تعظيم شعائر الله

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ أهمية تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائره 2/ كيف يعظم المسلم شعائر الله؟ 3/ تعظيم الحرمات اجتناب المعاصي والمحارم 4/ صور من قلة تعظيم شعائر الله وحرماته 5/ ظاهرة حرق المساجد 6/ أول ما يجب على الأب في التربية 7/ كيف السبيل إلى تعظيم حرمات الله وتعظيم قدر الله؟ 8/ تعظيمِ النبي -صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح لحرمات الله تعالى.

اقتباس

انظر لحال البعض عندما يقع في الغيبة والنميمة، وهو يضحك ولا يبالي بنظر الله إليه، والكذب والسرقة والاختلاس، وشهادة الزور، وأذية الآخرين، والضحك عليهم، وظلم العمالة، وأكل حقوقهم، وشرب المسكر والدخان، وحلق اللحى وإسبال الإزار، وهلم جرا، يقع فيها المسلم، ولا تهتز فيه شعره؛ تعظيمًا لأمر الله أو نهيه، وفي الجانب الآخر الاستهانة بالسنن، وكأنها من نافلة القول، فالسنة عند البعض، هي الأمور غير المهمة للأسف، وكلما قوي تعظيم العبد لله، كلما زاد تعظيمه لشعائره...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده.........

 

أما بعد فيا أيها المؤمنون: لقد شرع الله الشرائع، وأرسل الرسل لبيانها، وأوضح سبيل النجاة، وحذّر من كل مهلكة توبق بالعبد، ووضع لهذه الشرائع حدودا، وأمر بتعظيم حرماته، ولا سبيل للمسلم ينجو به من المهالك حتى يعظم حرمات الله، وهذا الخصلة أعني تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائره، هي مما يحتاجه المسلم في هذه الأيام التي فُتحت الدنيا على الناس من كل جهة، وأصبح المسلم مع كثرة الملهيات، والإغراق في المباحات، ومعانقة المشتبهات، وأصبح أكبر همّ عنده هو الدنيا وكيفية الاستمتاع بها، فلا يفكر إلا بالدنيا وللدنيا، بل لا يصحب ولا يخالط إلا أهل الدنيا فقط، ومثل هذا للأسف تجده غارقا في الدنيا، فلا همّ عنده للآخرة، وكل أمور الآخرة مسائل ثانوية، فلا تعظيم لحرمات الله ولا لشعائره في قلبه، فضلاً عن فعله.

 

معاشر المسلمين: التعظيم هو التفخيم والتبجيل، والحرمات هي ما لا يحل انتهاكه، وتعظيم انتهاكه في النفس قبل مواقعته، ليحذر العبد منه، وذلك بتعظيم الله لأنه هو صاحب النهي فتعظيم حرمات الله من تعظيم الله والعكس بالعكس، والشعائر هي  أوامر الله، ومناطق العبادة، وكل معظَّم في الشرع بتعظيم الله.

 

قال ابن كثير: تعظيم الحرمات اجتناب المعاصي والمحارم، بحيث يكون ارتكابها عظيما في نفسك.

 

عباد الله: إن تعظيم الحرمات يعود بالخير على المسلم من كل جهة قال جل وعلا: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج: 30]، وتعظم حرمات الله وشعائره دالّ على تقوى القلوب قال الله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، وخص القلب؛ لأن التعظيم مبدؤه من القلب.

 

أيها المؤمنون: إن حدود الله هي محارمه، ولقد حذر الله -جل وعلا- من تعدي حدوده، وأمر بالوقوف عليها كما قال سبحانه: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) [البقرة: 187]، وقال (ِتلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا)[البقرة: 229]، وأخبر سبحانه أن متعدِّ الحدودِ ظالمٌ لنفسه بتعريضها لعذاب الله فقال (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[الطلاق: 1]، وهدد –سبحانه- متعدي الحدود بالنار فقال: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 14].

 

معاشر المسلمين: إن مما حدا بي إلى هذه الخطبة هو ما نراه من حال المسلمين اليوم من قلة تعظيم شعائر الله وحرماته، ولا يبرئ الإنسان نفسه، وأضرب بعض الأمثلة ليتضح المقال، فكثير من شباب المسلمين اليوم لا يصلون خصوصًا من هم في سن المراهقة، بل لا يتورعون عن محرم ولا يستجيبون لأوامر الله البتة، فلا أدري هل يعد نفسه مسلما لله وهو بهذه الصفة، فلا نستغرب إذا خرج من بينهم من يحارب الإسلام ويشن الغارات عليه، ويهدم فيه، وهذا ما يسعى إليه أعداء الدين.

 

 قد يكون البعض لم يسمع بتلك الحادثة التي تدل على انتهاك الحرمات والاعتداء على المقدسات، لقد نشرت إحدى  الصحف في بلدنا هذا مقالاً ودعمته بالصور قبل عشر سنوات، هل تعلمون ما هذا الحدث؟ شيء لا يصدق لم ينقضِ عجبي منه وأخذت أفكر من الذي فعل ذلك؟ وما الداعي له؟ هل ممكن أن يصدر هذا من مسلم، أو ممن يتسمى بالإسلام؟

 

لقد بينت الصحيفة أن هذا الأمر قد تكرر أكثر من مرة، بل بلغ أربع مرات، وقيل أكثر في مناطق مختلفة من المملكة، إنها ظاهرة حرق المساجد – سبحان الله – بيوت الله تُحرق! ولم هذا؟ هل هو انتقام من الله أم حرب عليه؟

 

لو كانت الحادثة مرة واحدة، لوجدنا لها مبررًا وعذرًا وتأويلاً، ولكنها مرات ولقد تكررت في مسجد واحد أكثر من مرة، فليسأل كل منا نفسه من الذي فعل ذلك؟

من الذي نصب نفسه عدوا لله يخرب بيوته، ويصد عن سبيله!!

 

وفي الحقيقة لا نستغرب أن يحدث هذا سواء من أبنائنا أو من الكفار، طالما أن التربية لدى البعض منا عدم تعظيم شعائر الله وحرماته.

 

وانظر لبعض المسلمين في احترامهم للقرآن وكيفية تعاملهم معه، فمنهم من يمد رجليه للقرآن في المسجد، أو يجعله خلف ظهره، وانظر إليه في البيوت تجد المصاحف مع الكتب والمجلات مختلطة على الطاولة، وعلى الأرض، وممزقة، ومكتوب عليها، وكأنها كتب دراسية فحسب.

 

وانظر للمساجد ومدى تعظيمها في قلوب البعض، فالمشي بالنعلين على الفرش، وإحضار الأطفال دون سن التمييز، ورمي القمامة عنده، فالبعض -هداهم الله- لا يحلو له إلا بتنظيف سيارته من المخلفات أمام بوابة المسجد أو في مواقفه، ناهيك عن البصاق فيه، وتقليم الأظافر، ونتف الشعر، وتنظيف ما علق بملابسه، كلها هذا نراه بأعيننا في مساجد المسلمين، بل انظر للمسلمين في أطهر البقاع مكة والمدينة، يصلون ثم يبدءون بالتصوير والانشغال بذلك عن ما بُنيت له المساجد، فهل هذا من تعظيم شعائر الله؟!

 

وانظر لحال البعض عندما يقع في الغيبة والنميمة، وهو يضحك ولا يبالي بنظر الله إليه، والكذب والسرقة والاختلاس، وشهادة الزور، وأذية الآخرين، والضحك عليهم، وظلم العمالة، وأكل حقوقهم، وشرب المسكر والدخان، وحلق اللحى وإسبال الإزار، وهلم جرا، يقع فيها المسلم، ولا تهتز فيه شعره تعظيمًا لأمر الله أو نهيه، وفي الجانب الآخر الاستهانة بالسنن، وكأنها من نافلة القول، فالسنة عند البعض، هي الأمور غير المهمة للأسف، وكلما قوي تعظيم العبد لله، كلما زاد تعظيمه لشعائره.

 

عباد الله: إن أول ما يجب على الأب في التربية أن يغرس في نفوس أبنائه تعظيم شعائر الله وحرماته، وأن يعظّم الله ويقدّره حق قدره، وبهذا يصح النشء عندنا وتقل الظواهر الغريبة في المجتمع.

 

عباد الله: لعل سائلاً يسأل كيف السبيل إلى تعظيم حرمات الله وتعظيم قدر الله، فأقول إن الجواب سهلٌ بينٌ وهو أن نتعرف على الله بمعرفة أسمائه وصفاته، حتى نقدره حق قدره، فعندئذ نعظم شعائر الله لعظمة الله، ثم نقرأ في سِيَر السلف، وكيف كانوا يعظّمون الحرمات، فبهذا ينير قلب المسلم ويستبصر الطريق، فما أكثر المتخبطين على جنباته، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

 

اللهم اجعلنا لك معظمين ولحدودك واقفين، أقول قولي هذا وأستغفر الله..

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين......

 

أما بعد فيا أيها الناس: إن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالدروس التي يستفاد منها كيفيةَ تعظيمِ النبي -صلى الله عليه وسلم- لحرمات الله، وكذلك صحابته الكرام، ومن بعدهم بإحسان.

 

لا يُعرف للنبي -صلى الله عليه وسلم- غضبٌ إلا إذا انتهكت حدود الله. فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت: "والله ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه، إلا أن تُنتهك حرمات الله، فينتقم لله".

 

وكلما قوي إيمان العبد كلما كان لحرمات الله أشدَّ تعظيمًا، قال أنس بن مالك: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  من الموبقات".

 

وقال ابن عباس: "يا صاحب الذنب! لا تأمن فتنة الذنب وسوء عاقبة الذنب ولما يَتبعُ الذنب أعظم من الذنب إذا عَمِلته، قلةُ حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لم تدرِ ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفَرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حرّكت سِتْر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب".

 

وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله".

 

معاشر المسلمين: إن الواجب على المسلم أن يعظّم حرمات الله من كل صوب، فالواجب عليه أن يعظّم حرمات الله، ويحرص على تعظيم الله، وفي التذلل له، وفي صيانة كتابه واحترامه، وفي كل شيء يغضب الله، وإن من أشد الأمور التي ينبغي للمسلم تعظيم حرمات الله فيها: ما كان متعلقًا بحقوق الآدميين، كإراقة دم المسلم بغير حق سواء بالقطع أو الجرح أو القتل.

 

 أخرج أبو داود من حديث أبي الدرداء قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح".

 

 وأخرج النسائي من حديث بريدة قال  -صلى الله عليه وسلم- "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"، فليحذر المسلم من الاجتهادات الباطلة التي ينفرد بها العبد بعقله مع قلة علمه وفقهه، فما نرى من الاستهانة اليوم بدماء المسلم في جميع أصقاع المعمورة خطر عظيم، وانتهاك لحرمات الله تعالى.

 

إن الناس في تعظيم حرمات الله بين أمرين، إما أمور محرمة قطعا، وإما أمور مشتبهة، فالمحرم قطعا وجب على المسلم اجتنابه بلا جدال، ووجب عليه تعظيم حرمات الله فإنه من تعظيم الله، والآخر المشتبه فيه وهو ما كان فيه خلافٌ، وخفي حكمه على كثير من الناس، فالواجب على المسلم التورع عنه، استبراءً للدين والعرض، كما أخرج ابن حبان والطبراني وأصله في الصحيحين عن النعمان قال -صلى الله عليه وسلم-: "اجعلوا بينكم و بين الحرام سترًا من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله في الأرض محارمه".

 ‌

أيها المسلمون: إن الناظر في حالنا هذه الأيام يرى أننا قد غرقنا في الشبهات، حتى قفزنا إلى المحرمات عمدا جهارا، وما ذاك إلا لضعف تعظيم حرمات الله في القلوب، وإن شئت فقل: لأننا لم نقدر الله حق قدره، ولهذا قال بلال بن سعد: "لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت".

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات... اللهم اهد ضال المسلمين، وردهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل لنا من كل فتنة مخرجًا ومن كل بلاء عافية.

 

اللهم فرج عن المسلمين..... سبحان ربك رب العزة عما يصفون..

 

 

 

 

المرفقات

شعائر الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات