بلاد الحرمين ليست كباقي البلاد

عادل العضيب

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ تميز بلاد الحرمين 2/ أوْلى الناس بتطبيق شرع الله حُكامًا ومحكومين 3/ سنن الله ثابتة لا تتبدل 4/ ليس بين الله وبين عباده نسب 5/ بظهور الفساد تتنزل العقوبات 6/ رسالة للإعلاميين ومشرفي الأنشطة 7/ احذروا حرمات الله فلا تنتهكوها.

اقتباس

لو قبلت كل البلاد بالتفسخ أو العري ما كان أن تقبل به أو تشرعه، ولو شُرب الخمر ووقع الزنا علانية في كل البلاد ما كان لها أن تظهر فيها، فهي قدرها الإسلام ودستورها الكتاب والسنة، أحكام الشرع تجري على معارضها ومهرجاناتها واحتفالاتها، وأفراحها وإعلامها، ورجالها ونسائها، وعلى مجتمعها بأثره؛ فلا اختلاط ولا غناء، ولا تبرج ولا فجور، من قام بهذا أقام الله أمره، ومكَّن له، ومن غَيَّر غُيِّر ومَن بَدَّل بُدِّل.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد:

فيا عباد الله أيها المسلمون: بلاد الحرمين ليست كباقي البلاد، فمن على ثراها أشرقت شمس الإسلام، ومن فجاجها دوّت لا إله إلا الله، يتردد صداها في أرجاء المعمورة.

 

من على ثراها حطم الوثن ودمر، لما دخل عليه الصلاة مكة فاتحًا منتصرًا يشير بقضيب في يده إلى الأصنام التي ملأت البيت العتيق وهو يقول: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].

 

بلاد الحرمين أرض الجزيرة فيها عاش الرسول ودرجت أقدامه، وفيها نزل الوحي عليه، وفيها مات، وضم ثراها جسده الطاهر عليه صلوات ربي وسلامه.

 

فيها مكة أم القرى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) [الشورى: 7] فيها البيت العتيق أول بيت وضع للناس (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران:96]، وأفئدة الملايين تشتاق إليه، قال الله عن إبراهيم: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37].

 

فيها أحب البلاد إلى الله مكة، فيها منى وعرفات والحطيم، وزمزم والركن والمقام، فيها البلد الحرام، والحرم الحرام؛ حرم إبراهيم -عليه السلام- مكة، ودعا لها وحرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، ودعا لها بمثلي ما دعا به إبراهيم.

 

هي أرض النبوة ودار الإسلام الأولى لا يجتمع فيها دينان، فهي حكر على الإسلام قد يأس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "الإيمان يأرز إليها –إلى المدينة- كما تأرز الحية إلى جحرها".

 

هي أرض الإسلام وجزيرة الإسلام ليس لأهلها ولا لمن حكمها أن يحيد عن الإسلام ولو حادت كل البلاد ما كان لها أن تحيد، ولو تخلت كل البلاد عن الشريعة ما كان لها أن تتخلى عنها، ولو عطلت كل البلاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما كان لها أن تعطله.

 

 لو قبلت كل البلاد بالتفسخ أو العري ما كان أن تقبل به أو تشرعه، ولو شُرب الخمر ووقع الزنا علانية في كل البلاد ما كان لها أن تظهر فيها، فهي قدرها الإسلام ودستورها الكتاب والسنة، أحكام الشرع تجري على معارضها ومهرجاناتها واحتفالاتها، وأفراحها وإعلامها، ورجالها ونسائها، وعلى مجتمعها بأثره؛ فلا اختلاط ولا غناء، ولا تبرج ولا فجور، من قام بهذا أقام الله أمره، ومكَّن له، ومن غَيَّر غُيِّر ومَن بَدَّل بُدِّل.

 

عباد الله : لسنا والله في سوق الخيار، لا والله، بل هي سُنة الله تجري علينا كما جرت على الذين من قبلنا، قال الله: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) [الزخرف: 55]، أعطينا من النعم لنشكر  (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40].

 

(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ –بماذا يا الله؟- بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

 

فإن الله ليس بينه وبين العباد نَسَب، ونحن اليوم ننعم بنعم من أعظمها أن في هذه البلاد التي أراد الله أن تكون قبلةً للعالمين، فنحن أوْلى الناس بتطبيق شرع الله حُكامًا ومحكومين، قال عليه الصلاة والسلام: "والله يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَيْرُكُمْ مِنَ النَّاسِ أَحْرَى أَنْ لا يَقُومَ بِه".

 

وأهل الجزيرة أولى الناس بإقامة دين الله في شئون الحياة كافة، وأهل الحرمين وما قرب منهم أولى من غيرهم، ففي ديارهم عاش الرسول وأصحابه، ولديارهم من المكانة والحرمة ما ليست لغيرها من الديار.

 

عباد الله: ألم تعلموا أنَّا إن أقمنا دين الله، واحتكمنا لشرعه، ووقفنا أمام الشر وأهله فتح الله علينا أبواب الخيرات (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].

 

وإن تعدينا الحدود وظهرت فينا المنكرات، وتلاعب الفجرة بالمجتمع على سكوت منا وضعف وهوان حتى كثر الخبث وعظم الشر، هلكنا وحلَّ العذاب بديارنا، هلكنا وحل العذاب بوادينا ولو وُجد الصالحون.

 

تقول زينب -رضي الله عنها- دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا فزعًا يقول: "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذه"، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث" .

 

فلنقف أمام الشر وأهله أمراً بالمعروف ونهيًا عن المنكر بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، إعذارًا إلى الله ولعلهم يتقون.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وتاب عليَّ وعليكم؛ إنه هو التواب الرحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 أما بعد: فيا معاشر المسلمين: رسالة أبعثها إلى الإعلاميين، إلى القائمين على المهرجانات، إلى القائمين على المعارض، إلى القائمين على الاحتفالات، إلى القائمين على أماكن الترفيه، إلى القائمين على المنتزهات، طهّروها من المنكرات، فنحن في بلاد التوحيد، طهروها من المنكرات، فنحن في بلاد لا إله إلا الله.

 

حافظوا على صبغة المجتمع الدينية، فبها العز، حافظوا على خصوصية المرأة امنعوا الاختلاط، امنعوا الغناء، امنعوا العبث والمجون.

 

دوروا مع الشرع، واعلموا أن الحلال فيه كفاية، وما حرم الله شيئًا إلا أباح أشياء، لا تتعدوا الحدود وتقعوا في الحرام، وإذا أنكر منكر اتهمتموه بالتشدد والوقوف أمام الأفراح.

 

لا تشغلوا المجتمع ببعضه، لا تشقوا الصفّ، وتفرقوا الكلمة فيحصل التنازع وتذهب الريح والقوة.

 

لا تكونوا كالذين بدّلوا نعمة الله كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار، خافوا الله فينا فإنه لا قبل لنا بعذاب الله، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:  54- 55]، كما أتى الذين من قبلكم، كما أتى مجاوريكم.

 

(يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) [يس: 21- 25].

 

اللهم هيئ لهذه الأمة أمرًا رشدًا، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

 

اللهم صلّ على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آله إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

 

اللهم كن للمستضعفين من المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

 

اللهم كن للمستضعفين من المسلمين وكن لهم ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا وظاهرًا.

 

اللهم عجّل لهم بالنصر والتمكين يا قوي يا قادر.

اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم ولِّ علينا خيارنا واكفنا شر أشرارنا.

 

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغني، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم فك أسر المأسورين.

 

 اللهم فرِّج همّ المهمومين، اللهم نفِّس كرب المكروبين، اللهم اقضِ الدين عن المدينين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى الجميع واكتب الهداية والصحة لنا ولكافة المسلمين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

 

المرفقات

الحرمين ليست كباقي البلاد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات