بين ذبحين

عادل العضيب

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ كثرة مآسي المسلمين في كل مكان 2/ شدة الاعتداءات وكثرة النكبات 3/ ضرورة الاعتبار وفهم سنن الله فيما يحدث 4/ مآسي هنا ومراقص هناك 5/ منع اليهود للأذان وحرائق مستمرة.

اقتباس

المسلمون يُذبحون في كل مكان على وجه الأرض، المسلمون يذبحون في حلب، المسلمون يذبحون في الموصل، المسلمون يذبحون في بورما، المسلمون يذبحون في الأحواز، أهل الكفر على شتى مللهم لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمة، ولا يرضون عن المسلمين حتى يتخلوا عن دينهم، ولذلك يحاربون كل مسلم يفخر بإسلامه، ويستبيحون دمه وعرضه وماله، ولو كان شيخًا كبيرًا، ولو كان طفلًا صغيرًا، ولو نزع الغترة والعقال، ولبس القبعة والبنطال، ما دام يحمل الإسلام الحق في قلبه، ولذلك نرى الأسلحة المدمرة تعمل عملها في ديار المسلمين،...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي خلق الخليقة من عدم وأنشاها، وقام بأرزاقها وكفاها، وأبان لها طريق رشدها وهداها، ومن بفضله على خلاصة اصطفاها، عز ربًّا، وجل ملكًا، وتعالى إلهًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون مذبحة بل مذابح، المسلمون يُذبحون في كل مكان على وجه الأرض، المسلمون يذبحون في حلب، المسلمون يذبحون في الموصل، المسلمون يذبحون في بورما، المسلمون يذبحون في الأحواز، أهل الكفر على شتى مللهم لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمة، ولا يرضون عن المسلمين حتى يتخلوا عن دينهم.

 

 قال ربنا –جل وعلا-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120]، ولذلك يحاربون كل مسلم يفخر بإسلامه، ويستبيحون دمه وعرضه وماله، ولو كان شيخًا كبيرًا، ولو كان طفلًا صغيرًا، ولو نزع الغترة والعقال، ولبس القبعة والبنطال، ما دام يحمل الإسلام الحق في قلبه، لن ينظروا إلى صورته ولا إلى كلامه ولا إلى تصريحاته حتى يروا فعاله تصدق مقاله، ولذلك نرى الأسلحة المدمرة تعمل عملها في ديار المسلمين، نرى الصواريخ والطائرات، والقنابل المحرقات تُفني المسلمين، وتدمّر ديارهم وتهلك زروعهم وثمارهم وتعود بهم إلى الوراء عشرات السنين، نراهم يقتلون الشيوخ الركع والأطفال الرضع والبهائم الرضع؛ لأنهم يريدون تمزيق الإسلام والقضاء عليه.

 

ومع هذا الإجرام وهذه الوحشية التي يتعاملون بها مع المسلمين، والعالم يرى بالصوت والصورة، ساروا على خط آخر لا يقل خطورة عن القتل والتدمير والتشريد، فسعوا لتدمير الإسلام في قلوب المسلمين، وذلك بإبعاد المسلمين عن دينهم الحق، والتشكيك فيه والطعن في أحكامه وتشريعاته؛ لأنهم يعلمون أن المسلمين إذا تمسكوا بدينهم لن يقف أمامهم قوة، فصدروا للمسلمين ألوانًا من الشهوات حتى يتعلقوا بها وتصبح همهم، عندها يعملون لشهواتهم لا لدينهم، ويتعلقون بالدنيا ويصبحون غثاءً كغثاء السيل، عندها يصبحون لقمةً سائغةً لهم، ويصدق عليهم قول رسولهم –عليه الصلاة والسلام: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" قال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".

 

عباد الله: ليس المستغرب أن يذبح الكفار المسلمين ولا أن يسعوا لذبح الإيمان في قلوبهم، ولكن الغريب أن يذبح المسلمون الإيمان في قلوبهم، أن يذبح المسلمون القيم الإسلامية.

 

الغريب المبكي أن يذبح المسلمون الفضيلة، أن يذبح المسلمون الطهر والنقاء الذي عاشوه من سنين ولو كان سببًا لعزهم ومجدهم، المبكي أن تُفتح دور البغاء وصالات الإثم ومسارح الرقص والغناء  والعبث والمجون، المبكي أن الجراح تزداد ونزداد عصيانًا وبعدًا عن الله.

 

المبكي أننا نرى أنه رغم ما نراه من مآسي المسلمين، ورغم ما نعيشه من مراحل حرجة تكالب فيها الأعداء من يهود ونصارى ورافضة على الإسلام، على رغم هذا نرى أن العبث يزداد والعصيان يتتابع والغفلة تسيطر على القلوب، فهل وصلنا لمرحلة الذين قال الله عنهم: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة: 74].

 

المبكي أن العدو يذبح إخواننا، ونحن نذبح إيماننا ونسير خلف عدونا حذو القذة بالقذة، المبكي أن المشركين المعاندين إذا حلت بهم النكبات وتوالت عليهم الأزمات عرفوا رب البريات واتجهوا إليه (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت: 65].

 

أما نحن فنرى القوارع والآيات فما تحرك فينا ساكنًا بل تزيدنا طغيانًا وفجورًا، حتى أصحبنا كالذين قال الله عنهم: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الإسراء: 60].

 

المبكي أن أصوات الصواريخ والطائرات التي تقتل إخواننا على مقربة من بلادنا تجاوبها أصوات الغناء في حفلاتنا ومنتزهاتنا ومسارحنا وشوارعنا.

 

المبكي أن المرأة تخرج من تحت الأنقاض بحجابها، ومن بنات المسلمين من تخرج أمام الملايين ناشرةً شعرها مظهرةً صدرها وظهرها وساقيها بل ربما فخذيها.

 

المبكي أننا نعلم أن هؤلاء كانوا يعيشون في رغد من العيش، في جنة من جنان الأرض ثم جاءهم من الله مالم يكونوا يحتبسون، لما حادوا عن الطريق (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46]، ومع هذا لا نخاف أن يفعل بنا ما فعل بهم إذا استمرت هذه الغفلة.

 

عباد الله:  لا يستغرب الإنسان وهو يرى حال المسلمين اليوم، وما وصلوا له من ذل وهوان؛ وذلك لأنهم يعيشون في هذه الحياة لأجل المتع واللذات ولو على حساب دينهم؛ لأنهم تعلقوا بالدنيا ولم يتعلقوا بالآخرة؛ لأنهم تنافسوا على الدنيا ولم يتنافسوا على الآخرة؛ لأن الدنيا أصبحت في قلوبهم وليست في أيديهم؛ لأنهم نافسوا الكفار على الدنيا ونظروا للدنيا كما ينظر الكفار لها، نظروا للدنيا على أنها دار بقاء لا رحيل منها، فصاروا يعملون لها بالليل والنهار، فلا يعرفون من سعادة الدنيا إلا ما يستمتعون به من ملهيات.

 

أما سلف الأمة فكانت سعادة أحدهم في مصلاه، ومع كتاب ربه أو سنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- ولأجل هذا سادوا الدنيا، ولن نسود كما سادوا وننصر كما نصروا إلا إذا فعلنا مثل ما فعلوا.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فيا معاشر المسلمين: لما قدم النبي –صلى الله عليه وسلم- المدينة عاهد يهود بنو النضير، لكنهم نقضوا العهد، فخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- بأصحابه إليهم، فما كان منهم إلا أن دخلوا حصونهم وأغلقوا أبوابها، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر: 2]، فاستسلموا وخرجوا صاغرين، فأجلاهم النبي –صلى الله عليه وسلم- من المدينة.

 

وفي هذه الأيام منع اليهود الأذان في القدس وظنوا أنهم مانعتهم قوتهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وأشعلها نارًا في ديارهم، لم تقدر أجهزتهم المتطورة على إخمادها حتى استغاثوا بالدول الأخرى، أشعلها ربنا نارًا. (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31]، فكما أوقدوا نار الألم والحسرة في قلوب المسلمين أشعلها ربنا نارًا، فقد دنّسوا أولى القبلتين، وأشعلوا النار فيه، وربك يمهل ولا يهمل.

 

 أشعلها ربنا نارًا، جعل ديارهم تضج بأصوات سيارات الإطفاء والإسعاف، فقد أرادوا حبس صوت الأذان.

 

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114].

 

أشعلها ربنا نارًا، فقد سخروا من المساجد في صحفهم، وشبهوا صوت الأذان بصوت الحمير، أشعلها ربنا نارًا أخرجت ما يزيد عن الستين ألفًا من اليهود من بيوتهم، فقد منعوا خروج صوت الأذان، فإذا لم يخرج صوت الأذان ستخرجون من بيوتكم أذلةً صاغرين، أشعلها ربنا نارًا، أكثر من مائتين وعشرين حريقًا خلال ساعات، قلبت الموازين وأظهرت عجز اليهود الغاصبين وقوة رب العالمين.

 

وفي هذا درس لنا أن نعامل الله ونثق به، فمهما بلغت قوة الأعداء فهي لا شيء أمام قوة الله، ولو شاء الله لحرك الأرض فدمّر مفاعلاتهم النووية، ولو شاء الله لحرك الأرض فابتلعت قنابلهم وصورايخهم النووية، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31]، ولو شاء الله لانقلبت الأمور في لحظة، وما ذلك على الله بعزيز، لكننا لا نستحق نصرًا كهذا إلا إذا نصرنا الله ، فإن نصرنا الله فسوف ننصر، عاجلًا غير آجل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

 

عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم كن للمستضعفين من المسلمين، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظهيرًا يا قوي يا قادر.

 

اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم انصرهم، اللهم أعنهم، اللهم قوِّ عزائمهم، اللهم أعدهم سالمين غانمين منصورين، اللهم عليك بيهود، اللهم عليك بيهود، اللهم عليك بيهود، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم احرق ديارهم، اللهم احرق ديارهم، اللهم احرق ديارهم، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اشف صدرونا منهم، اللهم اشف صدرونا منهم، اللهم اجعلهم عبرةً للمعتبرين، وآيةً للخلائق أجمعين، يا قوي يا قادر.

 

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.

 

اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وزوجاتنا، وأصلح فساد قلوبنا، واجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم جازهم عنا خير الجزاء وأوفاه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.

 

اللهم إن بالبلاد والعباد من البلاء والشدة ما لا نشكوه ونرفعه إلا إليك، يا صاحب كل نجوى ومنتهى كل شكوى، يا سميع الدعاء، يا قريب يا مجيب. اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا سميع الدعاء يا قريب يا مجيب.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

المرفقات

ذبحين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات