عناصر الخطبة
1/قصر الأعمار وسرعة انقضائها 2/شدة حرص السلف على أوقاتهم 3/ظاهرة ضياع الأوقات في هذا الزمان 4/من مظاهر استغلال الإجازة فيما ينفع 5/خطر التدخين وأضراره 6/وسائل الإقلاع عن التدخيناقتباس
إن الأيام معدودةٌ، والآجالَ محدودة، وإن ذهاب يوم يعني قربَ الأجل، والعبدُ منذ أن وُلد وهو مسافر إلى ربِّه، يوشك أن يصل, والليل والنهار مراحل نقطعها مرحلة مرحلة، حتى تنتهيَ بنا المهلة، ونلقى الله -تعالى-....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الملك القدوس السلام، هدانا لدين الإسلام، أحمده -سبحانه- على نعمه العظام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المعبود الحق على الدوام, وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خير الأنام، صلى الله عليه وعلى آله الكرام، وعلى أصحابه البررة الأعلام.
أما بعد: فاتَّقوا الله الذي خلقَكم وسوَّاكم، اتقوا العليمَ بسركم ونجواكم؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3]
عباد الله: في تعاقب الليل والنهار عبرة ومدَّكر، وفي سرعة انقضاء الأعمار مزدجر؛ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الفرقان: 62].
والمؤمن الحاذق يعرف قدر الوقت وشرفَ الزمان، وأنه عبدٌ مخلوق لعبادة الرحمن؛ فلا تضيع منه ساعة ولحظة، في غير طاعة وقُربة.
أيها المسلمون: إن الأيام معدودةٌ، والآجالَ محدودة، وإن ذهاب يوم يعني قربَ الأجل، والعبدُ منذ أن وُلد وهو مسافر إلى ربِّه، يوشك أن يصل, والليل والنهار مراحل نقطعها مرحلة مرحلة، حتى تنتهيَ بنا المهلة، ونلقى الله -تعالى-.
فقدِّم الزاد، وتهيَّأ للمعاد؛ فإن انقطاع السفر قريب، تزود لسفرك بصالح العمل، واقض ما أنت قاض، فكأنك بالأجل وقد نزل.
واعلموا -عباد الله- أنه لن تزول قدما عبد بين يدي الله، حتى يُسأل: عن عمره فيما أفناه؟، وعن شبابه فيما أبلاه؟.
لقد حثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على اغتنام الأوقات، قبل حصول الفتن والمشغلات، فقال: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
وإن طول العُمر مع صلاح العمل، هو وصف خيار الناس عند الله -عز وجل-، قال -عليه الصلاة والسلام-: "خيرُ الناس من طالَ عُمره، وحسُن عملُه".
فهنيئا لمن شغل وقته في الطاعة والذكر، واحتسب في المباحِ الثوابَ والأجر، وكلما فرغَ من عمل أتبعه بآخر؛ ممتثلا أمر الله -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[الشرح: 7]؛ إذا فرغتَ من ثقيل الأعباء والأشغال، فانصَب إلى عبادة الكبير المتعال، نشيطَ النفس فارغَ البال.
عباد الله: لقد كان السلفُ أحرص على لحظات الأعمار، من حرصِ الحريص على الدرهم والدينار, فها هو أبو بكرٍ يوصي عمرَ -رضي الله عنهما-: "إن لله عملاً بالنهار لا يقبلُه بالليل، وعملاً بالليل لا يقبلُه بالنهار", وقال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: "ما ندِمتُ على شيءٍ ندَمي على يومٍ غرَبَت شمسُه، ونقصَ فيه أجلي، ولم يزدَد فيه عملي", ولقد قيل: "من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أداه، أو مجد أثَّله، أو فعل حميد حصَّله، أو علم اقتبسه؛ فقد عقَّ يومَه، وظلم نفسَه".
إن من ربح وقته غنم، ومن أضاعه تحسَّر وندم، ومن الخير حُرم, قال -عليه الصلاة والسلام-: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغ"؛ أي: يُفرِّطُ فيهما, قال ابن القيم -رحمه الله-: "إضاعةُ الوقت أشدُّ من الموت؛ لأن إضاعةَ الوقت تقطعُ عن الله والدار الآخرة، والموتُ يقطعُك عن الدنيا وأهلها".
عباد الله: إن مما عمَّ به البلاء في زماننا انشغالَ كثير من الناس بوسائل التواصل والشبكات، وذهابَ نفيس أعمارهم في متابعة الهواتف والقنوات.
فاتقوا الله -أيها الناس- فيما ترِدون وتتابعون، واستحضروا اطلاع الله عليكم فيما تكتبون وتنظرون, صيِّروها بابا لنشر الخير والهدى، ونهيِ الناس عن الشر والردى، وبُثوا عبرها ما يسركم أن تلقوه بين يدي المولى.
إنك -يا عبد الله- مسؤول عن وقتك الذي صرفتَه فيها؛ أفي طاعة كان أو معصية؟, مسؤول عن كتابتك التي نشرتَها؛ أهي مما يرضي الله أو يسخطه؟, مسؤول عما رأته عيناك، وسمعته أذناك، وعملته يداك, واعلم بأن الله يراك, لا تخفى عليه خافيةٌ في سرك ونجواك.
وبعدُ -عباد الله- فانتهزوا فرص أعماركم في طاعة ربكم، واستغلوا فراغ إجازتكم فيما ينفعكم, أكثروا من تلاوة كلام الله -عز وجل-، واجعلوا لأنفسكم وردا كل يوم لا تتخلفون عنه مهما قلَّ.
أكثِروا فيها من الأعمال الصالحة، وتزوَّدوا من العلوم الشرعية النافعة، وأشرِكوا أولادكم في حِلق حفظ القرآن والسنن.
واجعلوا لهم أبوابا للترويح ونشاط البدن، نشؤوهم على حب الآخرة، وكونوا لهم قدوة صالحة، علموهم نافع المهارات، وربوهم على كريم الصفات.
اللهم أعنا على عمارة أوقاتنا بالطاعات، واختم لنا بالصالحات، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلّهِ العزيز الغفور، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث بالهدى والنور، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم البعث والنشور.
أما بعد: فإن الله بعث إلى الناس نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم-؛ (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الأعراف: 157].
وديننا هو خير الأديان، حفظ الله لنا فيه العقول والأبدان، حرم كل خبيث ومسكِر، ونهى عن كل ضار ومخدر؛ لتبقى عقول العباد سليمة، تعقل عن الله أمره ونهيه؛ فيحققوا العبادة، ويفوزوا بالسعادة.
عباد الله: آفة خطيرة، ابتلي بها كثير من الناس، وبان ضررها بلا خفاء أو التباس, إنها آفة الدخان، وبلاء التبغ بشتى الأنواع والألوان، هو من أعظم الخصال خطرًا، وأكثرها ضررًا.
وباتفاق العقلاء: أنه لا نفع فيه ولا فائدة؛ بل يحوي السموم القاتلة، أعصاب ثائرة، وتجارة خاسرة، وأنفاس خبيثة مضرة؛ ملوث للمكان، مفسد للملابس والحيطان, ضياع للأموال، وأذية للأسر والعيال, هلاك للمجتمعات، وفساد للبنينَ والبنات.
إنه من أكبر ما تواجهه الناشئة من الأخطار، كيف؛ وهو بوابة المخدرات والإسكار, وقد بيَّن الأطباء عظيمَ أضراره؛ بل رأى الناس جميعا وبيلَ آثاره؟!.
فيا من ابتلي بالتدخين -عافاك الله وسلَّمك-: اقطعه قبل أن يقتلك، ابذل الأسباب الشرعية والطبية للخلاص منه، انتهز فرصة هُيِّئت لك، بمتابعة عيادات الإقلاع عن التدخين، التي توفرها وزارة الصحة، بخصوصية وبلا مقابل؛ تحفظ صحتك ومالَك، تُسعد أسرتَك وتُنشئ على الخيرِ أطفالَك.
إنك لا شك توقن بحرمته وضرره، وترى فساده وقبيح أثره، وترجو تركه والإقلاعَ عنه، فاستعن بالله, وجاهِد نفسك؛ ينجِّك الله منه، واهجر بيئة المدخنين، حتى لا تعود إليه.
واصبر على ما تجد من مشقة تركِه بادئ الأمر، ففي مثل هذا يقول أهل العلم: "إنما تكون المشقة في ترك المألوفات والعوائد ممن تركها لغير الله، أما مَنْ تركها مخلصًا في قلبه لله؛ فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة؛ ليُمتحن: أصادق هو في تركها أم كاذب؟, فإن صبر على ترك المشقة قليلاً صارت لذة".
فإذا تركتَه فأبشر بهناء النفْس، وطِيب النفَس, عافيةُ بدن، ووجهٌ حسن، بهاءُ مظهر، ومالٌ أوفر؛ (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الشورى: 36], طيَّب الله أنفاسك وصرفك عنه، وأعانك على تركه والتخلص منه.
ويا بائع التبغ والدخان: اتق الله فيما تأكل وتنفق على ولدك، وفيما يُنبِت لحمَ جسدك, كل جسد نبت من سحت؛ فالنار أولى به.
إنك ستُسأل بين يدي الله عن مالك: من أين اكتسبته؟، وفيما أنفقته؟, طيب الله مكسبَك، وجعل التجارة المباحة مسلكك.
ويا من عافاه الله من هذا البلاء: لإخوانك الذين ابتُلوا به حقُ النصح والدعاء، والتعاونِ على الخلاص من هذا الداء.
ويا معشر الآباء والأولياء: أرشدوا أبناءكم لصلاحهم ومنفعتِهم، وأحسنوا اختيار صحبتِهم, اصرفوهم عن صحبة المدخنين، وتابعوهم فيما يتابعون، وسلوا الله لهم الصلاح والهداية والتوفيق.
أعاذنا الله جميعا من كل معصية وشر، وصرف عنا كل بلية وضر.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وأزواجه وذريته؛ كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته؛ كما باركت على آل إبراهيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين, اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة, اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم, ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم