تجليات الحولة

محمد بن عبدالله السحيم

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ الرحمة بالأطفال فطرة ودين 2/ أشنع المشاهد وأبشعها في مجزرة الحولة 3/ دروس وعبر من مجزرة الحولة 4/ الحقد النصيري والرافضي على أهل السنة 5/ المسلمون كالجسد الواحد .

اقتباس

إن من أشنع المشاهد وأبشعها أن تغتال هذه البراءة وتقتل بلا ذنب ولا جريرة، وذلكم ما أقدم عليه طاغية سوريا وزبانيته المجرمون يوم الجمعة المنصرم في مجزرة أطفال بلدة الحولة الذين زاد عددهم على الأربعين طفلاً، سُحبوا قهرًا من أيادي أمهاتهم من جوف بيوتهم، خوِّفوا، وجُمِعوا، ثم ذبحوا بالسكاكين والسواطر والبنادق نحرًا وضربًا وقطعًا وسط استرحام الصبية الصغار وتوسلاتهم وصراخهم واستغاثتهم في جريمة جبانة لم يعرف لها في التاريخ نظير سوى من جنس تلك...

 

 

 

 

الحمد لله قاصم الظالمين، وماحق الكافرين، وليّ المؤمنين، وناصر المستضعفين، ديان يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكم العدل المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه البررة المقربين.

أما بعد، فاتقوا الله - عباد الله -؛ فالتقوى خير زاد يُدَّخَر، وأفضل عمل مستطر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]. وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 1.2].

أيها المسلمون ! براءة الأطفال سرُّ تقبلهم ورحمتهم، فقلوبهم بيض؛ لا تعرف الحقد والكراهية والسخائم، طُهْر ازدانت به الأرض، ورحمة أودعت فيها، وضعفة يُستنصر بهم ويُسترزق، هم رحمة من الله مهداة، ونعمة منه مسداة، لا يرحمهم إلا مرحوم، ولا يعذبهم إلا شقي مذؤوم. هكذا قَدَرُ ربِّنا فيهم، قد رعاه من اتقاه ورجاه، وأخفره من نبذه وقلاه.

هذا، وإن من أشنع المشاهد وأبشعها أن تغتال هذه البراءة وتقتل بلا ذنب ولا جريرة، وذلكم ما أقدم عليه طاغية سوريا وزبانيته المجرمون يوم الجمعة المنصرم في مجزرة أطفال بلدة الحولة الذين زاد عددهم على الأربعين طفلاً، سُحبوا قهرًا من أيادي أمهاتهم من جوف بيوتهم، خوِّفوا، وجُمِعوا، ثم ذبحوا بالسكاكين والسواطر والبنادق نحرًا وضربًا وقطعًا وسط استرحام الصبية الصغار وتوسلاتهم وصراخهم واستغاثتهم في جريمة جبانة لم يعرف لها في التاريخ نظير سوى من جنس تلك الشرذمة المجرمة.

معشر المؤمنين ! إن تجليات هذه الجريمة البشعة تبين - وبشكل سافر - مستوى التطورات الذي آل إليه الوضع في سوريا ونتائجه التي سيؤول إليها وفق سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير.

فمما جلّته هذه الجريمة: عظمُ الحقد الذي ملأ قلوب أولئك المجرمين ببغض السنة وأهلها؛ إذ حملهم ذلك الحقد على قتل من لم يحمل سلاحًا بل ولمّا يَسِرْ – بعد -على قدميه. وحقد الرافضة الصفوية والنصيرية وعداؤهم لأهل السنة تاريخي مليء بالشنائع والخيانات والمجازر، وما أحداث مجزرة التتر وسقوط الخلافة العباسية إلا مَثَلٌ لذلك العداء وصورة من صوره.

وبذلك يتبين – عباد الله – أن أخطر عدو للأمة الإسلامية ذلكم العدو الرافضي الطائفي الذي تدرّع بحب آل البيت تقيةً؛ ليقيم من خلاله دولة فارس التي أبادها الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: "ضررهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه".

ومما جلّته مجزرة الحولة: مدى الإفلاس الذي وصل إليه الطغاة، وهاهو نظامهم البائس يتحاتُّ كما تحتُّ أشجارُ الخريف ورقَها بالانشقاق والهروب والإثخان من قبل المجاهدين، فلم يجد سبيلاً لإبراز قوته وإرهاب الناس إلا في هؤلاء الذراري والعزل، وذلك أمارة تضاف إلى الأمارات التي تقطع بزواله؛ فهو نظام كافر محاد لله في ألوهيته، وتلك المحادة سبب للإهلاك، يقول الله تعالى عن فرعون: (فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) [النازعات: 21- 26].

وهو نظام ظالم، والظلم سبب للإهلاك، يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [يونس: 13]، وهو نظام طاغٍ، والطغيان سبب للإهلاك، يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 6- 14].

وهو نظام يتسلط به الكبراء وينشرون من خلاله الفساد، والتسلط ونشر الفساد سببان للإهلاك، يقول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]، وهو نظام طبقي يقسم المجتمع شيعًا يستضعف أهل السنة يذبح أولادهم ولا يستحي نساءهم بل يهتك أعراضهم ويقتلهم كالذكور، فقد فاق هذا النظام ما فعله فرعون الذي جعل الله من أسباب هلاكه وذهاب سلطانه ذلك التقسيم والقتل، يقول الله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 4- 6].

وهذه الأسباب استوجب بها فرعونُ وقومُه الذين أطاعوه حين استخفهم غضبَ الله؛ إذ لا أحدَ أغيرُ من الله، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ) [الزخرف: 54- 56].

فأسباب إهلاك فرعون متحققة في هذا الطاغية وزمرته، بل زادوا عليها ! والأسباب إذا تطابقت تحققت النتائج؛ ولذا فزوال هذا الطاغية وذهاب ملكه أمر ندين الله بوقوعه شاء من شاء وأبى من أبى وسفّه من سفّه.

سيما ونحن نرى – أيها المؤمنون – إخواننا في سوريا قد أخذوا بأسباب النصر: من إظهار التوحيد العملي الذي رأينا معالمه تبدت على من دفن حيًا أو أحرق بالنار ما صدّه ذلك عن دينه وتوحيده الذي ختمت حياته به، وإقامةِ الصلاة فكانت رحبات المساجد فضلاً عن جوفها ممتلئة بالمصلين في صلاة الفجر، واجتماعِ كلمتهم وتكاتفِهم وتشاركِهم في منازلهم وطعامهم حال محنتهم، وذرةُ سنام ذلك قيامهم بشعيرة الجهاد في سبيل الله حسب استطاعتهم مع خذلان القريب وتجهّم البعيد؛ وكأن الله اصطفى نصر سوريا فلم يجعل لأعدائه سببًا فيه. وهاهم إخواننا في مرحلة التنقية ليتأهلوا بعدها لمرحلة التحلية، حين يكرم الله أمة الإسلام بتنزل نصره، فتعظم رقعة الشريعة، ويخنس العدو، ويفشل المشروع الصفوي، ويمهد الطريق لتحرير بيت المقدس؛ ذلك ظننا في مولانا، والله عند ظن عبده به.

بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده.

وبعد، فاعلموا... معشر الإخوة ! ومما جلّته مجزرة الحولة: رهافةُ حس الشعوب المسلمة تجاه بعضها، وقيامُها - قدر استطاعتها - بواجب النصرة الذي بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» رواه البخاري ومسلم.

فمع تفرق الأبدان إلا أن القلوب قد اجتمعت في الشام، فسبحان من قدّر من المصاب ما يجمع به قلوب المؤمنين ويغسلها به من وحل الأثرة والدغل !

إلا أن بعضنا – إخوتي - تناسى هذا المصاب، وظل سادرًا في غيّه وملذاته؛ فمع مصاب إخوانه، لأهل العهر والمجون دعوة وحضور في داره. وأدهى من ذلك وأمرّ، من اتخذ من مصاب إخوانه متنفسًا لما يكنّه صدره من حنق على إخوته الخصوم وتصفيةً لحساباته معهم؛ فلا خيرًا أعطى، ولا شرًا أبقى.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند

يقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري ومسلم.

فاللهم وفقنا وإخواننا المسلمين لنصرة إخواننا نصرة تبرأ بها ذممنا يوم نلقاك...
 

 

 

 

 

المرفقات

الحولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات