اقتباس
ومع اللحظات التأملية تتوالد أفكار جديدة، ليست آنية، واللبيب اليقِظ من يقيدها ليومها الآتي، وغدِها الزاهر. وسيصبح عنده مع مرور الأيام مجموعات من الخطب المجهزة، والورقات المعدة، والتي لا ينقصها إلا شيء من التنقيح والتحرير.
- هل سمعتم بخطيب له خطة، أم أن شغلنا قائم على الارتجال والعشوائية ..؟! سؤال تمحيصي للنفوس المهتمة ..!
- الخطبة فرع الدعوة والإصلاح الإيماني للناس، ومنحة ترقيق القلوب، والصناعة الأسبوعية المتجددة، والانتقال بهم لأحسن المنازل، والحفاوة بها وتنظيمها شغل الألباب المتوهجة.
- ومما يؤرق الخطيب قضية (اختيار الموضوع) المناسب للناس، وتوقيته ونوعه في المعرفة الإسلامية من إيمانيات أو رقائق وفقهيات، أو سير وآداب، أو نوازل ومستجدات مُلحة، وما شاكلها،،،!
- والذي نراه هنا ملامسة الخطيب لاحتياج الناس وأول احتياج إيقاد إيمانهم وتوحيدهم، وأن الخطبة موعظة توصل العباد بربهم، وتورثهم النور والاهتداء، وتعالج مشكلاتهم،!
- وفِي أحايين كثيرة ليس ثمة نوازل، أو يستغلق العقل، فماذا يصنع خطيبنا المفوّه..،؟!
وهذا ما نحب الإشارة إليه من خلال الجدولة التالية:
التثقيف الشرعي: من خلال اطلاعه الدائم، وبنيته الشرعية المبدئية وثقافته المستمدة، من قراءة منظمة، ودورات مشهورة، ومحفوظات مسبقة، ومشاركات معتبرة، وفِي خلال ذلك لا يفوته موسوعات الترغيب والترهيب ومكارم الأخلاق من نحو: كتاب نضرة النعيم، وصلاح الأمة للدكتور سيد العفاني، ونزهة الفضلاء باختصار سير النبلاء، للدكتور محمد موسى، ومنتجات خطباء الدعوة المشاهير وفرسان المنابر المغاوير،،،! فهذه وأشباهها مما يساعد على ترسيخ البنية الخطابية الأولى والتحضير المبدئي، وتخفف من التبعات اللاحقة. وحضور مؤتمرات ولقاءات العلماء ومشكلات المنبر وفقه الخطبة، مما يعين وييسر على الخطيب الهم، ويدفع الغمَّ، وينتهي للراحة والانشراح.
وإذا انشرحتَ شرحتَ كلَ جميلِ *** وخطبتَ بالإبهاج والترتيلِ
الفهرس المجدول: السنوي أو نصف السنوي، والذي يتوافق مع احتياج الجماعة، والأشهر المخصوصة كرمضان والحج والمناسبات المعروفة، علاوة على ما يطرأ في موضوعات الأخلاق والمشكلات والأزمات المدلهمة..!
فيُفترض تسجيلها بجدول عام مفصل، لكيلا يُنسى، ويعلق عليه عناصره، والافتتاحية المقصودة. وفِي أضعف الأحوال تقييد موضوعات شهر واحد محدد، لأنها قريبة متلاحقة.
المضمون الجوهري: "إن مدارَ خطبه على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار، والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه، كما أفاده العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد، وقال أيضا: "وكان كثيرًا ما يَخطُب بالقُرآن، وفي صحيح مُسلم عن أمِّ هِشام بنت حارثة قالتْ: "ما أخذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)[ق: 1]، إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقْرَؤُها كلَّ يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس".
"وكان يعلّم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين".
خطب الموسم: كرمضان والحج والتعليم وبعض السنن والأشهر، كالمحرم وشعبان والأشهر الحرم، فهذه يُفترض جاهزيتها عند الجميع، وقد كتب الناس فيها كتابات شتى، وغصّت بالفوائد والفرائد، ولا ينقصها إلا الإبداع الخطابي والبداهة الإبداعية والاستهلالية، التي تدفع الملل والتكرار. ومما يشين أن بعضهم يعيدها كما هي، ولا يجدد أو يثير ويستنبط، ويدقق ويتأمل، ويعيد ويختصر، ويشذب ويهذب، ويقدم ويؤخر،،،،!!
ومثل أولئك تترهل أقلامهم، وتهمد أصواتهم، بسبب خفاء البعد التطويري للعملية المنبرية ..!
المشاهدات اليومية: في المسجد والعمل والطريق والسوق،،،،،! وغالبا تتوالد منها الأفكار والموضوعات، وإذا حضرت الفكرة، فقيّد معها أطرافها وأجنحتها، لأنها غالبا لا تحضر وحدها، بل معها إفرازاتها المفيدة...!
ولو أن كل خطيب قيّد خاطرة معرفية، ولمعة موضوع جديد، في مفكرته اليومية(جواله) حاليا، من طليعة الأسبوع لانتهت شكاية نفاد الموضوعات، واستغلاق الأفهام..! قال إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- (الفكرة مخ العقلِ).
اللحظات التأملية: أثناء تقييد الخطبة وأوقات القراءة وقبل النوم، وهو أحسنها والتفكير الدعوي الجذري البنائي، والتهمم الداخلي الباعث على التدقيق والتفتيش..!
ومع اللحظات التأملية تتوالد أفكار جديدة، ليست آنية، واللبيب اليقِظ من يقيدها ليومها الآتي، وغدِها الزاهر. وسيصبح عنده مع مرور الأيام مجموعات من الخطب المجهزة، والورقات المعدة، والتي لا ينقصها إلا شيء من التنقيح والتحرير.
الرابطة الحوارية: والتي تفجّر مكامن التفكير الإبداعي والترشيدي لدى أعضائها، من خلال لقاء الكتروني واتسي، ثم يعقبه لقاء ميداني حقيقي، ولو أشرفت عليه الجهات الدعوية، فهو من صميم عملها لو تنبهت، لأنها تعمل على جهتين: تعبوية للخطباء، وجهة تأهيلية للصف الثاني والثالث في الكوكب الدعوي المشرق بإذن الله -تعالى-.
النوازل المفاجئة: وهذه من أصعب الأشياء، ولكنها تلين بالتثقيف المتتابع، وديمة المطالعة، لاسيما عند حصولها آخر الأسبوع، أو ليلة الجمعة، ويعتقد صاحبنا الخطيب أن لا تأخير لها، وأن إرجاءها يضعفها ولا يعالجها..!
وهي تتطلب خفة يد في البحث السريع، ومطالعة الكتابات السابقة، وجودة في الاستهلال، وحسن معالجة بلا تهور أو استغفال،،،!
ومن خلال التجربة ترك الخطيب لذلك مما يفقده شعبيته، وحرص الناس عليه ومواعظه...! نحو: مشكلة في الحي، غلبة نازلة تجارية، قضية أممية، وقوع حرب في بلد محدد، انتشار ظاهرة اجتماعية وما شابهها...!
وموضوع (كالامتحانات) وهو متكرر، ولكن الناس يحبون معالجته وحض التلاميذ، واستثمار هدوء المجتمع،،،! ويلاحظون على من تجاوزه بلا تعليق...!
فما بالك بما هو أهم وأجل ،،؟! ولذا من البطانة المنبرية سبر المجتمع ونوازل المسلمين، والتعليق عليها بما يحسن ويطيب (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[البقرة: 269].
وأما التجاذبات السياسية وجعل المنبر محل أخبار سياسية عقيمة بلا معالجة شرعية أو الاستفحال في ذلك، فهو مما لا ننصح به ...!!
ونرى أن يبقى المنبر برسالته السامية ونزاهته الشرعية، والتي تقول الحق، فلا تحابي ولا تماري...!
وإذا تم التناول فليكن حكيما معتدلا بلا نفاق أو مداهنة...! وخطيب السوء لا يختلف عن عالم السوء، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا)[الأعراف: 175].
العناوين المتكررة: نحو قضايا الأخلاق وظواهر الحياة الاجتماعية والتي تُلتمس كل حين نحو: حسن الخلق وحقوق الجار والأعراس، والغش والكذب وأشباهها، وهذه لا تزال محل طلب الناس، فينبغي تجهيزها على كل حال،،! وإذا تكررت تفنن خطيبها في الاستهلال وتجديده وتنويع الأساليب، حتى لا ندخل في معرة التكرار...!! وسردها بالقصص والأمثال مما يرسخها عند الناس، والملمح البلاغي الأدبي هنا، مهم للموضوعات المكررة والمقصودة، ففي الحديث "إن من البيان لسحرا". وسببه عَنْ ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ -يَعْنِي لِبَيَانِهِمَا- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذلك كما في الصحيح.
قال في عون المعبود: "(إن من البيان لسِحرا) يعني أن بعض البيان كالسحر في استمالة القلوب أو في العجز عن الإتيان بمثله، وهذا النوع ممدوح إذا صُرف إلى الحق ومذموم إذا صرف إلى الباطل".
الخطب المخزونة: وهي موضوعات تولد من حين لآخر، بسبب هم متقد، أو سلسلة خاصة- إيمانية- خُلقية- تفسيرية- سيَرية- اجتماعية- والعكوف عليها أيام الفراغ، حتى يتكون منها عدد غير قليل، وفائدتها إسعافية إنقاذية، وقت الكدر والانشغال، وقد مر هو بمحن اجتماعية حالت دون الكتابة الجادة، فانصرف للخزينة فإذا هي موئل للزهور والبدور والقصور، فقطفَ واستضاءَ وسكنَ، ولله الحمد والمنة، فاستفاد هو أن فعّل القرائح، وسد ساعات الجوائح.
وقد كتب راقمُه نوعين من ذلك خطب جزء عم - خطب حديثية تجاوزت المئات، وكان لها حسن الأثر في المعالجة والتغطية الذاتية وسد الثغرات المنبرية، وبعضها مع مرور الوقت تتحول إلى كتاب صالح للنشر والانتشار.
الخطيب المجاز: والمتخلف لإجازة، أو لظرف وسفر، الفرصة أمامه سانحة للتقييد، والتسطير، والتكميل، وفتق معان رائعات، وعناوين صالحات، تسد ثغرة، وتنشر عبرة، وتحرر فكرة. فلا يستهان بمثلها أوقات، ففيها مدد ورغد وسدد، وهي من ينابيع الخطب المخزونة، والعناية بها حفي عند الخطيب اللبيب، وليس مثله من يبددها، والله الرازق الفتاح.
الكلمات الملتقطة: في مجامع الناس، وصحفهم وإعلامهم... وقولهم: .. لو خطيبنا تناولها - وهذا موضوع مهم- ثمة عنوان الخطباء لا يذكرونه - وأشباهها، وهذه كلها أو غالبها يقيد في مفكرة الخطيب، ويعود إليها من حين لآخر.
والمهم هنا أن لا تحتقر طروحات الناس، وأن تسارع إلى تقييدها والإفادة منها، وإذا حضرت معها عناصر ذهنية فقيّدها تباعا لها، من نحو أسلوب واستهلال، أو قصة وشعر، أو حكمة ونص، فإنك لو أهملتَها فاتت ورحلت...!
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..!
١٤٤١/٢/١١هـ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم