ترجمة سعد بن معاذ

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: شخصيات مؤثرة
عناصر الخطبة
1/منزلة الصحابة الكرام 2/مناقب سعد بن معاذ 3/إسلام سعد وجهاده 4/استشهاد سعد واهتزاز عرش الرحمن

اقتباس

إن من الواجب المتحتم على المسلمين جميعًا أن يفخروا بسلفهم الصالح، وأن يسعوا جادين في تربية أنفسهم وأبنائهم على سِيَرهم العطرة، ومن هذا الباب نعرض لسيرة صحابي جليل حصل له مناقب جمة سارت بها الركبان ودُونت في التاريخ، مع أنه مات في زمن النبوة، ولكن أفعاله سطرت لتبقى نبراسًا يحتذى به، فله من المناقب ما لم يشركه فيها أحد، إنه سيد الأوس وأحد النقباء سعد بن معاذ.

 

 

 

 

إن الحمد لله....

أما بعد فيا أيها الناس: لقد اصطفى الله جل في علا نبيه من بين البشر لحمل الرسالة لعلم الله السابق فيه أنه أهلٌ لذلك، وأنه أفضل أهل الأرض، ثم اصطفى لنبيه رجالاً كانوا له أصحابًا في الدنيا، فكانوا خير الناس بعد الأنبياء والرسل، وحق لهم فهم تلامذة لسيد الأولين والآخرين، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، كما قال ابن مسعود قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب الناس، فاختار محمد صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه". اهـ.

عباد الله: إن من الواجب المتحتم على المسلمين جميعًا أن يفخروا بسلفهم الصالح، وأن يسعوا جادين في تربية أنفسهم وأبنائهم على سِيَرهم العطرة، ومن هذا الباب نعرض لسيرة صحابي جليل حصل له مناقب جمة سارت بها الركبان ودُونت في التاريخ، مع أنه مات في زمن النبوة، ولكن أفعاله سطرت لتبقى نبراسًا يحتذى به، فله من المناقب ما لم يشركه فيها أحد، إنه سيد الأوس وأحد النقباء سعد بن معاذ.

قال عنه الذهبي في السير: "السيد الكبير الشهيد، أبو عمرو الأنصاري الأوسي الأشهلي، البدري الذي اهتز العرش لموته".

ومناقبه مشهورة في الصحاح، وفي السيرة، وغير ذلك.

نقل ابن الكلبي، عن عبد الحميد بن أبي عيسى بن جبر، عن أبيه أن قريشًا سمعت هاتفًا على أبي قبيس يقول:

فإن يسلم السعدان يصبح محمد *** بمكة لا يخشى خلاف المخالف

فقال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بكر، سعد تميم؟ فسمعوا في الليل الهاتف يقول:

أَيَا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِراً *** وَيَا سَعْدُ سَعْدَ الخَزْرَجِيْنَ الغَطَارِفِ
أَجِيْبَا إِلَى دَاعِي الهُدَى وَتَمَنَّيَا *** عَلَى اللهِ فِي الفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ
فَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الهُدَى *** جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ -وَاللهِ- سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَادَةَ.

أسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير.

فقال ابن إسحاق: لما أسلم وقف على قومه، فقال: يا بني عبد الأشهل! كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا: سيدنا فضلاً، وأيمننا نقيبة.

قال: فإن كلامكم عليَّ حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله.

قال: فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا.

أبو إسحاق: عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود قال: "انطلق سعد بن معاذ معتمرًا، فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا انطلق إلى الشام يمر بالمدينة، فينزل عليه، فقال أمية له: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت. فبينا سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل، فقال: من الذي يطوف آمنًا ؟ قال: أنا سعد. فقال: أتطوف آمنًا وقد آويتم محمدًا وأصحابه ؟ قال: نعم.
فتلاحيا.
فقال أمية: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي.
فقال سعد: والله لو منعتني، لقطعت عليك متجرك بالشام.

قال ابن شهاب: وشهد سعد بن معاذ بدرًا. فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، رماه ابن العرقة، فلما أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة فقال: عرق الله وجهك في النار.

فضرب عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خيمة في المسجد ليعوده من قريب.
قالت: ثم إن كَلْمَه تحجر للبرء.

قالت: فدعا سعد، فقال في ذلك: "اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلى من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فافجرها، واجعل موتتي فيها. فانفجر من لبته، فلم يرعهم إلا والدم يسيل". فقالوا: يا أهل الخيمة ! ما هذا ؟ فإذا جرحه يغذو. فمات منها. وهذا مخرج في الصحيحين.

ولما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قريضة نزلوا على حكم سعد.

فأرسل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحكم أن يُقتل رجالهم، وتُسبى نساؤهم وذراريهم، قال: وكانوا أربع مئة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات»، فلما فرغ من قتلهم، انفتق عرقه فمات رضي الله عنه.

قال الحسن البصري قال: "كان سعد بادنًا، فلما حملوه، وجدوا له خفة، فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادنًا، وما حملنا أخف منه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن له حملة غيركم، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتز له العرش»، وفي رواية: «نزل كذا وكذا من الملائكة ليشيعوه، وفي رواية سبعون ألفًا».

قالت عائشة رضي الله عنها: "لما انفجر جرح سعد، عجل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فأسنده إلى صدره والدماء تسيل عليه"، قالت: "والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وإني لفي حجرتي، فكانا كما قال الله (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).

فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن سعدًا قد جاهد في سبيلك، وصدق رسولك، وقضى الذي عليه، فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحًا»، فلما سمع سعد كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتح عينيه، ثم قال: "السلام عليك يا رسول الله، إني أشهد أنك رسول الله".

ولما مات بكته أمه وهي تقول:

ويل أم سعد سعدًا *** حزامة وجدًّا

فقال صلى الله عليه وسلم: «كل باكية تكذب إلا أم سعد» ثم خرج به.

اللهم ارض عن سعد بن معاذ، وسائر أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم، أقول قولي..

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين.................

أما بعد، فيا أيها الناس: فلقد كان سعد بن مالك سيدًا قومه مع صغر سنه، فقد كان له يوم مات سبع وثلاثون سنة.

ومن مواقفه المشهور موقفه يوم غزوة بدر، وهو أشهر من أن يُذكَر.

ومن مناقبه أنه صلى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ودُفن بالبقيع.

قال جابر: جلس النبي، صلى الله عليه وسلم، على قبر سعد وهو يدفن، فقال: «سبحان الله»، مرتين. فسبح القوم. ثم قال: «الله أكبر، الله أكبر»، فكبروا فقال: «عجبت لهذا العبد الصالح، شدّد عليه في قبره، حتى كان هذا حين فُرّج له». وفي رواية قال: «تضايق على صاحبكم القبر، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو، ثم فرج الله عنه».

قال الذهبي رحمه الله: "هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال الله تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)، وقال: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ)، فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي".

ومع هذه الهزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء، رضي الله عنه.

كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هولٌ في الدارين، ولا روع ولا ألم، ولا خوف.

سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد. وقد تواتر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العرش اهتز لموت سعد؛ فرحًا به». اهـ.

وعن واقد بن عمرو بن سعد قال: دخلت على أنس بن مالك -وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم- فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. قال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكى، فأكثر البكاء، ثم قال: "يرحم الله سعدًا، كان من أعظم الناس وأطولهم".

وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فضائل سعد بعد موته كلما مر ذكره، فقد بعث رسول الله جيشًا إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بجبة من ديباج منسوج فيها الذهب. فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يمسحونها وينظرون إليها. فقال: «أتعجبون من هذه الجبة»؟ قالوا: يا رسول الله ! ما رأينا ثوبًا قط أحسن منه. قال: «فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون».

وقال النضر بن شميل: حدثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ». ثم قال النضر، وهو إمام أهل اللغة: اهتز: فرح.

قال الذهبي رحمه الله: "فقد جاء ثابتًا عرش الرحمن وعرش الله، والعرش خلق لله مسخر إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله، وجعل فيه شعورًا لحب سعد، كما جعل تعالى شعورًا في جبل أحد بحبه النبي صلى الله عليه وسلم".

وهذا باب واسع سبيله الإيمان.

كان لسعد من الولد: عبد الله، وعمرو، فكان لعمرو تسعة أولاد.

اللهم ارض عن أصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم، واجزهم خير ما جزيت أصحاب نبي عن نبيهم، واجمعنا بهم في جنات النعيم.

اللهم اغفر للمسلمين.......اللهم وفقنا لهداك...اللهم أبرم لهذه الأمة...

 

 

 

 

 

 

المرفقات

سعد بن معاذ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات