بيوت الله أولى بالتعظيم

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضائل المساجد 2/ وجوب الاعتناء بالمساجد 3/ آداب إتيان المساجد وعمارتها 4/ أخطاء يقع فيها بعض المصلين في المساجد 5/ وجوب صيانة المساجد عن كل ما يمسها بسوء.

اقتباس

ومن التَّشويشِ والإيذاء الذي عمَّ وَطَمَّ فِي مَسَاجِدِنا وَقَطَعَ عَليهم خُشُوعَهُم وَسُكُونَهَمْ مَا يَصدُرُ مِن الجوَّالاتِ من مَقَاطِعَ غِنَائِيَّةٍ وَنَغَمَاتٍ مُوسِيقِيَّةٍ فَواللهِ يَا إخوَانِي لَقَدْ آذت المُصَلِّينَ أَيَّما إيذاءٍ، فعَلى كلِّ مُسلِمٍ ألَّا يُدَنِّسَ بُيُوتَ اللهِ تَعَالى بِهذهِ النَّغَمَاتِ المُحرَّمةِ والأَجْرَاسِ الشَّيطَانِيَّةِ، وَلْيَتَخَلَّصْ مِن شَرِّهَا وَإِثْمِها.. فَلا تُفْسِدُوا خُشُوعَ المُصَلِّينَ فَتَكُونوا مِن الآثِمينَ، وَتَحْمِلُوا أوزَارَاً مَعَ أوزَارِكُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ. نَعمْ قَد تَنسى جِهَازَكَ مَفْتُوحَا، وَلَكِنَّ الذي تَأثَمُ عليهِ أنْ تَتَعَمَّدَ نَغْمَةً مُوسِيقِيَّةً، فَهَذا بِطَوْعِكَ واخْتِيَارِكَ، فَلَمْ تُكْرَهَ أو تُجْبَرَ عليهِ!

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ عزَّ ربَّا وخالقًا، كَتَبَ السَّعادةَ لِمَن حَرِصَ على دعوتِه وطاعتِه، وَجَعَلَ العِزَّة لِمَن خَضَعَ لسلطانِه وعَظَمَتِهِ، نَشهدُ ألَّا إله إلَّا الله ُوحده لا شريكَ له، في ألوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ. وَنَشهدُ أنَّ نبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، خَيرُ مَن دعا إلى ربِّه وأَجَابَ، صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ وَبَرَكَاتُهُ عليه وعلى جميعِ الآل والأصحابِ (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم المآب.

 

أما بعد: فيا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعالى واعرفوا ما للمساجدِ من مكانةٍ عاليةٍ وحُرمة عظيمةٍ، فهي بيوتُ الله، رُفِعَت قواعِدُها على اسْمِهِ وَحدَهُ، فِيها يُعبَدُ ويُوحَّدُ، ويُعظَّمُ ويُمجَّدُ، هي مَهبِطُ رَحْمَتِهِ، وَمُلتَقَى مَلائِكَتِهِ وَالصَّالِحينَ مِن عِبادِهِ، إنِّه المسجدُ: تِلكَ البُقْعَةُ المُبَارَكَةُ، وَالأرضُ الطَّهورُ، نَتَحدَّثُ عنها حينَ نَسيَ كَثيرٌ مِن إخوانِنَا تَأْرِيخَ ودورَ مسجدِهِم.

 

أيُّها المسلمون: حَقٌ عَلينا الاعتناءُ بمساجدِنَا لأنَّها مظهرُ فلاحِنا وعزِّنا وَفَخْرِنا. فلنعتني بها أكثرَ من بُيُوتِنا واستراحاتِنا، فعن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: أمَرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ المَسَاجِدِ فِي الدُّورِ أي في القَبَائِل وَأَنْ تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ.

 

عبادَ الله: ولِعظيمِ فضلِها وَشَرِيفِ مَكَانَتِها شُرِع لقاصدِها من الآدابِ والسُّنَنِ والأحكامِ ما يَحسُنُ التَّذكيرُ بِه؛ رِعَايةً لحرمتِها وتذكيرًا بحقِّها. فَخُذ أَيُّها المسلمُ بعضَ أحكامِ المَسَاجِدِ، وتعرَّفْ على ما يَجبُ لَهَا وَمَا يَحْرمُ فيها، وَما يُستَحَبُّ فِيها.

 

عبادَ الله: يُستَحَبُّ لقاصِدِ المسجد أن يتجمَّل لصلاتِه بِمَا يَستَطِيعُ مِن ثِيَابِه وَطِيبِهِ وسِوَاكِهِ، قَالَ جَلَّ وَعلا: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31]، وعن ابنِ عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلَّى أحدُكم فلْيلبَس ثَوبَيه، فإنَّ اللهَ أحقُّ مَن يُتزيَّنُ له".

 

وعلى قاصدِ المسجدِ للصلاةِ اجتنابُ الروائحِ الكريهةِ في ملبسِه ومأكله وجسمهِ، فلا يؤذِي إخوانَه المصلين بنَتَنِ الرائِحَةِ، "فمَن أكَلَ البصلَ أو الثومَ أو الكرَّاثَ فلا يقربنَّ مَسْجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ".

 

وَعِنْدَ لُبْسِ الجَوربينِ يَتَأكَّدُ المُسلِمُ مِن عَدَمِ نَتَنِ رَائِحَتِهَا، فأكرِم بعبدٍ يأتي بيوتَ الله مُتطهِّرًا مُتنظِّفًا، تفوحُ رائحتُه طيبًا وَمِسْكَاً وَعُودًا.

 

والماشي للمسجدِ يخرجُ إليه بسكينةٍ ووقارٍ، ولا يشبِّكُ بينَ أصابِعِه، حتى وإنْ سمعَ الإقامةَ فإنَّهُ لا يُسرِعُ إليها فقد قال: رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتمُ الإقامةَ فامشوا إلى الصلاةِ وعليكم بالسكينةِ والوَقَارِ، ولا تُسرِعوا، فَمَا أَدْرَكْتُم فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكم فأتِّموا".

 

ومن السُّنَّةِ تقديمُ الرِّجلِ اليمنى دُخولا، وَيُصَلِّي وَيُسلِّمُ على النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-وَيَقولُ: اللَّهمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وإذا خرَج قدَّم اليُسرى وَصَلَّى وَسَلَّم عَلى النَّبِيِّ وَقَال: اللَّهمَّ افْتَح لِي أَبْوَاب فَضْلِكَ. ولا يجلِسْ حتى يصَلِّيَ رَكْعَتَينِ وُجُوبَاً، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دَخَلَ أَحَدُكُم المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَينِ قَبْلَ أنْ يَجلِسَ".

 

وإذا أُقيمَتِ الصَّلاةُ فَيحرُمُ عليكَ أَنْ تَشْرَعَ في نَافِلَةٍ أو سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ؛ لِقولِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إلَّا المَكْتُوبَةَ".

 

أيُّها المسلمونَ: المُصلُّونَ في المَسجدِ كلُّهم سَواءٌ، فَمَنْ سبَقَ إلى مَكَانٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَيس لِأَحَدٍ أنْ يَتَحَجَّرَ مَكَانَا فيضَعُ حَاجِزَاً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ المَسْجِدِ! كَذَلِكَ يحرُمُ المُرورُ بينَ يدَيِ المُصَلِّينَ، لِمَا فِيهِ مِن التَّشْوِيشِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لو يَعْلَمُ المَارُّ بَينَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذا عَلَيهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ. خَيرًا لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بينَ يَدَيهِ"، قَالَ الرَّاوي: لا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَومًا أو شَهْرًا أو سَنَةً.

 

وَعليهِ كَذلِكَ ألَّا يُؤذِيَ إخْوَانَهُ بِتَخَطِّي رِقَابِهم وَمُضَايَقَتِهِمْ وَمُزَاحَمَتِهِم وَمُحَاوَلةِ اقْتِحَامِ الصُّفوفِ عَليهمْ، فَقَد جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فَقَالَ لَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ".

 

عبادَ الله: ومن التَّشويشِ والإيذاء الذي عمَّ وَطَمَّ فِي مَسَاجِدِنا وَقَطَعَ عَليهم خُشُوعَهُم وَسُكُونَهَمْ مَا يَصدُرُ مِن الجوَّالاتِ من مَقَاطِعَ غِنَائِيَّةٍ وَنَغَمَاتٍ مُوسِيقِيَّةٍ فَواللهِ يَا إخوَانِي لَقَدْ آذت المُصَلِّينَ أَيَّما إيذاءٍ، فعَلى كلِّ مُسلِمٍ ألَّا يُدَنِّسَ بُيُوتَ اللهِ تَعَالى بِهذهِ النَّغَمَاتِ المُحرَّمةِ والأَجْرَاسِ الشَّيطَانِيَّةِ، وَلْيَتَخَلَّصْ مِن شَرِّهَا وَإِثْمِها. فَهذِهِ الصَّلاَةُ إنَّمَا هِيَ لِلتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، وَقِراءةِ القُرْآنِ. أينَ هُمْ مِنْ قَولِ الله تَعَالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

 

فَلا تُفْسِدُوا خُشُوعَ المُصَلِّينَ فَتَكُونوا مِن الآثِمينَ، وَتَحْمِلُوا أوزَارَاً مَعَ أوزَارِكُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ. نَعمْ قَد تَنسى جِهَازَكَ مَفْتُوحَا، وَلَكِنَّ الذي تَأثَمُ عليهِ أنْ تَتَعَمَّدَ نَغْمَةً مُوسِيقِيَّةً، فَهَذا بِطَوْعِكَ واخْتِيَارِكَ، فَلَمْ تُكْرَهَ أو تُجْبَرَ عليهِ!

 

جعلني الله وإيَّاكُم من الهداة المهتدين المتَّبعين لِسُنَّةِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمينَ من كلِّ ذنب وخطيئَة، فاستغفِروه إنه كان للأوَّابين غَفُورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله لا خيرَ إلَّا مِنه، ولا فَضلَ إلَّا من لَدُنه، نشهد ألَّا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، سَمِيعٌ لِرَاجِيهِ، قَريبٌ مِمَّن يُنَاجِيه، وَنَشهَدُ أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسولُه، أتمُّ البرية خيرًا وفضلاً، وأَعلاهم منصِبًا وأجرًا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابه، ومن اهتدى بِهديهم واستنَّ بسنتهم، صلاةً وسلاماً تترى.

 

أمَّا بعد: فيا أيُّها المسلمون، اتَّقوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ، وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعْصُوهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

عِبَادَ اللهِ: مِن أَعظَمِ مَيزَاتِ المَسَاجِدِ صَلاةُ الجَمَاعَةِ فِيها! وَهُمْ مَنْ أثْنَى اللهُ عَليهِم بِقَولِهِ: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ) [النور: 36- 37].

 

 فَصلاةُ المُسْلِمِ فِي مَسْجدِهِ تَفْضُلُ على صَلاتِهِ فِي بَيتِهِ وَسُوقِه بِخَمْسٍ وَعَشْرِينَ دَرَجَةً، أو سَبْعٍ وَعَشْرِينَ دَرَجَةً كَمَا بَشَّرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضعَّفُ عَلى صَلاتِهِ فِي بَيتِهِ وَسُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا".

 

وَفِي حَديثٍ آخر قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا تَوَضأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ لا يُخرجُهُ إلَّا الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خُطوَةً إلَّا رُفِعَت لَهُ بِها دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْه بِها خَطِيئَةٌ، فَإذا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ تَقُولُ: الَّلهمَّ صَلِّ عَليهِ الَّلهمَّ ارْحَمْهُ".

 

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ مَيزَاتِ الصَّلاةِ فِي المَسَاجِدِ زَيَادَةُ الأَجرِ فِي مُتَابعَةِ المُؤذِّنِ وَخَيرِيَّةِ الصَّفِّ الأوَّلِ. قَالَ: -صلى الله عليه وسلم- "لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عليه لاستَهَمُوا".

 

وَقَالَ النُّعمانِ بنِ بَشِيرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ".

 

أَيُّها المُصَلُّونَ الكِرَامُ: وَيَجِبُ أَنْ تُصَانَ بُيُوتُ اللهِ عَن الأَقْوَالِ الرَّذِيلَةِ وَالأَحَادِيثِ السَّيِّئَةِ، فَلا مَكَانَ فيها لِلْغَوْغَائِيِّينَ والجَهَلَةِ، فَنَحْنُ أُمَّةُ السَّكِينَةِ والأخْلاقِ العَالِيَةِ، وَمَنْ ابْتُلِيَ بِهَذا الصِّنفِ مِنَ النَّاسِ فَلْيَكُنْ هُوَ العَاقِلُ التَّقيُّ الصَّابِرُ: "فَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر".

 

فَبَيتُ اللهِ مُحْتَرَمٌ، لَهُ مَكَانَةٌ رَفِيعَةٌ وَحَصَانَةٌ شَرْعِيَّةُ. وَمِمَّا تُصانُ عَنهً المَسَاجِدُ إنْشَادُ الضَّالَةِ أَو البَيعُ وَالشِّرَاءُ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رَأَيتم من يَبِيعُ أَو يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ فَقُولُوا: لا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وإذَا رَأَيتُم مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فَقُولوا: لا رَدَّها اللهُ عَليكَ".

 

وَتَأَمَّل يَا رَعَاكَ اللهُ: إلى كَمَالِ الإسْلامِ وَجَمَالِهِ، فَمَعَ أنَّ المَسَاجِدَ أَمَاكِنَ لِتَرْبِيةِ النُّفوسِ وَتَهذِيبِها، إلَّا العِلاجَ وَالتَّأدِيبَ يَكُونُ خَارِجَها. حِمَايَةً لَها وَتَعْظِيمَاً لِجَنَابِها! قَالَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُقَامُ الحُدُودُ فِي المَسَاجِدِ ولا يُستَقَادُ فِيها".

 

 أَيُّها المُؤمِنُونَ المُصَلُّونَ: هَذِهِ بُيوُتُ اللهِ وَأَنْتُم عُمَّارُها فَتَعَاونُوا جَمِيعَا لِيُؤَدِّيَ المَسْجِدُ رَسَالَتَهُ وَدَورَهُ وَقُومُوا بِحَقِّ رِعَايتِهِ وَصِيانَتِهِ وَنَظَافَتِهِ وَدَعْمِهِ: "فَكُلُّكُم رَاعٍ وَمَسئُولٌ عَن رَعِيَّتهِ"؛ فَإمَامُ المَسْجِدِ وَمُؤذِّنُهُ وَخَادِمُهُ، عَليهِم حِمْلٌ كَبِيرٌ وَمَسؤولِيَّةٌ عُظْمَى، وإدَارَةُ المَسَجِدِ عليها حِمْلٌ ثَقِيلٌ، وَمَسؤولِيَّةٌ عُظْمَى، وَمُتَابَعَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ.

 

 يا مُصَلُّونَ: حَقُّ المَسَاجِدِ أنْ تُنَظَّفَ وَتُطيَّبَ لا أنْ تَكُونَ مُسْتَودَعَاً للأَوسَاخِ وَرَدِيءِ الأثَاثِ والغُبَارِ.

 

 إخْوانِي: شُرِعت المَسَاجِدِ، للتَّعَاوُنِ على البِرِّ والتَّقْوى، لِلتَّعَارُفِ وَالتَّآلُفِ والتكاتُفِ، فَتَصَافَحُوا فِيها لِيَذْهَبَ الغِلُّ والحِقْدُ، وَتَسَامَحُوا لِتَذْهَبَ الشَّحنَاءُ، وادْحَرُوا الشَّيطَانَ الرَّجِيمَ، وطهِّروا قُلُوبَكُم، وَاسْتَبْدِلُوا القَطِيعَةَ وَالجَفَاءَ بِالصِّلَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالصَّفَاءِ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا.

 

وارْفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ لِمَولَاكُمْ واسألُوهُ غَيثَ القُلُوبِ بالإيمانِ والتَّقْوى، وَغَيثَ البِلادِ بالأمْطَارِ وَرَفْعِ الجَهْدِ والبَلوى، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم اسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين. اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاءٍ ولا هدم وغرق. اللهم أغث قُلُوبَنا بالعلمِ والإيمانِ، وبلادنا بالخير والأمطار.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ البريَّةِ، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين. اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد يا رب العالمين.

 

اللهم اجعلنا إخوة متحابين على الخير متعاونين. اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

 

اللهم ثبتنا على دينك وصراطك المستقيم، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا و ولاة أمورنا، اللهم خذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين في كُلِّ مَكَانٍ وانصر من نصر الدين يا ربَّ العالمين.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العليَّ العظيمَ يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

الله أولى بالتعظيم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات