د ماهر عبد الرحيم غزاوي
ذكر في التاريخ عدد الذين بنوا بيت الله, وهم أحد عشر بالترتيب: الملائكة, آدم, شيث, إبراهيم الخليل, العمالقة, جرهم, قصي بن كلاب, قريش, عبد الله بن الزبير, الحجاج بن يوسف الثقفي, والسلطان مراد.
وقد اختلف المؤرخون في تحديد بُناة الكعبة تحديدا مجمعا عليه, إلا أن القول الثابت الذي لا خلاف فيه لقوة أدلته, هو القول بأن بناة الكعبة ثلاثة: إبراهيم الخليل, فقريش, فابن الزبير والحجاج.
فهؤلاء الثلاثة هم الذين بنوها بناءً حقيقيا جذريا من أساسها, أما بقية الأحد عشر هم جملة من تعرّض للكعبة على الإطلاق بيد إصلاح أو تعمير, أو تجديد أو ترميم, وكان لهم بذلك شرف عظيم, تجاه ما قدموه لبيت الله من قليل أو كثير.
وسنتحدث عن بناء هؤلاء الثلاثة للكعبة بإختصار.
1- بناء سيدنا إبراهيم عليه السلام:
بنى سيدنا إبراهيم عليه السلام الكعبة بحجارة بعضها فوق بعض, من غير طين وجصّ, وحفر في باطنها على يمين من دخلها حفرة كالبئر عمقها ثلاثة أذرع, ولم يجعل للكعبة سقفاً, ولا بابا من خشب أو غيره, وإنما ترك لمكان الباب فتحة في جدارها الشرقي للدلالة على وجه البيت, وجعله لاصقا بالأرض.
وقد كان بناؤه من خمسة جبال: من طور سيناء, وطور زيتاء, ولبنان, والجودي وحراء. وكانت الملائكة تأتيه بالحجارة من تلك الجبال, فكان هو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة, فبناها على أساس آدم, وهو المسمى بالقواعد.
وقد جعل إبراهيم عليه السلام للكعبة ركنين فقط: الركن الأسود والركن اليماني, ولم يجعل لها أركاناً من جهة الحِجر, بل جعلها مدوّرة على هيئة نصف دائرة كجدار الحِجر. وجعل الحِجر إلى جنبها عريشاً من أراك تقتحمه غنم إسماعيل, فكان زرباً لغنمه.
وجعل إرتفاع الكعبة تسعة أذرع, وجعل عرض جدار وجهها 32 ذراعا, وعرض الجدار المقابل له 31 ذراعا, وعرض الجدار الذي فيه الميزاب جهة الحِجر 22 ذراعا, وعرض الجار المقابل له 20 ذراعا.
2- بناء قريش:
بنت قريش الكعبة قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بخمس سنين, وذلك لأن امرأة منهم جمّرت الكعبة, فطارت شرارة من جمرتها في كسوتها فاحترقت وتصدّعت, وتوهّنت جدرانها من كل جانب. وكانت مبنية برضم يابس ليس بمدر, فبنتها قريش بالطين, والذي بناها لهم اسمه ( باقوم الرومي ) كان نجارا بانيا.
ونقصوا من عرضها من جهة الحِجر ستة أذرع وشبرا, لقلة النفقة الحلال التي جمعوها لعمارتها, وأداروا على الحجر جدارا قصيرا, يطوف الناس من ورائه. وجعلوا بابها مرتفعا عن الأرض, وكبسوه بالحجارة, حتى لاتدخل السيول فيها, وحتى يُدخلوا فيها من شاؤوا ويمنعوا من أرادوا, وجعلوا الباب مصراعا واحدا. وجعلوا في داخلها ست دعائم في صفين, في كل صف ثلاث دعائم. وجعلوا لها سقفا وميزابا من الجهة الشمالية, مصبّه على حجر إسماعيل عليه السلام. وجعلوا ارتفاعها 18 ذراعا. وجعلوا لها ركنين, ولم يجعلوا لها أركانا من جهة الحجر, بل جعلوها مدورة على صفة بناء إبراهيم عليه السلام.
3- بناء ابن الزبير:
وسبب بنائه حادثتان:
الأولى: في وقت الحروب التي كانت تدور رحاها بين ابن الزبير وبين يزيد بن معاوية على الخلافة, كان الحصين قائد جيوش يزيد قد نصب المنجنيق على أخشبي مكة, ليرمي به ابن الزبير, فكانت الأحجار تصيب الكعبة فوهنت وتصدعت.
الثانية:في نفس ذلك الوقت وقع حريق عظيم بسبب أن أحد الرجال أوقد نارا ببعض الخيام المنصوبة بالقرب من الكعبة, فطارت شرارة, فتعلقت بالكسوة, فاحترقت, فزادت وهنا وتصدعا.
ولما زال الحصار عن ابن الزبير, رأى أن يهدم الكعبة, ويبنيها على قواعد إبراهيم, فوافقه على ذلك نفرٌ قليل, وكره ذلك نفرٌ كثير, منهم ابن عباس. ولما أجمع على هدمها, خرج كثير من أهل مكة إلى منى مخافة أن يصيبهم عذاب. وأمر ابن الزبير جماعة من الحبشة, فهدمت الكعبة أجمع, حتى بلغت الارض, وكان ذلك في 15/6/64 هـ, وبناها على قواعد إبراهيم, وأدخل فيها ما أخرجته قريش منها في الحِجر. وزاد في طولها على بناء قريش 9 أذرع, فصار طولها 27 ذراعا. وجعل لها بابين لاصقين بالأرض. وجعل فيها ثلاث دعائم في صف واحد, وجعل لها درجة في ركنها الشامي. وجعل فيها ميزابا يصب في الحِجر.
أما بناء الحجّاج فلم يكن بناءً مستقلا, بل كان تغييرات وإصلاحات, وذلك أمر سياسي أكثر ما يكون منه ديني. فإن ابن الزبير لما قُتل, كتب الحجاج لعبد الملك بن مروان أن ابن الزبير زاد في الكعبة ما ليس منها, وأحدث فيها بابا آخر, واستأذنه في رد ذلك على ما كان عليه, فأذنه, فغيّر شيئا في الكعبة, ونقص, وروي أن عبدالملك ندم بعد ذلك على إذنه للحجاج.
ولعل الحجاج غيّر بناء ابن الزبير للكعبة, لكي لا يبقى له عمل, ولا أثر يُذكر به في الزمن بغضا له
المصدر : موقع مكاوي قبلة الدنيا
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم