ترك المحرمات

ناصر بن محمد الأحمد

2016-03-15 - 1437/06/06
عناصر الخطبة
1/ الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر 2/ تعريف الكبيرة 3/ خطورة التهاون بالذنوب 4/ الذنوب حقيقة مقدَرَّة على البشر 5/ تفنيد شبهة الاعتماد على القدر في تبرير الذنب 6/ منهج راشد في فتح أبواب التوبة أمام العصاة 7/ حكم مرتكب الكبيرة 8/ المبالغة في زجر العاصين خلاف منهج النبوة 9/ المؤمن يجمع إحسانًا وخشية والمنافق يجمع إساءة وأمنًا 10/ قاعدة مهمة في التعامل مع العصاة.

اقتباس

والأصل في المؤمن الخوف من الرب –سبحانه-؛ من عذابه، ومن مَكْرِه، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فكم من رجل أصبح مؤمناً وأمسى كافراً، وكم من إنسان عمل بعمل أهل الجنة حتى لم يبقَ بينه وبينها إلا ذراع فسبق عليه الكتاب فعمل بعمل أهل النار فدخلها، فلا يضمن إنسان لنفسه النجاة وثبات الحال، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"؛ فالمؤمن يخاف على إيمانه من التبدل، فمن الذي يقدر أن يشهد لنفسه بالجنة، وقد كان الصحابة يخافون على أنفسهم النفاق..

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والأئمة على أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، قال الله تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً) [النساء : 31 ]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا السبع الموبقات" (رواه البخاري).

 

فالكبائر هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار". فمحصل الأمر أن الكبيرة ما جاء فيها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، والصغيرة ما لم يرد فيها شيء من ذلك، إلا أن الصغيرة إذا حصل الإصرار عليها انقلبت كبيرة.

 

أيها المسلمون: إن الأمراض من قدر الله -تعالى- الذي لا يسلم منه إنسان، فهي شر واقع لا بد منه ولا مفر منه، فالأرض مليئة بأسباب المرض، من جراثيم وميكروبات وأحياء لا تعيش إلا على هلاك غيرها، ولا يخلو إنسان من مرض مهما اتخذ الحيطة والوقاية، لا فرق في ذلك بين غني أو فقير، شريف أو وضيع، كبير أو صغير، ذكر أو أنثى.

 

وهكذا الذنوب قَدَر واقع لا بد منه؛ لأن الأرض مليئة بأسباب الذنب، من شيطان لا همَّ له إلا غواية البشر والقعود لهم بكل صراط، ونفس أمارة بالسوء، وهوى مضل عن سبيل الله، ينتهي بالإنسان في أنواع المهالك، إلى شياطين الإنس الذين يميلون بالناس إلى الشهوات ميلاً عظيماً، ويوعدون ويصدّون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجاً.

 

 فمهما اتخذ الإنسان الحيطة والوقاية والحذر من الذنوب فإنه غير سالم منها، لأنها قدَر واقع لا يمكن دفعها بالكلية، كما لا يمكن دفع الأمراض بالكلية، وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا يعني التهاون بالذنوب وركوبها في كل خاطرة وسانحة بدعوى أنها قدر واقع لا مفر منه؟

 

الجواب: بالرغم من أننا نعلم أن الأمراض قدر واقع فإننا ينبغي أن نتخذ الحيطة والحذر منها بالوقاية منها واجتناب أسبابها، وإذا ما مرضنا لا نستسلم للمرض، بل نكافحه بالعلاج والتداوي، هذا مع أننا نعلم أن من المستحيل السلامة من المرض، فهذا العلم اليقيني الصحيح بحقيقة المرض لم يمنعنا من علاجه والسعي في ذلك بكل ما نملك.

 

 وهكذا ينبغي أن نتعامل مع الذنوب، نعم هي من قدر الله تعالى، وكل إنسان مكتوب عليه حظه منها كما كتب عليه حظه من المرض، قال تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ) [النجم : 32]، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" (رواه البخاري).

 

إلا أن ذلك لا يمنع من مكافحته وعلاجه والتخلص منه ومن آثاره، لماذا؟ لأنه كما يمكن الاحتياط من المرض، كذلك يمكن الاحتياط من الذنب، وكما أن للمرض علاجاً، فكذا للذنب علاج، ولأن المرض إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك البدن، وكذا الذنب إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك الروح، وهلاك الروح أشد من هلاك البدن، فالنجاة يوم الدين مترتبة على سلامة الروح لا سلامة البدن، قال الله تعالى: (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم) [الشعراء: 88-89] ، فلا بد إذن من علاج الذنب وعدم الاستسلام له.

 

 والشرع حين يذكر أن الذنب حقيقة مقدرة على البشر، لا يفوته أن يذكر فضل المدافعين له والمتحامين منه، يقول عليه الصلاة والسلام: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (رواه الترمذي).

 

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم" (رواه الإمام أحمد).

 

أيها المسلمون: إن الوقوع في المعصية صغيرة كانت أم كبيرة لا يعني الاستسلام، إن العبد إذا عصى أظلم قلبه وتكدرت نفسه، وهذه فرصة للإقبال على الطاعة بصدق وندم، حيث يكون القلب منكسراً مخبتاً، فإحداث الطاعة في هذه اللحظة مما يقرب العبد إلى ربه، لشعوره بحاجته إليه في العفو والمغفرة والتوبة، ولأن هذا الشعور مما يورث الخشوع في العبادة والتطلع إلى الرحمة والذلة والمسكنة لله –تعالى-، وهذا ما يريده الله من عبده ويُرضيه عنه ويوجب له القبول.

 

ودائماً ما يخطئ العصاة عندما يقعون في الذنب فيستسلمون للشيطان بعدها، فيتركون الطاعات المفروضة والنوافل المستحبة بدعوى أنهم عصاة، وأن الله لن ينظر إليهم، وأنهم إن قاموا بالطاعة وهم عصاة لبسوا لباس المنافقين، فالشيطان بهذه الطريقة يُحكم قبضته عليهم، فهو الذي أوقعهم في المعصية أولاً، ثم اليأس وإهمال الطاعة ثانياً.

 

 وكان من الحكمة أن ينتبه الإنسان إذا عصى ألاَّ يزله الشيطان ثانية كما أزله أول مرة، وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون) [الأعراف: 201]، فالمؤمن إذا زل تذكر عقاب الله وثوابه، فتاب وأناب ورجع، فإذا هو أصح مما كان، فلا يدع للشيطان فرصة ليزله مرة أخرى، ليتخيل العاصي عدواً أمامه طرحه أرضاً، هل يستسلم له ويمد له يديه ورجليه ليضع فيهما القيد ليكون أسيراً عنده، وفيه بقية قوة يقدر أن يدفع بها، أم أنه يحاول الخروج من تلك الأزمة بمعاودة الهجوم على عدوه أو الفرار منه؟

 

الواضح أن الذي يحدث أن المغلوب لا يستسلم بسهولة لعدوه، بل يصابره ويجاهده ما دام يملك من القوة ولو أقل القليل، هذا المبدأ في قتال الناس بعضهم بعضاً، وهو عدم الاستسلام من أول مرة، لا يطبقه أكثر الناس في حربهم مع الشيطان، فيستسلمون له من أول هزيمة، وإلا فالواجب إذا ما وقع الإنسان في معصية ما أن يصابر الشيطان بفعل الطاعات والتوبة، وعدم اليأس.

 

لما شرب قدامة بن عبد الله الخمر متأولاً جُلد، فكاد اليأس يدب في قلبه فأرسل إليه عمر يقول له: "قال الله تعالى: (حم * تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِير) [غافر: 1-3]، ما أدري أي ذنبيك أعظم، استحلالك للخمر أولاً أم يأسك من رحمة الله ثانياً؟".

 

وهذا منهج نبوي، يمنح العاصين الفرصة للعودة مرة أخرى إلى رحاب الطاعة، ويغلق دونهم أبواب اليأس، ويزرع الأمل في نفوسهم.

 

وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يذنب ذنباً، فيتوضأ فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفر الله له" (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).

 

أيها المسلمون: وبما أن الذنوب قدَر واقع؛ فإن الله -تعالى- برحمته يغفرها تباعاً إذا لزم الإنسان الفرائض وحافظ عليها وأقامها، كما أن الجسد الصحيح يقضي على الجراثيم التي تهاجم الجسم بما فيها من مقاومة طبيعية سببها الغذاء الصحيح السليم دون الحاجة إلى الدواء، فالطهارة والصلاة والصيام والحج تغفر الذنوب تباعاً، يقول عليه الصلاة والسلام: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

 

 فهذه المفروضات تغفر الذنوب الصغائر منها لا الكبائر، فالكبائر لا بد لها من توبة خاصة أو حسنات كبيرة كالجهاد والصدقات، لأنها كبائر، ومثل ذلك لا يغفر بمجرد المحافظة على المفروضات، وهذا مثل بعض الأمراض المزمنة والصعبة لا يكفي في علاجها الحرص على الوقاية والحمية والغذاء السليم، فلا بد من تدخل خارجي ومدد يستعين به الجسم في مكافحة المرض، وكذا الكبائر لا بد لها بالإضافة إلى المحافظة على المفروضات من توبة واستغفار وحسنات عظيمة من صدقة وجهاد وإحسان إلى العباد.

 

وهذه هي دلالة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتنبت الكبائر" ، أي أن الكبائر لا تكفَّر بمجرد فعل الواجبات، بل لا بد من التوبة، والكفارات إن كان للذنب كفارة، وهذا يدل على خطر الكبائر، وعقيدة أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة أنه تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه يوم القيامة بقدر ذنبه ثم يدخله الجنة، ما لم تكن هذه الكبيرة تتعلق بحقوق الآخرين، فهذه لابد من أدائها لهم يوم القيامة من حسناته.

 

ولا يعني هذا التهاون بالصغائر، فإن الصغائر مع كونها صغائر إلا أنها إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، كما قال عليه الصلاة والسلام: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه" (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).

 

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِين) [آل عمران : 135-136].

 

بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ..

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن بعض الناس يبالغ في تثريب العاصين، بل ربما سدوا أمامهم أبواب الرجوع إلى رحاب الطاعة. هذه القضية من القضايا الحيّة التي تمر بنا كل حين، ولا شك أن المبالغة في زجر العاصين خلاف منهج النبوة، فكيف علاج هذه المشكلة؟ وما الطريق الصحيح لاحتواء المذنبين؟ فهم منا، ونحن منهم، وهم إخواننا ولو ارتكبوا الكبائر من الذنوب، فإن معتقد أهل السنة والجماعة في العاصي أنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، فلا يحل كراهيته من كل وجه، بل يكره من حيث المعصية، ويحب من حيث الطاعة، وهذا خلاف منهج الخوارج الذين يكفرون أصحاب الكبائر ويحكمون عليهم بالخلود في النار.

 

والأصل في المؤمن الخوف من الرب –سبحانه-؛ من عذابه، ومن مَكْرِه، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فكم من رجل أصبح مؤمناً وأمسى كافراً، وكم من إنسان عمل بعمل أهل الجنة حتى لم يبقَ بينه وبينها إلا ذراع فسبق عليه الكتاب فعمل بعمل أهل النار فدخلها، فلا يضمن إنسان لنفسه النجاة وثبات الحال، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" (رواه الترمذي).

 

فالمؤمن يخاف على إيمانه من التبدل، فمن الذي يقدر أن يشهد لنفسه بالجنة، وقد كان الصحابة يخافون على أنفسهم النفاق، بل تجد المؤمن يقوم بالطاعات، وهو يخاف أن تُرَدَّ ولا تُقبَل، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون) [المؤمنون : 57-60]، قالت عائشة: "هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله؟"، قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل". (رواه الإمام أحمد). فالمؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً، يقول الله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُون) [الأعراف: 99].

 

أيها المسلمون: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل مناسبة يبين قاعدة مهمة في التعامل مع العصاة، كان رجل يؤتى به كثيراً ليُجلد في شرب الخمر، فأُتي به مرة فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله". (رواه البخاري).

 

فقد شهد له بالإيمان ليحملهم على محبته، ومنعهم من لعنه، لأنه ليس كل معصية تستحق اللعنة، ولأن من الممكن أن تجتمع الحسنات والسيئات والثواب والعقاب في الشخص الواحد، وهذا قول الصحابة وأئمة الإسلام الذين يقولون بعدم خلود صاحب الكبيرة في النار إن دخلها.

 

ولما رُجمت الغامدية حدَّ الزنا تناثر دمها على خالد -رضي الله عنه- فسبها، فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبه إياها، فقال: "مهلاً يا خالد! فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مكس لغفر له" ، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفنت. وقال بعد رجم ماعز: "استغفروا لماعز بن مالك"، فقالوا: "غفر الله لماعز بن مالك"، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم" (رواه مسلم).

 

ومنع عليه الصلاة والسلام من التثريب على المذنبين إذا أقيم عليهم الحد، وقد سار الصحابة على هذا المنهج، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كنا مع عمر في مسير فأبصرنا رجلاً يسرع في سيره، فقال: إن هذا الرجل يريدنا. فأناخ ثم ذهب لحاجته، فجاء الرجل فقال عمر: ما شأنك؟ قال: يا أمير المؤمنين! إني شربت الخمر فضربني أبو موسى وسوَّد وجهي، وطاف بي، ونهى الناس أن يجالسوني، فهممت أن آخذ سيفي فأضرب به أبا موسى، أو آتيك فتحولني إلى بلد لا أُعرَف فيه، أو ألحق بأرض الشرك. فبكى عمر -رضوان الله عليه- وقال: ما يسرني أنك لحقت بأرض الشرك. وقال: إن كنتُ لمن شرب الخمر، فلقد شرب الناس الخمر في الجاهلية. ثم كتب إلى أبي موسى: إن فلاناً أتاني، فذكر كيت وكيت، فإذا أتاك كتابي هذا فمُر الناس أن يجالسوه، وأن يخالطوه، وإن تاب فاقبل شهادته. وكساه وأمر له بمائتي درهم".

 

وعن يزيد بن الأصم: "أن رجلاً كان ذا لباس، وكان من أهل الشام، وأن عمر فقده، فسأل عنه فقيل: يتابع في هذا الشراب، فدعا كاتبه، فقال: اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليكم: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِير) [غافر: 3]، ثم دعا وأمَّن وأمَّن من عنده، ودعوا له أن الله يقبله عز وجل، وأن يتوب عليه، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول: (غَافِرِ الذَّنبقد وعدني ربي عز وجل أن يغفر لي، (وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَاب) قد حذرني الله من عقابه، (ذِي الطَّوْل) والطول: الخير الكثير، (إِلَيْهِ المَصِير). فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع، فأحسن النـزع، فلما بلغ عمر رضوان الله عليه خبره قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاً لكم زل زلة فسددوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليه".

 

اللهم ..

 

 

المرفقات

المحرمات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات