تعريفات السنة النبوية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام الأتمان على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

 

فقد اتَّسعت السُّنة النبوية لتضمَّ علوماً وفنوناً متعدِّدة؛ فيأخذ منها كلُّ صاحب علمٍ أو فنٍّ مُرادَه وبُغيته؛ لذا اختلفت عباراتُ العلماء في تعريف السُّنة سواء كان ذلك بالمعنى اللغوي أو الاصطلاحي تَبَعاً لاختلافِ أغراضهم، وتنوُّعِ فُنونهم وتخصُّصاتِهم - وهذا من عظمة السُّنة النَّبوية - حيث اصطلح اللغويون على تعريفٍ، والمحدِّثون على تعريفٍ، والأصوليُّون على تعريفٍ، وكذا الفقهاءُ، وذلك كما يلي:

 

 

أولاً: تعريف السنة عند (اللغويين):

 

السُّنة في الأصل مأخوذة من السَّنن، وهو الطَّريق والوجه والقصد[1]، وقد أُطلقت على عدَّة معانٍ، ومن أهمِّها:

 

1- الطَّريقة والسِّيرة: حميدة كانت أو ذميمة[2]:

 

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ)[3].

 

 

 

2- العادة المُتَّبعَة[4]:

 

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ﴾ [الكهف: ٥٥].

 

 

 

قال القرطبي - رحمه الله -: (سُنَّة الأوَّلين: عادة الأوَّلين في عذاب الاستئصال)[5].

 

 

 

وقد ذَكَرَ الرازي - رحمه الله - ثلاثةَ أوجهٍ في اشتقاق لفظ السُّنة:

 

أوَّلها: أنَّها فَعْلَة بمعنى مفعولة، من: سَنَّ الماءَ يسنُّه: إذا والى في صبِّه، والعرب شبَّهت الطَّريقة المستقيمة بالماء المصبوب.

 

 

 

وثانيها: أنْ تكون من: سننتُ النَّصل والسِّنان أسنُّه سنًّا فهو مسنون: إذا أحددته على المسن، فالفِعل المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم سُمِّي سُنَّةً على معنى أنَّه مسنون.

 

 

 

وثالثها: أن يكون من قولهم: سَنَّ الإبلَ، إذا أحسن رعيها. والفعل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم سُمِّي سُنَّة بمعنى أنَّه صلى الله عليه وسلم أحسن رعايته وإدامته[6].

 

 

 

خلاصة المعنى اللُّغوي:

 

نخلص من خلال استعراض المعنى اللُّغوي لمادَّة (سنن) إلى أنَّ السُّنة يُقصد بها الطريقة، والعادة المُتَّبعة، والمنهج المسلوك، وحتى تصير سُنَّةً لا بد من توافر شرطين أساسين:

 

الأول: استقامتُها؛ كسِنِّ الرُّمح، واتصال صبِّ الماء، حيث يسيران في خطٍّ مستقيم.

 

 

 

الثاني: دوامُها، أي: المداومة على فِعلها.

 

ولا فرق بين كون الطريقة أو العادة أو المنهج؛ محموداً أو مذموماً، حيث الوصف زائد على المعنى بحسب الحال.

 

 

 

ثانياً: تعريف السنة عند (المحدِّثين):

 

ما أُثِرَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ، أو فِعْلٍ، أو تقريرٍ، أو صِفةٍ خَلْقِيَّةٍ، أو سِيرةٍ سواء كان قبل البعثة أو بعدها[7].

 

 

 

وهذا التَّعريف للسُّنة - عند المحدِّثين - ينطبق تماماً على الحديث، فهُما مترادفان، يُوضع أحدهما مكان الآخر[8].

 

 

 

وهذا يعني: أنَّ المحدِّثين لم يُفرِّقوا بين السنة وبين الحديث عند تعريفهما، وهذا يتوافق مع منهج المحدِّثين في تناول السنة النبوية ودراستِها؛ إذ يُصبح أكثر استيعاباً وشمولاً للأحاديث النبوية دون تقطيع أو تجزيء لها حسب موضوعها؛ كما عند غيرهم من أصحاب الفنون الأخرى.

 

 

 

ثالثاً: تعريف السُّنة عند (الأصوليين):

 

ما صدر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن الكريم، من قولٍ أو فِعلٍ أو تقريرٍ، مِمَّا يصلح أن يكون دليلاً لِحُكمٍ شرعي[9].

 

 

 

فالأصوليون اهتمُّوا بأقوال النَّبي صلى الله عليه وسلم وأفعالِه وتقريراته التي تُثبت الأحكام وتُقرِّرها، باعتباره صلى الله عليه وسلم هو المُشَرِّع الذي يضع القواعدَ للمجتهدين[10].

 

 

 

وهذا يعني: الأخذ من الأحاديث النبوية ما يصلح أن يكون دليلاً شرعيًّا، وبالتالي يخرج منها أحاديث الفضائل والآداب وغيرها ممَّا لا يُناط به حُكْمٌ شرعي.

 

 

 

رابعاً: تعريف السُّنة عند (الفقهاء):

 

كلُّ ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن فرضاً أو واجباً؛ كالمندوب والمُستحب والتَّطوع والنَّفل[11]. فالسُّنة عند الفقهاء يُثاب فاعلها، ولا يُعاقب تاركها.

 

 

 

ولا ريب أنَّ اصطلاح المحدِّثين هو أوسع الاصطلاحات لتعريف السُّنة، وأجمع لجوانبها وأشمل، وهو ما قصدنا إليه عند شروعنا في تناول السنة النبوية من خلال هذا الكتاب؛ اعترافاً بعظمَتِها، وإيماناً بمكانتِها، ووفاءً لصاحبِها صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

فأقواله صلى الله عليه وسلم؛ كحديث: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)[12]، وأفعاله؛ كأداء الصَّلوات، وتقريراته؛ كإقراره لِلَعِبِ الحبشة بالحِراب في المسجد أيَّام الأعياد[13].

 

 

 

(وأمِّا صِفاته؛ فمنها: غير الاختياريَّة كحركات الأعضاء ممَّا وَضَحَ فيه أمر الجِبِلَّة ولا يتعلَّق بالعبادات كالقيام والقعود، ومنها: ما يحتمل أن تخرج من الجِبِلَّة إلى التَّشريع بمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها على هيئة مخصوصة كالأكل والشُّرب والنَّوم واللُّبس، وتكون في هذه الحالة داخلة في أفعاله.

 

 

 

وأمَّا سِيرته قبل البعثة؛ فكتحنُّثه في غار حِراء اللَّيالي ذوات العدد[14])[15].

 

 

 

خلاصة المعنى الاصطلاحي:

 

1- اتِّساع السنة النبوية لتشمل فنوناً وعلوماً مختلفة.

 

 

 

2- أخذُ كلِّ صاحب فنٍّ أو علمٍ من السنة ما يناسب فَنَّه وعِلمَه.

 

 

 

3- التَّناسب الدَّقيق بين العلم وبين ما يحتاجه من السنة النبوية يدل على (عظمة السنة) وقُدرتها على استيعاب علوم عدَّة، ووفائها بمتطلَّبات هذا الفن.

 

 

 

4- لا تجوز المقارنة بين العلوم المَبنيَّة على الأخذ من السنة على أساسٍ من التَّفاضل، وإنما تتِمُّ المقارنة على أساسٍ من التَّمايز، حيث يُكمِّل كلُّ علمٍ الآخرَ، ويخدم الجُزئيةَ التي يتناولها حسب المنهج الموضوع، والمُتَّبع في كلِّ علمٍ على حدة.

 

[1] انظر: لسان العرب، (13 /226).

 

[2] انظر: المصباح المنير، (ص292).

 

[3] رواه مسلم، (2 /705)، (ح1017).

 

[4] انظر: لسان العرب، (13 /225).

 

[5] الجامع لأحكام القرآن، (11/6).

 

[6] انظر: التفسير الكبير، (9 /10-11).

 

[7] انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي (ص47)؛ مكانة السنة

 

في التشريع الإسلامي، د. محمد لقمان السلفي، (ص17).

 

[8] انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، (ص47).

 

[9] انظر: الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي (1 /227)؛ إرشاد الفحول إلى

 

تحقيق علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني (ص29).

 

[10] انظر: مكانة السنة في التشريع الإسلامي، (ص15).

 

[11] انظر: إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، (ص33).

 

[12] رواه البخاري، واللفظ له (1 /3)، (ح1)؛ ومسلم، (3 /1515)، (ح1907).

 

[13] رواه البخاري، (3 /1063)، (ح2745)؛ ومسلم، (2 /610)، (ح893).

 

[14] رواه البخاري، (4 /1894)، (ح4670).

 

[15] موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، د. الأمين الصادق الأمين (ص30).

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات