عناصر الخطبة
1/خطورة انتشار الأوبئة 2/دلالات وعبر من تفشي الوباء 3/عقوبة للكافرين وابتلاء وتمحيص للمؤمنين 4/الواجب عند تفشي الأوبئة.اقتباس
ابتلى الله به المؤمنين؛ حتى يصبح المؤمن متعلقًا بربه مؤمنًا به متوكلًا عليه راجيًا عفوه ولطفه ورحمته، فالمؤمن يعلم أن الوباء من عند الله ومن خَلْق الله يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، وتبين أن المؤمن في حال البلاء يهرب إلى الله ويلجأ إليه وينطرح بين يديه ويعمل بالأسباب...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب:70].
عباد الله: ما أحلم الله! ما أحلم الله على عباده يخلقهم ويعبدون سواه، ويعطيهم فيكفرون بنعمه، ويتفضل عليهم فيشكرون غيره إلا من هدى الله ورحم، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[سورة النحل:61]، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)[سورة فاطر: 45].
جاء الله بهذا الوباء عمَّ به أرجاء العالم، اجتاح العالم كله مؤمنه وكافره، غنيه وفقيره، متخلّفه ومتحضّره، عالمه وجاهله، قويّه وضعيفه، حتى اختلت جميع نواحي الحياة، داهم الناس في كل مكان ضرب الأمن، وضرب الصحة، وضرب الاقتصاد، واختلت حركة العالم كله وفقد توازنه واستقراره وحبس الله الناس في بيوتهم.
فيروس قاتل لا يُرى بالعيون، متناهي الصغر والضعف والإمكانية لا يعيش منفردًا، أعمى أصمّ أبكم، ومع ذلك أعلن العالم كله عجزه وفقره وهوانه أمامه، وليعلم الجميع عظمة مَن خلقه وصنعه وأرسله، وعظمة مَن يتصرَّف فيه ويأمره وينهاه ويرسله ويمنعه.
لقد أظهَر الله به كمائن النفوس وخفايا القلوب وخبايا الضمائر، خاض فيه الناس وتجادلوا واتفقوا واختلفوا، وتبيَّن الناس كلهم على حقائقهم، أظهر الله ما في القلوب، وكأننا في مشهد من مشاهد يوم القيامة؛ إذ ذكر الله -سبحانه- أنه في يوم القيامة تُبتَلى وتُختبر سريرة كل إنسان؛ فقال: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)[سورة الطارق:9]، قالوا: صنعوه، وقالوا: هل هو من قضاء الله وقدَره، قالوا: لماذا مات منه المسلمون؟ لماذا لم يُقدّره الله على اليهود والنصارى كلهم؟ لماذا تعافَى منه آخرون؟
ابتلى الله به سريرة فئة من الناس حتى قالوا: تلك الطبيعة والمادة أخرجت لنا هذا الوباء؛ غضبت علينا الطبيعة، وسبحان مَن كشف حالهم فقال عنهم: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)[سورة الإسراء:60]، (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)[سورة الجاثية:24]، ذلك حال الكافرين والملحدين والمنافقين، أولئك هم العمي الصم البكم، سواء جاء وباء أو رحل؛ (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[سورة الحج:46].
وابتلى الله به المؤمنين؛ حتى يصبح المؤمن متعلقًا بربه مؤمنًا به متوكلًا عليه راجيًا عفوه ولطفه ورحمته، فالمؤمن يعلم أن الوباء من عند الله ومن خَلْق الله يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، وتبين أن المؤمن في حال البلاء يهرب إلى الله ويلجأ إليه وينطرح بين يديه ويعمل بالأسباب، وأن هذا الوباء من صنع الله لا من صنع الصين ولا الشرق ولا الغرب، ربما يستطيع البشر أن يجعلوا له حاضنات وبيئة تكاثر، لكن أن يخلقوه أو يصنعوه فهيهات هيهات.
هذا الوباء بيَّن للعالم كافة مؤمنهم وكافرهم أن الله وحده هو الملتجأ... بيَّن هذا الوباء من غير أن يتكلم بكلمة أو يكتب حرفًا أو يستخدم وسيلة من وسائل التواصل، بيَّن أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
إن الكفار رفعوا الأذان والصلوات والتكبيرات والدعاء في شوارعهم وكنائسهم رغم أنوفهم، لقد طلب رؤساؤهم من الناس الفزع إلى الصلاة والدعاء، واعترفوا أن أسباب الأرض انقطعت وبقيت أسباب السماء، لكنهم كفرة وفجرة ومنكرون وحالهم حال مَن (إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[سورة العنكبوت: 65].
إن هذا الوباء عقوبة للكافرين والملحدين وابتلاء وتمحيص وشهادة للمؤمنين؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
اللهم برحمتك ولطفك وفضلك اصرف عنا هذا الوباء، اللهم اصرفه عنا جميعًا وعن بلادنا وأهلنا وذوينا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.
عباد الله: اشكروا الله -عز وجل-، وعودوا إليه والجأوا واهربوا، اشكروه -سبحانه- أن جعل تأثير هذا الوباء محدودًا محصورًا في أناسٍ يكتبه الله عليهم ويُقدِّره ولم يجعله يصيب كل أحد أو يقتل كل إنسان، وإلا لمات الناس كلهم.
والله -سبحانه- لو قدَّره الله على الناس كافة لما نجا منهم أحد، ولكنَّ الله بلطفه جعله محدودًا رغم فتْكهِ وشراسته؛ فمن احترز منه نجا وسلم -بإذن الله تعالى-.
ولا يسعنا بعد شكر الله -عز وجل- إلا أن نشكر ولي أمرنا -وفَّقه الله وسدده- الذي وقف وقفة صدق وكرم ومسؤولية، وقدّم للمواطن والمقيم كل الإمكانات بدون مقابل، وكذلك أمير هذه المنطقة -وفَّقه الله وسدده- الذي بذل جهده ووقته في خدمة الناس كافة، وكذلك رجال الأمن والصحة، ومَن ساندهم وعاونهم ووقف معهم وشاركهم من الجهات الأخرى والأفراد؛ نسأل الله أن لا يحرمهم الأجر، وأن يبارك في أوقاتهم وأعمارهم وعافيتهم.
عباد الله: علينا في هذا الظرف الصعب والحرج أن نلجأ إلى الله -تعالى- بالدعاء ورفع الأكف بالضراعة والاستغاثة أن يصرف عنا وعنكم هذا الوباء، ثم إن من الواجبات التي لا بد أن نتقيد بها لزوم التعليمات والاحترازات التي أرشدنا إليها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مثل وجود هذا الطاعون، وكذلك الاحترازات التي بيَّنها أهل الاختصاص فمنها مثلًا:
التباعد المجتمعي وعدم التصافح مهما كانت الأسباب، يكفي أن نلقي السلام تحية الإسلام، ولا تصافح أحدًا لا قريب ولا بعيد ولا كبير ولا صغير.
عدم إقامة المناسبات والحفلات والزواجات.
الحذر من الاجتماعات حتى العائلية.
الحرص على نظافة اليدين وتعقيمها خاصة عند دخول المنزل.
وعند الوضوء الحرص على الاستنشاق والمبالغة فيه كما حثَّ على ذلك -صلى الله عليه وسلم-؛ بقوله: "بَالِغ في الاستِنشاقِ إلَّا أن تَكونَ صائمًا"(صحيح أبي داود للألباني).
الحرص على عدم الذهاب للأسواق وأماكن التزاحم إلا لضرورة، فإن تخفيف الحظر لا يعني ترك الحرص ولا يعني انحسار الخطر.
الحرص عند دخول المساجد على التباعد وعلى اصطحاب سجادة للصلاة.
على من يشعر بإصابته أن يتقي الله في الناس وفي أهله وفي مجتمعه، فلا يتسبب في إصابة أحد، وعليه أن لا يدخل المساجد ولا الأسواق وأن يعزل نفسه ويراجع للعلاج.
نسأل الله بكرمه ومنه أن يلطف بنا وبكم، اللهم اصرف عنا الوباء والربا والزنا والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ألهمنا رشدنا وردّنا إليك ردًّا جميلًا.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم