تطاير الصحف

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أهمية الإيمان بيوم القيامة والاستعداد له 2/ الإيمان بتطاير الصحف يوم القيامة 3/ اختلاف أحوال العباد في تلقيهم لكتب أعمالهم.

اقتباس

إنَّ من العلوم الضرورية للعبد في هذه الحياة؛ علم الآخرة، علم الجزاء والحساب، علم الوقوف بين يدي الله جل في علاه، وما يكون في ذلك اليوم من أهوالٍ وأحوال وأمور ينبغي على العبد أن يكون على علم بها ودراية ليعد لذلك اليوم عدته، .. وإن من أمور الآخرة نشر دواوين العباد وصحائف أعمالهم التي أتت على أعمالهم كلها كتابة فلا تخرم ولا تُنقص من عمل المرء الذي قدَّمه شيئا، بل كل الأعمال تكون مسطرة مدوَّنة في كتابٍ يلقاه العبد يوم القيامة يوم وقوفه بين يدي الله جل في علاه...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)[البقرة:281] فيه توفيةٌ للمرء بعمله خيره وشره صالحه وسيئه في كتابٍ جامع لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعمال العبد إلا أحصاها ثم يوفى عمله يوم وقوفه بين يدي الله -عز وجل-.

 

أيها المؤمنون عباد الله: إنَّ من العلوم الضرورية للعبد في هذه الحياة؛ علم الآخرة، علم الجزاء والحساب، علم الوقوف بين يدي الله جل في علاه، وما يكون في ذلك اليوم من أهوالٍ وأحوال وأمور ينبغي على العبد أن يكون على علم بها ودراية ليعد لذلك اليوم عدته وليهيئ له عمله، ولئلا يندم في موطن لا ينفع فيه الندم (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة:197].

 

أيها المؤمنون عباد الله: وإن من أمور الآخرة نشر دواوين العباد وصحائف أعمالهم التي أتت على أعمالهم كلها كتابة فلا تخرم ولا تُنقص من عمل المرء الذي قدَّمه شيئا، بل كل الأعمال تكون مسطرة مدوَّنة في كتابٍ يلقاه العبد يوم القيامة يوم وقوفه بين يدي الله جل في علاه.

 

أيها المؤمنون: وهذا الكتاب -كتاب العبد- منشورٌ في هذه الحياة تكتب فيه الملائكة أعمال العبد كلها، فإذا مات العبد طُوي كتابه وطُويت صحيفة عمله، فإذا بُعث يوم القيامة نُشر له الكتاب ورأى عمله حاضرا وما قدَّم في هذه الحياة بارزا كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) [التكوير: 10] أي: يوم الوقوف بين يدي الله -جل في علاه-، وقال الله تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء:13-14]، قال الحسن البصري -رحمه الله-: «أنصفك ربك حيث جعلك حسيبًا على نفسك».

 

أيها المؤمنون: وهذا الكتاب الذي يُنشر يوم القيامة يقرؤه كل امرئ، سواءً كان قارئا أو غير قارئ.

 

معاشر المؤمنين: إنَّ يوم القيامة يومٌ تتطاير فيه صحف الأعمال ودواوينها، فكلٌ يلقَّى كتابه وكلٌ يجد عمله مستنسخًا مكتوبا (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية:29].

 

أيها المؤمنون عباد الله: وفي ذلك اليوم العصيب ينقسم الناس في أمر الكتاب إلى قسمين:

قسمٌ يلقَّى كتابه بيمينه فيفرح فرحًا لا نظير له ويسعد سعادةً عظيمة لأن تلقي الكتاب باليمين عَلَم السعادة ودليل الفوز.

 

وقسمٌ يا معاشر المؤمنين يعطون كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم خزيًا لهم ونكالًا وفضيحة وخيبة وخسرانا.

 

قال الله سبحانه وتعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)[الحاقة: 18-37].

 

أيها المؤمنون: الناس في هذه الحياة في سير وكدح وعمل، ويوم القيامة يوم التوفية والحساب، توفية كل عاملٍ بما عمل (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)[النجم:31]، (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)[طه:15]. يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)[الانشقاق: 6-15].

 

فانظروا يا معاشر المؤمنين إلى هذا الخزي والنكال؛ يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره تُلوى يده وراء ظهره ويعطى كتابه بهذه الصفة خزيًا له ونكالا، بخلاف المؤمن الذي شرَّفه الله في هذه الحياة الدنيا بالإيمان والطاعة وشرَّفه يوم القيامة بهذا السرور العظيم فيلقى كتابه بيمينه من أمامه في صورةٍ مشرفة وهيئةٍ مفرحة وحالٍ مبهجة.

 

منَّ الله علينا أجمعين بمنِّه وكرمه بالأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات والتوفيق يوم العرض عليه بأن نؤتى كتبنا باليمين. اللهم لا تخزنا يوم الدين، اللهم لا تخزنا يوم العرض عليك، اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والمن والعطاء، أحمده جل في علاه حمدًا كثيرًا طيبا مباركا فيه، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد عباد الله: اتقوا الله –تعالى- وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة عبدٍ يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه، وتذكروا دوما الوقوف بين يدي الله، والجزاء وأهواله، ويوم القيامة وأحواله، وتوهموا أنفسكم وتخيلوا حالكم وقد وقفتم بين يدي الله تُعرضون عليه صفا محاسِبًا لكم على أعمالكم كلها في يوم الجزاء والحساب، في يومٍ يلقى كل عامل عمله ويوفى حسابه.

 

 فليعمل المرء لذلك اليوم عملًا لا يكون فيه ندامة بل يكون له فيه الفرح والسرور والسعادة والراحة، وليحذر من التفريط والتسويف فإن العاقبة وخيمة والمغبَّة جسيمة والخزي عظيم. أعاذنا الله أجمعين من خزي يوم الدين، اللهم لا تخزنا يوم يبعثون، اللهم لا تخزنا يوم يبعثون، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم يا رب العالمين احفظ وانصر إخواننا المجاهدين المرابطين على حدود البلاد، اللهم انصرهم نصرًا مؤيدا، اللهم انصرهم نصرا مؤزرا، اللهم أيِّدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسره، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا رحمن يا رحيم يا ولي يا حميد يا واسع المن والعطاء يا رب العالمين؛ اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين.

 

 اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نسألك غيثاً مُغيثا، هنيئًا مريئا، سحًا طبَقا، نافعًا غير ضار، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات

الصحف

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات