عناصر الخطبة
1/أهمية تعظيم الله وفضله 2/تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة على تعظيم الله 3/مستلزمات ومقتضيات تعظيم الله 4/الحج .. وتعظيم اللهاقتباس
عَظُمَ المسلمون في قلوبِ أعدائِهِم لمَّا عَظَّمُوا اللهَ تعالى- في نُفوسِهِم، وأعمالهِم، وأقوالهِم، فَفَتَحُوا المشارقَ والمغارب، ونالوا من كِسرى وقَيْصَرَ المئارِب، وأَصبحَ دينُ الله في الأرضِ هو الغالب. ثم هَانُوا في قلوبِ الأعداء حِينَ خَفَتَتْ عَظمَةُ اللهِ في قلوبهِم، فانتُهِكَتْ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ العزيزِ الجبار، الواحدِ القهار، الكبيرِ المتعال، ذي العظمةِ والجلال: (وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) [الجاثية: 37].
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، الموصوفُ بصفاتِ الكمال، لا نَجاةَ إلا في طاعتِهِ، ولا عِزَّ إلا في التذلُّلِ لعَظمَتِهِ، وأشهدُ أن سيدَنَا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه صلى اللهُ عليه، وعلى آلِهِ وصحبِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وآل، والتابعينَ لهم، ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا اللهَ -تعالى-، وعَظِّمُوه، واقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِه، فإن تَعظيمَ اللهِ في القلوب، وإجلالَهُ في النفوس مَكْمَنُ قوةِ المؤمنين، وسَبَبُ عِزَّةِ المسلمين، وطريقُ النصرِ المبين.
عَظُمَ المسلمون في قلوبِ أعدائِهِم لمَّا عَظَّمُوا اللهَ تعالى- في نُفوسِهِم، وأعمالهِم، وأقوالهِم، فَفَتَحُوا المشارقَ والمغارب، ونالوا من كِسرى وقَيْصَرَ المئارِب، وأَصبحَ دينُ الله في الأرضِ هو الغالب.
ثم هَانُوا في قلوبِ الأعداء حِينَ خَفَتَتْ عَظمَةُ اللهِ في قلوبهِم، فانتُهِكَتْ محارِمُه، وَعَظَّمَ فِئَامٌ منهم غيرَ اللهِ -تعالى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67].
عبادَ الله: "أصلُ الدينِ مبنيٌ على تعظيمِ اللهِ -تعالى-، وتعظيمِ ما عَظَّمَهُ اللهُ" وقد أَمَرَ سبحانه بتعظيمِه: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 74].
لَهُ العظمةُ والكبرياء، والمجدُ والبَهاء، وعظمةُ كُلِّ عظيمٍ تَضْمَحِلُ في جَانِبِ عَظَمَةِ العلي العظيم.
وكلُ مُعَظّمٍ في الدُنيا إنما يُعَظّمُ لحالٍ دُونَ حال، وفي زمانٍ دون زمان، ولمعنىً دون معنى، فمنهم من يُعَظّمُ لجاهٍ أو سلطان، ومنهم مَنْ يُعَظّمُ لعلمٍ أو مال، وربُّنَا تقدست أسماؤُه يُعَظّمُ في كُلِّ الأحوال، فهو عَظِيمٌ في كُلِّ شيء، عَظِيمٌ في ذاتِه، وفي أسمائِه وصفاتِه، عَظِيمٌ في جَلالِه وكِبْريائِه، عَظِيمٌ في قُوَّتِهِ وقُدْرَتِه، عَظِيمٌ في حِلمِهِ وعَفْوِه، عَظِيمٌ في حِكْمَتِه، وهِبَتِهِ، وعطائِهِ، ولُطفِهِ، وبِرِّهِ، وإحسانِه، عَظيمٌ في عِزَّتِهِ، وعدلِهِ، وحمدِه، فهو العظيمُ المُطْلَق، فلا أحدٌ يساويه، ولا عظيمٌ يدانيه.
وهو العظيمُ بكلِّ مَعْنىً يُوجِبُ التَّ *** عْظِيمَ لا يُحْصيهِ من إنسانِ
وهو الجليلُ فَكُلُّ أوصَافِ الجَلا *** لِ لَهُ مُحَقَّقَةٌ بِلا بُطلانِ
رَبَّى النبيُ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه على تعظيمِ اللهِ -تعالى- في جميعِ شؤونِ حياتِهِم، وتَأمَّلْ ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- من الأدعيةِ والأذكار، تَجِدِ التعظيمَ والإجلالَ والإكبار.
وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ الْكَرْبِ كما في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنها-: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ".
وفيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ".
والتفَّكُرُ في عظمةِ خلقِهِ -سبحانه-، ودقةِ صنعِهِ في الآفاقِ، وفي الأَنْفُس، والتفكرُ في قَهْرِهِ وقَصْمِهِ للجبابرةِ المستكبرين، الغابرين منهم والمعاصرين، داعٍ من دواعي تعظيمه جلَّ جلالُه.
والتعظيمُ الحقُ الكاملُ المطلقُ له وَحْدَه، لا يُعَظَّمُ غيرُهُ كتعظيمِه: "قَالَ اللهُ -عز وجل -: "الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ".
ومن تَعظيمِه سبحانه: نَفْيُ الشركاءِ والأندادِ عنه: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 4].
وإثباتُ ما أثبتَهُ لنفسِهِ في كتابِه، أو على لسانِ رسولِهِ من الأسماءِ والصفاتِ الحُسنى مع تنزيهِهِ وتعظيمِهِ من مُشَابَهةِ أَحَدٍ من خَلقِه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].
ومن تعظيمِه سبحانه: تعظيمُ نصوصِ الكتابِ والسنة، والاستسلامُ لهما، وعدمُ التقدمِ بين يدي اللهِ -تعالى- ورسولِهِ -صلى الله عليه وسلم- برأيٍ أو اجتهاد: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
ومن تعظيمِه سبحانه: اتباعُ ما أَمَرَ به من الطاعاتِ والعبادات، واجتنابُ ما نهى عنه من المعاصي والموبقات، وقد ذَمَّ تبارك وتعالى من لا يُعَظِّمُ أمرَهُ ونَهيَه، فقال: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح: 13] أي: ما لكم لا تخافون لله -تعالى- عظمة.
عبادَ الله: المُعَظِّمُ لربه يستحضِرُ في خلواتِه قولَهُ تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19].
ويجعَلُ نُصْبَ عينيه دَوماً قولَهُ تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يونس: 61].
يُسَارِعُ المعظمُ لرَبِّه إلى تأدِيةِ ما أُمرَ بهِ على الوجهِ المشروعِ، ويحزَنُ على فَوْتِ المأمورِ بهِ، ويبتعدُ عن مَظانِّ النواهي وأسبابِها، وكُلِّ ما يدعوا إليها، ويُجانبُ كُلَّ وسيلةٍ تُقربُ منها، يتجنبُ ما تُخشى الفتنةُ منه، ويَدَعُ ما لا بأسَ بِهِ حذراً مما بِهِ بأس، ويَهْجُرُ من يُجاهرُ بارتكابِ المعاصي، ويحسنُها، أو يتهاونُ بها، ولا يبالي بما ارتكبَ منها.
ويَغْضَبُ المُعَظِّمُ لله إذا انتُهكت محارِمُه، ويجدُ في قلبِهِ حُزْناً وحَسْرَةً إذا عُصي اللهُ في أرضِه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30].
أقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُها المؤمنون: وفي كلِّ عامٍ تَشْرَئِبُ أفئدةُ المسلمينَ لامتثالِ أمرِ ربِ العالمين، فيأتونَ من كُلِّ فَجٍ عميق، قاصدينَ بيتَهُ العتيق، تعظيماً لشعائِرِ الله؛ حيثُ فرضَ اللهُ الحجَ على عبادِه، فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97].
ركنٌ من أركانِ الإسلام، ومبانيِه العِظَام، يجبُ مرةً واحدةً في عُمُرِ الإنسان، ومُبَادَرَةُ المُكَلَّفِ المستطيعِ إلى أدائِهِ من تعظيمِ الواحدِ المنان.
عباد الله: تَتجلى في الحجَ أعظمُ صورِ التعظيمِ لربِ العالمين، عبادَةٌ مُعَظَّمَةٌ، في زَمَنٍ مُعَظَّم، ومكان مُحَرَّم.
عَظَّمَ الحاجُ رَبَّهُ حِينَ قَصَدَهُ وتَوجَّهَ إليه، وعَظَّمَهُ حِينَ لَبَّا لَهُ مُحْرِمَاً لبيك اللهم لبيك.
يَجتَنِبُ الحاجُ المحظورات، والتي كانت قبلَ إحرامِهِ من المباحات تعظيماً لله -تعالى-، ويتَتَبعُ هَدْيَ النبيِ -صلى الله عليه وسلم- في الطوافِ، والسعيِ، والمبيتِ، والوقوفِ بعرفةَ، ورميِ الجمارِ، ونَحْرِ الهديِ تعظيماً لله -تعالى-.
يَسْتَشْعِرُ الحاجُ عَظَمَةَ اللِه -تعالى- حين يرى الخلائِقَ، والحُجاجَ مجتمعين على صعيدِ عرفات، كُلُّهم يُنَادي رَبَّهُ بألسنةٍ مُختلفة، ومَطَالِبَ مُتعدِّدَة، يَستحضِرُ قولَ اللهِ -تعالى- كما في الحديث القدسي في صحيح مسلم: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ".
ويُعظِّم المتقون شعائر العظيم سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
جعلنا الله وإياكم ممن يعظم شعائرَ الله وحرماتِه، ويقفُ عند حدودِه وآياتِه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وارْضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن سائرِ أصحابِ نبيك أجمعين، وعنا معهم بفضلك وإحسانك وجودك يا أرحمَ الراحمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم