تؤتي أكلها

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2022-11-04 - 1444/04/10 2022-11-07 - 1444/04/13
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/أهمية الحلقات القرآنية 2/أثر الحلقات القرآنية 3/وصايا لمعلمي القرآن وطلاب الحلقات

اقتباس

يكفيكم فخرا أنكم من عمار المساجد وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله. يكفيكم عزا -يا أهل القرآن- أنكم...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون واشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله ليبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتذكرون صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته وأتباعه إلى يوم يبعثون وسلم تسليما.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فمن اتقى الله وقاه.

 

في غياهب الجهل وظلمات الشهوات ومع غزو الغرائز ومع غفلة الناس وبعدهم عن موارد الهدى يبرز معلم من معالم تميزنا ويظهر نور من أنوار الحق والهدى وتتجلى صورة مشرقة من العمل الإيجابي لا تملك من الإمكانات ما يملك غيرها لكنها تؤتي ثمارها وتخرج كل حين نباتها بإذن ربها.

 

معلم له بتوفيق الله أكبر الأثر في حماية أفكار الأمة وشبابها ونشر الفضائل والحفاظ على الهوية والعمل على ملء الفراغ القاتل بالعمل المثمر النافع.

 

معلم هو أمان من الانجراف وحصن عن الانحراف.

 

إذا عانى الناس من اليأس والهموم فهي جَنة، وإذا اشتد أوار الشهوات واضطرمت نار الشبهات فهي جُنة، هي حصن مكين يحمي من شياطين الإنس والجنة، ويكفي أنها تظللها بأجنحتها الجنة .. مكانها الدور والمساجد وروادها الراكع والساجد من شباب أطهار ونساء صالحات قانتات.

 

إنها الحلقات القرآنية .. هي مظهر من مظاهر اهتمام الأمة بكتاب ربها وهي بذلك تتأسى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث اعتنى بتعليم القرآن الكريم وإذاعته ونشره إذ كان يقرؤه على الناس على مكث وكان يسمعهم إياه في كل مناسبة ويرسل بعثات القرآن إلى كل بلد يعلمون كتاب الله.

 

إن انتشار الحلقات القرآنية والدور النسائية هو بداية انتصار الأمة وعودة قيادة البشرية اليها كما كانت في سابق مجدها.

 

إن الهلال إذا رأيت نموه *** أيقنت أن سيصير بدرا كاملا

 

من ذا الذي يخفى عليه أهمية الحلقات والمدارس القرآنية في المجتمع وضرورتها كواحدة من وسائط التربية المهمة التي يتم من خلالها تربية وتعليم أبناء المجتمع كتاب الله تعالى قراءة وتجويدا وتدبرا وتنشئتهم على تعاليمه السامية وآدابه العالية وحفظ أوقاتهم وصرفها فيما يعود عليهم وعلى وطنهم وأمتهم بالخير في الدنيا والآخرة وعمارة بيوت الله بتلاوة القرآن.

 

حلقات القرآن روادها الصالحون والأخيار ومنهجها كتاب الله ورسالتها تعليم كتاب الله وتربية الأجيال على أخلاقه وآدابه.

 

حلقات القرآن نشاطاتها ظاهرة ونجاحاتها باهرة وثمارها زاهرة وبيوت الله بها عامرة لا تعمل في الخفاء ولا تستتر بأعمالها بل هي صروح عامرة عاملة أمام الملأ وروادها من أسلم الناس سلوكا وفكرا.

 

هي منبع الأمن الفكري ومنبت الاعتدال وإن رغمت أنوف حاسدة حاقدة.

 

طلاب الحلقات وعامروها هم الشامة في المجتمع والبارزون في ميادين الحياة.

 

من هم عمار المساجد وأصحاب الصفوف الأولى في الجمع والجماعات إلا رواد الحلقات.

 

من هم الذين اطمأن لهم آباؤهم وأمهاتهم فأمنوا فناموا إلا أهل القرآن.

 

أهل القرآن بارزون في التعليم وهم أصحاب المراكز الأولى ومتفوقون وموهوبون.

 

المجتمع آمن من شرهم آمل في خيرهم متطلع إلى نفعهم.

 

يا أهل الحلقات: يكفيكم فخرا أنكم من عمار المساجد وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله.

 

يكفيكم عزا -يا أهل القرآن- أنكم أهل الله وخاصته الذين رفع الله شأنهم وأعلى ذكرهم.

 

يكفيكم -يا أهل القرآن- أن آباءكم وأمهاتكم ينالون من خيركم في الآخرة فحافظ القرآن يلبس والداه تاج الوقار يوم القيامة.

 

يكفيكم -يا حفاظ القرآن- أن الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له وماهر فيه مع السفرة الكرام البررة.

 

يكفيكم أن يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر أية تقرأها.

 

يكفيكم فخرا أن حافظ القرآن هو أولى الناس بالإمامة ويكفيكم عزا أن تكريمكم من إجلال الله وأن الخيرية والفضل لمن تعلم القرآن وعلمه.

 

يكفيكم أن قلوبكم بالقرآن عامرة فالذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب.

 

يكفي الحلقات فخرا أن فيها إحياء للطريقة النبوية في تلقي القرآن وتربية للأفراد على مبدأ العمل بمقتضى العلم وأن فيها إحياء لرسالة المسجد وأن الارتباط بالقرآن من أقوى العوامل في تكوين القدرات العقلية والأخلاقية ويمد الدارس بذخيرة لغوية وبثروة من الأساليب في التعلم والتعامل والاستدلال وأن للحلقات اثرا سلوكيا وثمرة علمية.

 

يكفي الحلقات أنها تربي العواطف الدافعة والرادعة عند طلابها لتصبح شخصيتهم متزنة مقبلة على الخير مبتعدة عن الشر مراعية للوسطية والاعتدال وأي تربية أسمى وأكمل ومن التربية في ظل القرآن.

 

يا رواد الحلقات: غيركم يفتن بالشهوات ويخر صريعا أمام دواعي الفتن، أما أنتم -إن صدقتم- فلكم شأن آخر.

 

غيرك -يا طالب الحلقة- إن وجد فراغا صار يفكر في شهوته قد شغلته القناة الهابطة والنظرة الآثمة والأغنية الساقطة وأنت في فراغك تقرأ القرآن ومصحفك في صدرك تقرأه أينما كنت..

 

هذه هي الحلقات وهؤلاء هم روادها فإن كانوا كمن ذكرنا فهذا هو الأصل فيها وفيهم وإن كان ثمت قصور فبتقصيرنا.

 

تحية إجلال بمداد من ثناء وبحور من دعاء لجمعية تحفيظ القرآن بحلقاتها ودورها وبرامجها ومنسوبيها وداعميها، فقد سطرت بحفلاتها ومخرجاتها صفحات من التفاؤل والأمل في دفتر اليأس والألم، وحفظت شبابنا من غمرات الغلو ومتاهات الانحلال، وبمنهجها نشأت الأجيال على الوسطية الحقة والاعتدال.

 

إنه لكي يبقى هذا المعلم من معالم تميزنا ولكي تبقى الحلقات نورا يشع على أرضنا فلابد من وقفة جادة مع جمعياتها وحلقاتها دعما ومؤازرة ودفاعا ومناصرة بالمال والرأي والقلم والكلمة الصادقة.

 

فهنيئا لمن علم القرآن بنفسه أو بماله أو برأيه أو وجاهته، وهنيئا لأهل الدثور بالأجور يوم أن يجعلوا للقرآن من أموالهم نصيبا، وهنيئا لمن كان للحلقات نصيرا، وأضعف الإيمان كف اللسان عن التجريح واللمز والنقد غير البناء للحلقات والعاملين فيها وألا نكون ظهيرا للذين يلمزون العاملين في الحلقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم، وما أجمل أن نكون للخير نصيرا ولمعالمه سندا وظهيرا.

 

أقول هذا القول ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فإلى الرياحين العاطرة في بساتين الحلقات الناضرة أبث هذه الكلمات.

 

يا أهل الحلقات من معلمين ومعلمات ومتعلمين ومتعلمات: إن حلقاتكم أمانة بين أيديكم وإن المجتمع لظلمه ينسب كل خطأ إلى مرتكبه إلا خطأكم فإنه ينسب إلى حلقاتكم وإلى من يرعاكم؛ فاحذروا أن تمنحوا المتربصين فرصة للنيل من شجرتكم المثمرة بالهمز واللمز والتحريض بسبب اجتهادات غير مدروسة ومواقف غير منضبطة.

 

يا طلاب الحلقات: إن حفظ كتاب الله عز وشرف لا يناله المنشغلون بالتفاهات من سماع الأناشيد والشيلات أو متابعة المباريات أو الانغماس في برامج التواصل الاجتماعي وما يدور فيها من سفه وحماقات.

 

حفظ القرآن يناله من علت همته وسمت أهدافه وخلصت نيته وعرف قدر نفسه فارتقى بها وإنما الهموم على قدر الهمم وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى.

 

يا رواد الحلقات من رجال ونساء: لقد تميزتم بما معكم من القرآن فلتتميزوا في منهجيتكم وتفكيركم ومواقفكم، فأنتم الأحرى بأن يكون خوف الله شعاركم والورع دثاركم وكتاب الله سواركم وأنتم أكبر من أن تكون مصادر ثقافتكم الشبكات والقنوات، وأنتم أكرم من أن تبنوا آراءكم ومواقفكم على فتاوى مجهولة من مجاهيل.

 

طوبى لمن حفظ الكتاب بصدره *** فبدا وضيئا كالنجوم تألقا

وتمثل القرآن في أخلاقه *** وفعاله فبه الفؤاد تعلقا

وتلاه في جنح الدجى متدبرا *** والدمع من بين الجفون ترقرقا

هذي صفات الحافظين كتابه *** حقا فكن بصفاتهم متخلقا

يا حافظ القرآن رتل آيه *** فالكل أنصت للتلاوة مطرقا

يا حافظ القرآن لست بحافظ  *** حتى تكون لما حفظت مطبقا

ماذا يفيدك أن تسمى حافظا *** وكتاب ربي في الفؤاد تمزقا

 

يا حفظة القرآن: إنَّ العصرَ الحاضرَ عصرُ فِتن، ولا ملاذَ ولا مفرَّ منها إلاَّ بالاعتصام بكتاب الله، والالْتجاءِ إلى شرْعِه ومِنهاجه، واللَّوْذِ ببابه وجَنابه.

 

يا معلمي الحلقات: إنَّ تعليمَ الناسِ الخيرَ من أعظم القرُباتِ إلى اللهِ؛ فإنَّ معلِّم الناس الخيرَ يستغفرُ لهُ كلُّ شيءٍ، حتَّى النملة في جُحرِها، وحتَّى الحوتُ في البحر؛ كما ثبت بذلك الأثر عن سيد البشر.

 

يا معلم القرآن: أدعوكَ لمزيدٍ من الاستمرار، وعدم اليأس أو الفتور معَ تجديدِ النيَّة، واللجوءِ إلى الله، وسؤاله العونَ والتوفيقَ والدَّوام، واعلم أنَّ للإخلاص والتوفيق مراتبَ؛ فاحْرص على أعلاها وأسماها، وتجنب خوارمه من العجب والرياء والبحث عن المجد الشخصي وحب الثناء، واستعذ بالله من جلد الفاجر وعجز الثقات.

 

إنَّ التربيةَ بالسُّلوكِ والحال أبلغُ من التربية بالوَعْظ والمقال؛ فاحرِص على ألاَّ يَرى منكَ طُلاَّبُك ما يَشينُ أو يَعيب.

 

لا نريد منك جيلا يحفظ حروف القرآن ويضيع حدوده، لا نريد من يحفظ العصر وينام عن صلاة الفجر؟ فَدَورُكَ أن تُخرِجَ للأمَّة شبابًا جَمَعوا بينَ الحِفظ والتطبيق، والدِّراسةِ والامتثال، والعِلم والعمل.

 

يا معلم الحلقة: إنَّ مراعاة الفروق الفرديَّة بينَ التلاميذ أمرٌ ضروريٌّ، ومطلَبٌ ملِحٌّ، ولاتكن غارقا في المثالية فلن يكون كل شباب الأمة حفاظا، وحسبك أن تنجح في إخراج متقن للقرآن متأدب بآدابه.

 

أسألُ الله -عزَّ وجلَّ- أن يُوفِّقني وإيَّاكَ لِمَا يحبُّ ويرضى، وأن يُكلِّلَ جهودَكَ بالتوفيقِ والنَّجاح، وأن يكتبَ لكَ أجرَ كلِّ حرفٍ علَّمتَه، وأجر كل سلوك معوج قومته وأن يجعلكَ مُباركًا أينما كنت.

 

اللهم صل وسلم ...

المرفقات

تؤتي أكلها.pdf

تؤتي أكلها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات