عناصر الخطبة
1/ آثار التفجيرات التي حصلت مؤخرا في الرياض 2/ ضرورة التوازن والرقيّ الفكري تجاه هذه الأحداث 3/ التيقّظ لهدف الأعداء لنقل المعركة داخل البلاد 4/ معالم على سبيل الإصلاحاقتباس
يجب أن تتسع نظرتنا الإصلاحية في المجتمع، ولنعلم أن مسيرة الإصلاح مسيرةٌ طويلة، ومن سنة الله -تعالى- أن لا يتم إصلاح الأوضاع المعقدة من خلال أعمال متسرعة، وها هي التجارب السابقة في الشام وفي مصر وفي الجزائر، ها هي يتراجع أصحابها عنها بعدما أريقت دماء الآلاف من المسلمين.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: معاشر المسلمين، فقد تركت التفجيرات التي حصلت مؤخرا في الرياض، وما سبقها وما لحقها من تعقُّبات لبعض الأشخاص المطلوبين أمنياً في عدد من مناطق المملكة مما يتعلق بما حدث، تركت تلكم الأحداث صدىً واسعاً على كافة شرائح المجتمع هنا في المملكة.
والحقيقة أن هذا الصدى يتجاوز بكثير دوي الانفجارات وآثارها المادية، كما يتجاوز حالة الاستنفار للقطاعات الأمينة، ومن الطبيعي جداً أن يكثر الحديث عنها والتعليقُ عليها، وتثارَ الأسئلة الكثيرة حولها، بعض تلكم الأسئلة يجد جواباً، والكثير يظل بلا جواب.
أيها المؤمنون: إن ضخامة الحدث وما تبعه من تداعيات لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى فقدان التوازن في تفكيرنا، ولا التعامل مع مثل هذه الأحداث تعاملاً متشنجاً، فالعالم من حولنا مضطرب، والأوضاع في كثير من البقاع والبلدان -خاصةً الإسلامية منها- تجتاحها رياحٌ عاتية من الفتن، يقف خلفها اليهود والنصارى بوسائلهم وإمكانياتهم ومؤسساتهم، ويجدون طابوراً خامساً من المنافقين يدلهم على عورات المسلمين، وينفذ كل ما يريدون.
إن التاريخ مليء بالحوادث، وزاخر بالكوارث، وفي كُلٍّ عِبَرٌ، العاقل والحصيف من يستفيد منها؛ لتصدر تقييماته منضبطة ومتزنة، ولتكون رؤيته مدركةً، وتعاملُه مسؤولاً إيجابياً نافعاً بإذن الله -تعالى-.
علينا نحن المسلمين كافة، والنخب العلمية والفكرية والثقافية خاصةً، الرقي بمستوى تفكيرنا، فلا نردد كلمة أو عبارة أو مقالة صدرت عن صحفي لا يملك إلا كيل الاتهامات وترديد الشجب والاستنكارات، أو آخر مغرض وجدها فرصةً سانحةً ليقذف بسموم نفاقه في مجتمعنا المسلم.
نحن المسلمين عامة، وأهل هذه البلاد خاصة، مستهدفون من قبل الأعداء بالغزو الفكري، والمخدرات الحسية والمعنوية، وإثارة القلاقل، والسعي في إيجاد الاضطراب الأمني، وعلينا أن نُفهم الأعداء -أينما كانوا- أننا لن نستسلم، ولن ننخدع، ولن نستجيب للاستثارات، ولن يستخفنا الشانئون، بل سنقف صامدين بإذن الله -تعالى-، ثابتين على الحق، نسعى لرفعة الحق والتبشير به، والتحذير من الباطل، والنهي عنه.
أيها الفضلاء: لنكن صُرحاء: أغلب الناس -حتى غير المسلمين- يتمنى أو يُسرُّ حين يسمع فاجعةً أو كارثة أو مصيبة حلت بأمريكا وأسفرت عن خسائر ماديةٍ أو بشرية أو كليهما؛ لما يرى من تغطرس إمبراطورية الشر، وإسرافها في الظلم، وتحكمها وتدخلها في شؤون المسلمين الخاصة والعامة... يفرح لأن إغاظة الكفار من الإيمان. لكن هذا شيء، وما جرى من تفجيرات ونحوها في الأيام الماضية شيء آخر، لأن نقل المعركة داخل هذا البلد هدفٌ يسعى إليه الأعداء المتربصون، ويجدون مثل تلك الأحداث وسيلة لتحقيق مآربهم، وتلبية رغباتهم في ضرب الدعوة الإسلامية، وتنفيذ خطط التغيير التي يتحدثون عنها ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وهي، أي التفجيرات، تحقق مزيداً من تسلط الغرب على بلاد المسلمين.
وثمة مسألةٌ أراها حاسمةً في هذا الصدد، وهي الحذر من القول بأن أمثال أولئك الذين يقال إنهم نفذوا التفجير مجتهدون! فهل هم أهل للاجتهاد؟ ومَن وأين مرجعيتهم العلمية؟ خاصة إذا علمنا أن الجماعات التي ترى أن الجهاد الآن فرض عين لا تؤيد مثل هذه الأعمال في المملكة، ولا ترى نقل المعركة داخل الجزيرة.
يجب أن تتسع نظرتنا الإصلاحية في المجتمع، ولنعلم أن مسيرة الإصلاح مسيرةٌ طويلة، ومن سنة الله -تعالى- أن لا يتم إصلاح الأوضاع المعقدة من خلال أعمال متسرعة، وها هي التجارب السابقة في الشام وفي مصر وفي الجزائر، ها هي يتراجع أصحابها عنها بعدما أريقت دماء الآلاف من المسلمين.
ويجب -ثانياً- أن نحذر من توسيع الدائرة، فلا يسوغ انتقاد الأعمال الجهادية المشروعة القائمة في فلسطين والشيشان وكشمير وغيرها من المواقع، وكونُ بعض هؤلاء الشباب المنفذين ممن شاركوا في تلك المواقع ليس مبرراً للتهجم عليها، فالجهاد حصنٌ للأمة، وذروة سنام الإسلام، ويتعين على المسلمين دعُم المواقع الجهادية، والوقوف معها، والبعد عن خلط الأوراق.
ومن أمثلة خلط الأوراق ما يعمد إليه بعض الصحفيين من إجراء حوارات مع أولياء المطلوبين أمنياً، فتُظهَر صورة الوالد الملتحي المتدين، لماذا؟ هل كل أولياء المطلوبين ملتحون؟ لماذا لا تُظهر صور الملتحين وغير الملتحين مثلاً؟.
قد يفهم بعض القراء أن معنى كونِ الوالدِ ملتحياً ومتديناً هو السبب بتهيئة المناخ الملائم في بيته لتفريخ الإرهاب، فهل الصحيفة تريد تقرير هذا المعنى؟!.
إن المسلك الشرعي المنصف أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، فلا والد أحد من المطلوبين أمنياً، ولا إخوته، يتحملون شيئاً مما فعل، وإلا فَلتُجرَ حواراتٌ مع أولياء مروجي المخدرات وتنشر صورة والد المروج، وليفعل الشيءُ نفسه مع والد القاتل عمداً، وتنشر صورة الوالد، ونحو ذلك. إن كل نفسٍ بما كسبت رهينة.
وإن توسيع الدائرة، سواء كان بسوء نية، أو حتى بحسن نية، فيتهم بعض الصالحين، ويربط التدين بهذه الأعمال، ويُنادى بالحد من الأنشطة الدعوية، ونحو ذلك كله، لا يزيد النار إلا اشتعالاً، ولا الشباب إلا غلواً وتعاطفاً مع أولئك المنفذين أو المطلوبين.
وفي الختام، فوصيتي لنفسي وإخواني تقوى الله -تبارك وتعالى-، والرجوعُ إليه في السراء والضراء، والإلحاحُ عليه بالدعاء، والحذرُ كل الحذرِ من المعاصي؛ فإنها شؤم، ولها آثارٌ وعواقب، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، فتوبوا إلى الله توبة صادقة من جميع الذنوب.
واعلموا يقيناً أنه ما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد الخالص لله رب العالمين، ولذلك كان دعاءُ الكرب في التوحيد: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87]، وهي دعوة ذي النون، ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كُرُبَه.
ولا يُلقي في الكُرَبِ العظامِ إلا الشركُ ووسائله، كما لا ينجي منها إلا التوحيد، وهو سبب الأمن الأول، قال الله -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام ناطقين، واحفظنا بالإسلام صامتين، ولا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى أحدٍ غيرك طرفة عين ولا أقل من ذلك، وسبحانك اللهم نستغفرك ونتوب إليك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم