تنبيهات لزوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-04-24 - 1445/10/15
التصنيفات:

 

 

الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر

 

الأوَّل: ما يُروَى من الأحاديث التي فيها الرَّبط بين الحجِّ وزيارة المدينة أو طلب زيارة قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فكلُّها أحاديثُ ضعيفةٌ أو موضوعةٌ، لا يثبُت منها شيءٌ عندَ أهل العلم المُعتَبَرين بهذا الشأن، كما قال ذلك الأئمَّة الحفَّاظ، كابن حجر والعقيلي وابن تيميَّة وغيرهم رحمة الله عليهم جميعًا، ولو كان شيءٌ من ذلك صحيحًا لكان رضِي الله عنهم أسبَقَ الناس إليه وأحرصهم عليه.

 

الثاني: ليس للنساء زيارة القبور مطلقًا؛ فهي محرَّمة عليهنَّ كما هو مذهب الجمهور؛ لما ثبت: "أنَّه صلى الله عليه وسلم لعَن زائرات القبور من النساء، والمتَّخذين عليها المساجد والسُّرج"[1].

 

الثالث: بعض الناس يرفَعُون أصواتهم عند قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويُطِيلون الوقوفَ والمقام عنده، وهذا من المنكرات العظيمة، فإنَّ الله سبحانه وعَد الذين يغضُّون (أي: يخفضون) أصواتهم عند رسول الله بالمغفرة والأجرِ العظيم، وتوعَّد الذي يَرفَعون أصواتهم عِندَه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]، فرَفْعُ الصوت عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أسباب حُبوط العمل؛ لأنَّه سُوء أدَبٍ معه صلى الله عليه وسلم ، وقلَّة احتِرامٍ له عليه الصلاة والسلام.

 

والرابع: وكذلك طُول القيام عند قبره وتكرار السلام عليه صلى الله عليه وسلم يُفضِي إلى الزِّحام وكثْرة الضَّجيج وارتفاع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم ، وذلك ممَّا يُخالِفُ الأدب الشرعيَّ الذي ينبغي لنا أنْ نلتزمه نحوَه صلى الله عليه وسلم .

 

الخامس: الطَّواف بالكعبة عبادةٌ عظيمة أمَر الله تعالى بها وأثْنى على أهلِها، وأمر أنْ يُطهَّر البيتُ من أجْلها، والطواف بأيِّ بنايةٍ غير الكعبة بدعةٌ مُحرَّمة وفَعْلَةٌ مُنكَرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ" وفي رواية: "وكلَّ ضلالة في النار"، رواه أبو داود والنسائي بإسنادٍ حسن[2].

 

وبذلك يعلم أنَّ الطواف على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو على غيره من القبور من البِدَعِ والضَّلالات وأنواع الشِّركيَّات؛ وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104] الآيات.

 

السادس: ومن شرِّ المحدثات وأعظم المنكرات التي يرتكبُها بعضُ الناس عند الزيارة:

• أنَّ بعض الزائرين يدعو النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيسأله الشَّفاعة، ويطلُب منه قضاءَ الحاجة، وتنفيس الكُربة، ويشكو إليه الحال، وهذا مخالفٌ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، فأمَر سبحانه بدُعائه وحدَه لا شريكَ له، ووعَد بالإجابة، وسمَّى الدعاء عبادةً، ووصَف الذي يدعو غيره بأنَّه مستكبرٌ عن عِبادته، وتوعَّده بدُخول النار صاغرًا مُهانًا.

 

وقد قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وأمَر نبيَّه صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن: 21، 22].

 

فمَن دعا غير الله كائنًا مَن كان فقد جعَلَه شريكًا لله، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].

 

فهؤلاء الذين يَدعُون النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندَ قبره أو بَعِيدين عنه إنما فعَلُوا الشِّرْكَ الذي يحولُ بين صاحِبِه وبين المغفرة، ويحبطُ عمله، ويُحرِّم عليه الجنَّة، ويُدخِلُه النار، وذلك هو الخسران المبين.

وإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنكر على مَن قال له: ما شاء الله وشئت، قائلًا: "أجعلتَني لله ندًّا؟!"[3]، فكيف بمَن يدعو مع الله أو من دُونه غيرَه؟! وذلك هو الضلال المبين، فإنَّه تسوية للمخلوق بربِّ العالمين وهو الذي أوجب على أهله الخلودَ في النار؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء: 96 - 99].

 

فمَن دعا غيرَ الله كما يدعو اللهَ أو سأله من الحاجات والمطالب ما لا يقدرُ عليه إلَّا الله فقد سوَّى مَن دعاه بالله العظيم التسوية الشركيَّة التي تُردِي أهلَها في نار جهنَّم؛ فإنَّ دُعاءَ غيرِ الله ـ كائنًا مَن كان ـ شركٌ بالله وعبادةٌ لغير الله؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14]، فسمَّى سبحانه دعوةَ غيرِه شِركًا، وقال تعالى ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف:٥-٦].

 

فليحذر الحاجُّ أنْ يقَع في هذا الشرك الأكبر والذَّنب الذي لا يُغفَر، إلَّا مَن تاب إلى ربِّه وأناب، وذلَّ لإلهه الوهاب؛ فقد سُئِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أيُّ الذنب أعظم؟ قال: "أنْ تجعَلَ لله نِدًّا وقد خلَقَك"[4]، والندُّ: كلُّ مدعوٍّ مع الله أو من دون الله.

 

وقال تعالى بعد أنْ ذكَر الشِّرك والقتل والزنا التي هي أعظم الذنوب: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70].

 

والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبالعمل بطاعته تَطِيبُ الحياة، ونسأله تعالى مَغفِرةَ الزَّلات، ومضاعفةَ الحسنات، ورِفعةَ الدَّرجات، والفوزَ بأعالي الجنَّات.

 

وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه.

[1] سنن أبي داود (3236)، والترمذي (320)، والنسائي (4 /95).

[2] سنن أبي داود (4607)، والترمذي (2676)، من حديث العرباض بن سارية، ورواه النسائي (3 /188، 189) من حديث جابر رضي الله عنه.

[3] أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (988) بلفظ: "أجعلتني لله عدلًا"، وأخرجه أحمد في المسند (1 /214، 283، 347)، وابن ماجه (2117). بلفظ مختلف، وأمَّا لفظ: "أجعلتني لله ندًّا" فهو من رواية ابن مردويه.

[4] صحيح البخاري (4761) وصحيح مسلم (86).

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات