عناصر الخطبة
1/المقصود بالإيمان وحقيقته 2/بعض علامات الإيمان 3/ضعف الإيمان لدى المسلمين 4/الحث على تقوية الإيماناقتباس
الإيمان عقيدة راسخة قبل كل شيء، تنتج قولاً سديداً وعملاً صالحاً. الإيمان عقيدة راسخة، تنتج الحب لله ولرسوله، والإخلاص في توحيد الله واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-. والإيمان جد وعمل, ومثابرة ومصابرة, وحبس للنفس على ما تكره من طاعة الله، ومنع لها عما تحب من معصية الله. وللإيمان...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: حققوا إيمانكم بالله.
أمة الإسلام: إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب، ورسخ فيه، وصدقته الأعمال، بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي.
إن كل واحد يستطيع أن يقول: أنا مسلم، بل يرتقي إلى أعلى، ويقول: أنا مؤمن، كل واحد يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
المنافقون -وهم في الدرك الأسفل من النار- يذكرون الله.
المنافقون يأتون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقولون: نشهد أنك لرسول الله.
المنافقون يحلفون للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: إنهم لمنهم وما هم منهم.
ولكن كل هذه الشهادات والأيمان لم تنفعهم، فهم في الدرك الأسفل من النار، تحت كل مشرك ودهري ويهودي ونصراني؛ لأن هذه الشهادات والأيمان لم تصدر عن يقين وإيمان, ولا عن قبول وإذعان، فقد أخبر بذلك علام الغيوب، فقال وقوله الحق: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة: 8].
فالإيمان عقيدة راسخة قبل كل شيء، تنتج قولاً سديداً وعملاً صالحاً.
الإيمان عقيدة راسخة، تنتج الحب لله ولرسوله، والإخلاص في توحيد الله واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أمة الإسلام: إن الإيمان جد وعمل, ومثابرة ومصابرة, وحبس للنفس على ما تكره من طاعة الله، ومنع لها عما تحب من معصية الله.
أيها المسلمون: إن للإيمان علامات كثيرة، ذكرها الله في كتابه, وذكرها رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2-4].
وقول الحق جل وعلا: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة: 124-125].
أمة الإسلام: يا من نزل القرآن ليهذبهم: من منا إذا ذكر الله وجل قلبه، خوفاً من الله، وتعظيماً له؟
من منا، إذا تليت عليهم آيات ربهم زادتهم إيماناً، واستبشروا بها، ويجدون في نفوسهم من حلاوة التصديق بها، والامتثال لأحكامها؟
من منا قام بتحقيق التوكل على الله، والاعتماد عليه، وعدم التعلق بالمخلوقين؟
من منا إذا قام إلى الصلاة أقامها على الوجه المطلوب, بالمحافظة عليها وإتقانها؟
من منا قام بالإنفاق مما رزقه الله من بذل زكاة، وسد حاجة المعوزين؟
عباد الله: لابد أن نفكر في حال المسلمين، إننا إذا فكرنا في حال المسلمين اليوم -لا في هذه الجزيرة فحسب, ولكن في جميع البلاد الإسلامية- نجد مسلمين بلا إسلام، ومؤمنين بلا إيمان، إلا أن يشاء الله، إسلام بالهوية، ونكران لحق الله علانية.
إننا نجد في الأمة الإسلامية تقصيراً في الإيمان واليقين، ونجد تقصيراً في الأخلاق الفاضلة وحمايتها، ونجد تقصيراً في الأعمال؛ لأننا نجد بعض الناس -ولا سيما بعض من عاش فترة من الزمن في بلاد الكفر، ونهل وشرب وورد من صديد أفكارهم الملوثة وثقافتهم المزيفة- نجد في هؤلاء من في قلوبهم شك وريبٌ فيما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب.
نجدهم -والعياذ بالله- في شك من وجود الملائكة، ووجود الجن، وصحة رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إن بعض المسلمين في شك من وجود الله -جل وعلا, سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً-.
سبحان الله! يشك في وجود خالقه ولا يشك في وجود نفسه!.
إن كل من يشك في وجود الله يجب أن يشك في وجود نفسه أولاً؛ لأنه لم يخلقه أحد سوى الله -عز وجل-.
إنه يوجد من المسلمين اليوم، من إذا ذكر الله عنده لم يتحرك قلبه أبداً، ولا كأن شيئاً ذكر عنده، فضلاً عن أن يقول لك: يا موسوس! أو يا متزمت! أو يا متجمد! وفضلاً عن أن يوجل قلبه.
ويوجد من المسلمين اليوم من إذا تليت عليهم آيات الله لم يزدادوا إيماناً، بل يزدادون رجساً إلى رجسهم، فيسخرون بآيات الله، وبقارئ القرآن، ويستكبرون عن أحكام الله.
ويوجد من المسلمين اليوم من لا يتوكلون على الله -تعالى-، وإنما يعتمدون على الأسباب المادية المحضة اعتماداً كلياً، ولهذا تجدهم لا يسيرون في طلب رزقهم على شريعة الله؛ ظناً منهم أن الأخذ بالطرق الشرعية يضيق موارد الرزق، فلذلك تجدهم يسعون لتحصيل الرزق بكل وسيلة حلالاً كانت أم حراماً.
ويوجد من المسلمين من اعتمدوا على أعداء الله، وأعداء الإسلام، وأعداء الشريعة، في أمنهم وسلامتهم، حتى علا الأمر بهم إلى أن أطاعوهم في بعض الأمور المخالفة لشريعة الله -تعالى-.
وتجد أن هؤلاء الذين أطاعوا الأعداء في بعض الأمور المخالفة للشريعة؛ إنما سلكوا هذا المسلك المنحرف لضعف توكلهم على الله وقوة اعتمادهم على غيره.
ونجد من المسلمين اليوم -وهم كثير من أولاد المسلمين، نسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً- من لا يقيمون الصلاة ولا يحافظون عليها، فلا يصلون مع الجماعة، ولا يأتون بشروطها وأركانها وواجباتها، فلا يبالون بالطهارة أتقنوها أم فرطوا فيها، ولا يصلون في الوقت المحدد للصلاة، ولا يطمئنون في القيام والقعود والركوع والسجود، فنجد أن من الناس الذين قالوا إنهم مسلمون من لا يصلي، بل من يسخر ويستهزئ بمن يصلي.
ونجد من المسلمين من هو جماعٌ للأموال مناع لحقها، لا ينفق مما رزقه الله، فلا زكاة ولا صدقة، ولا أعمال بر، ومع ذلك تجد الكثير من هؤلاء يبذلون أموالهم فيما لا ينفعهم, بل فيما حرم الله عليهم أحياناً.
إن المسلمين اليوم في حالة يرثى لها؛ من تضييع لفرائض الله، وتعد لحدود الله, وتهاون في شريعة الله, ونسيان لذكر الله, وأمن من مكر الله, واعتلاء بما خلق لهم، وغفلة عما خلقوا له؛ ولهذا سُلط عليهم أعداؤهم, فأذلوهم واستهانوا بهم، وتلاعبوا بهم، سياسياً واقتصادياً، حتى صاروا: (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة: 171].
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا، وفي انتظار فريضة من فرائضك التي مننت بفرضها علينا، نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا منان! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! نسألك أن تحبب إلينا الإيمان وإلى أهلينا وأولادنا، وأن تزينه في قلوبنا وترسخه فيها، وأن تكره إلينا وإلى أهلينا وأولادنا الكفر والفسوق والعصيان وتباعدها عنا، وأن تهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشداً.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى، وكل ميسر لما خلق له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ البلاغ المبين، ونصح للأمة وتركها على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-, وتدرعوا بسلاح الإيمان، وتقوّوا بالقوة الربانية.
قوّوا إيمانكم بالقرب من الله بطاعته، وبطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، واعلموا أنكم خلقتم في هذه الحياة للابتلاء والامتحان، واعلموا أنكم سوف تقفون بين يدي الله، وسوف تعرضون عليه ويسألكم عن أعمالكم دقيقها وجليلها، فأعدوا للسؤال جواباً إذا وقفتم بين يدي الله حفاة عراة غرلاً في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
تمسكوا بكتاب الله، واهتدوا بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واحذروا من أعداء الإسلام، وأعداء الشريعة، وأهل البدع والمحدثات.
وصلوا على رسول الله، امتثالاً لأمر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعطفك وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أحيي شجرة الإيمان في قلوبنا، اللهم أسقها من غيثك يا رب العالمين، اللهم إن قلوبنا مريضة، فاشفها يا رب العالمين، اللهم إن قلوبنا أمرضتها الشبهات والشهوات، فاشفها يا رب العالمين، اللهم أخرجها من ظلمات الجهل يا حي يا قيوم، اللهم املأ قلوبنا من محبتك وخشيتك، واملأها من معرفتك، والأنس بك والقرب منك، وحبب إليها طاعتك وطاعة رسولك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك, وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك يا رب العالمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا, وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك.
اللهم بك نجول، وبك نصول، وبك نقاتل.
اللهم إنا نجعلك في نحور أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم رد كيدهم عليهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، يا سميع الدعاء.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.
اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أوقد نار الغيرة في قلوبهم لمحارمك ولدينك، ولنصرة كتابك ولنصرة رسولك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم أقر أعين والديهم بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين، اللهم انصر بهم دينك يا حي يا قيوم، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، ربنا لا تؤاخذنا بسوء أفعالنا، ربنا لا تؤاخذنا بما صدر من ذنوبنا، فإن رحمتك وسعت كل شيء، ومغفرتك أوسع من ذنوبنا، لا إله إلا أنت سبحانك لا رب لنا سواك، ولا إله لنا غيرك، يا ملاذنا! يا ملجأنا! يا مغيث اللهفات! يا مجيب الدعوات! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام!.
اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاماً مجللاً، طبقاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء ولا غرق.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل: 90- 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم