تأملات في اسمي الله تعالى: السميع البصير

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2024-04-19 - 1445/10/10 2024-04-25 - 1445/10/16
عناصر الخطبة
1/معرفة الله تعالى أعلى المعارف 2/تأملات في سعة علم الله تعالى 3/إحاطة الله تعالى بالمخلوقات 4/تبارك الذي وسع سمعه الأصوات 5/في خلوتك لست وحدك 6/ ألم يعلم بأن الله يرى؟

اقتباس

هو يراك حين تتكلم وحين تسكت، ويعلم قصدك في كلامك وحال سكوتك، ويعلم ما فعلته قبل عام وما ستفعله بعد عام في آن واحد.. وحينما تكون في غرفتك فلا تظن أنك وحدك، بل فيها آلاف الكائنات الحية التي لا تُرى إلا بالمجهر، وكلها يراها الله بتفاصيل..

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله السميع البصير، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله وخليله، البشيرُ النذير، والسراجُ المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّه لو قيل قبل مئات السنين، قبل اختراع المخترعات الحديثة لرجل في ذلك الزمان: سيأتي زمان يكون الرجل في غرفة مغلقة، ويرى مَن خلف بيتِه ومَن أمامه، ومَن على يساره ومَن على يمينه، في آنٍ واحد، لعَدَّ ذلك ضربًا من السحر أو الجنون.

 

فلو قيل له: بل وسيرى في غرفته المغلقة مَن خلف قارّته ومَن أمامها، ومَن على يسارها ومَن على يمينها، في آنٍ واحدٍ، ويتحدّث معهم ويتحدّثون معه، وسيشاهد حركات الناس في طرقاتهم وأسواقهم، ويُحْضر الشرطيُّ المجرمَ ويُخبره بما فعل بالتفصيل وهو يُشاهد ذلك؛ لَمَا أطاق عقلُه أنْ يتصوّر هذا ويتخيّله مجرّد خيال.

 

واليومَ نرى أنّ البشر استطاع أن يفعل ذلك عبر هذه المخترعات، التي مَكَّنه الله منها.

فإذا كانت هذه إحاطةُ البشر وقدرتُهم: فكيف بإحاطة رب البشر وقدرته؟!

 

كيف بالله الذي صنع عقول البشر التي صنعت ما كان معجزًا مستحيلاً في السابق.

إن الله -تعالى- قد أحاط بكلِّ شيء، ويرى كلَّ شيء، ولا يخفى عليه شيء.

 

تأمل إلى عظمةِ إحاطةِ الله في هذه الآية؛ ‌(وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[فاطر: 11].

 

إن كل أنثى من إنس أو جانّ أو حيوان أو طير، أو حشرة في الأرض أو تحت الأرض أو في جوف الشجر والحجر، قد أحاط الله بها، ويعلم حين تحمل وحين تضع، وكلّ آجال هذه الكائنات قد أحاط الله بها، وليس ذلك فحسب، بل هو مكتوب في كتاب، وذلك على الله يسير.

 

بل (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].

 

فأخبر -تعالى- أنه يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات، وكذلك يعلم حركة الدواب كلها، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6].

 

هو يراك حين تتكلم وحين تسكت، ويعلم قصدك في كلامك وحال سكوتك، ويعلم ما فعلته قبل عام وما ستفعله بعد عام في آن واحد؛ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14]؟

 

جاءت خولةُ بنت ثعلبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته تشكو إليه، ولا يكاد أحدٌ يسمع كلامها من شدة خفض صوتها؛ فسمعها الله من فوق سبع سموات؛ (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ ‌تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[المجادلة: 1].

 

قالت عائشة -رضي الله عنها-: "الحمد لله الذي وسع سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خولةُ بنت ثعلبة تشكو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا في كِسْر البيت -أي: في جانبه-، يَخفى عليَّ بعضُ كلامها، فأنزل الله -عز وجل- هذا الآيات".

 

فهو الحيُّ القيُّوم الذي لكمال حياته وقيُّوميَّته لا تأخذه سنةٌ ولا نوم. والعالمُ بكل شيء، الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، فلا تسقط ورقةٌ إلا بعلمه، ولا تتحرَّك ذرَّة إلا بإذنه، يعلم دبيبَ الخواطر في القلوب؛ حيث لا يطلع عليها الملَك، ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليها القلب.

 

وهو البصير، الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلقِ الذرَّة الصغيرة وأعضائها ولحمها ودمها ومخّها وعروقها، ويرى دبيبَها على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، ويرى ما تحت الأرضين السبع كما يرى ما فوق السماوات السبع.

 

وهو السميع الذي قد استوى في سمعه سرُّ القول وجهرُه، وسِع سمعُه الأصوات، فلا تختلف عليه أصوات الخلق ولا تشتبه عليه، ولا يشْغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا تُبْرمه كثرةُ سؤالِ السائلين. (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[الزخرف: 80].

 

وربنا مطلّع على ما نراه وما لا نراه؛ (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ)[الحاقة: 38- 39]، أقسم بالأشياء كلها التي نُبصرها والتي لا نُبصرها، فدخل في ذلك الملائكة والجن والمخلوقات التي لا تُرى إلا بالمجهر.

 

وحينما تكون في غرفتك فلا تظن أنك وحدك، بل فيها آلاف الكائنات الحية التي لا تُرى إلا بالمجهر، وكلها يراها الله بتفاصيل أجزائها، ويسمع نبضاتِ قلبها، وحسَّ أنفساها، ودبيبَ سيرها.

 

نسأل الله أن يرزقنا اليقين والإيمان، وأن يبلغنا درجة الإحسان، إنه سميع قريب مجيب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله المتفرد بصفات الجلال والكمال، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى جميع الصحب والآل.

 

أما بعد: معاشر المسلمين: إن اليقين بأن الله سميع لكل شيء، بصير عليم محيط بكل شيء يعطي المظلوم الطمأنينة بأنّ حقه لنا يضيع، ويطردُ الحزن والأسى جرّاء ما يقدّره من محن ومصائب؛ (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التغابن: 11]، ويبعث على الخوف من معصية الله الذي يرى العاصيَ حين يعصي، والظالمَ حين يظلم؛ (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق: 14]؟!

 

وَإِذا خَلَوتَ ‌بِرِيبَةٍ ‌في ‌ظُلمَةٍ *** وَالنَفسُ داعيَةٌ إِلى الطُغيانِ

فاِستَحي مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَها *** إِنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني

 

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون؛ أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم وفِّق إمامنا ووليّ عهده لهداك، واجعل عملهما في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.

 

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات

تأملات في اسمي الله تعالى السميع البصير.doc

تأملات في اسمي الله تعالى السميع البصير.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات