عناصر الخطبة
1/قضية مهمة أقسم الله عليها أحد عشر قسمًا 2/أهمية تزكية النفوس 3/معنى ووسائل تزكية النفس 4/معرفة النفس وملاحظتها وعدم تبرئتها 5/من الأمور المعينة على تزكية النفس 6/محاسبة النفس واغتنام مواسم الخيرات.اقتباس
يا لسعادة من زكَّى نفسه فأفلح! ويا لخسارة من أهملها! فتزكية النفوس هي الطريق للجنة... النفس البشرية يعتريها النقص، فهي من أشد أعداء الإنسان؛ لأنها تدعوه للطغيان وإيثار الحياة الدنيا، وسائر أمراض القلوب إنما تنشأ من جانبها....
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رُسُلَه حجةً على العالمين ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنته إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأخراكم بتقوى الله -تبارك وتعالى-؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2- 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)[الأنفال: 29]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
عباد الله: يتملك الإنسان العجب حين يعلم أن الله -جل جلاله- قد أقسم على إثبات قضية من القضايا بأحد عشر قسمًا متواليًا الواحد تِلْو الآخر، فحقيق بعباد الله الصادقين أن يعتنوا بهذه القضية غاية العناية، فهي سبيل فلاحهم في دنياهم وأخراهم.
واسمع بقلبك ثم تأمل لِمَا أقسم الله أحد عشر قسمًا، لتعلم أن القضية في غاية الأهمية؛ بسم الله الرحمن الرحيم (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 1 - 10].
فيا لسعادة من زكَّى نفسه فأفلح! ويا لخسارة من أهملها! فتزكية النفوس هي الطريق للجنة، يقول الله -جل وعلا-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40- 41].
النفس البشرية يعتريها النقص، فهي من أشد أعداء الإنسان؛ لأنها تدعوه للطغيان وإيثار الحياة الدنيا، وسائر أمراض القلوب إنما تنشأ من جانبها؛ ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من شرها، فقال: "ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا".
ولقد كان من دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن قال: "اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَنْ زكَّاها، أنت ولِيُّها ومولاها".
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتبايُن سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الربِّ -جل جلاله-".
عباد الله: تزكية النفوس أغلى المطالب وسبيل الفلاح؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)[الشمس: 9]، وقال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الأعلى: 14 - 17].
والمقصود بتزكية النفس الوصول بها إلى الكمالات لا مدحها والثناء عليها، والتزكية لها قسمان: أولهما تطهير النفس من الأمراض والأخلاق الرذيلة، وأعظمُها الشرك بالله والرياء والعُجْب والكِبْر والبُغْض والحسد والشح والبخل والغضب والحرص على الدنيا وحبها لذاتها، وإيثارها على الآخرة والفضولية، وعدم الجد في الحياة، وجماع الأمر كله ألَّا يبقى في نفسك شيء مما يُغضب الله -جل جلاله-.
والقسم الثاني عباد الله: التحلية؛ وهو ملؤها بالأخلاق الفاضلة وحلها محل الأخلاق الرذيلة، ومن ذلك وأعظمه: التوحيد والإخلاص، والصبر والتوكل، والإنابة والتوبة، والشكر والخوف والرجاء، وحُسْن الخلق في التعامل مع الناس والشفقة عليهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ونفعهم بقدر المستطاع، وجماع ذلك أن تفعل كل ما أمر الله -جل وعلا-.
ومما يعين على التخلية ومِن ثَم التحلية: معرفةُ النفس وملاحظتها وعدم تبرئتها، وهذا ملحظ مهم، فبعض الناس يرى نفسه لا تخطئ، وكلما وقع في الخطأ أوجد التبريرات الصحيحة والفاسدة، وهذه نبتة العجب والكبر إذا لم يستأصلها الإنسان هلك أو قارب، فعدم الثناء على النفس ومدحها يُبعدها عن الرياء ويُقرِّبها من الخشوع، وانتبه أن تنظر لنفسك بعين الكمال؛ فهذا يُعمي القلب عن رؤية عيوبها التي يجب معالجتها؛ ولذا جُعل قدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يظن ظانٌّ أن قد وصل.
ومما يعين على تزكية النفوس:
التوبة النصوح، فمن منا لا يخطئ؟!؛ "لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم"؛ يقولها -صلى الله عليه وسلم- لصحبه الكرام، فما حالنا نحن؟! فهو أول مقامات منازل العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الإيمان، استجيبوا لله حين يأمركم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
ومما يعين على تزكية النفس: الاستغفار وملازمة الذِّكر، فهو علامة التوفيق، وحياة القلب، وسبب الغفران، ألم تسمع بقول الله -جل جلاله-: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء: 110]؛ لا يهلك على الله إلا هالك، فالله من صفاته التي لا تنفك عنه: الرحمة الرحمن الرحيم.
ومما يعين على تزكية النفوس -عباد الله-: الخلوة مع الله -جل وعلا-، لا بد لي ولك من ساعة نخلو بها بربِّنا -جل وعلا-، نناجيه ونطلبه ونتضرع بين يديه ونبث همومنا إليه؛ (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[يوسف: 86].
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-: "من أحبَّ أن يفتح الله قلبه ويرزقه العلم؛ فعليه بالخلوة وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء، وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب".
ومما يعين على تزكية النفس -عباد الله-: مخالفتُها والإنكار عليها وعدم تلبية رغبتها؛ لأنها داعية للراحة والعصيان، وكذا دوام المحاسبة والمراقبة، يقول الله -جل جلاله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
ألم تسمعوا بوصية رسولكم -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128]؛ حين يمتدح فيقول: "الكيِّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعمل لما بعد الموت، والعاجزُ من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني".
ويقول الفاروق عمر -رضي الله عنه وعمَّن ترضَّى عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا؛ فإنه أهونُ عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر"؛ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: 18].
ومما يُعين على التزكية التحلي بالصبر واليقين، فبالصبر ننتصر على شهواتنا، وبالصبر تنال أعلى الدرجات، وباليقين يُقضَى على وسوسة الشياطين، يقول سفيان -رحمه الله-: "بالصبر واليقين تُنَال الإمامة بالدين"، يقول الله -جل جلاله-: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[الأنبياء: 73].
ومن أعظم ما يعين على تزكية النفس: قراءةُ القرآن العظيم وتدبُّرُه والعمل بمحكمه والانتفاع بمواعظه وسماعها وتطبيقها؛ (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النساء: 66 - 68].
ومما يعين على تزكية النفس: الحرصُ على سماع المواعظ والحرصُ على تطبيقها، فلا ينتفع العبد بسماع المواعظ فحسب، بل لا بد من التطبيق.
ومما يعين على تزكية النفس: الدعاء، فهو سلاح المؤمن أن يعينه الله على تزكية النفس، لئن استعصت علينا أنفسنا فليس لنا إلا الله -جل جلاله-، نناجيه ونطلبه، فاللهم إياك نعبد وإياك نستعين.
الافتقار إلى الله -جل وعلا- يورث الغنى به -سبحانه-، وبمجاهدة النفوس تتحقق معية الله -جل وعلا- لعباده، قال الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
يقول ابن المبارك -رحمه الله-: "إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الطاعة عفوًا، وإن أنفسنا لا تواتينا إلا كرهًا".
وقال بعض السلف: "جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت"، فالأمر يحتاج إلى مجاهدة.
عباد الله: لئن كانت تزكية النفوس وملاحظتها واجبةً في كل وقت، فعند مواسم الرحمات والبركات تكون ملاحظتها أوجبَ، فها قد دنت بشائر شهر رمضان المبارك، شهر الجود والإحسان، شهر القيام والإحسان، شهر التلاوة والتراويح، يا الله كم أودع الله لكم في هذا الشهر من الأشواق وحبب لكم ربكم -جل وعلا- فيه من الطاعات! وكم أنزل ربنا فيه من الرحمات! رحمات يتذوقها العبد سائر حياته حين تدمع عينه وهو يتلو كلام الله، وحين تدمع عينه وهو يناجي الله -جل وعلا-.
يا الله، كم أودع الله في هذا الشهر من الأشواق وحبب فيه من الطاعات ونزل فيه من الرحمات! قلوب المؤمنين بمقدمه مستبشرة، وبسماع دنُوِّ وصوله مبتهجة، قف هنا أين تريد منزلك عند الله في رمضان؟ أتريد أن تسبح بخيالك وتقلب صفحات التاريخ لترى صورة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ماثلة أمامك، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان؛ يوقظ صواحب الحجرات في العشر الأواخر.
قَلِّب كُتُبَ التاريخِ وصُورَها وسِيَرَ العلماء الصالحين لتنظر أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وكيف يستقبلون تلك الأيام، ثم انظر إلى قصص السلف الصالح لترتقي أنفسنا حين نطالع سِيَرَهم.
لنقف لنحاسب أنفسنا، فنبدأ من اليوم لنضع خطة محكمة وهدفًا منشودًا نصل إليه -بإذن الله تعالى- مستعينين بربنا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
فتحقيقُ التقوى أعظمُ مقاصد الصيام، ألم تتقِ نفسك يا عبد الله أن تقلب كتاب ربك -جل وعلا-، فلا تريد مغادرة مجلسك هذا متأملاً وتاليًا ومتدبرًا وخاشعًا وخاضعًا، ألا تريد حين يأتيك رمضان أن تصفَّ أقدامك مع المُصلِّين وقد حضر قلبك وشعرت بأن كلام ربك يناجيك، وأن هذا القرآن إنما هو منزل لك لا لغيرك، أو منزل لك بالدرجة الأولى.
ألا تريد إذا جلست على مائدة الإفطار، فعلمت أن لك دعوة لا تُرد أن ترفع يديك حاضر القلب خاشعًا متذللاً في مناجاة الله -تبارك وتعالى-.
أتريد الاستغلال الأمثل لهذا الشهر، قل لي بربِّك: من ذا الذي لا يريد؟!
ابدأ اللحظة بتربية نفسك على قيام الليل كي لا يحضر رمضان إلا وقد اعتدته، فتلَذَّذ به وتحقق نفسك أعلى المراتب.
إذا أردت حضور قلبك في الصلاة، فابدأ من هذه اللحظة وعَظِّم ما عَظَّم الله -جل وعلا-، وأدِّ الصلاة حيث يُنادى بها، والمهم أن تتسابق مع نفسك إن كنت مُقصِّرًا، فمن اليوم ينقطع التقصير، إن كنت مقصرًا في أداء النوافل بعد الفرائض، فالنوافل مكملات الفرائض، إن كنت ممن يتأخر عن الصلاة، فاليوم تبدأ حتى لا يدخل عليك رمضان إلا وقد اعتادت نفسك دخول بيت الله قبل أن ينادي المؤذن.
والمهم عباد الله أن يتسابق الإنسان مع نفسه، والناس عند ربهم درجات، اللهم اكتب لي ولهم أعظم الدرجات يا رب العالمين.
عَوِّد نفسك الصيام، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يصوم شعبان كما تقول أُمُّنا عائشة -رضي الله عنها-، ومن كان عليه قضاء من رمضان فلا يدخل عليه رمضان هذا إلا وقد قضى ما عليه، فدَيْنُ الله أوجبُ بالقضاء.
ومما يعين على استغلال مواسم الطاعات تذكر الوقوف بين يدي الله؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله واستغلوا فرصة الحياة، فكم من محروم يتمنى فيقول: رب ارجعون؟! فها قد فسحت آجالنا، فأروا الله من أنفسكم خيرًا.
اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوتك يا جبار السماوات والأرض.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.
اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، يا رب العالمين.
اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، ووفِّقْنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.
اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حقٌّ علينا يا رب العالمين.
اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك، اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182]، وصلِّ اللهم وسَلِّم وبَارِك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم