تحذير الأنام من مخالفة هدي النبي عليه الصلاة والسلام

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-05-13 - 1444/10/23
التصنيفات:

 

 

الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

قال سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

 

فالقرآن كتاب الله سبحانه وتعالى؛ فيه تبيانٌ لكلٍّ شيء إمَّا تفصيلا أو إجمالا، فالمجمل وضَّحه وبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح فيما رواه ابن ماجة بسنده عن عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ". [1]، وزاد ابن ماجه: "أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ". [2]

 

فالله جل جلاله، وتقدست أسماؤه لم يرسل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلا ليبينوا لأقوامهم، ما يريد الله منهم؛ من توحيده وعبادته وحده لا شريك له، قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4]، فلم يكتف سبحانه وتعالى بإنزال الكتب، بل أرسل الرسل للبيان والتوضيح، وقال سبحانه: ﴿... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64].

لذا؛ لا يجوز مخالفةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه، ولا معصيةِ أمره ونهيه، بل لا بد من طاعته عليه الصلاة والسلام، حتى يكْمُلَ لنا إيماننا، وإلا فقد ضللنا ضلالا بعيدا، قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

 

فمعصية الرسول صلى الله عليه وسلم معصيةٌ لله سبحانه وتعالى، قَالَ جل جلاله: ﴿... وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23].

وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعةٌ لله سبحانه وتعالى، مصداق ذلك قوله سبحانه: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ". [3]، -أَيْ: لِأَنِّي لَا آمُر إِلَّا بِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، فَمَنْ فَعَلَ مَا آمُرهُ بِهِ، فَإِنَّمَا أَطَاعَ مَنْ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَهُ، وَيَحْتَمِلُ -في الشرح والتوضيح- أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِطَاعَتِي، فَمَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ أَمْرَ اللهِ لَهُ بِطَاعَتِي، وَفِي الْمَعْصِيَةِ كَذَلِكَ.

وَالطَّاعَةُ: هِيَ الْإِتْيَانُ بِالْمَامُورِ بِهِ، وَالِانْتِهَاء عَنْ الْمَنْهِيّ عَنْهُ، وَالْعِصْيَانُ بِخِلَافِهِ. [4]

 

إنّ العصمةَ من الضلال والنجاةَ من التشتت والتفرق، التمسُّكُ بالكتاب والسنة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا (إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا): كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ". [5]

 

فالجنة لا يدخلها من لم يطعْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى"، قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يَأبَى؟!) قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى". [6]

 

ما أسرعَ استجابةِ الصحابةِ رضي الله تعالى عنهم لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وإرشاداته، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، -أي على المنبر خطيبا- قَالَ: "اجْلِسُوا"، فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "تَعَالَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ". [7]

 

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: (رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ -عليه الصلاة والسلام- فَطَرَحَهُ)، وَقَالَ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ؟!" فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (خُذْ خَاتِمَكَ فَانْتَفِعْ بِهِ)، فَقَالَ: (لَا وَاللهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا؛ وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم). [8]

 

أما من أعرض عن سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يأخذ إلا بما في كتاب الله سبحانه وتعالى حسْب زعمه، فبدون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نعرف عدد الركعات وأوقات الصلوات؟ وكيف نعرف شروط وأركان الصيام والحج والزكوات؟ وكيف نعرف العبادات والطاعات على التفصيل والكمال، بعد ورودها في القرآن العظيم على العموم والإجمال؟!

 

وبدون هديه صلى الله عليه وسلم كيف نعرف تفاصيل المعاملات من بيع وشراء؟ وهل هناك مسلم لا يتزوج على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف نعرف أحكام الجهاد والقتال؟ وكيف نعامل الأسرى والمعاهدين والمستأمنين لولا الإرشادات النبوية؟ ومن أين نتلقى الأخلاقَ والآدابَ المحمدية؟

 

إن من يترك ويريد أن يعرض عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويبحث في كتاب الله لن يجد صيام ست من شوال بعد رمضان، لن يجد صيام الاثنين والخميس، لن يجد صيام عرفة ولا عاشوراء، وإذا بحث في كتاب الله لن يجد على التفصيل الحج والعمرة، ولن يجد الوقوف بعرفة وأنه ركن من أركان الحج، لن يجد أركان الحج الأربعة والواجبات وما شابه ذلك!!

 

من أخذ بما في كتاب الله كما يزعم ويعرض عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم إنسان ضالٌّ مضِلٌّ، بعيدٌ عن الهُدَى وبعيدٌ عن الجنة، حتى يتوبَ إلى الله ويرجع إليه؛ لأنه يأخذ بفِكْرِه وعقله ورأيه، لا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

عباد الله! القرآن بين أيدينا، والسنةُ بيضاءُ واضحةٌ من تركها ضلّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ -رضي الله تعالى عنه-، يَقُولُ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ"، -أي لولي الأمر- "وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ". [9]

 

إن الطاعن في سنته صلى الله عليه وسلم محروم مخذول، والتارك لهديه مرذول، عن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟!) قَالَ: «نَعَمْ!» قُلْتُ: (وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟!) قَالَ: «نَعَمْ! وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: (وَمَا دَخَنُهُ؟!) قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». قُلْتُ: (فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟!) قَالَ: «نَعَمْ! دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا؟!) فَقَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: (فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟!) قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟) قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». [10]

 

ألا يخشى المستهزئ به صلى الله عليه وسلم والمستهزئ بهديه؛ أن يندرج في قائمة المنافقين الكافرين؟!! قال سبحانه: ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 64 - 66]، وفي هذا تحذير شديد لمن يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وأيضا هناك تحذير شديد للمستهزئين بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وما جاؤوا به، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10].

وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [الرعد: 32].

 

إن مُبغضَك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكارهَك وكارهَ سنتك وهديك؛ إنه أبتر! كما قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم  ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾. [الكوثر: 1 - 3].

[أَيْ: إِنَّ مُبْغِضَكَ -يَا مُحَمَّدُ- وَمُبْغِضَ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ، وَالْبُرْهَانِ السَّاطِعِ وَالنُّورِ الْمُبِينِ، هُوَ الْأَبْتَرُ الْأَقَلُّ الْأَذَلُّ الْمُنْقَطِعُ ذكْرُه]. [11]

 

هذا هو الأبتر، وما أكثرهم ذوي الأبتر في هذا الزمان، يبغضون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبرونه مثلهم يأت بآراء ربما نأخذ بها وربما لا نتركها، كثر ذلك في وسائل الإعلام، فتوبوا إلى الملك العلام.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، إلى يوم الدين، أما بعد؛

أين هم مَن يعرضون عن سنته صلى الله عليه وسلم؟ أين هم مِن قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي"، «... فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»؟! [12]

 

أين أنتم؟ يا من لا تهتدون بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم عندما يُطرد أقوام عن حوضه عليه الصلاة والسلام؟

ألا تخشون أن تدرجوا فيمن قال فيهم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي، كَمَا تُذَادُ الغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الحَوْضِ». [13]

 

ألا تخشون يا من تركتم هديه صلى الله عليه وسلم أن يناديَ عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... أَلَا هَلُمَّ! فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا"؟! [14]

يقول: هلم لأمته، عندهم إشارات وعلامات يعرفهم بها، وإذا بهم في الحقيقة قد غيروا وبدلوا، نسأل الله السلامة.

 

إياك يا أخي في دين الله، أن تترك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فيمن قال فيهم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ"، -أي جماعة- "حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ"؛ -بعلامات الوضوء والسجود- "خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ" -موجها الكلام للجماعة والزمرة-: "هَلُمَّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ؟! قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟! قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى". -فلم يهتدوا بهديك، ولم يعتبروا سنتك-، "ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ: أَيْنَ؟! قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى. فَلاَ أُرَاهُ" -يقول صلى الله عليه وسلم:- "فلا أره يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ". [15]

 

لا يخلص من الأمة السابقة بالخيرات؛ ما يخلص منهم إلا مثل همل النعم، وقالوا في همل النعم: (يعني: الضوالّ من النعم؛ واحدته هامل،... ومعنى الحديث: أنه لا يخلص منهم إلا القليل؛ لأن الهمل من الإبل قليل نادر). [16]

عباد الله؛ إن أحكام الله في كتابه، وفي هدي نبيه صلى الله عليه وسلم هي حدود لا يجوز تعديها، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13، 14].

 

فلا تلتفتوا -إخواني في دين الله- إلى من يشكك في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من رافضة متشيِّعين، أو جهلةِ المتسنِّنين، وكثيرٍ من المثقَّفِين، ولأعداء الله ورسوله مرحِّبين مصفِّقين، الذين يفسّرون القرآن بآرائهم، ولا يأخذون من السنة إلا ما يوافق أهواءهم، ويريدون أن يقطعونا عن النبع الصافي من ديننا، فيبدؤون بالطعن في علماء الأمة رحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء، ثم الطعنِ في الصحابة رضي الله تعالى عنهم الذين حملوا لنا هذا الدين، فيسهل عليهم بعد ذلك التشكيكُ والطعنُ في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مما يؤدي إلى هدمِ الدين الذي يريده الله جل جلاله من عباده، فنسأل الله أن يحفظ علينا ديننا، وأن يعيننا على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بالله من معصيته أو معصية رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم اجعلنا ممن أحيا سنة رسولِك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي، فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً، فَعُمِلَ بِهَا، كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا". [17]

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا.

اللَّهُمَّ وَنَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.

اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.

اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مصائب الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، اللهم انصرنا على من عادانا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.

وأقم الصلاة؛ ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

[1] (د) (4604).

[2] (جة) (12).

[3] (خ) (2797)، (م) (1835).

[4] فتح الباري.

[5] مختصر العلو: ص61، (ك) 319، (قط) (4/ 245 ح 149)، (هق) (20124)، وحسنه الألباني في المشكاة (186)، وصَحِيح الْجَامِع (2937، 3232)، وكتاب (منزلة السنة في الإسلام) (ص18).

[6] (خ) (6851)، (حم) (8713).

[7] (د) (1091).

[8] (م) 52- (2090).

[9] (جة) (43).

[10] (خ) (3606).

[11] تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 504).

[12] (خ) (5063)، (م) (1401).

[13] (خ) (2367).

[14] (م) 39- (249).

[15] (خ) (6587).

[16] التوضيح لشرح الجامع الصحيح (30/ 118).

[17] (جة) (209).

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات