بين الآباء والأبناء

سليمان بن حمد العودة

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ الذرية نعمة وفتنة 2/ دعوة الآباء للأبناء والدعاء لهم 3/ نماذج عالية من دعوة الأبناء لآبائهم وبرهم لهم 4/ وقفة مع وصايا لقمان

اقتباس

من مقامات الأنبياء إلى وصايا الحكماء يقص القرآن علينا نموذجاً لتربية الآباء ووصاياهم للأبناء، وفضل الله يؤتيه من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، ولو كان الحكيم عبداً حبشياً، قصيراً، أفطس الأنف، ذا مشافر عظيم الشفتين، مشقق الرجلين. وكذا كان لقمان الحكيم.. ولكن الله رفع ذكره بالإيمان والتقى والصدق واليقين، فقد كان عبداً صالحاً وآتاه الحكمة ولم يكن نبياً ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].

أيها المسلمون: الذرية في شريعة الإسلام نعمة وهبة، وزينة ومفخرة، وفي الوقت نفسه هم فتنة وعدو، وهم مجنة مبخلة.

(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى: 49-50].

(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) [الكهف: من الآية46].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن: 14-15].

وما فتئ الصالحون يدعون لأبنائهم ويرفعون أكف الضراعة لهدايتهم، ويبذلون ما في وسعهم لاستقامتهم كيف لا؟ وهم زينتهم وقرة ما داموا أحياء والوارثون لهم والداعون لهم إذا كانوا أجداثاً رمماً (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37]. إلى قوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].

كذا قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وقال زكريا عليه السلام: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) [مريم: 5-6].

ويصدق الداعون ويستجيب الله الدعاء، والدعوة ذات هدف ومعنى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 38-39].

(وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [صّ:30].

(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ) [النمل: من الآية16].

لذا تتجه أنظار الأنبياء بالدعوات الصادقة للأبناء وهدفهم من الذرية تحقيق العبودية لله، يقيمون الصلاة، ويشكرون أنعم الله، فليست دعواتهم لذرية مطلقة كلا بل مقيدة بالصلاح "ذرية طيبة"، ومن أولياء الله "فهب لي من لدنك وليا".

أو ابين له (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [صّ:30].

ويستمر الآباء في الدعوة والدعاء للأبناء وإن أحسوا منهم جنوحاً عن سبيل الهدى، وانحيازاً عن ركب المؤمنين ولكن الهداية بيد الله وحده لا يملكها الأنبياء المرسلون، ولا الملائكة المقربون.

(وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود:42-43].

وحين ألح نوح في الدعاء ونادى ربه فقال: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) [هود: من الآية45].

قال الله له: (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [هود: من الآية46].

ترى هل يتخذ الآباء من سلوك الأنبياء منهجاً وقدوة؟

إخوة الإيمان: من الأبوة إلى البنوة لنقف على نماذج عالية في الدعوة والطاعة والرضا والتسليم طاعة للوالدين وإحساناً إليهما..

وتأملوا هذا الأدب الرفيع والحوار المعبر والدعوة الحانية للخير بلطف في العبادة ولهف للاستجابة: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) [مريم: 41-45].

وإذا كان هذا خطاب الابن المسلم لأبيه الكافر فماذا ينبغي أن يكون خطاب الابن المسلم لأبويه المسلمين؟

والبر لا يبلى، فقد وهب الله إبراهيم عليه السلام ذرية صالحة وجعل فيهم النبوة والكتاب، وحين امتحن أحدهم، وكان البلاء المبين وفي الابن لأبيه، واستسلم الأب والابن لأمر الله طائعين، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [الصافات: 103-106].

أجل لقد بقيت كلمات إسماعيل – عليه السلام – برهانا للصدق والوفاء والطاعة والاستسلام بوعي، والصبر عن يقين ورضا..، وما من شك أن الموقف حرج، وأن المطلوب صعب.. لكنه بر الأبناء.. والوفاء للآباء (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات:102].

ويظل يوسف عليه السلام يذكر آباءه بخير وهو في غياب السجن: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) [يوسف:38].

ولا ينسيه الملك أو يطغيه الجاه والسلطان عن طلب والديه وأهله وحين دخلوا عليه مصر (آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش) [يوسف: 99-100].

أيها الأبناء: تأدبوا غاية الأدب مع والديكم وقولوا لهما قولاً كريماً، وقدورهما حق قدرهما.

أورد النووي يرحمه الله في كتاب (الأذكار) في باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه فقال: روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام: "من هذا؟" قال: أبي، قال: "فلا تمش أمامه، ولا تستسب له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه"، قلت (النووي): معنى لا تستسب له: أي لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح.

أيها الآباء أدبوا أولادكم بآداب الإسلام واسألوا الله لهم الهداية والصلاح فالله هو الهادي والمصلح.

روى البخاري في الأدب المفرد عن الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول "كانوا يقولون: الصلاح من الله والأدب من الآباء".

أعوذ بالله من الشيطان: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُ) [الفرقان: من الآية74].

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، واللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.

أيها المسلمون: من مقامات الأنبياء إلى وصايا الحكماء يقص القرآن علينا نموذجاً لتربية الآباء ووصاياهم للأبناء، وفضل الله يؤتيه من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، ولو كان الحكيم عبداً حبشياً، قصيراً، أفطس الأنف، ذا مشافر عظيم الشفتين، مشقق الرجلين. وكذا كان لقمان الحكيم.. ولكن الله رفع ذكره بالإيمان والتقى والصدق واليقين، فقد كان عبداً صالحاً وآتاه الحكمة ولم يكن نبياً.

وبدت حكمته لسيده حين أمره قائلاً: اذبح لي شاة وائتني بأطيبها مضغتين، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟

فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبث مضغتين فيها، فألقى اللسان والقلب، فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقى أخبثها فألقيت اللسان والقلب؟ قال لقمان: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.

إخوة الإيمان: كم يمر بنا ذكر لقمان ووصاياه العظام فلا تلفت أنظارنا كثيراً، وربما لم تحرك عند البعض منا ساكناً، وفي وصايا لقمان لابنه وهو يعظه دروس للآباء والأبناء، وفي مواعظه ما يحيي به الله القلوب الغافلة ذكراناً كانوا أم إناثاً إن أول ما تتجه له عاطفة الأب الناصح لابنه أن يعبد بعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13].

فالعبودية لله وحده هدف الوجود.. وهي أساس دعوة الرسل، والشرك محبط للأعمال موجب للخسران (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر: 65-66].

ولئن قيل إن ابن لقمان، وامرأته كانا كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما.

فحري بالآباء أن يحذروا الأبناء من طرائق الشرك ووسائله وإن كانوا في الأصل مسلمين، وكذلك نزل القرآن محذراً المؤمنين عن الشرك بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

قد شقت هذه الآية على الصحابة حين نزلت، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : وأينا لا يظلم نفسه، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: من الآية13].

ويلفت لقمان نظر ابنه إلى عظيم قدرة الله فالحبة وإن كان قدرها صغيراً، والحس لا يدرك لها ثقلاً، ولا ترجح ميزاناً لخردلة، فالله يعلم وجودها، ولو كانت محصنة محجبة داخل صخيرة صماء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السموات والأرض فإن الله يأتي بها فلا تخفى عليه خافية (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان:16].

قيل إن لقمان هنا وعظ ابنه ألا يشغله الرزق عن أداء فرائض الله فلو كان رزق الإنسان مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء بها الله حتى يسوقها إلى من هي رزقه.

وقيل المعنى تخويف عن اقتراف المعاصي وتنبيه لرقابة الله ولو ظن العاصي أنه لا يرى.

فقد روي أن ابن لقمان قال لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال له لقمان: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله. فما زال ابنه يضطرب حتى مات ذكره مقاتل، ونقله القرطبي.

أيها المسلمون: لا يزال لقمان يوصي ابنه، وينقله من موعظة إلى أخرى.. وتحتاج بقية الوصايا إلى خطبة أخرى ولكني أقف في النهاية مستخلصاً أعظم ما ينبغي أن يمنحه الآباء للأبناء، ومن الاستعراض الموجز لسلوكيات الأنبياء أو الحكماء نعلم حاجة الآباء إلى تخصيص أبنائهم بالدعوة والدعاء، وأن يمنحوهم الأدب، ويمحضوهم النصح، ويخصوهم بالوصايا والعظات النافعة، "فما نحل والد ولداً من نحلٍ أفضل من أدب حسن".

وعلى الأبناء أن يخلصوا الطاعة لله، وأن يكونوا مثالاً للطاعة بالمعروف والبر والإحسان إلى والديهم، والشكر لهم، كيف لا، وقد قرن شكر الله بشكرهما "أن اشكر لي ولوالديك" قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان وللوالدين على نعمة التربية، وقال سفيان بن عيينة: "من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما".

ما أحوج الأبناء للقول الكريم للآباء والله يقول: "وقل لهما قولاً كريماً".

أورد القرطبي في أدب الخطاب مع الوالدين عن أبي البداح التجيبي قال: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: "وقل لهما قولاً كريماً" ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ".

اللهم وفق الآباء وأصلح الأبناء، واجعلنا جميعاً ممن ينتفع بمواعظ القرآن وطرائق الأنبياء ووصايا الحكماء.
 

 

 

 

 

المرفقات

الآباء والأبناء1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات