تطاول السفهاء على العلماء

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/ الوعد بغلَبة الإسلام 2/ استماتة الكفار في نشرِ الباطل وحربِ المسلمين 3/ الحملات الكفرية المنظمة ضد الإسلام لظهوره وانتشاره 4/ الحملة الصحفية الجريئة المنظمة ضد الدعوة السلفية ورموزها وعلمائها في البلاد 5/ تفنيد ادعاء المفسدين الإصلاح والتجديد 6/ وجوب تعاون المسلمين وتكاتفهم للتصدي لهذه الحملة

اقتباس

والراصد لهذه الظاهرة المتنامية يلحظ أن بداية هذا الإجرام المقنن كانت بالجرأة الصحفية والإعلامية التي يقوم على سُدتها متصوفة ليبراليون يدعمون أي توجه باطني منحرف شريطة أن يطعن في المنهج الذي أُسست عليه هذه الدولة المباركة، ويشكك في الدستور الذي تعتمده، وابتدأ ذلك بنقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى باعتباره القامة الشامخة السلفية الأثرية في المواءمة بين النص والعقل، وتعظيم النص، وإخضاع العقل للوحي ..

 

 

 

 

 

الحمد لله العليم الخبير؛ قسم بين عباده دينهم وأخلاقهم كما ضرب لهم آجالهم، وكفل أرزاقهم، فمنهم مؤمن وكافر، وبر وفاجر، ومصلح ومفسد، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [التغابن:2]، نحمده سبحانه على نعمة الإيمان والهداية، ونشكره على الرعاية والكفاية.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظم حلمه على عباده فأمهلهم، ولو شاء لعذبهم، يعافيهم ويرزقهم فيكفرونه ولا يشكرونه، ويعادون أولياءه، ويوالون أعداءه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛لم يورث دينارا ولا درهما ولكنه ورث القرآن والسنة، فمَن حاز علمهما فقد حاز ميراث النبوة.

قال سليمان بن مهران -رحمه الله تعالى-: بينما ابن مسعود يوما معه نفر من أصحابه إذ مرَّ أعرابي فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: على ميراث محمد -صلى الله عليه وسلم- يقسمونه. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن في تقواه عصمة من الفتن، وحفظ للنعم، ورفع للنقم، ودفع للعذاب، واستدرار للأرزاق، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].

أيها الناس: بعث الله تعالى رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة، وارتضى أن يكون دينُه دينَ الحقِ إلى آخر الزمان: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [المائدة:48]، ولن يقبل الله تعالى أي دين سواه (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

وقضى -سبحانه- بعزة هذا الدين وغلبته وعلوه على كل الأديان المحرفة والمخترعة، وكل الفلسفات والأفكار المحدثة: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ) [الصَّفات:173]، وفي آية أخرى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا) [غافر:51]، وفي ثالثة: (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة:21]، وفي آية رابعة: (وَلله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8].

والوعد بغلبة جند الرحمن، ونصر الله تعالى للرسل والمؤمنين، وعزتهم، هو وعد بنصر دين الإسلام وبقائه وظهوره وعلوه على سائر الأديان والأفكار، وانتشاره في سائر الأقطار، وهذا ما وقع وسيقع إلى آخر الزمان، كما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الْمِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لاَ يَبْقَى على ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إلا أَدْخَلَهُ الله كَلِمَةَ الإِسْلاَمِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أو ذُلِّ ذَلِيلٍ إما يُعِزُّهُمُ الله عز وجل فَيَجْعَلُهُمْ من أَهْلِهَا أو يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لها" رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم.

ولا يعني ذلك استسلامَ الكفار والمنافقين، وكفهم عن محاربة الإسلام وأهله فإنهم لن يكفوا عن ذلك إلى آخر الزمان، مستميتين في طمس دين الله تعالى وتبديله وتحريفه، جادين في إخراج الناس من دينهم إلى أديانِ الهوى والشيطان: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، وفي آية أخرى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، وفي ثالثة: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [آل عمران:69]، وفي رابعة: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) [الكهف:20].

ولا بد أن يجد أهل الإيمان من أهل الكفر والنفاق أنواع الأذى، وقالة السوء فيهم وفي ربهم -سبحانه وتعالى-، وفي نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وفي دينهم دين الإسلام، وفي كتاب الله تعالى، فتلك عادة أعداء الرسل وأولياء الشيطان مع أتباع الرسل وأولياء الرحمن -سبحانه وتعالى-: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2]، وفي آية أخرى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى) [آل عمران:111]، وفي آية ثالثة: (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا) [آل عمران:186].

ومن رأى الحملات المنظمة المتتابعة من قبل الكفار والمنافقين على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى الدِّين الذي بلَّغه، وعلى حمَلة هذا الدين من العلماء والدعاة، أيقن بمنطوق هذه الآيات الكريمة التي أفادت أن الأذى سيقع من الكفار والمنافقين على المؤمنين في دينهم.

لقد أغاظ أعداءَ الإسلام من كفار أهل الكتاب والمنافقين والشهوانيين ظهورُ دين الإسلام وعلوه وانتشارُه في الأرض، رغم حملات الطعن والصد والتشويه، ومحاولات التبديل والتحريف، فكان دين الله تعالى أسرع الأديان انتشارا في الأرض، وقد تجاوز عددُ المسلمين عددَ الكاثوليك أكثرِ أمم النصارى، والمرجعية المعتمدة لدينهم، فصعَّدوا من حملتهم على الإسلام، وجعلته القوى الرأسمالية الليبرالية والصهيونية التوراتية والإنجيلية العدو الأول والأوحد عقب سقوط الشيوعية، وكان عداؤهم له يتخذ أشكالا عدة، يقتسمون فيها مهامهم، ويصعّدون من عدائهم الشيء بعد الشيء، ويعينهم على عدائهم الزنادقةُ والمرتدون والمنافقون في بلاد المسلمين.

فمن السخرية بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تدنيس القرآن، إلى الطعن السافر في أحكام الإسلام وشعائره الظاهرة، إلى إعلان التمرد على أحكامه في الصحف والفضائيات، إلى غير ذلك من مجالات العداء للإسلام، والاستماتة في إطفاء نور الله تعالى.

ولأن علماء الأمة هم حملة الدين ومبلغوه للناس، وهم أمان الأمة من الضياع والانحراف بتبيين الحق والدعوة إليه وكشف الباطل وفضح سدنته ومروجيه؛ فإن من الخطط الاستعمارية الجديدة فصل جمهور الأمة عن علمائها، وإرهاب العلماء وانتقاصهم وإقصاؤهم، وتشويه سمعتهم بالكذب والافتراء، والتحريض عليهم، والتنفير منهم، وزرع الجرأة على رد أقوالهم، والاستخفاف بعلمهم، مع تسويد أهل الانحراف والهوى، ومشايخ السوء والضلالة، وإبرازهم للناس في الإعلام بدلاء عن علماء الحق والهدى.

وهذا المشروع الاستعماري للعقول والأفكار يتزامن مع مشاريع الاستعمار العسكرية والسياسية والاقتصادية.

والراصد لهذه الظاهرة المتنامية يلحظ أن بداية هذا الإجرام المقنن كانت بالجرأة الصحفية والإعلامية التي يقوم على سُدتها متصوفة ليبراليون يدعمون أي توجه باطني منحرف شريطة أن يطعن في المنهج الذي أُسست عليه هذه الدولة المباركة، ويشكك في الدستور الذي تعتمده، وابتدأ ذلك بنقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- باعتباره القامة الشامخة السلفية الأثرية في المواءمة بين النص والعقل، وتعظيم النص، وإخضاع العقل للوحي، وإثبات أن ما خالف الوحي فليس من العقل في شيء، وردِّ كل المناهج العقلية المنحرفة التي اغتر بها كثير من المسلمين، وهدم أصولها بأدوات أهلها من المناطقة والفلاسفة والمتصوفة.

فلما رأوا أن ردة الفعل على جرائمهم ضعيفة من قبل الخاصة والعامة؛ زادت جرأتهم، وطمعوا في تقويض الدستور الذي بنيت عليه البلاد، وذلك بالهجوم على المناهج الدراسية التي أُسست على الكتاب والسنة وتقرير العقيدة الصحيحة، ومحاربة الشرك والبدعة، وغالبها مستمد من كتب وتقريرات الإمامين المجددين الأثريين ابن تيمية وابن عبد الوهاب عليهما رحمة الله تعالى.

ثم طمعوا أكثر فشنوا هجوما صريحا على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، ودعوا بكل فجاجة وجرأة إلى الاستعاضة عنها بالأفكار التنويرية المحدثة التي هي دين الليبراليين مُطَعَّما بالجوانب الروحانية عند المتصوفة والرافضة، تحت ما يسمى المشروع الإصلاحي، مع أن هذه البلاد ما قامت إلا على الدعوة السلفية الأثرية، ولا عزَّت إلا بها، ولا اجتمعت القلوب بعد افتراق كبير إلا عليها، ولا خُط دستور البلاد إلا على وفق منهجها وفكرها، فبان أن ما فعله ويفعله الليبراليون يمثل طعنا في الدولة وشرعيتها ودستورها الذي قامت عليه، وانقلابا على أصولها ومبادئها.

ولما حقق المنحرفون بغيتهم في هذه الطعون المتتابعة، واعتادها الناس منهم، وكان الإنكار عليهم ضعيفا هزيلا لا يوازي حجم جرائمهم المنكرة، فإنهم تجاوزوا ذلك إلى الطعن في الدين مباشرة، وردِّ النصوص المحكمة الواضحة، وإظهار الردة بمخالفة القطعيات التي لا يختلف فيها مسلمان، ودعوة الناس إلى ذلك.

لقد رأوا أن مهمتهم لا تكتمل إلا بفصل العلماء عن جمهور الأمة لنشر الفساد والانحراف، وتجهيل الناس وإضلالهم؛ وذلك بالإجهاز على العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين المصلحين، والاستعاضة عنهم بعلماء السوء، ودعاة الضلالة الذين لا يعارضون مشاريعهم الإجرامية التخريبية. فيا لها من وطنية يدَّعُونها ثم يطعنون في الدستور الذي قام عليه الوطن، ويدعون الناس لرفضه والتمرد عليه!

وإلى الله تعالى المشتكى من زمن تكلم فيه الجاهل والرويبضة، ومُكِّن للحاقدين المفسدين، وأُقصِي أهل الصلاح والإصلاح، وذلك نذير شؤم على البلاد والعباد: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف:126]. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، واثبتوا على الحق الذي هداكم له ربكم، ولا تفرطوا فيه مهما ساومكم عليه الكفار والمنافقون؛ فإنهم يريدون إضلالكم وغوايتكم، واصبروا على أذاهم وكيدهم؛ تكن العاقبة لكم: (إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

أيها المسلمون: كلُّ طعن في الدين وحملته يقوم به زنادقة العصر؛ فإنهم يزعمون أنهم مصلحون، ويَدَّعون أنهم يؤدون رسالة إصلاحية كالتي قام بها رُاوَّد الإصلاح في النصرانية حين عارضوا الكهنوت الكنسي الكاثوليكي المحتكِر للدين، ويظن زنادقتنا أنهم سيصبحون بروتستانت المسلمين.

ومن جهلهم أو خبثهم محاولتهم إقناعنا بالتسوية بين المبادئ النصرانية المحرفة المستعبدِة للناس وبين الإسلام الذي حرَّر الناس من العبودية لغير الله تعالى!.

وإذا هاجموا علماء الأثر وأتباع السلف الصالح فإنهم يُوهمون العامة أنهم يريدون تحرير الناس مما يزعمونه تسلط العلماء واحتكارهم للدين وتفسيره، وهدفهم المعلن في مقالاتهم تحرير العقول من الخرافات والأوهام التي يجعلون من ضمنها ما جاء في الكتاب والسنة؛ وذلك لتحقيق التقدم، فهل هم صادقون في دعواهم ولكنهم أخطؤوا الطريق كما يظن بعض الناس، أم أن لهم أهدافا أخرى يسعون إليها؟!.

إنكم -يا عباد الله- لو فتشتم صحفهم ومجلاتهم، واستقرأتم برامجهم الإذاعية والمرئية فلن تجدوا أي نقد لغير علماء أهل السنة والأثر، أتباع السلف الصالح، وهم المقصود الأول بالحملة العالمية الصهيونية الصليبية على الإسلام؛ لأن علماء الأثر الربانيين هم خط الدفاع الأول في ردِّ الشبهات وتصحيح العقائد والعبادات والمعاملات، وتعليم الناس دينهم، والوقوف في وجوه المحرفين والمبدلين لدين الله تعالى.

فتشوا -رحمكم الله تعالى- عن طعن الزنادقة والمنحرفين في الصحف والمجلات والفضائيات التي يزعمون أنهم أرادوا بها تحرير العقول من الخرافات فلن تجدوا أي نقد للاستعباد الصوفي للمريدين والأتباع، ودين الصوفية مأخوذ من دين الرهبان الذين استعبدوا الناس لأنفسهم من دون الله تعالى، ومبادئ مشايخ الطرق الصوفية تكرِّس الخرافة والاستعباد في المريدين والأتباع، حتى قالوا: يجب أن يكون المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل!.

ويجعلون لأوليائهم من المنزلة ما يتعدى منزلة النبوة، ويصل إلى مقام الربوبية، علاوة على ما في شعائرهم وعباداتهم وأذكارهم من شنائع وموبقات وشذوذات وخرافات تخالف الفطر والعقول، فأين نقد الليبراليين لهذه المبادئ والشعائر الخرافية الاستعبادية إن كانوا صادقين في دعواهم أنهم يحررون العقول من الاستعباد؟ وأي استعباد أعظم من تعطيل عقول أتباع الصوفية ومريديهم لمشايخ الضلالة والاستغلال؟.

وعند الفرق الباطنية من استعباد الأتباع لمن يسمونهم السادة والأئمة ما يضاهي ما عند الصوفية؛ فباسم دينهم يأخذون الخُمُس أو يزيدُ من أموالهم حتى أفقروهم، وبالمتعة يستحلون فروج بناتهم حتى هتكوا أعراضهم، ويجعلون لأئمتهم من المكانة ما لم يبلغه ملَكٌ مقرب ولا نبي مرسل، وقد قسروهم على شعائر تقشعر منها الأبدان، وفيها تشويه للإسلام، كالصياح والنياح واللطم، والضرب بالسلاسل، والإدماء بالسيوف والسكاكين، والزحف على البطون، والمشي على الجمر، وقسروا أطفالهم على هذه الأفعال التي يأنف من فعلها البُلْهُ والمجانين.

وما من أمة باطنية كالإمامية والإسماعيلية والنصيرية والدرزية إلا وفيها من استعباد سادتهم وأئمتهم لأتباعهم أضعاف ما كان عند رهبان النصارى إبِّان قرون الانحطاط التي تسمى في التاريخ الأوربي: القرون الوسطى؛ فأين هو اجتهاد الليبراليين في تحرير هؤلاء الأتباع والمريدين من ربقة العبودية لسادتهم وأئمتهم ومشايخهم لو كانوا صادقين؟!.

إن من يقرأ كتابات الليبراليين في انتقاد شعائر الدين ومبادئه يجد أن نقدهم متجه لعقائد أهل السنة الذين يصدرون عن الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، يريدون تغيير ذلك، وتحرير الناس من عبوديتهم لله تعالى إلى أهوائهم.

إن طعنهم وتشغيبهم وتشنيعهم لا ينصب إلا على علماء أهل السنة والأثر أتباع السلف الصالح، فهم عندهم جامدون نصوصيون متخلفون، مصدرون لثقافة الجمود والتخلف والإرهاب والتطرف.

أما عمائم البدعة ومشايخ الضلالة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويستبيحون أعراضهم، ويسلبون إرادة أتباعهم، ويلغون عقولهم، ويعذبونهم في الدنيا قبل الآخرة فلهم كل الإجلال والتقدير والتبجيل والاحترام من سدنة الصحافة، ومستعبدي الأفكار الوضعية الأوربية.

ولا عجب والحال هكذا أن يشنوا حربا لا هوادة فيها على الحق ودعاته وعلمائه لتكريس باطلهم الذي استنسخوه من جهات أجنبية معادية للإسلام، ويريدون فرض ذلك على الأمة بإرهاب إعلامهم المنحل، وفكرهم الضيق، فواجب على المسلمين الصدور عن العلماء الربانيين، وإجلالهم، وعدم قبول طعن الطاعنين فيهم.

وواجب على كل ذي قلم ولسان ردّ شبهات زنادقة العصر، وفضح مخططاتهم، وبيان أهدافهم وغاياتهم، كما يجب على كل ذي جاه ومقام أن يسعى جهده في الأخذ على أيديهم، وكبح جماح شهواتهم، وتقليص نفوذهم؛ فإنهم الأقلية المنبوذة التي تريد فرض فكرها المنحرف بالكذب والتدليس في إرهاب فكري لا مثيل له.

وإن استسلم المسلمون لمشاريعهم الإجرامية التخريبية للعقائد والعقول والأخلاق والأسر، وكل واحد ألقى اللائمة على غيره، وتنصل من مسئوليته؛ استحق الجميع العقاب الإلهي، ونزل بهم ما نزل بغيرهم من المــَثُلات: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117].

وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

السفهاء على العلماء1

السفهاء على العلماء -مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات