تعلموا من قصة الخضر قبل فتح المدارس

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2023-08-18 - 1445/02/02 2023-08-27 - 1445/02/11
عناصر الخطبة
1/مواقف تربوية من قصة موسى والخضر 2/ما يستفيده المعلمون والطلاب من هذه القصة 3/وصايا وإرشادات للمعلمين 4/توجيهات للآباء والطلاب.

اقتباس

أَيُّهَا اَلْأَبُ: إِذَا اِشْتَرَيْتَ لِأَوْلَادِكَ مُسْتَلْزَمَاتِهِمْ اَلْمَدْرَسِيَّةَ، فَاسْتَحْضِرْ أَنَّكَ تُؤْجَرُ، لَكِنِ اِحْذَرْ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى صُوَرِ وُجُوهِ اَلْحَيَوَانَاتِ وَالْآدَمِيِّينَ، وَأَشَدُّ مِنْهُ شِعَارَاتٌ لِمَعْبُودَاتِ اَلْكُفَّارِ، كَالصُّلْبَانِ أَوْ شِعَارِ اَلْمِثْلِيَّةِ، وَلْيَتَّقِ اَللهَ مَنْ يَبِيعُهَا وَمَنْ يَشْتَرِيْهَا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَى لُطْفِهِ اَلْخَفِيِّ، وَفَضْلِهِ اَلْجَلِيِّ، وَالْحَمْدُ لِلهِ عَلَى نِعْمَةِ اَلْإِسْلَامِ وَكَفَى بِهَا نِعْمَةً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اَللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإنَّ كِتَابَ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَنْ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ؛ (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ)[الجن: 2].

 

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَلْ فِي اَلْقُرْآنِ هِدَايَةٌ لَنَا فِيمَا نَسْتَقْبِلهُ هَذَا اَلْأُسْبُوعَ، مِنْ بَدْءِ اَلدِّرَاسَةِ بِالْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ؛ فَفِي اَلْقِصَّةِ اَلَّتِي نَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمْعَةٍ هِدَايَاتٌ، وَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى –عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- وَالْخَضِرِ.

 

فَلَمَّا قَالَ رَبُّنَا لِمُوسَى: لِي عَبْدُ بِمَجْمَعِ اَلْبَحْرَينِ هُوَ أَعْلَم مِنْكَ، تْشَوَّفَتْ نَفْسُ مُوسَى اَلْفَاضِلَةُ، وَهِمَّتُهُ اَلْعَالِيَةُ لِتَحْصِيلِ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْ، فَعَزَمَ عَلَى الِارْتِحَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، حَتّى وَلَوْ طَالَتْ المُدّةُ، أَوْ لَحِقَتْهُ المَشَقّةُ، ولذا قال: (لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)[الكهف: 60]، والْحُقُبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً.

 

وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا: "اسْتِحْبَابُ الْحِرْصِ عَلَى الِازْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ، وَالرِّحْلَةِ فِيهِ، وَلِقَاءِ الْمَشَايِخِ، وَتَجَشُّمِ الْمَشَاقِّ، وَالِاسْتِعَانَةِ فِي الرِّحْلَةِ بِالْأَتْبَاعِ"(فتح الباري لابن حجر).

 

فانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[الكهف: 66]، فَأَجَابَ بِجَوَابِ اَلْمُتَعَلِّمِ اَلْمُسْتَرْشِدِ، بَيْنَ يَدَيْ اَلْعَالِمِ اَلْمُرْشِدِ، مُلَازِمًا لِلْأَدَبِ، وَمُعَظِّمًا لَمِنْ شَرَّفَهُ اَللهُ بِالْعِلْمِ، فَأَخْرَجَ اَلْكَلَامَ بِصُورَةِ اَلْمُلَاطَفَةِ وَالْمُشَاوَرَةِ، بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ اَلْجَفَاءِ وَالْكِبْرِ، اَلَّذِي لَا يُظْهِرُ لِلْمُعَلِّمِ اِفْتِقَارَهُ إِلَى عِلْمِهِ، بَلْ رُبَّمَا أَظْهَرَ أَنَّهُ يُعَلِّمُ مُعَلِّمَهُ.

 

وَمِنْ فَوَائِدِ اَلْقِصَّةِ: إِضَافَةُ اَلْعِلْمِ لِلهِ -تَعَالَى-، وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ، وَشُكْرُ اَللهِ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ: (عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[الكهف: 66]؛ أَيْ: مِمَّا عَلَّمَكَ اَللهُ.

 

وَمِنْهَا: أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ يَكُونُ فِيهِ رُشْدٌ وَهِدَايَةٌ لِطُرُقِ اَلْخَيْرِ، فَإِنَّهُ مِنْ اَلْعِلْمِ اَلنَّافِعِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَارًّا، أَوْ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ؛ لِقَوْلِهِ: (تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[الكهف: 66].

 

فَلَمّا رَكِبَا فِي السَّفِيْنَةِ قَالَ: "يَا مُوسَى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ"، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ مَثَلاً، إِذَا كَانَ قَاصِرًا فِي عِلْمِ اَلنَّحْوِ مَثَلاً أَلَّا يَأْنَفَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ مِمَّنْ مَهَرَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا.

 

فَكَانَ مِنْ شَأْنِ كَلِيمِ اَلرَّحْمَنِ مُوسَى أَنْ تَعَلَّمَ مِنَ اَلْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، كُلُّهُنَّ يَزِدْنَ اَلْإِيمَانَ بِأَقْدَارِ اَللهِ، وَيُطْلِعْنَ عَلَى عَجِيبِ تَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ، فَرَأَى سَفِينَةً تُخْرَقُ عَمْدًا؛ لِيَدَفَعَ اللهُ عَنْهَا اِغْتِصَابَ مَلِكٍ ظَالِمٍ، وَرَأَى نَفَسًا زَاكِيَّةً تُقْتَلُ بِغَيْرِ نَفْسٍ؛ لِيَدْرَأ اللهُ عَنْ أَبَوَيْهِ طُغْيَانَهَ وَكُفْرَانَهُ، وَرَأَى جِدَارًا يُعَادُ بِنَاؤُهُ بَيْنَ قَوْمٍ بُخَلَاءَ؛ لِيَحْفَظَ اللهُ كَنْزَ يَتِيمَيْنِ أَبُوهُمَا رَجُلٌ صَالِحٌ.

 

وَيَسْتَفِيدُ الطُلّابُ والمُعَلّمُونَ مِنْ هَذَا: أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ صَبْرٍ عَلَى مُوَاصَلَةِ اَلْعِلْمِ، فَسَيَفُوتُهُ بِحَسَبِ ضَعْفِ صَبْرِهِ كَثِيرٌ مِنْ اَلْعِلْمِ، وَأَنَّ اَلْمُعَلِّمَ قَدْ يَمْنَعُ اَلْمُتَعَلِّمَ مِنَ اَلِابْتِدَاءِ فِي اَلسُّؤَالِ، لِتَكَوُّنَ اَلْأَسْئِلَةُ آخِرَ اَلدَّرْسِ؛ تَنْظِيمًا لِلْوَقْتِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

اَلْحَمْد لِلهِ عَلَى نِعْمَةِ اَلْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ مُرَبٍّ وَمُعَلِّمٍ، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا اَلْأَبُ وَالْمُعَلِّمُ: بِمُنَاسَبَةِ قُرْبِ بَدْءِ اَلدِّرَاسَةِ نَادِ أَوْلَادَكَ وَطُلَّابَكَ وَأَوْصِهُمْ قَائِلاً: يَا بُنَيَّ وَيَا بِنْتِي، هَلْ سَتَتَذَكَّرَانِ يَوْمَ أَنْ تَسْعَيَا كُلَّ صَبَاحٍ إِلَى مَقَاعِدِ اَلدِّرَاسَةِ قَوْلَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)؟.

 

وَيَا أَوْلَادَنَا: دَعَوْا عَنْكُمُ اَلتَّذَمُّرَ مِنْ بَدْءِ اَلدِّرَاسَةِ، وَتَذَكَّرُوا نِعْمَةَ اَللهِ عَلَيْنَا فِي تَطَوُّرِ اَلتَّعْلِيمِ بِمَمْلَكَتِنَا رُغْمَ تَرَامِيْ أَطْرَافِهَا، وَاقَدَرُوا ضَخَامَةَ اَلتَّجْهِيزَاتِ وَالْبِنَايَاتِ وَالْمِيزَانِيَّاتِ؛ فَالدِّرَاسَةُ مَجَّانِيَّةٌ، وَالْمُقَرَّرَاتُ مَجَّانِيَّةٌ، والخِطَطُ جَبَّارَةٌ، وَوَطَنُكُمْ يَنْتَظِرُكُمْ لِتَنْفَعُوهُ وَتَرْفَعُوهُ، بَلْ وَتُطَوِّرُوهُ لِيَفُوْقَ اَلْعَالَمُ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يُوَاكِبَهُ.

 

وَمِنْ اَلْمُؤْسِفِ أَنَّ بَعْضَ اَلْآبَاءِ يُشَارِكُ أَوْلَادَهُ اَلنَّظْرَةَ اَلْمُثَبِّطَةَ اَلْمُتَثَاقِلَةَ لِلدِّرَاسَةِ، وَتَرَاهُ يَسْكُتُ عَنِ اَلْعِبَارَاتِ اَلسَّاخِرَةِ مِنْ اَلْمُعَلِّمِ وَالتَّعْلِيمِ!.

 

فَلْتَحْمَدُوا اَللهَ أَنَّ اَلتَّرَدُّدَ عَلَى صُرُوحِ اَلْعِلْمِ مُتَيَسِّرٌ بِأَمْنٍ وَرَغَدِ عَيْشٍ، وَاعْتَبِرُوا بِاضْطِرَابِ بُلْدَانٍ قَرِيبَةٍ مِنَّا، نَسْأَلُ اَللهَ لَهُمْ عَوْدَةَ الأَمْنِ وَالرَّغَدِ.

 

أَيُّهَا اَلْأَبُ: إِذَا اِشْتَرَيْتَ لِأَوْلَادِكَ مُسْتَلْزَمَاتِهِمْ اَلْمَدْرَسِيَّةَ، فَاسْتَحْضِرْ أَنَّكَ تُؤْجَرُ، لَكِنِ اِحْذَرْ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى صُوَرِ وُجُوهِ اَلْحَيَوَانَاتِ وَالْآدَمِيِّينَ، وَأَشَدُّ مِنْهُ شِعَارَاتٌ لِمَعْبُودَاتِ اَلْكُفَّارِ، كَالصُّلْبَانِ أَوْ شِعَارِ اَلْمِثْلِيَّةِ، وَلْيَتَّقِ اَللهَ مَنْ يَبِيعُهَا وَمَنْ يَشْتَرِيْهَا، وَلَا يُعَلِّقُوا قُلُوبُ أَطْفَالِ اَلْمُسْلِمِينَ بِقُدْوَاتٍ فَاسِدَةٍ، وَبِمُحَرَّمَاتٍ تُخَالِفُ اَلشَّرْعَ، وَأُسُسَ اَلتَّعْلِيمِ.

 

فَاَللَّهُمَّ وَفّقْ طُلَّابَنَا وَطَالِبَاتِنَا وَمُعَلِّمِينَا وَمُعَلِّمَاتِنَا وَقَادَةَ اَلتَّعْلِيمِ لِلسَّدَادِ وَالرَّشَادِ. وَاجْعَلْ عَامَنَا خَيْرَ عَامٍ، اَللَّهُمَّ وَفّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ. وَاجَزِهِمْ خَيْرًا عَلَى مَا يَبْذِلُونَ لِمَصْلَحَةِ اَلْإِسْلَامِ وَلِخِدْمَةِ اَلْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ، اَللَّهُمَّ اِحْفَظْ دِيْنَنَا وَأَمْنَنَا وَتَعْلِيْمَنَا وَحُدُوْدَنَا وَجُنُوْدَنَا. وَاحْفَظْ ثَرَوَاتِنَا وَثَمَرَاتِنَا، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنَا لِلإِسْلاَمِ، أَلاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحْنُ مُسْلِمُونَ، اَللَّهُمَّ اِرْحَمْ مَنْ لَا رَاحِمَ لَهُ سِوَاكَ، مِنْ إِخْوَانِنَا اَلْمُسْلِمِينَ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا.

 

اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.

المرفقات

تعلموا من قصة الخضر قبل فتح المدارس.doc

تعلموا من قصة الخضر قبل فتح المدارس.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات