تحصين المجتمع من أمراض القلوب والألسن

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أمراض القلوب والألسنة التي تفرق بين المسلمين 2/ ضرورة تفعيل الرقابة على النفس ومحاسبتها 3/ نصوصٌ تحذّر ممَّــا يثير التفرقة بين المسلمين 4/ الحسد سببٌ للغيبة والنميمة 5/ أمورٌ تعين على ترك الحسد 6/ التحذير من عواقب الغيبة والنميمة 7/ حديثٌ نبويٌّ مبيِّنٌ لأبواب الخير وحصائد الألسن 8/ كيف نحصن المجتمع من أمراض القلوب والألسن

اقتباس

ومن تأمَّلَ السنة النبوية يلحظ نصوصاً كثيرة يحذر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ممَّا يُفَرِّق بين المسلمين ويُحدث العداوات بينهم، واستمعوا إلى هذه التوجيهات النبوية العظيمة من -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظنَّ! فإن الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تجسَّسُوا ولا تحاسَدُوا ولا تباغَضُوا ولا تَدَابَرُوا، وكونوا عبادَ الله إخواناً كما أمركم الله، المسلم اخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه" ..

 

 

 

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فيا عباد الله: السعيدُ مَن قبِل وصية ربه، والتزم بها، واجتهد في تنفيذها؛ وربكم -عز وجل- في الآيات السابقة وغيرها يناديكم باسم الإيمان تارة أنِ اتقوا الله، ألا فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن تقواكم لربكم زيادة في حسناتكم، وتكفير لسيئاتكم، ورفعة في درجاتكم، فضلا عما تورثه التقوى في الدنيا من طمأنينة القلوب، وانشراح الصدور؛ وقبل هذا وبعده نيل رضا الله -عز وجل- في دار الكرامة ومستقر الرحمة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر:54-55]. جعلني الله وإياكم وسائر إخواننا وأحبابنا من عباد الله المتقين، وأوليائه المفلحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أيها الأخوة المسلمون: إن مما يحدث الفرقة بين المسلمين، ويقطع عرى المودة والصلة بينهم، ويضعف قوتهم، ويُشَتِّت شملهم، ويفرق جمعهم: الغيبة والنميمة، والظن والتجسس، والتحاسد والتدابر؛ فإن هذه الأدواء والأمراض من عوامل الهدم والتدمير بين المسلمين إخوانا وفرادى وجماعات.

كم فرق النمام بين أخوين وزوجين، وكم أحدثت الغيبة من أحقاد وضغائن، وكم أوقع الظن الخاطئ والتجسس الذي لا مبرر له من عقوبةِ مَن لا يستحق العقوبة، فتثور ثائرة المظلوم، ويدعو على من ظلمه، والرسول -صلى الله عليه وسلم-: يقول "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".

كم تسبب الواشون والمنافقون في إحداث مفاسدَ وتحريكِ فتنٍ تعكِّرُ الصفو، وتفرق الصف، والله -عز وجل- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [الحجرات:12].

إن على المسلم -أيها الإخوة في الله- أن يكون رقيبا على نفسه، مُحاسِبَاً لها، صالحا في نفسه، عاملا لمصلحته ومصلحة إخوانه، ساعيا فيما يصلحهم ويصلح أحوالهم، محبا لهم الخير كما يحبه لنفسه.

دين الإسلام -أيها الإخوة المسلمون- دين المودة والإخاء، دين التعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان.

ومن الإثم -عباد الله- أن ينقل الشخص الحديث من شخص إلى آخر على جهة الإفساد، فذلكم النمام الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- محذرا من عمله: "لا يدخل الجنة قتَّات"، وفي رواية: "نمام"، والله -عز وجل- يقول: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم:10].

ومن تأمَّلَ السنة النبوية يلحظ نصوصاً كثيرة يحذر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ممَّا يُفَرِّق بين المسلمين ويُحدث العداوات بينهم، واستمعوا إلى هذه التوجيهات النبوية العظيمة من -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظنَّ! فإن الظنَّ أكذبُ الحديث، ولا تجسَّسُوا ولا تحاسَدُوا ولا تباغَضُوا ولا تَدَابَرُوا، وكونوا عبادَ الله إخواناً كما أمركم الله، المسلم اخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه".

إن من الأسباب التي تجعل المغتاب والنمام يسلكون هذا المسلك المشين والخلق الاجتماعي الذميم الحسَدُ المستقر في نفوسهم، والمستكن في قلوبهم، وعلاج الحسد الاستعاذة بالله من شره.

إن الحاسد بحسده لإخوانه المسلمين يعترض على قضاء الله وقدره؛ ذلك أن الحاسد يتمنى زوال النعمة التي منّ الله بها على شخص، يتمنى زوالها عن ذلك الشخص وانتقالها إليه أو إلى شخص آخر، والله -عز وجل- يقول: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ) [النساء:32].

فعلى المسلم أنْ يحْذَرَ من هذه الخصلة الذميمة، والعادة الممقوتة، فلا يتمنى زوال نعمةِ عبْدٍ أنعَمَ الله بها عليه؛ بل عليه أن يسأل الله الكريم من فضله بأن يعطيه مثل ما أعطى فلانا أو أزْيَد منه؛ فإن الله -سبحانه- هو المسؤول، وهو الرب الكريم القادر بأن يعطي فلانا أو أفضل منه.

ومما يعين المبتلى بمرض الحسد على تركه أن يعلم أن الحسد لا يفيد شيئا؛ بل يورث تحسرا وعدم رضا بما قدَّر الله تعالى، واعتراضا على حكمة الله تعالى، فإن الله -سبحانه وتعالى- يعطي لحكمةٍ ويمنع لحكمة، وهو العالِم وحده بمصالح عباده وما يصلحهم، والسعيد مَن رضي بقضاء الله وقدره، والعبد قد يحب شيئا وهو شرٌّ له، وقد يكره شيئا وهو خيرا له، وقد يظهر ذلك في الدنيا، وقد لا يظهر إلا في الآخرة.

فعلى العبد المسلم أن يفعل الأسباب، وأن يرضى بما قدَّرَ اللهُ، ولا يتمنى زوال نعمة أنعم الله بها على غيره أو يحسده عليها.

إن الحسدَ مرضٌ إذا استشرى في المجتمع تسبب في تفككه وانتشار التدابر والتقاطع بين أفراده، وكلها أمراضٌ تسهم في ضعف المسلمين، وتفريق كلمتهم، وتشتيت شملهم؛ ولهذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن نكون إخوة متحابين متعاطفين متآزرين يشعر كل مسلم بإخوته بأخيه المسلم وعلاقته به؛ استجابة لوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "وكونوا عباد الله إخوانا".

فما أغلاها من وصايا! وما أسماها من توجيهات! وما أفضلها من تعاليم! لو تمسك بها المسلمون لسعدوا في دنياهم وأخراهم، فنسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا بالعمل بما يرضيه، وأن يجعلنا هداة مهتدين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله القوي العزيز، اللطيف الخبير، يعلم -سبحانه- خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده -سبحانه- على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛ وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الإخوة المسلمون: احذروا عواقب الغيبة والنميمة وكل ما يحدث التفرقة بين المسلمين، فإنكم مسؤولون ومحاسبون على ما يصدر منكم، وكم من كلمة فرقت بين جماعة، وأحدثت فجوة ووحشة، وأبعدت عن التآلف والتآخي.

ودينُنا الكريم الذي دلت نصوص القرآن فيه وأحاديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ديننا يحث في تعاليهم وأخلاقه وتشريعاته ونظمه يحث على التآلف، ويأمر بالتآخي، وينهى عن التقاطع والتدابر، وقد يخرج العبد الكلمة لا يلقي لها بال تزل بها قدمه في النار سبعين خريفا.

واسمعوا هذا الحديث العظيم الذي يرويه الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حيث قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: "لقد سألتني عن عظيم، وإنه لَيسيرٌ على من يسَّره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".

ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلك على أبواب الخير؟" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل"، قال: ثم تلا قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى بلغ يعملون.

ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد".

ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟"، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه وقال: "كُفَّ عليك هذا"، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: "ثكِلَتْكَ أمُّك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على قال على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم".

ألا فاتقوا الله عباد الله، وراقبوا ألسنتكم، فلا تتكلم إلا بما يرضي الله -عز وجل-، وبما لا يترتب عليه ضرر في دينكم.

وخير ما شغلت به الألسن ذكر الله -عز وجل-، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإصلاح ذات البين، والدعوة إلى الله -عز وجل-.

كونوا -عباد الله- قدوة لغيركم في حفظ اللسان والبعد عن الغيبة والنميمة وكل ما من شأنه تفريق كلمة المسلمين وإضعاف شانهم، كونوا قدوة حسنة لأهليكم وأبنائكم وبناتكم، فلا يسمعوا منكم في بيوتكم ومجالسكم غيبةً ولا نميمةً ولا أيّ خلق سيئ.
كونوا قدوة لمن تجالسون، لا تجلسوا في مجالس تُعمر بالغيبة والنميمة، كل من تحدث بغيبة أو نميمة حاولوا أن تصمتوه، حاولوا أن تبينوا له خطأ فعله وجرم عمله، فإن أقلع، وإلا فقوموا عن ذلك المجلس حتى لا تشاركوه في الإثم والعقوبة؛ إذا كنا كذلك اضمحلت هذه الأمراض من مجتمعاتنا، وغابت عن حياتنا.

نسأل الله -عز وجل- أن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، وأن يجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم -عز وجل- بذلك في كتابه فقال -عَزَّ مِن قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صَلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدك ورسولك نبينا محمد...

 

 

 

 

 

 

المرفقات

المجتمع من أمراض القلوب والألسن

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات