تعظيم الصلاة

يحيى بن إبراهيم الشيخي

2024-08-16 - 1446/02/12 2024-08-01 - 1446/01/26
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/مكانة الصلاة في الإسلام 2/من صور تعظيم الصلاة 3/من آداب الصلاة 4/الحث على المحافظة على الصلاة

اقتباس

تبدأ نهارك بالصلاة، وتبدأ ليلك بالصلاة، أول ما يؤمر به الصغير من الدين الصلاة، وأول ما تُسأل عنه يوم القيامة الصلاة، تجدب الأرض فنُصلِّي، وتُكسَف الشمس فنُصلِّي، نستخير في الأمر بالصلاة، ونستقبل العيد بالصلاة، نصلي في الحَضَر والسَّفَر، والخوف والمطر...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- وطاعته؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: الصلاة عمود الدين، فإذا صلحت الصلاة صلح سائر الأعمال، وإذا فسدت فسد سائر الأعمال، وهي رأس مال العبد، متى أهملها ولم يحافظ عليها أفلس وخسر، ومتى حافظ عليها أفلح ونجح.

 

عباد الله: لقد أثنى الله على المحافظين على الصلاة، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[المعارج: 34]، وأثنى الله على الخاشعين في صلاتهم، فقال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1، 2]، وحذَّر الله المتأخرين عن أداء الصلاة، فقال -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4، 5]، ولعظم أهمية الصلاة لم تفرض في الأرض كغيرها؛ بل فرضت في السماء السابعة ليلة المعراج، وهي الصلة بين العبد وربه، ففي الحديث: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"(صحيح الجامع).

 

عباد الله: كلكم يدرك أهمية الصلاة، وقلَّ أن تجد رجلًا أو امرأة يتخلَّى عنها إلا من كان في عقله خلل، نسأل الله العافية.

 

عباد الله: كلنا يدعي حب الإسلام، فيا عبد الله: إذا أردت أن تعرف قدر رغبتك في الإسلام وحبك للإسلام واعتزازك بالإسلام، ففتِّش عن رغبتك في الصلاة واهتمامك بها، فإن قَدْر الإسلام في قلبك كقَدْر الصلاة في قلبك، يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ أرادَ أنْ يعلَمَ ما له عند الله فليَنْظُرْ ما لله عنده"(حديث حسن)، فإذا أردت أن تعرف منزلتك أو ثوابك أو عقابك عند الله فانظُر ما لله عندك، كيف تفعل أنت مع الفرائض؟ هل تحزن إذا فاتتك صلاة مع الجماعة؟ وكيف أنت مع الواجبات، وسائر حقوق الله -تبارك وتعالى-؟ فإن الجزاء من جنس العمل، وعن الحسن قال: "يا بن آدم، أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتُك؟!".

 

قد فرض الله الصلاة من فوق سبع سماوات، وفارق النبي -صلى الله عليه وسلم- الدنيا وهو يُوصي أصحابه والمؤمنين من بعده قائلًا: "الصلاةَ الصلاةَ وما مَلَكَتْ أيمانُكم"، تبدأ نهارك بالصلاة، وتبدأ ليلك بالصلاة، أول ما يؤمر به الصغير من الدين الصلاة، وأول ما تُسأل عنه يوم القيامة الصلاة، تجدب الأرض فنُصلِّي، وتُكسَف الشمس فنُصلِّي، نستخير في الأمر بالصلاة، ونستقبل العيد بالصلاة، نصلي في الحَضَر والسَّفَر، والخوف والمطر، نودِّع موتانا بالصلاة، وننثر شكوانا في الصلاة، فبالله عليكم كيف يعيش مَنْ لا يُصلِّي؟!.

 

كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق: "إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، فهل تُعظِّم الصلاة؟.

 

من صور تعظيم الصلاة: التبكير إلى المسجد، والصلاة في الصف الأول؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن: "إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأوَّلِ"؛ قالوا: يا رسولَ اللهِ، وعلى الثاني؟ قال: "إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأولِ"؛ قالوا: يا رسولَ اللهِ وعلى الثاني؟ قال: "وعلى الثاني"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدُوا إلا أن يستهِمُوا عليه لاسْتهَموا عليه، ولو يعلمون ما في التهْجيرِ -يعني التبكير إلى الصلاة- لاسْتبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَةِ -العشاء- والصبحِ لأتوْهما ولو حبْوًا"(رواه البخاري).

 

ومن صور تعظيم الصلاة: ذكر الله بعد الفراغ منها بالأذكار المشهورة؛ من الاستغفار، وقراءة آية الكرسي، والمعوذات وغيرها، فإن الإنسان لا يخلو من تقصير في صلاته؛ فلهذا شرع له أن يستغفر ثلاثًا، ثم يأتي بالأذكار الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 

ومن صور تعظيم الصلاة: المحافظة على السنن الرواتب، عن أم حبيبةَ أمِّ المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن صلَّى اثنتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ؛ بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة"(رواه مسلم).

 

ومن صور تعظيم الصلاة: التوقف عن سائر الأعمال الدنيوية حين سماع الأذان والذهاب إلى الصلاة؛ قال عدي بن حاتم: "ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء"، وكان إبراهيم بن ميمون أحد المحدِّثين يعمل صائغًا يطرق الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء وضعها ولم يردها، وقال سعيد: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد".

 

فاللهَ اللهَ في الصلاة، حافظوا عليها وعظِّموها في نفوسكم ففيها سعادة الدنيا والآخرة.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

عباد الله: فمن صور تعظيم الصلاة: حسن أدائها؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ يحبُّ إذا عملَ أحدُكم عملًا أن يُتْقِنُه"(صححه الألباني)، والصلاة من أفضل الأعمال.

 

ومن ذلك: عند دخوله المسجد أن يستشعر بأنه دخل بيتًا من بيوت الله، وأنه سيُناجي الله بكلامه، وسيقف يعرض همومه لله، فمن كانت حاله هذه فلا بد أن يُظهِر الانكسار والخشوع لله، وتعظيم هذه العبادة، وإذا جلست في بيت الله تنتظر الصلاة، فانشغل بذكر الله واترك الكلام والضحك، فاحترم صاحب الدار وتأدَّب معه.

 

ومنها: إذا دخل في الصف قبل أن يكبر أن ينظر إلى جاره فيقترب منه بقدر الاستطاعة، ويحاذي منكبه بمنكبه، وقدمه بقدم جاره، والمحاذاة لا تكون بالأصابع وإنما بالأعقاب؛ لأن الإنسان مركب على عقبه وخاصة في بداية الصلاة، ولكن دون تكلف ومشقة، والمستحب تلامس الأكتاف فبها يتحقق التقارب، ومن الملاحظ تساهل بعض المصلين في ترك فرجًا واضحة ربما لو دخل طفلًا فيها لوسعته، فلا تقطعوا صفوفكم، تقاربوا -يا عباد الله- ولا تتركوا بينكم فرجًا، ففي الحديث: "أقيمُوا الصُّفوفَ، وحاذُوا بينَ المنَاكِبِ، وسدُّوا الخللَ، ولِينُوا بأيدِي إخوانِكم، ولا تذرُوا فرجاتٍ للشيطانِ، ومَنْ وصلَ صفًّا وصلَهُ اللهُ، ومَنْ قطعَ صفًّا قطعَهُ اللهُ"(إسناده صحيح)؛ ومعنى قطعه الله؛ أي: من رحمته، فهل تحرم نفسك من رحمة الله بتساهلك في أمر هين؟! كان يقول: "سدُّوا الفرج؛ فإن الشياطين تدخل بين المسلمين في الفرج، كأولاد الغنم"، ويقول: "ألا تصفوا كما تصف الملائكة عند ربها؟"؛ قالوا: يا رسول الله، كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمُّون الصفوفَ الأوَلَ، ويتراصُّون".

 

فاللهَ اللهَ -يا عبد الله-، هذه صلاتك أمرها يهمك، وبها نجاحك وفلاحك فلا تتهاون بها، فأنت يوم القيامة أحوج ما تكون إليها؛ قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1، 2]، جعلني الله وإياكم من الخاشعين في صلواتنا.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

المرفقات

تعظيم الصلاة.doc

تعظيم الصلاة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات