تعظيم شعائر الله

عبد الله المؤدّب البدروشي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ من الشعائر الزمانية 2/ من الشعائر المكانية 3/ أشكال أخرى من تعظيم شعائر الله

اقتباس

من دلائل تعظيم شعائر الله تعظيم الله؛ فليبحث المؤمن في منعطفات قلبه أين الله؟ ولقياس ذلك: انظر -أيها المؤمن وأيتها المؤمنة- إلى مدى طاعتك لله كيف هي عبادتك؟ كيف تكون في صلاتك؟ هل تحب الصلاة؟ هل تنتظر الصلاة؟ هل تشتاق إلى الصلاة؟ هل تحب الوقوف أمام الله؟ وهو الذي ناداك من سابع سماء ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي أمرنا بطاعته ونهانا عن معصيته، ودلنا على تعظيم شعائره بفضله ومنته أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فتح أبواب رحمته للطائعين، وفسح ميادين توبته للتائبين، وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمداً عبده ورسوله نبي أخلص لهذا الدين، وأحب المؤمنين، وأرشد أمته لما فيه الخير والعز والتمكين.

اللهم صل وسلم عليه في الأولين والآخرين، وارض اللهم على آله الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: إخوة الإيمان والعقيدة: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، والشعائر: جمع شعيرة، وهي كل ما أمر الله به من أمور الدين، وكل ما وجبت علينا طاعة الله فيه، وتعظيم شعائر الله: إجلالها، وإحلالها المكانة الرفيعة في المشاعر والقلوب، وأداؤها برغبة ومحبة وشغف.

وشعائر الله: تحيط حياتنا كلها، وهي متنوعة ومتعددة؛ منها الشعائر الزمانية كشهر رمضان شهر عظـّمه الله أرسل فيه رسله أنزل فيه كتبه وأمرنا بتعظيمه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى والفرقان).

فهو شهر البعثة، وبها عرف الإنسان التوحيد، وظهرت شمس الإسلام، وفـُتحت أبواب الجنة للمؤمنين. وهو شهر القرآن ذلك النور الذي حسر ظلمات الجهل والظلم، وبين معالم الإخاء والصفاء، وهو شهر المغفرة والعتق من النار. عظمته في قلوبنا واجبة، ودليلها صومنا وتقربنا إلى الله بالعبادة والأعمال الصالحة.

وكذلك من شعائر الله الزمانية: العشر الأوائل من ذي الحجة؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ -يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ- قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ.." رواه الإمام أحمد.

فهي أيام؛ العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد، والمسلمون في ذلك يعظمون ثلاثة أعشار: العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأوائل من المحرم, التي تختم بعاشوراء.

ومن شعائر الله الزمانية: يومنا هذا يوم الجمعة؛ جاء في صحيح مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ".

وعن قيام الساعة في يوم الجمعة: أورد الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِىَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ الْجِنَّ وَالإِنْسَ".

ومن شعائر الله كذلك: ساعة يوم الجمعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّى يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" رواه الإمام مالك.

ثم هناك الشعائر المكانية؛ كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" رواه الإمام أحمد بسند صحيح .. كما روى الشيخ الألباني -في صحيح الجامع- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة".

ومن الشعائر المكانية أيضاً: كل بيوت الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحب البلاد إلى الله مساجدها" رواه الإمام مسلم.

ومن شعائر الله: كل أمر فيه طاعة الله من صلاة وزكاة وصوم وحج، وكل عمل صالح مع خلق الله سواء كان من المسلم إلى المسلم أو غيره، والمسلم في دينه مسالم؛ فإن من توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وفي أوسط أيام الأضحى خاطب جموع الصحابة بقوله: "أليس هذا يوم حرام؟ أي عظـّم الله حرمته قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإن حرمتكم بينكم إلى يوم القيامة كحرمة هذا اليوم، ثم أنبئكم من المسلم؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأنبئكم من المؤمن؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم، وأنبئكم من المهاجر؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال المهاجر من هجر السيئات وهجر ما حرم الله عليه، والمؤمن حرام على المؤمن كحرمة هذا اليوم لحمه عليه حرام أن يأكله أو يغتابه بالغيب، وعرضه عليه حرام أن يخرقه، ووجهه عليه حرام أن يلطمه، ودمه عليه حرام أن يسفكه، وحرام عليه أن يدفعه دفعة يغشه". رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة.

وكذلك المسلم مسالم مع ما حوله من حيوان ونبات وجماد؛ فقد دخلت امرأة النار في هرة ربطتها حتى ماتت؛ ودخلت أخرى الجنة في كلبٍ سقته الماء فأعادت له الحياة، ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة الجارية من غرس غرساً؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "لاَ يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ طَيْرٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" رواه الإمام مسلم.

فكل عمل صالح هو من شعائر الله؛ وكما عظم الله شعائره، وجب على المؤمنين تعظيمها؛ فقد عظم الله قرآنه وباركه سبحانه؛ فقال جل جلاله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

فيا من تحملون كتاب الله في صدوركم: اتقوا الله كما علمكم الله، عظموا كتاب الله تدبروا آياته طبقوها في أيام حياتكم واحذروا الدنيا كونوا القدوة في تصرفاتكم؛ فأنتم أهل الله وخاصته، والقرآن الذي في صدوركم هو مرقاتكم على مدارج الجنة، وهو كتاب المسلمين، وكل أمر فيه ملزم لجميع الأمة؛ فواجبنا العمل بما فيه.

نعم -أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات- كل آية فيه هي كلمة الله إلى كل واحد منا، هذا الكتاب فيه حياتنا، وفيه سعادتنا في الدنيا، وفيه نجاتنا يوم القيامة؛ فإذا كان يوم القيامة قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تتقدمه سورة البقرة وآل عمران" رواه الإمام مسلم. يأتي القرآن شاهداً؛ فاللهم اجعله شاهداً لنا لا علينا.

ومن تعظيم شعائر الله: تعظيم بيوت الله؛ لقوله جل وعلا في الحديث القدسي: "إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمارها؛ فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي" نعظمها بالإقبال عليها بمحبة وشغف؛ بدخولها وقد اشتاقت الأرواح إليها؛ بالوقوف فيها أمام الله في خشوع وإنابة؛ بالجلوس فيها مع كلام الله ومع ذكره والتوسل إليه، نعظمها بمحبتها في قلوبنا بتقديسها في عقولنا بالعمل الدؤوب على عزها ورفعتها؛ لتظل في حياتنا منارات تهدينا إلى هدى الله.

ومن تعظيم شعائر الله: أن نتعامل إخوة في الله؛ فهو الذي أكرمنا بهذه الأخوة؛ فقال جل جلاله: (إنما المؤمنون إخوة) إخوة في الدين، إخوة مع أهلنا في بيوتنا، إخوة مع جيراننا، إخوة في كل تعاملنا في حياتنا؛ حتى نجسم أمر الله في الأخوة، ونحقق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وصف المؤمنين بقوله: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" أخرجه مسلم.

فيا أيها الذين آمنوا: هذا هو ديننا، وهذا هو إسلامنا، وهذا هو سبيل خالقنا؛ فيه أماننا؛ وفيه سعادة حياتنا في الدنيا والآخرة.

اللهم وحد جمعنا على طاعتك، ووفق أمتنا إلى حسن عبادتك. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا من عبادك الصالحين؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم.

 

 

 

 

 الخطبة الثانية:

 

 

إن الحمد لله أمرنا بطاعته وتقواه، ووفقنا إلى العمل بما يحبه ويرضاه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل السعادة في خشيته وتقواه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول الله، وحبيبه من خلقه ورضيه ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعد:

أيها المؤمنون والمؤمنات عباد الله: من دلائل تعظيم شعائر الله تعظيم الله؛ فليبحث المؤمن في منعطفات قلبه أين الله؟ ولقياس ذلك: انظر -أيها المؤمن وأيتها المؤمنة- إلى مدى طاعتك لله كيف هي عبادتك؟ كيف تكون في صلاتك؟ هل تحب الصلاة؟ هل تنتظر الصلاة؟ هل تشتاق إلى الصلاة؟ هل تحب الوقوف أمام الله؟ وهو الذي ناداك من سابع سماء: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).

إذا فتحت باب التوحيد هل تجد لا إله إلا الله وحده؟ أم أن بجواره حب المال وحب الأهل وحب الحياة؟ هل لا إله إلا الله وحده؟ أم معه التوسل بسيدي فلان والقسم بالولي الفلاني؟

افتح باب الصلاة ترى زمن الكرة مع وقت الصلاة هكذا أراد الله أن يختبر أهل الصلاة؟! فهل تركت الكرة وجئت إلى الصلاة؟ أيهما أهم؟ أيهما المتقدمة؟ أيهما المرفوعة؟! أم أن المساجد يومها شكت لربها تخلف روادها؟

افتح باب الصوم كم مرة في كلامك وأنت صائم خالفت الصدق؟ كم مرة تحدثت عن فلان؟ كم وقتاً تخلفت عن عملك؟ كم يميناً أقسمت لرواج بضاعتك؟ كم تحايلت وأنت صائم؟

افتح باب الزكاة كم تأنيت وتأنيت حتى مر العام إثر العام؟ كم مرة دفعت الزكاة من محاصيل الربا؟

افتح باب الحج هل عدت من حجك بطبع غير طبعك؟ وبقلب غير قلبك؟

افتح باب معاملاتك انظر إلى حالك في البيت هل أطعت الله في أهلك؟ تذكر جلساتك معهم هل احتوت على كتاب الله؟ هل فتحت يوماً حديثاً عن حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ انظر إلى حالك في الطريق هل بلغتْ خشية ُ الله إلى عينيك؟

انظر إلى حالك مع جيرانك هل كففت أذاك عنهم؟ ابحث بعد ذلك كيف تكون عظمة الله مع عظمة من عظمت؟ يقول الله جل جلاله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) قس محبتك لله بطاعتك لأوامر الله تجد مدى إيمانك وارتباطك بالله؛ فإن وجدت خيراً فاحمد الله، وإن وجدت غير ذلك؛ فاجعل طاعتك لله منهجاً لحياتك، وقس ما يصادفك في الحياة بميزان الطاعة تكن مؤمناً بإذن الله.

اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين الطائعين، وارزقنا التوجه إليك وحسن اليقين، واهدنا للعمل بشرائع هذا الدين، اللهم أحينا في الدنيا عابدين خاشعين وتوفنا مسلمين تائبين، واجعلنا ممن يأخذون كتابهم باليمين، واجعلنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأحيائنا وأمواتنا، وطيب أوقاتنا، ويسر أقواتنا وسهل معيشتنا، وجنبنا وبلدنا جميع الآفات، وطهرنا من جميع السيئات، وثقل موازيننا بالحسنات.

يا رفيع الدرجات يا عظيم البركات يا ولي الحسنات يا بديع الكائنات يا راحم العبرات.يا مقيل العثرات يا مجيب الدعوات؛ نسألك اللهم عزة ورفعة للإسلام والمسلمين، ونصراً وتأييداً لإخواننا في العراق وفي فلسطين.

اللهم أمنا في دورنا، ووفق إلى الخير والصلاح ولاة أمورنا، واجعل اللهم بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.
 

 

 

 

 

المرفقات

1031

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات