفة، وآخرون أجهزتهم ضعيفة أو ليست عاملة، فلنمد يد العون والصدقة والإحسان، ونتفقد المحتاجين إلى أجهزة التكييف والتبريد كالبرادات وتفقد أحوالهم وإصلاح أجهزتهم...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله مضاعف الأجور، وجاعل الأجر على حسب التعبد مبرورًا، وأشهد أن لا إله إلا الله مقلّب الدهور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصائم في شدة الحر طلبًا للأجور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وكل تقي صالح مسرور.

 

أما بعد: أيها الصائمون: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، في هذه الأيام وافق الصيام شدة الحر وطول الأيام، فقد نصوم ست عشرة ساعة، وهذا مما يؤجر عليه الإنسان ويضاعف المولى له الإحسان، ومما يلفت الانتباه أن الباب الخاص للصائمين في جنات النعيم اسمه الريان، وفي هذا إشارة إلى أن الصوم يعتريه ظمأ وصوم في الهواجر، فجزاء الصائم الري وألا يظمأ بعده أبداً فالجزاء من جنس العمل.

 

هذا وقد صام الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحر الشديد، كما جاء ذلك في الصحيحين، عن أبي الدرداء قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد، وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله وعبدالله بن رواحة -رضي الله عنه-".

 

أيها المسلمون: العمل المحفوف بشيء من الجهد والتعب طريق إلى الجنة، فالجنة محفوفة بالمكاره كما في الصحيح وسبب للغفران، "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الله به الدرجات" قلنا بلى، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرابط فذالكم الرباط".

 

وقد قال -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: "أجرك على قدر نصبك"، فاحتسبوا الأجر من الله، واصبروا وصابروا على طاعة الله، هذا ومن كان يشق عليه الصيام ويزيد في مرضه فله الفطر والقضاء في أيام أخر؛ لقوله سبحانه (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

 

ولا بأس بالوقاية من الحر الشديد واستعمال أدوات التبريد والتكييف ووسائل الراحة والتخفيف، ولا ينقص الأجر من الكريم اللطيف.

 

وكذا لا بأس بالاغتسال والسباحة حال الصيام تبردًا وإجمامًا؛ إذا كان يغلب عليه ألا يصل الماء إلى جوفه قال أحمد : "لا بأس أن يبل ثيابه يتبرد به ويصب عليه الماء".

 

وقال البخاري "باب اغتسال الصائم"، على المرء الموكل إليه عمل أو لديه وظيفة ألا يبخس عمله بحجة شدة الحر وصوم النهار، فيتأخر عن دوامه أو يخرج قبل انتهائه، أو يتقاعس في أداء عمله، ومن كان لديه عُمّال فليخفف عليهم الأعمال، ويسهل عليهم الأشغال؛ رجاء ثواب الكبير المتعال، ورحمة بهم من حرارة الشمس لاسيما عند الزوال، فالراحمون يرحمهم الرحمن.

 

ولنأخذ -أيها الصائمون- درسًا من الحر وحرارة الشمس في وسط النهار ممن دهرهم كله صيف قائظ، فلا مكيفات ولا أجهزة كهربائية، ولا مساكن مكيفة، وآخرون أجهزتهم ضعيفة أو ليست عاملة، فلنمد يد العون والصدقة والإحسان، ونتفقد المحتاجين إلى أجهزة التكييف والتبريد كالبرادات وتفقد أحوالهم وإصلاح أجهزتهم.

 

ولا ننسى -أيها الصائمون- أن نحمد الله على نعمة الموارد الباردة في بيوتنا ومساجدنا من تكييف بارد وماء بارد، فالحمد لله على ذلك (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ).

 

ولا يعني -أيها المسلمون- في وقت الحر التخلي عن العبادة، وعدم القراءة والتكاسل والتساهل بل علينا الجد والاجتهاد والصبر والاحتساب.

 

ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الناس ينام بعد الفجر، ثم يجمع الظهر مع العصر وهذا منكر عظيم  وذنب وخيم، بل صلّ ثم ارجع ونم، واحذر من إخراج الصلاة عن وقتها (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].

 

وعلى الآباء تعويد صبيانهم على الصيام، ولو كان الجو حارا إذا أطاقوا ولم يؤثر على صحتهم بل يجب تشجيعهم، وجعل حوافز وجوائز لهم لينشئوا على الطاعة، ويعتادوا العبادة فرحمتهم بتعليمهم والشفقة عليهم بتأديبهم كما قالت الربيع بن مُعّوذ: "كنا نصوم ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العِهْن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".

 

هذا وليس من شرعنا البروز للشمس والوقوف فيها؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر إسرائيل لما رآه قائمًا في الشمس، فأمره بالجلوس وأن يستظل وكان قد ندر أن يقوم في الشمس فأمره أن يتم صومه.

 

ومن نصائح الأطباء عندما يصام شهر رمضان في الجو الحار: يفضل الإكثار من السوائل في الليل لتعويض ما يفقد الجسم عن طريق العرق أثناء النهار.

 

ومما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر، ولهذا كان معاذ يتأسف عند موته على ما يفوته، وكان أبو بكر يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء ووصى عمر عند موته ابنه عبدالله فقال له عليك بخصال الإيمان وسمى أولها "الصوم في شدة الحر بالصيف".

 

وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومه، فيُقال لها في ذلك؟ فتقول: "إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد"، تشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم.

 

نزل الحجاج في بعض أسفاره بماء بين مكة والمدينة فدعا بغدائه ودعا أعرابي إلى الغداء معه فقال له "دعاني من هو خير منك فأجبته"، قال "فمن هو؟" قال: "الله تعالى دعاني إلى الصيام فصمت"، قال: "في هذا الحر الشديد؟" قال: "نعم صمت ليوم أشد منه حرا"، قال "فأفطر وصم غدا" قال: "إن ضمنت لي البقاء إلى غد؟" قال: "ليس ذاك إلي" قال: "كيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه"؟!

 

وكان أبو الدرداء يقول: "صوموا يومًا شديد حره لحر يوم النشور".

والصيام في شدة الحر مذكّر بحر جهنم؛ فإن لها نفَسين؛ نفس في الصيف وذلك أشد ما تجدون من الحرارة ونفس في الشتاء من زمهريرها وسمومها، وينبغي لمن اشتد عليه الحر أن يتذكر حر الموقف فإن الشمس تدنو من رءوس العباد يوم القيامة ويزداد حرها ولمن لا يصبر على حر الشمس في الدنيا لحظة أن يتجنب من الأعمال ما يستوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا طاقة لنا على النار ولا صبر عليها ، نعوذ بك من النار.

 

قال قتادة وقد ذكر شراب أهل النار فقال: "هل لكم بهذا يدان أم لكم عليه صبر؟! طاعة الله أهون عليكم يا قوم فأطيعوا الله ورسوله".

 

نسيت لظى عند ارتكانك للهوى *** وأنت توقى حر شمس الهواجر

كأنك لم تدفن حميما ولم تكن *** له في سياق الموت يوما بحاضر

 

ولما رأى عمر قوم في جنازة وقد هربوا من الشمس إلى الظل وتوقوا الغبار فبكى ثم أنشد قائلاً:

من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي يبقى بشاشته *** فسوف يسكن يوما راغما جدثا

في ظل مقفرة غبراء مظلمة *** يطيل تحت الثرى في غمها اللبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على هديه القويم وخيره العميم وصراطه المستقيم..

 

أيها المسلمون: ونحن في شهر المزايا وأيام العطايا وقد خصَّه بارئ البرايا بالحسنات والخيرات ورفعة الدرجات فخذوا من باب التذكير أبواب الحسنات في شهر الخيرات مما يستدعي الانتباه والتخصيص لما خصه الإله فدونكم أبواب الحسنات لتقطفوا الزهور والمسرات مما هو منصوص عليه فعله في هذه اللحظات، والحصيف يراعي فقه باب الأولويات، فمن ذلك الصيام احتسابًا للأجر وإيمانًا به ودفعًا للوزر، فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.

 

فعلى المرء أن يخلص في صيامه لربه فلا بد من إشعار النفس بالتعبد المحض لله في الصيام، وأن هذا الصيام أمر من الملك العلام لا لأجل علاج وحمية أو دورة سنوية أو رياء وسمعة.

 

ومن أبواب الحسنات في شهر الخيرات صلاة القيام لقوله عليه الصلاة والسلام: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" (أخرجه الشيخان).

 

والقيام يصدق على كل من قام في ليالي رمضان قل ذلك أو كثر، ويشمل كذلك صلاة التراويح في المساجد، وصلاة المرأة والمنفرد في البيت، فعليه من فاتته مع الإمام يصليها في بيته والمرأة تصلي ما شاءت، ولها الخروج بالحشمة والعفة والستر والحياء وترك الزينة.

 

وثمة تنبيه لبعض الناس حيث يحافظ ويحرص على صلاة التراويح على حساب التساهل في صلاة العشاء وفوت بعض ركعاتها، ووالله ثم والله ثم والله المحافظة على صلاة العشاء أعظم وأجل من الحرص على التراويح فقط، ولهذا يجدر التنبيه أن بعض الناس يتخطى المساجد على حساب فوت ركعة أو ركعات من العشاء طلبًا للصلاة مع فلان وفلان، والفرض أعظم من النفل حتما وتقديما وعملا.

 

وثمة تنبيه آخر وهو أن بعض الناس تفوته صلاة القيام مع الإمام فيمضي شهره، وقد صلى شطره وربما لم يركع ركعة فاحرص على المحافظة عليها فهي من أسباب المغفرة ومن صلاها مع الإمام كتب له قيام ليلة.

 

ومن أبواب الحسنات في شهر الخيرات والعطيات: قراءة القرآن، كيف لا ورمضان أنزل فيه القرآن فاجعل شعارك كلام ربك، ولا تقتصر على ختمة واحدة، بل ارفع همتك وأشعل وقود الهمة بكثرة الختمات والتلاوة مع التدبر والمعرفة.

 

ومن أخبار المعاصرين شيخ القصيم وعلامته عمر بن سليم -عليه رحمة الله- كان له فيما نقل عنه ستون ختمة في رمضان، وهذا مأثور عن البخاري والشافعي وجملة من التابعين.

 

ولشيخنا محدث القصيم الدويش -رحمه الله- ثلاثون ختمة في رمضان، ومعظم عُبّادنا في كل ثلاث ربما في العشر الأخيرة كل يومين، ولهذا يحرصون على الجلوس في المساجد وهم ما بين قارئ وراكع وساجد.

 

ومن أبواب الحسنات في شهر الخيرات: ليلة القدر خير من ألف شهر، فهي من مميزات هذا الشهر وفيها عظيم الثواب والأجر وأنزل الله فيها سورة القدر.

 

ومن أبواب الحسنات والمبرات في أوقات الرحمات: الاعتكاف وهو المكث في العشر الأخيرة من رمضان عشرة أيام تأسيا بالمصطفى عليه السلام. ولما فيه من الانقطاع عن الذنوب والآثام وتعليق القلب بالملك العلام القدوس السلام.

 

ومن أبواب الحسنات في أوقات المسرات أمة البر والخيرات: الصدقة وكان نبي الأمة في جانب الصدقة أسرع من الريح المرسلة، فابذلوا وتصدقوا وزكوا أموالكم وأعطوا وأنفقوا مما رزقكم الله يخلف الله عليكم سواه، وراعوا الضعفاء والمعوزين والفقراء والمحتاجين والأرامل والمساكين ولا بد من ملاحظة الأقربين، فالأقربون أولى بصدقة المتصدقين. وعليكم بإعانة المتزوجين وسداد ديون المديونين.

 

 ومن الأبواب للحسنات والثواب: الدعاء فاجعل شعارك في كل لحظة رفع دعوة صادقة واغتنام لحظات الصيام وسواد الليل والناس نيام، فالسر في الدعاء في وقت الخفاء فكن من الملحين، ونادِ رب العالمين واسأله في كل حالة وحين، وقدم آداب الدعاء كالذل والخضوع والتمسكن والخشوع والوضوء والطهارة ورفع اليدين واستقبال القبلة، وتحري أوقات الإجابة وسؤال الله بأسمائه، فحري بنا ونحن في شهر الإجابة والدعاء والاستجابة أن نسأل الله كل حاجة دون إثم أو اعتداء.

أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** ولا تدري بما صنع الدعاء

سهام الليل لا تخطئ *** ولكن لها أمد وللأمد انتهاء

وقد روى الثقات عن خير الملا ***بأنه عز وجل وعلا

 في ثلث الليل الأخير ينزل *** يقول "هل من سائل فيقبل"

هل من مسيء طالب للمعذرة*** يجد كريم قابل للمغفرة

يمن بالخيرات والفضائل *** ويستر العيب ويعطي السائل

 

ومن الأبواب والخيرات والمضاعفة للحسنات: العمرة في رمضان ففي الصحيح عن ولد عدنان "فضلها كحجة"؛ شريطة ذلك أن يعتمر ولا يفرط فيما هو أوجب عليه منها كأن يترك واجبا عليه كالإمامة والوظيفة وبر بالوالد والوالدة أو يرتكب ما حرّم الله عليه أو يترك عملا موكلا إليه.

 

ومن ذلكم -تقبل الله صيامكم وقيامكم-: المجاهدة في العشر الأخيرة والمزيد من العبادة، كما كان هديه "إذا دخلت العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره" (متفق عليه).

 

ومن أبواب الحسنات: السنة عند الإفطار بأكل التمرات، والدعاء بما ثبت عن سيد البريات ومن الدعاء "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".

 

وكذا تعجيله، وكذا السحور حيث ثبت قولا وفعلا وإقرارا.

 

وختامها وخير الختام ذكرها: زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمًا للمساكين فهي من سُنة سيد المرسلين أوجبها على عباده المؤمنين.

 

يا مَنْ عرفتَ محمداً بصفاته *** وجلاله وخصاله وجمالهِ

املآ مكانَك والزمانَ مصليا *** ومسلّما دوما عليه وآله

 

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

 

اللهم كما بلغتنا شهر رمضان اجعلنا عامه هذا من أبرك الأعوام، وأيامه من أسعد الأيام، وأعنا على الصيام والقيام.. اللهم بلغنا آخره ونحن في أمن وسلام..

 

 

 

المرفقات

تنبيه الحر بصيام الحر وأبواب الحسنات في شهر الخيرات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات