بعض فضائل خير الشهور

أحمد طالب بن حميد

2022-03-25 - 1443/08/22 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/خصوصية عبادة صيام شهر رمضان 2/خيرات وبركات صيام رمضان وقيامه 3/دلالة نزول القرآن في شهر رمضان 4/الوصية باغتنام خير الشهور

اقتباس

والأيامُ -عبادَ اللهِ- صحائفُ الأعمار، والسعيد مَنْ خلَّدَها بأحسن الأعمال، ومَنْ نقَلَه اللهُ مِنْ ذُلِّ المعاصي إلى عزِّ الطاعةِ أغناهُ بلا مال، وآنَسَه بلا أنيس، وراحةُ النفسِ في قلةِ الآثامِ، ومَنْ عرَف ربَّه اشتغل به عن هوى نفسِه، فأعِدُّوا العُدةَ بالاستغفار، والتوبةِ والإنابةِ إلى العزيز الغفار...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يَهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ سيدِنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المؤمنون: يقول الله -عز وجل- في كتابه العظيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185]، فرمضان خير الشهور، بعَث الله فيه خير رُسُلِه، وأنزَل فيه أفضلَ كُتُبِه، وشرَع فيه عبادةً يُحقِّق العبدُ فيها معنى الإخلاص؛ ليكون له بها عن الرياء الخلاصُ، وثوابُها لا حدَّ له من المضاعَفات ورفعة الدرجات من الكريم الوهَّاب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -عز وجل-: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به"، فالصيام يُصلِح النفوس، ويُكسِب المحامد ويُبعِد عن المفاسد، به تُغفَر الذنوب وتُكفَّر السيئاتُ، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ‌صَامَ ‌رَمَضَانَ ‌إِيمَانًا ‌وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وشهر الصيام شهر الإحسان والمغفرة والرضوان، وإرغام الشيطان، قال عليه الصلاة والسلام: "‌إِذا ‌دخل ‌رَمَضَان ‌فتحت ‌أَبْوَاب ‌السَّمَاء، وغُلِّقت أَبْوَابُ جَهَنَّم، وسُلسِلت الشَّيَاطِين".

 

ونزول القرآن فيه إيماء لهذه الأمة بالإكثار من تلاوته وتدبره، وكان جبريل -عليه السلام- يدارس فيه نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين، فيورثه ذلك جودا فوق جوده المعهود، -صلى الله عليه وسلم-، فكان عليه الصلاة والسلام إذا أنفق أجزل، وإذا منح أغدق، وإذا أعطى أعطى عطاءَ مَنْ لا يخشى الفاقةَ، ويستقبل رمضان بفيض من الجود، وكان أجود بالخير من الريح المرسَلة، -عليه الصلاة والسلام-، واسألوا الله من فضله فإنه القريب الوهَّاب المجيب، قال الله -عز وجل-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 186].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ العظيم لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلاةً وسلامًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183]، والأيامُ -عبادَ اللهِ- صحائفُ الأعمار، والسعيد مَنْ خلَّدَها بأحسن الأعمال، ومَنْ نقَلَه اللهُ مِنْ ذُلِّ المعاصي إلى عزِّ الطاعةِ أغناهُ بلا مال، وآنَسَه بلا أنيس، وراحةُ النفسِ في قلةِ الآثامِ، ومَنْ عرَف ربَّه اشتغل به عن هوى نفسِه، فأعِدُّوا العُدةَ بالاستغفار، والتوبةِ والإنابةِ إلى العزيز الغفار، وإبراءِ الذِّمَم مِنْ حقِّ الخالقِ والمخلوقِ، وإن استطعتَ عبدَ الله ألَّا يَسبِقَكَ إلى الله أحدٌ فافعل.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا عبادَ اللهِ، على خير البرية وأزكى البشرية، محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد أمرَكم اللهُ بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمِّر أعداءكَ أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئِنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعَلْ ولايةَ المسلمين فيمَنْ خافَكَ واتقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم وفِّق إمامَنا لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاكَ، وارزقه البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، التي تدلُّه على الخير وتُعِينه عليه يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ووليَّ عهده وإخوانَهم على الخير يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم إنا عبيدُكَ بنو عبيدِكَ بنو إمائِكَ، نواصينا بيدِكَ، ماضٍ فينا حُكمُكَ، عدلٌ فينا قضاؤُكَ، نسألُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ، سميتَ به نفسَكَ، أو أنزلتَه في كتابِكَ، أو علمتَه أحدًا من خَلقِكَ، أو استأثرتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ، أن تجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وجلاءَ أحزاننا، وذَهابَ همومنا وغمومنا، اللهم ذكِّرْنا منه ما نُسِّينا، اللهم عَلِّمْنا منه ما جَهِلْنا، اللهم ارزقنا تلاوتَه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ على الوجه الذي يُرضِيكَ عنَّا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، الذين هم أهلُكَ وخاصتُكَ، اللهم انفَعْنا وارفَعْنا بالقرآن العظيم، واجعَلْه لنا إمامًا وهاديًا إلى جناتك جنات النعيم.

 

اللهم اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين.

 

اللهم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلم ما تصنعون.

المرفقات

بعض فضائل خير الشهور.pdf

بعض فضائل خير الشهور.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات