تنبيه الأجيال بالخوف من محبط الأعمال

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ أهمية الثبات على الدين والمنهج القويم 2/ أحوال الثبات في الدنيا والآخرة 3/ كيف يثبت الله العبد على دينه؟ 4/ خوف الأنبياء على إيمانهم 5/ مواقف مضيئة وصور مشرقة من حياة سلف الأمة في الثبات على الإيمان والخوف من محبطاته 6/ أنواع محبطات الأعمال.

اقتباس

إن الثبات على الصراط المستقيم والمنهج القويم، مما يحتاجه كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة الدنيا، فما أمن أحد على دينه طرفة عين إلا سُلب إياه. ولهذا لا تصح صلاة حتى تقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، ولهذا أثنى الله -عز وجل- على من ثبته الله حتى الممات (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، والمرء -عباد الله- بحاجة أن يثبته الله -عز وجل- أن يثبته على دينه، وأن يثبته على كتابه وعلى سُنة رسوله...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.

 

أما بعد: عباد الله، فاتقوا الله فإن التقوى السلاح الأقوى والمنهج الأقوى والعروة الوثقى.

 

إخوة الإسلام أيها المسلمون: إن أهم ما يجب على الإنسان أن يحافظ عليه ويعتني بأمره في حياته كلها هو دينه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162].

 

إن الثبات على الصراط المستقيم والمنهج القويم، إنه مما يحتاجه كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة الدنيا، فما أمن أحد على دينه طرفة عين إلا سُلب إياه.

 

ولهذا لا تصح صلاة حتى تقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 6- 7].

 

ولهذا -إخوة العقيدة- أثنى الله -عز وجل- على من ثبته الله حتى الممات (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم:27].

 

وحينما تقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ) تأمل هذا المعنى العظيم الذي تكرره في اليوم والليلة أكثر من سبعة عشر مرة، ومعنى ذلك: اهدني ودلني وأرشدني وثبتني، ولهذا -إخوة العقيدة- يقول الله -جل في علاه- (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم:27].

 

المرء -عباد الله- بحاجة أن يثبته الله -عز وجل- أن يثبته على دينه، وأن يثبته على كتابه وعلى سُنة رسوله.

 

والثبات -أيها الإخوة- له ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى في الحياة، فقد قال الله -جل في علاه-: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [إبراهيم:27]، وقوله جل وعلا: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162].

 

والثبات الثاني عند السكرات، وعند حالة الاحتضار، فقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد: "اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الممات".

 

والحالة الثالثة في الثبات حينما يُوضع الإنسان في قبره، فقد روى أبو داود من حديث عثمان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عندما يفرغ من دفن الميت يقول لأصحابه: "اسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل"، يُسأل عن ثلاثة أسئلة لا محالة: من ربك، وما دينك، ومن نبيك، وإن كل مُقعَد مسئول: ما الرب؟ وما الدين؟ وما الرسول؟ فعند ذاك يثبت المهيمن بالقول الثابت للذين آمنوا، ويوقن المرتاب عند ذلك بأن مورده المهالك.

 

ولما كان المرء -عباد الله- حري بأن يحافظ على دينه، ويسأل الله -عز وجل- الثبات عليه فانظر إلى دعاء الخليل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وهو من هو كسر الأصنام بيده، وهو أمة وحده، وأُمر نبينا باتباعه ومع ذلك يقول: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35].

 

ولاحظوا -أيها الإخوة- قوله: (وَاجْنُبْنِي) ولم يقل باعد بيني أو اتركني أو نحو ذلك من العبارات؛ لأن المجانبة تقتضي البعد من كل وجه، كقوله الله جل وعلا: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) [الحج: 30].

 

إخوة الإيمان: ها هو محمد -عليه الصلاة والسلام- كان يقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، وكان يقول فيما رواه مسلم: "اللهم مصرّف القلوب صرف قلبي على طاعتك".

 

وهو الذي صلى حتى تفطرت قدماه، فتقول له عائشة: تفعل هذا يا رسول الله وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا".

 

ولهذا عباد الله: كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أسلفنا "اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الممات".

 

وإذا أردت أن تعرف ذلك، وثمرة ذلك، وعِظم ذلك؛ فإنك في وردك في مسائك وصباحك تقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر".

 

وما بينك وبين الشرك والكفر والظلم الأكبر وما بينك وبين ذلك إلا أن يحفظك الله ويثبتك -عز وجل- على دينه، فقد جاء في الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك".

 

وإذا أردت أن تعرف ذلك وأهمية ذلك؛ فاستمع إلى ما رواه مسلم من قوله -عليه الصلاة والسلام-: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا".

 

ما بال دينك ترضى أن تدنسه *** وثوب جسمك محفوظ من الدنس

 

ولهذا -إخوة الكتاب والسنة- كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخاف على الصحابة الشرك الأكبر والأصغر، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، فسُئل عن فقال: "الرياء" (رواه الإمام أحمد).

 

ولهذا خذوا هذه المواقف، المواقف المضيئة والصور المشرقة ، فها هو أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- المشهود له بالجنة كان يقول كما في البخاري: "أخشى إن تركت له أمراً أن يزيغ قلبي".

 

وكان -رضي الله عنه- يقرأ في الركعة الثالثة من صلاة المغرب: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8] (كما رواه الإمام مالك بسند صحيح).

 

وانظروا أيضًا إلى موقف عمر، وما أدراك ما عمر؟! الذي كان الشيطان يفرق من ظله، ومع ذلك يأتي إلى حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنه- ويقول: "أنشدك الله يا حذيفة! أعدَّني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين"، فيهاب حذيفة عمر فيقول: "لا، ولا أذكي بعدك أحدًا".

 

ولهذا خذوا هذا الصحابي هذا الصحابي ثابت بن قيس بن شماس المشهود له بالجنة الذي كان يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة، خطيب النبي -صلى الله عليه وسلم- افتقده -عليه الصلاة والسلام- ذات يوم فقال أحد الصحابة: "أنا أعلمه لك يا رسول الله"، فذهب إليه ووجده قد نكّس رأسه يبكي، فقال له: ما شأنك؟ أوقع منك شر؟

 

قال: نعم رفعت صوتي فوق صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخشى أن يحبط عملي، فذهب هذا الصحابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فبشَّره ببشرى عظيمة، قال: إنه ليس من أهل النار، وإنه من أهل الجنة، فقال أنس: "كنا نرى هذا الرجل يمشي بين أظهرنا وهو من أهل الجنة".

 

إذاً -عباد الله- علينا أن نتقي الله، وأن نحافظ على ديننا، وأن نتمسك بكتاب ربنا وسُنة نبينا، ونسأل الله -عز وجل- الثبات في الحياة وبعد الممات، فإن الإنسان -عباد الله- وهبه الله الإيمان لا بحوله ولا بقوله ولا بطوله ولا بحسبه ولا بنسبه، إنما الله هو الذي هداه للإسلام وجعله من أمة سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-.

 

يا رب ثبتنا على الإيمان، ونجنا من سبل الشيطان، ونسأل الله حسن الخاتمة، فهي -وربي- لحظات حاسمة، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان توابا غفورا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

ومن الصور المشرقة -أيها الإخوة- يقول الحسن بالبصري في النفاق: "ما أمنه إلا منافق ولا خافه إلا مؤمن".

 

وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف على نفسه النفاق، ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل".

ويقول إبراهيم التيمي: "مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذَّبًا".

 

الله أكبر من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وكلما كان الشيء ثمينا عظيما كان الحرص عليه أكبر وأعظم.

 

ذات يوم بكى سفيان الثوري -رحمه الله- ليلة كاملة فجاء إليه أصحابه وقالوا: "أتبكي من الذنوب"، فأخذ تبنة من الأرض، وقال: "والله لا أبكي من الذنوب فالله غفور رحيم لكن أخشى أن يسلبني الله ما أعطاني".

 

فأخذ ذلك ابن القيم -رحمه الله- فقال:

والله ما خوفي الذنوب فإنها *** لعلى طريق العفو والغفران

لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن

ورضا بآراء الرجال وخرصها *** لا كان ذاك بمنة الرحمن

 

ولهذا -إخوة الإسلام- يبوّب البخاري في صحيحه باب: خوف المؤمن أن يُحبَط عمله وهو لا يشعر، ويبوب مجدد الملة ومحيي السنة محمد بن عبدالوهاب في كتابه كتاب التوحيد "باب الخوف من الشرك"، لما ذكر حكم التوحيد، ثم ثنى بفضله، ثم ثلث بتحقيقه، ثم ربع بالدعوة إليه، خمس خامس الأبواب باب الخوف من الشرك.

 

كيف لا يا عباد الله؟! والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، ولهذا -عباد الله- حبوط الأعمال على نوعين؛ حبوط كلي عام، وهو الشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، والظلم الأكبر، والفسوق الأكبر... أما الكفر الأكبر فذاك مخرج عن الملة، وأما الحبوط الجزئي فهو كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله"، وكون الشرك الأصغر يحبط ما قارنه من العمل.

 

فالله الله -عباد الله- بسؤال الله -عز وجل- أن يثبتكم على دينه، وأن يوفق الإنسان لما يحب ويرضى بالسنة والقرآن.

 

ولهذا لما انتشرت البدع في أوقات السلف كان من دعائهم: "اللهم ثبتنا على الكتاب والسنة، وأحينا على الكتاب والسنة".

 

فلهذا -إخوة العقيدة- اللهَ الله بدينكم، فحافظوا عليه، وحافظوا على شعائره ومشاعره، وبنيانه، وأركان الإيمان.

 

هذا ونسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا..

 

 

 

المرفقات

تنبيه الأجيال بالخوف من محبط الأعمال.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات