عناصر الخطبة
1/تكريم لله للإنسان 2/وجوب الحفاظ على النفس وتحريم قتلها وكل وسيلة تؤذيها 3/مخاطر التدخين وآثاره السيئة وعواقبه الوخيمة 4/تحريم بيع الدخان والاتجار به واستيرادهاقتباس
إنه يحرق البدن من الداخل، فيحرق الرئة ويتلفها، ويسدُّ الشرايين والأوردة، ويفتك بالقلب، ويقتل خلايا المخ، ويلتف الأعصاب، وغيرها. وله أثره الاجتماعي لما يسببه من نفور مَن حوله مِن رائحته، وما فيه من إيذاء، وتأثيرٍ ضار على من يصاحبُه، فيتأثرُوا بأضرار تلك المادة وإن لم يتعاطوها. إنها آفة استشرت بين الناس، تهاونوا في تعاطيها مع خطرها وضررها، وغفلوا أو تغافلوا عن حكمها، وهي لا تقل عن الخمر في التحريم؛ ألا إنها آفة...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: واعلموا أن الله -تعالى- بدأ خلق الإنسان من طين، ثم تكرَّم عليه بفضله، وامتن عليه بإحسانه فجعله في أحسن خلقة، وأكمل صورة: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين:4].
وكثير من الناس لما رأى ما آتاه الله من قوة وجمال وكمال، اغتر بقوته، وأعجب بجماله، فطغى تكبر، وتغطرس وتجبر، فعاتبه ربه، فقال: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ)[الانفطار: 6-8].
وقد أمر الله -تعالى- بالحفاظ على هذه الأبدان التي أحسن الله -تعالى- خلقها، وجعله مطلب شرعي، فنهى الله -تعالى- عن قتلها، فقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)النساء: 29].
وفي الصحيحين من حديث أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَديدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِها في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا".
ونَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سطحٍ لَيْسَ بمحجورٍ عَلَيْهِ.
فلا يجوز أن ينام إنسان على سطح منزله إذا كان ليس له أسوار تحوطه، مخافة أن يسقط فتكون فيه هلكته، أو يتأذى من ذلك السقوط، حفاظاً على النفس البشرية.
وحرم الله -تعالى- كل ما يؤذي الإنسان، فحرم الله الخمر لما يسببه من ذهاب للعقل، ووقوع العداوات، والاعتداءات على النفس والعرض، والتخلف عن الصلاة، والبعد عن ذكر الله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ? فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90-91].
لذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قليله وكثيره، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أسكَرَ كثيرُهُ فقَليلُه حرامٌ".
عباد الله: إن بعض الناس قد يتعاطون مادة قاتلة، تسري في جسم الإنسان، وتفتك به، ولكن على مهلٍ رويداً رويداً، سمٌّ بطيء المفعول، لكنه أكيد الضرر، فهو يحرق مال مَن اشتراه ويتلفه؛ لأنه أنفقه بما فيه ضرره، ويؤذيه في صحته.
إنه يحرق البدن من الداخل، فيحرق الرئة ويتلفها، ويسدُّ الشرايين والأوردة، ويفتك بالقلب، ويقتل خلايا المخ، ويلتف الأعصاب، وغيرها.
وله أثره الاجتماعي لما يسببه من نفور مَن حوله مِن رائحته، وما فيه من إيذاء، وتأثيرٍ ضار على من يصاحبُه، فيتأثرُوا بأضرار تلك المادة وإن لم يتعاطوها.
إنها آفة استشرت بين الناس، تهاونوا في تعاطيها مع خطرها وضررها، وغفلوا أو تغافلوا عن حكمها، وهي لا تقل عن الخمر في التحريم؛ ألا إنها آفة التدخين القاتلة.
نسأل الله -تعالى- السلامة والعافية منها.
الدخان خبيث، وربكم يقول: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الأعراف: 157].
الدخان إسراف، والله يقول: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام: 141].
الدخان إضاعة للمال، الله -تعالى- يقول: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الإسراء: 26-27].
وحرق ريال واحد في الهواء يعتبر سفهاً، ويحجر على فاعله، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)[النساء: 5].
وحرق آلاف الملايين كل عام يعتبر منتهى السفه، وبخاصة أن الملايين من أفراد الأمة يموتون من المسغبة ولا يجدون ضروريات الحياة.
الدخان قتل للنفس، والله -تعالى- يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء: 29-30].
الدخان إيذاء للأهل والأصحاب، وربك -جل وعلا- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 58].
فكيف ترضى لنفسك -أخي المدخن-: بأذية عباد الله عندما تدخن، فتلوث الهواء، وتجرح مشاعر الآخرين، وتؤذيهم بالأنفاس الكريهة؟!.
والمساجد بيوت الله، أمرنا أن نأخذ زينتنا إذا أتيناها، ونهينا أن نقرب المساجد حال أكل الثوم أو البصل مع أنهما مباحان، حفاظاً على مشاعر المصلين، وحذراً من أذيتهم، في صحيح مسلم قَال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ".
فكيف يسوغ لك -أيها الحبيب-: أن تدخل المسجد وقد تعاطيت التدخين فتؤذي عباد الله المؤمنين، وملائكة رب العالمين؟!.
ثم -يا أخي الكريم-: هب أنك وقفت أمام مسئول كبير، أو أمام شخص تجله وتستحي منه، بأي صورة ستظهر أمامه؟
لا شك أنك ستظهر بالمظهر اللائق من حسن الهندام، وطيب الرائحة، فكيف إذا وقفت في الصلاة أمام جبار الأرض والسموات، ورائحة الدخان تنبعث منك؟ فأين إجلال الله؟ وأين وقاره في قلبك؟
زوجتك الحانية التي وهبتك حبها الطاهر، وأشرقت عليك بحنانها وعطفها، وفتحت لك قلبها، تحرص على رضاك وإسعادك، فلا تظهر أمامك إلا بأبهى حلة وأزكى رائحة، فهل ترضى -أيها المحب-: إذا دخلت بيتك أن تستقبلك زوجتك بثياب المطبخ، وأن تأتي إليك بروائح لا تروق لك؟
لا أظنك ترضى بهذا.
إذًا فأين العدل؟ وأنت تأتيها ورائحتك تفوح من الدخان الخبيث، وربما دخنت وأنت معها على سرير نومكما، أما سمعت قول ربك: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228].
وبعد ما ذكر هل يستطيع المدخنون أن يعطونا فائدة واحدة أو بعضُ فائدة في تعاطي الدخان؟
فيا أسفاه كيف غابت العقول، وسفهت الأحلام؟!.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات الحكيمة، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، أحمدُه سبحانه وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وأشهد أن حبيبنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه كلما أضاء قمر، وانشق فجر.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: واعلموا -أحبتي- أنه كما يحرم تعاطي الدخان، فإنه يحرم بيعه والاتّجار به، واستيراده، وثمنه سحت، والاتّجار به مَقْتٌ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِنَّ اللهَ -عز وجل- إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ"[رواه الإمام أحمد وأبو داود].
فالذي يبيع الدخان قد ارتكب أكثر من جريمة، ووقع في أكثر من كبيرة:
الذي يبيع الدخان يعمل على ترويجه بين المسلمين، ويجلب إليهم مادة فساد، والله -تعالى- يقول: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: 77].
الذي يبيع الدخان معين لمتعاطيه على قتل نفسه، وإيذاء من حوله، والله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
بائع الدخان يأكل من ثمنه مالاً حراماً، ويجمع ثروة محرمة، والإنسان يوم القيامة سيسأل عما عن ماله، كيف جمعه وفي أي شيء أنفقه؛ ففي جامع الترمذي وغيره عَنْ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- أَنّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ،.. ".
فاتق الله -يا عبدالله-: فلا تأكل إلا حلالًا، ولا تبِع إلا حلالًا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2 – 3].
ربنا آتنا في الدنيا حسنة...
ألا وصلوا -عباد الله-: على رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم