اقتباس
وبعدما احتلت فرنسا سوريا كان النصيريون أعواناً مخلصين للمحتل الفرنسي الذي اعتمد عليهم في كثير من أعماله الإجرامية بحق السوريين، وتبنوا دعوة كبير النصيريين؛ سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية واستخدموه، وجعلوا لمناطق النصيرية في اللاذقية وما...
تكلمنا في الجزء الأول عن نشأة فرقة النصيرية العلوية وأهم رموزها، كما تكلمنا عن أهم الأفكار والمعتقدات، وفي هذا الجزء سنتكلم عن أهم الفرق وبنية المجتمع النصيري، وتاريخ بدء استعمال لقب العلويين بديلاً عن اللقب الحقيقي؛ النصيريين، كما سنتكلم عن التاريخ الأسود لتلك الطائفة المشئومة منذ قيامها حتى وقتنا الحاضر، وأهم جرائمها بحق الأمة الإسلامية.
أهم فرق النصيرية
انقسمت النصيرية إلى فرق شتى، ولا غرو في ذلك؛ فالاجتماع لا يكون إلا على الحق، ومن أهم تلك الفرق ما يلي:
1-فرقة الشمسية أو الشمالية: وهم يسكنون السواحل في لواء اللاذقية، ويسبلون اللِّحى ولا يجوز حلقها عندهم، وهم يعتقدون كسائر النصيرية بألوهية علي، وأنه متحد في السماء، إلا أنهم يفترقون عن بقية أبناء المذهب بقولهم: إن علياً يتخذ من الشمس التي يمثلها محمد مسكناً له؛ لذلك فهم يتوجهون إلى الشمس في عبادتهم؛ لاعتقادهم أن علياً فيها، ومن هنا فهم عبدة الشمس، ولذا يسمون بالشمالية وبالشمسية.
2-فرقة القمرية أو الكلازية: وهي تنتسب إلى محمد بن الكلازي، وهؤلاء يسكنون الجبال، وهم يحلقون لحاهم بلا استثناء، ويعتقدون بألوهية علي ويقولون بأنه بعد أن خلع رداء الآدمية صعد إلى القمر الذي هو سلمان، واستقر فيه، وأن علياً هو الجزء المعتم من القمر، ومن هنا فإنهم يقدسون القمر ويعبدون علياً ممثلاً فيه، ولذلك فهم معروفون بــ "عبدة القمر".
3-فرقة الحيدرية: وهذه الفرقة يسكن أفرادها اللاذقية، وهي حزب ديني انبثق عن بعض العشائر العلوية في محافظة اللاذقية، وهم يعتقدون بأن محمداً هو الشمس، وسلمان الفارسي هو القمر.
4-فرقة الغيبية: وهم يعتقدون أن الله يتجلى ويستتر أو يظهر ويغيب، والأزمنة الحالية هي أزمنة الستر والغيبة، وهم يعتقدون أن الله -تعالى- في كل مكان دون أن يراه أحد؛ إذ الإله عندهم هو الهواء، ومن هنا فهم يلقبون بـ "عبدة الهواء ".
هذه الفرق الأربعة تمثل بنية المجتمع النصيري ولكن من خلال إطار عشائري بحت، إذ أن العشائرية هي السمة الأوضح للمجتمع العلوي النصيري؛ فالفكر الطائفي الانعزالي الذي أسس الكيان العلوي جنح منذ قيام الطائفة ناحية العشائرية للحفاظ على نسيج المجتمع العلوي منسجماً ومتماسكاً في إطار محكم من السرية والكتمان، فكان أشبه بالجيتو داخل المجتمعات المسلمة الكبيرة والتي تمثل محيطاً ضخماً مغايراً ضاغطاً على الكيانات الطائفية الصغيرة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا في خلال التأسيس العشائري.
وفي مرحلة التأسيس كان المجتمع النصيري العلوي يتكون من عشائر شاميّة وعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ، من الذين اعتنقوا المذهب الشيعي الإمامي في البدايات، ثم تحولوا إلى الفكر النصيري العلوي، وحتى اليوم يعتبر المذهب النصيري العلوي مقصورًا على عشائر معينة، بعضها يرجع نسبه إلى فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ وبعض قبائلهم كالمحارزة الذين يرجعون نسبهم إلى الهاشميين، وبعضهم ازداد عدده بهجرة قبائل طيء (نهاية القرن الثالث الهجري)، وقبائل غسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية من جبل سنجار في العراق إلى منطقة الشام، وهم ينقسمون بذلك إلى عشائر كثيرة كالنواصرة والجهنية والرسالنة والحيدرية وغيرهم.
من النصيرية إلى العلوية
ظل النصيريون معروفين بذلك الاسم ويعانون من سمعته السيئة وتاريخه المخزي لقرون حتى جاء الاحتلال الأوروبي إلى بلاد الإسلام وأخذ في استخدام كافة الوسائل المتاحة من أجل ضمان الهيمنة والسيطرة، ومنها التمكين للأقليات الطائفية واستخدامهم في محاربة روح المقاومة والصمود داخل الشعوب المسلمة، وعلى رأس هذه الأقليات الطائفية؛ النصيريين أصحاب التاريخ الطويل من الحقد والعداء للعالم الإسلامي.
فعندما احتل الفرنسيون بلاد الشام سنة 1920ميلادية وجدوا مقاومة شديدة من أهل السنّة ومن الدروز على حد السواء، فعملوا على تقريب النصيرية واستعمالهم في الوظائف الإدارية، فطلب منهم شيوخ النصيرية أن يستعملوا لقب" العلوية" بدلاً من "النصيرية" ظناً منهم أن ذلك سيجمّل صورتهم ويمحو الذكريات السيئة للقب "النصيرية"، وبالفعل وافق الفرنسيون على ذلك وبدأت المكاتبات الرسمية في سوريا الكبيرة تستخدم لقب" العلويين" بدلاً من "النصيريين"، للتمويه على حقيقة النصيرية وسط العديد من الطوائف والأسر والممالك التي حملت نفس الاسم عبر التاريخ حتى ظن الكثيرون أن العلويين جميعاً طائفة واحدة وفكر واحد وهو أمر غير صحيح بالمرة.
فالعلويون في مصر هم أسرة محمد علي التي ظلت تحكم بصورة وراثية لقرابة المائة وخمسين سنة وهم من السنّة، والعلويون في المغرب هم العلويون الفيلاليون وهم سلالة من الأشراف من الفرع الحسني تحكم بلاد المغرب من سنة 1666 ميلادية لوقتنا الحاضر، وهم -أيضا- من السنّة وليسوا من الشيعة.
أما العلويون الأتراك فهم أقرب الطوائف إلى العلوية النصيرية وبينهما يقع الخلط لشدة التشابه في الأفكار والمعتقدات، حيث يجمع العلويون-ويطلق عليهم اسم "العلاهيون"-في تركيا مزيجاً من المعتقدات الشيعية والممارسات الدينية الصوفية، ويعود وجودهم في البلاد إلى بدايات القدوم التركي إلى الأناضول، ويشكلون قرابة سدس السكان، ويطلق عليهم في تركيا اسم القزلباش أو البكتاشية.
علاقة النصيرية العلوية بالممالك الإسلامية
النصيرية طائفة غامضة وسرية لذلك اعتبرها كثير من الناس من جملة فرق الشيعة بمعناها العام وليس الخاص، فنعمت الطائفة بفترات سلام وازدهار وحركة، وعانت -أيضا- بفترات اضطهاد وتضييق وتنكيل فترات أخرى، ومتى قامت دولة للشيعة في بقعة ما كان للعلويين فيها تواجد وظهور، وذلك عبر التاريخ.
ففي عهد الدولة الحمدانية عاشت الطائفة بسلام وأمان، وكان لهم تواجد سياسي لافت، وبرز العديد من القادة النصيريين في الحكم والإدارة، فعلى أنطاكية الأمير أبو العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن الحمدان، وعلى اللاذقية الأمراء التنوخيون، وعلى الجنوب من طرابلس إلى طبرية الأمير أبو الحسن رائق بن الخضر الغساني، ثم ابنه الأمير محمد بن رائق المعروف بأمير الأمراء، وعلى صور وصيدا ومرجعيون الأمير بدر بن عمار.
فلما زالت الدولة الحمدانية واستولى بنو مرداس على الحكم عانى النصيريون من التهميش والإقصاء السياسي، فعملوا على التآمر على بني مرداس وكاتبوا الفاطميين العبيديين في مصر، واتفقوا معهم على الإطاحة ببني مرداس، وفي سنة 429هـ تمكن الفاطميون من الاستيلاء على حلب، وذلك بمساهمة النصيريين الذين كانوا يحلمون بعودة مجدهم أيام الحمدانيين، ولكنّ الفاطميين "الشيعة الإسماعيلية" تنكروا لإخوانهم النصيريين ومنعوهم من كل مناصب الدولة ونعموا وحدهم بمرافق البلاد وخيراتها، واستأثروا بالحكم وتصريف أمور البلاد دونهم، فانكمش النصيريون على أنفسهم وانطووا على ذواتهم تجنباً للفتن .
وبعد سقوط الفاطميين على يد صلاح الدين الأيوبي عانى النصيريون من التضييق الشديد مع باقي طوائف الشيعة خشية غدرهم بعد تآمرهم عدة مرات على اغتيال صلاح الدين ومحاولاتهم المتكررة لإعادة الدولة الفاطمية البائدة، فمنعوا من إظهار أي شعائر للطائفة، فخلدوا حينها إلى السكينة والهدوء حفاظًا على أنفسهم من الإبادة والتنكيل، وانحازوا إلى جبال كسروان طلباً للأمان.
وخلال توقّف الحملات الصليبية كان للنصيريين حروباً طاحنة وصراعات دامية مع الأكراد والشيعة الإسماعيليين، فما كانوا يرتاحون من حرب خارجية إلا وتُفتح عليهم حربٌ داخليةٌ..
استغل النصيريون فترة الصراع الذي وقع على الحكم أيام المماليك بعد وفاة السلطان الظاهر بيبرس، فجهروا بالعداوة وبدأوا في البغي والتحالف مع فلول الصليبيين في الشام، خاصة في طرابلس ونابلس، فجرّد لهم السلطان محمد بن ناصر بن قلاوون حملة عسكرية سنة 705ه، ففُتِك حينها بهم قتلاً وإبادة ونهباً وتشريداً، جزاءً وفاقاً.
وفي فترة حكم الدولة العثمانية لم يتغير الوضع كثيراً عن سابقيه بالنسبة للنصيرية، فالجميع قد أدرك خطورة تلك الطائفة وضررها على العالم الإسلامي، فواصل العثمانيون نهج الأيوبيين والمماليك في قمع الطائفة والتضيق عليها ومنعها من إظهار شعائرها البدعية وعقائدها الكفرية، وقد أفتى علماء العثمانيين الأحناف العديد من الفتاوي بكفر الطائفة ووجوب قتالها، من أشهر فتوى شيخ الإسلام أيام السلطان سليم الأول الشيخ نوح بن حامد أفندي. وقد عمل العثمانيون على تغيير التركيبة السكانية في مناطق النصيريين في سواحل الشام بجلب العديد من العشائر التركية من الأناضول إلى سواحل الشام، ومازالت بقايا هذه العشائر موجودة حتى الآن في سوريا.
وعندما احتل الفرنسيون سوريا تحول النصيريون إلى أعوان وعملاء لهم، ونابوا عنهم في القيام بالأعمال القذرة، فكوفئوا على ذلك بإعلان دويلة لهم في شمال شرق سوريا سنة 1920ميلادية، ثم عاد الفرنسيون وتنكروا لهم سنة 1938 بدعوى عدم أهليتهم لتأسيس دولة!!
عقب قيام الجمهورية السورية، حدثت الكثير من الصراع والانقلابات على السلطة في سوريا، الأمر الذي عزز من جديد موقع الضباط النصيريون بالجيش السوري.
ثم جاءت حقبة حزب البعث اليساري والذي أسهم في صعود الطائفة النصيرية باسمها الجديد؛ العلوية، كنخبة حاكمة، حيث تأسس حزب البعث، وجذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين، ورأوا فيه فرصة سانحة للتخلص من سيطرة أهل السنّة على مقاليد الحكم في سوريا، كما أسهمت هجرة العلويين إلى المدن واختلاطهم بالناس في تعزيز اندماجهم بعد قرون من العزلة والانكفاء، فانضم العلويون بأعداد كبيرة إلى صفوف حزب البعث، لاسيما في فرع الحزب باللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.
لعب العلويون النصيرية دوراً مهماً في انقلاب مارس 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد سنة 1973، والذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم بكثير من الدماء والمجازر المروعة بحق أهل السنّة في لبنان وسوريا.
ويذكر أن حافظ الأسد، طلب من موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان إصدار فتوى بأن العلويين من الشيعة، وذلك لإسكات المعارضين لانتخابه رئيساً للجمهورية، بحجة أن الدستور يفرض أن يكون الرئيس مسلماً، وقد أصدر الإمام هذه الفتوى سنة 1974يقول "باتريك سيل" في كتابه "الصراع على الشرق الأوسط": "إصدار هذه الفتوى أزال العقبة الأخيرة التي كانت تعترض طريق حافظ الأسد إلى الرئاسة".
جرائم العلوية النصيرية عبر التاريخ
النصيرية أو العلوية كطائفة مباينة لأهل السنة لم يكن لها ذكر أو أثر في الصراع مع العالم الإسلامي -بسبب الغموض والسرية- حتى قدوم الحملات الصليبية، قبل ذلك كانت معدودة من جملة الشيعة، وإن كان الشيعة الجعفرية أو الإمامية هي الأكثر ظهوراً والأعلى صوتاً في مضمار الصراع مع أهل السنّة داخل العالم الإسلامي.
مع قدوم الصليبيين إلى بلاد الشام قاتلوا العلويين في الساحل ظناً منهم أنهم من جملة المسلمين، فلما استبانت حقيقتهم إلى المحتل الصليبي هادنهم وعقد معهم حلفاً غير معلن، وكان للعلويين دور بارز في تسهيل سقوط أنطاكية بيد الصليبيين سنة 491ه-1098م.
استغل العلويون النصيرية فترة الحملات الصليبية في الظهور والخروج إلى العلن ومبارزة خصومهم من أهل السنّة والطوائف الشيعية المنافسة بالعداء والتحدي، وتحولت منطقة اللاذقية وما حولها من القرى إلى وكر التآمر والعداء ضد العالم الإسلامي، وحظي العلويون بمكانة خاصة لدى الصليبيين، فكانت قراهم قفراً من شعائر الإسلام ومظاهره، فالمساجد تم تخريبها وتحويلها إلى خمارات وإسطبلات، لا على يد الصليبيين ولكن على يد العلويين النصيرية. يقول الرحالة ابن بطوطة في رحلته المسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار"واصفا ذلك عندما مر ببلادهم: "وأكثر أهل هذه السواحل هم الطائفة النصيرية الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إله، وهم لا يصلون ولا يتطهرون ولا يصومون.
وكان الملك الظاهر بيبرس ألزمهم بناء المساجد بقراهم، فبنوا بكل قرية مسجداً بعيداً عن العمارة ولا يدخلونه ولا يعمرونه، وربما أوت إليه مواشيهم ودوابهم، وربما وصل الغريب إليهم فينزل بالمسجد ويؤذن إلى الصلاة، فيقولون: لا تنهق علفك يأتيك".
ومن جرائمهم بحق المسلمين؛ خطف المسلمين وبيعهم إلى الكفار، فقد ذكر ابن كثير في حوادث سنة سبعمائة وخمسة: وفيها سار الأمير جمال الدين أقوش الملقب بالأفرم -والي دمشق- بعسكر دمشق وغيره من عساكر الشام، إلى جبال كسروان معقل النصيرية، وكانوا عصاة مارقين من الدين، فأحاطت العساكر الإسلامية بتلك الجبال المنيعة، وترجلوا عن خيولهم، وصعدوا في تلك الجبال من كل الجهات، وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنينين -طائفة من الملاحدة- وغيرهم من المارقين، وطهرت تلك الجبال منهم، وهي جبال شاهقة بين دمشق وطرابلس، وأمنت الطرق بعد ذلك، فإنهم كانوا يقطعون الطريق ويتخطفون المسلمين، ويبيعونهم للكفار.
وفي سنة 717هجرية أعاد العلويون النصيرية خلع الطاعة وبايعوا رجلاً منهم ادعى المهدية، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك ويكتب لك فرمانا، ومن يرفض يقتلوه أو يدفنوه حياً، ونهبوا الأموال، وسبوا الأولاد، وهتكوا النساء، وقتلوا جماعةً من المسلمين بجبلة، ورفعوا أصواتهم: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وسبّوا أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، فجرّد سلطان المماليك إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وقُتل المهدي الدجال.
وفي سنة 1400 ميلادية -802هجرية هجم الطاغية تيمور لنك وكان على مذهب النصيرية على بلاد الشام وفعل بها مما لا يخطر على بال إبليس نفسه، وكان مشايخ النصيرية يبشرونه بالفتوح وإبادة المسلمين السنّة، ويحرضونه على ذلك، وكان أمير حلب نصيرياً فراسل تيمور لنك خفية واتفق معه على أن يدهم حلب ويبيد أهلها وهو أميرها.
وذكر المؤرخ النصيري محمد غالب الطويل أن ألوفاً من أهل حلب أُبيدوا، وهرب بقيتهم من بطش تيمور لنك، ولم يَسلم إلا النصيريون؛ لأنهم كانوا عيونا للتتر وعونا لهم على المسلمين، حتى ذكر أنهم شكلوا من جماجم أهل السنّة في حلب منارة عالية من عشرين ألف جمجمة. واتجه تيمور بجيوشه بعد انتهائه من حلب إلى دمشق، فكرروا جرائمهم الوحشية بصورة مروعة في منتهى الوحشية وصفها بدقة مؤلمة المؤرخان؛ المقريزي وابن تغري بردي في تاريخيهما، وكل ذلك تحت شعار "الانتقام لآل البيت ".
وأما في العصر الحديث فبعد سقوط الدولة العثمانية، واحتلال فرنسا للشام انضم النصيريون إليهم، وكانوا عيونا لهم على المسلمين؛ يقول ليون كاهون: "وهو ضابط أرسلته فرنسا في بعثة تبشيرية واستكشافية إلى جبال العلويين عام 1878م" في كتابه "رحلة إلى جبال العلويين" وقد نقله إلى العربية الدكتور سهيل زكار: "إلا أنني كنت أسمع الجملة التي يرددها الجميع: متى سيأتي الفرنسيون؟!".
وبعدما احتلت فرنسا سوريا كان النصيريون أعواناً مخلصين للمحتل الفرنسي الذي اعتمد عليهم في كثير من أعماله الإجرامية بحق السوريين، وتبنوا دعوة كبير النصيريين؛ سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية واستخدموه، وجعلوا لمناطق النصيرية في اللاذقية وما حولها نظاماً خاصاً، فقويت شوكته وتلقب برئيس (الشعب العلوي الحيدري الغساني) وعيَّن سنة 1938 قضاة وعسكر، وفرض الضرائب على القرى التابعة له، وأصدر قرارا جاء فيه: "نظراً للتعديات من الحكومة الوطنية والشعب السني على أفراد شعبي، فقد شكلت لدفع هذا الاعتداء جيشا يقوم به الفدائيون والقواد" وجعل لمن سماهم الفدائيين ألبسة عسكرية خاصة، وكان في خلال ذلك يزور دمشق، نائبا عن (العلويين) في المجلس النيابي السوري.
فلما تحررت سورية وجلا الفرنسيون عنها تركوا له من سلاحهم ما أغراه بالعصيان، فجردت حكومة سورية قوة فتكت ببعض أتباعه، واعتقلته مع آخرين، ثم قتلته شنقا في دمشق.
وعندما تسلط النصيريون على حكم سوريا ابتداءً من أيام حافظ الأسد حتى عهد ابنه الذي فاق أبيه إجراماً ووحشية؛ بشار، أوقع النصيريون جرائم في غاية الوحشية بحق مسلمي سوريا، منها مجازر حلب وحماة في سنة 1402ه. وقد كانت مذبحة حماة أبشع مذبحة في التاريخ المعاصر؛ إذ حوصرت بالمدرعات والدبابات، وقطعت عنها الكهرباء والمياه، ودكت دكا شديدا، حتى أبيدت عشائر كاملة بالمئات لم يبق منها فرد يحمل اسمها، ثم اقتحمها النصيريون فاغتصبوا النساء، ونحروا الأطفال، وأبادوا الرجال، فكان القتلى زهاء 40 ألف نفس، واعتقل 15 ألفا من خيرة الشباب أعدم جلهم بعد ذلك.
ثم جاء بشار الأسد ليواصل نهج أبيه في الإجرام والضلال، فثار عليه السوريون عن بكرة أبيهم، وحققوا انتصارات هامة وكاد عرشه أن يسقط لولا تدخل شيعة إيران مع الروس ومن وراء الستار الصهاينة والغرب، فقويت شوكته وصب جم حقده الطائفي على أهل السنة فقتل منهم أكثر من ربع مليون سوري في أقل من عشر سنوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، حتى أذن الله -تعالى- بهلاكه وزوال حكمه وحكم الطائفة الضالة عدوة الله ورسوله والمؤمنين؛ النصيرية في أواخر سنة 2024ميلادية/جمادى آخر سنة 1446ه، ولله الحمد والمنة وعظيم الشكر والثناء.
ولا يسعنا بعد هذا السرد التاريخي الموجز عن أهم جرائم النصيرية العلوية سوى أن نترحم على شيخ الإسلام الخبير بهم عندما أرسى قاعدة تاريخية ذهبية في فتاواه الشهيرة عن النصيرية، عندما قال: "فإذا كانت لهم مُكْنَةٌ سفكوا دماء المسلمين".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم