تحريم إتيان الزوجة في الدبر

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-10 - 1444/03/14

اقتباس

تحريم إتيان الزوجة في الدبر

 

محمد بن علي بن جميل المطري

 

الحمد لله الغفور الغفار الرحيم التواب، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة مهداة ليتمم مكارم الأخلاق، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار، أما بعد:

فهذه رسالة مختصرة في تحريم جماع الزوجة في دبرها، جمعت فيها ثمانية أدلة من كتاب الله تدل على تحريم هذه الفاحشة، وأشرت إلى الأحاديث الواردة في تحريمها، وذكرت بعض أقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة، وأوردت نبذة من فتاوى العلماء بما يكفي لإثبات تحريم هذه الفاحشة المنكرة:

بيان الأدلة من القرآن الكريم على تحريم إتيان الزوجة في الدبر:

قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾.

 

قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ يدل على تحريم إتيان الزوجة في دبرها من باب أولى، فإذا كان مكان الحيض - وهو رحم المرأة - لا يجوز إتيانه حال الحيض لكونه أذى، فمن باب أولى لا يجوز إتيان دبر المرأة لكونه أشد أذى ونجاسة من مكان الحيض.

 

وما أحسن ما نقله القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 94) عن بعض العلماء قال: "حرَّم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة، فأولى أن يُحرِّم الدبر لأجل النجاسة اللازمة".

 

وقوله: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ﴾ يدل أيضا على تحريم إتيان دبر الزوجة، إذ لو كان مباحا لكان للزوج أن ينكح زوجته في دبرها حال حيضها، ولكن الله منع الزوج أن يقرب زوجته بالنكاح حتى تطهر من الحيض وتغتسل، وفي صحيح مسلم (302) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح".

 

وقوله: ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ أي: من القبل لا من الدبر، روى ابن جرير في تفسير هذه الآية (3/ 736 - 738) عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وإبراهيم النخعي قالوا: أي: في الفرج.

 

ففي هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على تحريم إتيان دبر الزوجة، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 588): "فيه دلالة على تحريم الوطء في الدبر".

 

وقال الشنقيطي رحمه الله كما في كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (3/ 557): "وقوله: ﴿ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ هو القبل؛ لأن الله قال: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ﴾ والمأمور بإتيانه: محل الحرث، ومعلوم أن محل حرث الأولاد ليس الدبر، وتدل عليه آية أخرى، وهي قوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾؛ لأن معنى: ﴿ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ أي: من الأولاد على أصح التفسيرين، وعليه جمهور العلماء، يعني: باشروهن ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الأولاد، ومعلوم أن الدبر ليس محل ابتغاء الأولاد".

 

وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ فيه إشارة إلى أن من أتى زوجته في دبرها فقد عصى الله، وتلطخ بالنجاسة، فإن تاب من تلك المعصية وتطهر من تلك النجاسة أحبه الله.

 

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 588): " أي: المتنزهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى".

 

وفي تفسير ابن عطية رحمه الله (1/ 299): " ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ قال مجاهد: من إتيان النساء في أدبارهن. كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط: ﴿ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾".

 

ومما يدل على تحريم إتيان الأدبار قوله تعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ أي: إنَّ لوطا ومن اتبعه على دينه - وهما ابنتاه - أناس يتنزهون عما نفعله من إتيان الأدبار، ولم يتبع لوطا عليه السلام إلا أهل بيته غير امرأته كما قال تعالى: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾، وقد قال سبحانه حاكيا قول لوط لقومه: ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾، فعرض على من سيتوب من قومه التزوج ببناته وأخبر أنهن أطهر لهم من إتيان أدبار الرجال، ولو كان يحل لهم أن يأتوا أدبار النساء لما صح أن يقول لهم: ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾، ولقالوا له: كيف تحرم علينا إتيان أدبار الرجال، وتحل لنا أدبار النساء، وكلٌ من أدبار الرجال والنساء موضع للنجاسة؟! لكن قالوا عن لوط وبناته: ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾.

 

وقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 307) عن ابن عباس ومجاهد في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ قالا: "من أدبار الرجال ومن أدبار النساء".

 

ومما يدل على تحريم إتيان أدبار النساء ما حكاه الله من قول لوط عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾، قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره (17/ 630): "يقول: وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهن فأحله لكم. ثم روى بسنده عن مجاهد قال: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء".

 

وقال الزجاج رحمه الله في كتابه معاني القرآن (4/ 99): "يعني به الفروج، وذلك أن قوم لوط كانوا يعدلون في النساء عن الفروج إلى الأدبار، فأعلم الله عز وجل أنهم بفعلهم هذا عادون".

 

وقال العلامة محمد الأمين الهرري في تفسيره المسمى حدائق الروح والريحان (20/ 295): "تعريض بأنهم كانوا يفعلون بنسائهم أيضًا، فتكون الآية دليلًا على حرمة أدبار الزوجات والمملوكات".

 

ومن أدلة تحريم إتيان دبر الزوجة قوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي: كيف شئتم مقبلين ومدبرين في القبل الذي هو محل الحرث أما الدبر فهو محل الفرث.

 

قال البغوي رحمه الله في تفسيره (1/ 291): "وأنى حرف استفهام يكون سؤالا عن الحال والمحل، معناه: كيف شئتم وحيث شئتم بعد أن يكون في صمام واحد، وقال عكرمة: ﴿ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ إنما هو الفرج، ومثله عن الحسن، وقيل: ﴿ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ أي: مزدرع لكم ومنبت للولد بمنزلة الأرض التي تزرع، وفيه دليل على تحريم الأدبار؛ لأن محل الحرث والزرع هو القبل لا الدبر".

 

وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 240): "وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما: أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ الآية، قال: ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، وإتيانها في قبلها من دبرها مستفاد من الآية أيضا؛ لأنه قال: ﴿ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ أي: من أين شئتم من أمام أو من خلف، قال ابن عباس: ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ﴾ يعني: الفرج. وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحش الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جدا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان".

 

ولا يجوز لأحد أن يظن أن الله سبحانه وتعالى يبيح بهذه الآية دبر الزوجة، وحاشا لله أن يكون ذلك في كتابه، فالله يحب الطهارة، ويريد أن يطهر عباده، ولا يأمر بالفحشاء، فكيف يظن ذلك من يقرأ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، وقوله جل جلاله: ﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾؟!!

 

وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري (4528) ومسلم (1435) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها، كان الولد أحول، فنزلت: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾.

 

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 93): "أي: كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا، ولا يباح، وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم، و(حرث) تشبيه؛ لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ (الحرث) يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع.. ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحترث.. (أنى شئتم) معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة".

 

وقال ابن كثير رحمه الله (1/ 588): "أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد، كما ثبتت بذلك الأحاديث".

 

ثبوت تحريم إتيان دبر الزوجة في السنة النبوية:

قال الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 1130): "جاءت أحاديث كثيرة في تحريم الدبر، فيها الصحيح والحسن وما يعتضد به".

 

وقال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43): "جاءت الآثار متواترة بذلك".

 

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (14/ 128): "قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير".

 

وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 95): "أحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم، وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه (تحريم المحل المكروه)، وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعرِّج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، وقد حُذِّرنا من زلة العالم".

 

ومن أصح تلك الأحاديث الدالة على التحريم حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن".

رواه ابن ماجه في سننه (1924) وأحمد في مسنده (21858) والشافعي كما في مسند الشافعي بترتيب السندي (90) والحميدي في مسنده (440) والنسائي في السنن الكبرى (8933) وابن الجارود في المنتقى (728) وابن حبان في صحيحه (4200) والطبراني في المعجم الكبير (3716) وابن حزم في المحلى بالآثار (9/ 221) والبيهقي في السنن الكبرى (14112) وصححه الإمام الشافعي وابن حزم والمنذري وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن الملقن والحافظ ابن حجر والهيتمي والألباني والأرناؤوط.

 

وقد ضعف بعض المحدثين أحاديث إتيان المرأة في دبرها، وصححها غيرهم من أهل الحديث، وعلى القول بأنها ضعيفة فإن "طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به" كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/ 191)، بل لو لم يرد حديثٌ بحرمتها فيكفي للقول بحرمتها ما ذكرناه من الأدلة من القرآن الكريم، وهي أدلة كافية شافية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بينٌ، وإن الحرام بينٌ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" متفق عليه.

 

الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في الدبر:

من الأدلة على تحريم إتيان المرأة في دبرها ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 240 - 242) قال: "وأيضا: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصل مقصودها.

 

وأيضا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعا.

 

وأيضا: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم؛ لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي.

 

وأيضا: يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جدا لمخالفته للطبيعة.

 

وأيضا: فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه.

 

وأيضا: فإنه يضر بالمرأة جدا؛ لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع، منافر لها غاية المنافرة.

 

وأيضا: فإنه يحدث الهم والغم، والنفرة عن الفاعل والمفعول.

 

وأيضا: فإنه يسود الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب، ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة.

 

وأيضا: فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بد.

 

وأيضا: فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فسادا لا يكاد يرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.

 

وأيضا: فإنه يذهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودة بينهما، ويبدلهما بها تباغضا وتلاعنا.

 

وأيضا: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا؟ وأي شر يأمنه؟ وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه؟!

 

وأيضا: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب، استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.

 

وأيضا: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات، ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختياره.

 

وأيضا: فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه.

 

وأيضا: فإنه يورث من المهانة والسفال والحقارة ما لا يورثه غيره.

 

وأيضا: فإنه يكسو العبد من حلة المقت والبغضاء، وازدراء الناس له، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له ما هو مشاهد بالحس، فصلاة الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به" انتهى.

 

وقد أثبت الطب الحديث انتقال عدد كبير من الأمراض الجنسية الخطيرة - ومنها مرض (الإيدز) - عن طريق الوطء في الدبر، كما في الموسوعة الطبية الفقهية ص456.

 

نبذة من أقوال الفقهاء في تحريم إتيان الزوجة في الدبر:

قال العلامة الكاساني الحنفي رحمه الله في كتابه بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 119): "ولا يحل إتيان الزوجة في دبرها؛ لأن الله تعالى عز شأنه نهى عن قربان الحائض ونبه على المعنى وهو كون المحيض أذى والأذى في ذلك المحل أفحش وأذم فكان أولى بالتحريم".

 

وقال العلامة القرافي المالكي رحمه الله في كتابه الذخيرة (4/ 416): "عقد النكاح يبيح كل استمتاع إلا الوطء في الدبر، وقاله الأئمة، ونسبته إلى مالك كذب، قال ابن وهب: قلت لمالك: إنهم حكوا عنك حله! فقال: معاذ الله! أليس أنتم قوما عربا؟! قلت: بلى. قال: قال الله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، وهل يكون الحرث إلا في موضع الزرع أو موضع النبت؟!".

 

وقال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم (5/ 101): " قال الله عز وجل: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، وبين أن موضع الحرث موضع الولد، وأن الله تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض، و﴿ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ من أين شئتم. وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره، فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرمٌ بدلالة الكتاب ثم السنة.. فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الأليتين وجميع الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى".

 

وقال العلامة ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله في كتابه الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 83): "ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا في الدبر،.. ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الأليتين، ووطؤها في الفرج مقبلة ومدبرة، وكيف شاء لقوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾".

 

وقال العلامة ابن حزم الظاهري رحمه الله تعالى في كتابه المحلى بالآثار (9/ 220): "ولا يحل الوطء في الدبر أصلا، لا في امرأة ولا في غيرها".

 

نبذة من فتاوى العلماء في تحريم إتيان الزوجة في الدبر:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (3/ 174): "وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة وقول جماهير السلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن"، وقد قال تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، والحرث هو موضع الولد، فإن الحرث هو محل الغرس والزرع، وكانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول، فأنزل الله هذه الآية، وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها لكن في الفرج خاصة، ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عزرا جميعا، فإن لم ينتهيا فرق بينهما كما يفرق بين الفاجر ومن يفجر به".

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (19/ 282): "يحرم على الرجل أن يطأ زوجته في دبرها،.. ويجوز للرجل أن يأتي زوجته على أي كيفية شاء، مستلقية على ظهرها أو مكبة على وجهها مادام وطؤه إياها في قبلها، بدليل فهم الصحابة ذلك وهم عرب، وتسمية الله النساء حرثا ترجى منه الذرية، ولا ترجى الذرية من الوطء في الدبر".

 

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (21/ 186): "إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب".

 

وقد عد الفقيه الشيخ ابن حجر الهيتمي المكي رحمه الله إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر (2 /46).

 

انتهى والحمد لله رب العالمين.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/93550/#ixzz45SCCiPRK

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات