عناصر الخطبة
1/عظمة تشريع المواريث في الإسلام 2/عدالة نظام التوريث 3/تحريم تأخير تقسيم المواريث بدون عذر 4/كثرة النعم ووجوب شكرها.اقتباس
ولئن كان وكلاءُ يتأخرونَ بقسمةِ الميراثِ؛ فإن ثَمَّة وكلاء أمناء كثيرون، يبدأ يقسمُ أحدُهم التركةَ قبلَ انتهاءِ مدةِ العزاءِ، بل إن بعضُهم يموتُ ميِّتُه السبت، فيراجعُ المحاكَم والدوائرَ يومَ الأحدِ؛ حرصًا على طيبِ النفوسِ، واستمرارِ تواصلِ رحِمِها...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ، من اتَّقاهُ وقاهُ، ومَن توكَّل عليهِ كفاهُ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا إلهَ غيُره ولا ربَّ لنا سواُه، وأشهدُ أنّ نبيَنا محمّداً عبدُ اللهِ ورسولُه، بالرسالةِ اجتباهُ وبالنبوّةِ اصطفاهُ، صلّى اللهُ وسلّمَ عليه، وعلى آلهِ وأصحابهِ، ومن اهتدَى بهداهُ.
أما بعدُ: فإن دينَنا عظيمٌ كلُّه كمالٌ، وجلالٌ وحُسنٌ وجمالٌ، ومن محاسنِ دينِنا ذلكمُ النظامُ المتقَنُ المنضبطُ الذي فرضَهُ اللهُ، وتولى قسمتَهُ في القرآنِ الكريمِ، ألا وهو نظامُ توريثِ الميتِ لقرابتِه: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، وفي آخرِها قال: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) وقال: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)[النساء: 11و12].
إن نظامَ الإسلامِ في التوريثِ نظامٌ عادلٌ، يراعي معنى التكافلِ العائلِي على قدرِ قرابةِ كلِّ فردٍ من الميتِ. ولا يَحرِمُ امرأةً ولا صغيراً لمجردِ أنه امرأةٌ أو صغيرٌ.
وهو نظامٌ يُطمئنُ من بذلَ جهدَه في ادخارِ مالٍ أن مالَه سيرثُه أقربُ أهلهِ من بعدِه؛ ليؤمِّنَ لهم عيشةً هنيئةً، وحياةً عزيزةً. لقولِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"(رواه البخاري 1295، ومسلم 4296).
قال الشعبيُّ: "ما من مالٍ أعظمَ أجراً من مالٍ يتركُهُ الرجلُ لولدِه؛ يغنِيهِم به عن الناسِ". (المغني 8 /393).
لكنَّ بعضَ الناسِ قادَه الطمعُ ونسيانُ الآخرةِ إلى تضييعِ حقوقِ أقاربهِ، وإيقاعِ الشحناءِ بينهم، بسببِ تأخيرِه لميراثِهم، وأشدُّ منه وأطغَى مَن يَجحدُهم حقوقَهم، لينطبقَ عليهِ قولُ الحقِ –سبحانه-: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا)[الفجر:19]؛ أي: وتأكلونَ الميراثَ أكلاً شديدًا. قالَ الحسنُ: "يأكلُ نصيبَه ونصيبَ صاحبهِ". فقد كانوا لا يُوَرِّثونَ النساءَ، ولا يورّثونَ الصغارَ، وقرأَ: (فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ)[النساء: 127]؛ أي: لا تورِّثونَهم. (تفسير الطبري 24/ 414، والبحر المحيط في التفسير 10/ 475 وتفسير الزمخشري 4/ 751).
أيُها المؤمنونَ: مما يتأكدُ في حقِّ الوصيِّ ووكيلِ الورثةِ: المبادرةُ إلى تقسيمِ الإرثِ؛ لأن تأخيرَه يتسببُ في تعطيلِ الورثةِ من حقِهم، ويجرُّ إلى الإثمِ إذا فرطَ، ويؤدي للمشاحناتِ كلما زادتِ السنواتُ، فتظلُ الحقوقُ معلقةً، وذممُ المؤخِرينَ مشغولةً، والقطيعةُ مستمرةً.
فلا يجوزُ تأخيرُ قسمةِ التركةِ، إلا إن تضرَّرَ الورثةُ، كأنْ يكون السوقُ كاسداً، ويُرجَى أن يتحسن قريبًا. أو اتفق جميعُ الورثةِ على عدمِ تقسيمِها أو بعضِها، فإن رغبَ ولو واحدٌ منهم في نصيبِه فيجبُ أن يُعطَى، لا سيما المحتاجَ والمديونَ، وربما إخوانُه يستغلونَ سكوتَه وخجلَه، فهذا ظلمٌ، خاصةً النساءَ، فإن النساءَ يُظلَمنَ في هذهِ الحقوقِ كثيراً، حتى إن بعضَهن يعِشْنَ عِيشةَ الفقراءِ، وإرثُهن بالملايينِ.
وينبغي أن يتوسطَ في حلِّ ذلك ذووُ الحكمةِ والأمانةِ والديانةِ، لئلا تفوحَ رائحةُ النزاعِ النتنةِ، وحتى لا يتطورَ الأمرُ فضيحةً بالمحاكمِ.
ولئن كان وكلاءُ يتأخرونَ بقسمةِ الميراثِ؛ فإن ثَمَّة وكلاء أمناء كثيرون، يبدأ يقسمُ أحدُهم التركةَ قبلَ انتهاءِ مدةِ العزاءِ، بل إن بعضُهم يموتُ ميِّتُه السبت، فيراجعُ المحاكَم والدوائرَ يومَ الأحدِ؛ حرصًا على طيبِ النفوسِ، واستمرارِ تواصلِ رحِمِها. فاللهم كَثِّرْ أمثالَهم، وحقِّقْ آمالَهم. واللهم لا تجعلِ الدنيا أكبرَ همِنا، ولا مبلغَ علمِنا.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى.
أما بعدُ: فإننا نتقلبُ بنعمٍ من اللهِ ظاهرةٍ وباطنةٍ؛ نتقلبُ فيها صباحَ مساءَ. إنها نِعمٌ تستدعِي شكرًا وذِكرًا: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران: 144]؛ فلنشكرْ ربَنا كثيرًا ليرضَى عنا (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)[الزمر:7]، ولِيزيدَنا من نعمِهِ: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7].
ولنتحدثْ بنعمِ اللهِ؛ لأن اللهَ يُحبُّ ذلكَ، ولنعدِدْ بعضَ نعمِه علينا في أسبوعِنا المنصرِمِ؛ فأما هذا الغيثُ المباركُ العامُ بمملكتِنا، فقد سالتْ بسببِه وِدْيانُنا، ولطُفَ هواؤُنا، وستخضرُ أرضُنا، وستسمنُ بهائمُنا، ويكثرُ في جوفِ الأرضِ ماؤُنا. وسنعيشُ هذه السنةَ في ربيعِ متدرِج، تنبتُ جهةٌ ثم أخرَى، وهكذا: (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال:26].
ونعمةٌ عظمى، بحجِّ هذهِ السنةِ ليكونَ بلا قيودِ كورونا، وحسابُ المواطنِ مدَّده وليُ أمرِنا -أمدَّ اللهُ بعمرِه على طاعتِه-: (فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)[الأنبياء: 80]؛ وها نحنُ بأمنٍ وراحةٍ، ودعةٍ ورغدٍ مع إجازةٍ لأولادِنا مطولةٍ، ودفءٍ غالبٍ، فإن لم يكنْ دفءٌ فتدفئةٌ في كلِ مكانٍ، بالمساكنِ والمساجدِ، وفي المراقدِ والمراكبِ والملابسِ. (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة: 6].
فاللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ. اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ. اللهم وأيد بالحقِ إمامَنا، ووليَّ عهدِه، وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ. اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وديانٍ وشِعاب.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، أَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا. اللَّهُمَّ اسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً وَادِعَةً تَزِيدُ بِهَا فِي شُكْرِنَا، إِنَّ عَطَاءَكَ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَأَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا سَكَنَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، تُرْخِصُ بِهِ أَسْعَارَنَا وَتُدِرُّ بِهِ أَرْزَاقَنَا، وَتُنْعِمُ بِهِ عَلَى بَدْوِنَا وَحَضَرِنَا، وَاجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم