عناصر الخطبة
1/وقفة تأمل حول بناء البيت 2/ على قواعد التوحيد 3/ الحج ملتقى الأمة 4/ الرابطة الوثقى 5/ آداب لتعظيم حرمات الله 6/ من دروس الحج 7/ من مجالات الحج المبرور .اهداف الخطبة
الإرشاد إلى بعض دروس الحج / بيان بعض الآداب المطلوبة من الحاجعنوان فرعي أول
وإذ يرفع إبراهيمعنوان فرعي ثاني
كل الحناجر تجأرعنوان فرعي ثالث
تعظيم شعائر اللهاقتباس
إن الإقبال على الله بتلك الهيئة المؤدبة، والتقلب في المشاعر والشعائر مع حفظ حقوق الإخوان، والالتزام بآداب الإسلام؛ يمحو من النفوس آثار الذنوب، وظلمة الأثام
الحمد لله خص بيته بمزيد من التكريم والتفضيل. وافترض حجه على من استطاع إليه السبيل، فارتفع النداء على حج هذا البيت بأمر الله على لسان إبراهيم الخليل، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الموحى إليه من هذه البطاح بأشرف تنزيل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، خير صحب وأكرم جيل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم حجاج بيت الله، وأوصيكم عباد الله جميعاً ونفسي بتقوى الله، فخير الزاد التقوى.
عباد الله، يقول الله عز وجل:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:96-97].
المسجد الحرام هو أول بيت بُني على ظهر الأرض لعبادة الله وحده، بناهُ الخليل إبراهيم وشاركه ابنه إسماعيل عليهما السلام.
أما إبراهيم: فهو رمز التوحيد والحنيفية، وخصم الشرك والوثنية (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:79].
وأما إسماعيل: فهو المسلم المستسلم المنقاد لأمر ربه (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: من الآية102].
ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأمةُ الإسلام هما ثمرةُ دعوة صدرت من هذين النبيين الكريمين البانيين لهذا البيت العتيق. لقد صدرت دعوتهما وهما ينشئان بنيانه ويعليان أركانه: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة:127-129].
إنه البيت الذي أراده المولى تبارك وتعالى قِبلةً واحدةً لهذه الأمة، يكون به قيامها، وإليه مثابتُها (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ) [المائدة: من الآية97]، (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة: من الآية125].
وفي حديث قرآني آخر عن نشأة هذا البيت، حديث عن القاعدة التي قام عليها هذا البناء؛ ليبقى خالداً، عامراً بإذن الله إلى ما شاء الله، إنها قاعدةُ التوحيد، فعلى التوحيد أقيم هذا البيت من أول يوم: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26].
ولما أقيم هذا البيت على قواعد التوحيد ومبادئ الحنيفية، والخلوص من الشرك وأهله، صدر الأذانُ الإبراهيمي – بأمر الله- لحج هذا البيت، وتعظيم حرمات الله وشعائره: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج:27].
ومنذ ذلك النداء والوفود تتقاطر على هذا البيت، ممتدةٌ في الأزمنة إلى ما شاء الله، يتوافدون من كل فج، رجالاً على أقدامهم، وركباناً على ما سخر الله لهم، ولا يزال وعد الله يتحقق منذ ذلك النداء المبارك، ولا تزال أفئدة من الناس تهوي إلى البيت الحرام، وما فتئت النفوس تتطلع إلى رؤية هذا البيت والطواف حوله، والتقلب في عرصات مشاعره.
يتوافدون من كل فجاج الأرض القاصي منها والداني، وحناجرهم تجأر بإجابة التوحيد ونداء الإخلاص: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك). يجيبون داعي التوحيد بإعلان التوحيد.
إن هذه الجموع الملبية المستجيبة تأتي منضوية تحت راية العقيدة، حيث تتوارى في ظلها فوارق الأجناس، وتمايز الألوان، وتباعد الأوطان.
إن هذه الأمة تشهد قوتها في تجمعها، وتدرك عزها في ترابطها بحبل الله المتين.
ومن هنا – إخوة الإسلام- فإن هذا البيت هو الملتقى الجامع لهذه الأمة. يتلاقى فيه المسلمون مجردين من كل آصرة سوى آصرة الإسلام، متخلين عن كل سمة إلا سمة الدين. ولقد بلغ مظهر التساوي في هذا الصعيد المعظم أن تساوت ملابسهم، وتوحدت ثيابهم فتجردوا من كل زينة إلا ثوباً يواري عوراتهم.
إن البيت ومشاهد الحج ليؤكد لهذه الأمة أن رابطة الإسلام هي الرابطة الوثقى، وأن نسبه هو النسب الثابت، وصبغة الدين هي الصبغة السائدة. لا تفاضل إلا بالتقوى، إنه نبذٌ صارخ لحمية الجاهلية وفخارها. (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) [البقرة: من الآية199].
وهو من أجل هذا موسمٌ تصفو فيه النفوس، وهي تستشعرُ قربها من ربها يوم أن قربت من بيته، تطوف حول البيت بأجسادها وأفئدتها.
موسم عبادة ولقاء تلتقي فيه الدنيا والآخرة، حتى أصحاب التجارات يجدون ي موسم الحج من غير حرج سوقاً رائجة لتجاراتهم وبضائعهم ابتغاء فضل الله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: من الآية198].
وماذا في ذلك؟؟ إن هذا البيت يُجبى إليه ثمرات كل شيء.
ما تفرق في أرجاء الدنيا يجتمع في أرض الحرم، سوق عالمية قائمة في تسهيلات معاصرة، وفرها ولاة الأمور في الحرمين الشريفين فيما وفروا – حفظهم الله- من إنجازات عظام في الحج وطرقه ومشاعره ومبانيه.
ينضم إلى ذلك – أيها الحجاج- ما يجب التحلي به من آداب؛ يستكمل بها الحاج تعظيم حرمات الله وشعائره.
إن المسلم في أوقات العبادة والحضور في الرحاب الطاهرة، يلتزم بأكمل الآداب وأفضل الأحوال.. ناهيك بالحضور في هذا البيت المعظم والمشاعر المقدسة: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) [البقرة: من الآية197] إنها آداب في اللسان والجوارح تعظم بها الشعائر، وتعرف بها آداب زوار بيت الله.
فللجماعة آدابٌ قد تختلف عن آداب الأهل والأقربين، فحق على حجاج بيت الله، وهم في رحابه أن يختاروا الطيب من القول، وتحل التقوى عندهم محل الفسوق، والخلق الجميل محل الجدل والمراء.
ومن أجل هذا جاء في الحديث الصحيح: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه.
واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إن الإقبال على الله بتلك الهيئة المؤدبة، والتقلب في المشاعر والشعائر مع حفظ حقوق الإخوان، والالتزام بآداب الإسلام؛ يمحو من النفوس آثار الذنوب، وظلمة الأثام. فيتحرى الحاج كل بر، ويتباعد عن كل منكر عبادةً لله وأخوة للمؤمنين.
أيها الإخوة، إن الحج في وفوده وحشوده تأكيد لهذه الارتباطات، وتجسيد لتلك الإحساسات، حضورٌ في الأبدان وشهود في القلوب.
إنك ترى هذا الزرافات من الناس وهي تؤم هذا البيت ولها عجيج بالتلبية، تشاركها بتلبيتها كل الكائنات من حولها مسبحة بحمد ربها، وكأن الوجود في الحرم والمشاعر وما حولهما، والطرق السالكة إليهما قد تحولت إلى وفود حاشدة تجأر لربها ذاكرة شاكرة حامدة ممجدة كما في الحديث: "ما من ملبٍّ يلبي إلا لبي ما عن يمينه وشماله، من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا". رواه الترمذي، وابن ماجه واللفظ له من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
حجاج بيت الله، بهذا وأمثاله تتبين عظمة النسك وحكمة التشريع، ويبقى الحج رمز الوحدة والتوحيد، وعنوان البذل والتضحية، ويبقى ملتقى المسلمين الأكبر في يوم الحج الأكبر. ويظل زمانه ومكانه الموعد المضروب لاجتماع المؤمنين الموحدين الوافدين من مشارق الأرض ومغاربها، يفردون بالعبادة ربهم، ويرجمون الشيطان عدوهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:27-28].
الخطبة الثانية
الحمد لله جعل الحج كفارة للذنوب، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله ذكراً تطمئن به القلوب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، علام الغيوب. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بكل كمال منعوت، وإلى كل قلب محبوب، اللهم فصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الشروق والغروب، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله- واعلموا رحمكم الله.. أن مما يؤكد سموّ معاني الحج، وأهداف زيارة هذا البيت المعظم، والحفظ على لزوم الأدب مع الإخوان، التطلع إلى حج مبرور، فالحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة.
ومن أعظم مجالات بر الحج.. ميادين التعامل مع الناس، وحسن العلاقات معهم، حتى إنه لما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الحج المبرور؟ قال: "إطعام الطعام وطيب الكلام". رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة والبيهقي من حديث جابر، وكلها ألوان من العلاقات الحسنة يحافظ عليها المسلم مع إخوانه.
وقد سُئل سعيد بن جبير: أيُّ الحج أفضل؟ قال: من أطعم الطعام، وكف اللسان.
أيها الإخوة، ماذا يصنع من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ورع يحجزه عما حرم الله، وحلمٌ يضبط به جهله، وحسن صحبة لمن يصحب!! فلا تحقرن أخي الحاج من المعروف شيئاً، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تُنحي الأذى من طريق الناس، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلقٌ، فخير الناس أنفعهم للناس.. وأصبرهم على أذى الناس.
ولقد أعد الله جنات عدنٍ.. للذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين.
فاتقوا الله –رحمكم الله- وتوبوا إلى ربكم، وتوسلوا إليه بصالح أعمالكم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم