بشائر الفرج

محمد بن سليمان المهوس

2023-10-27 - 1445/04/12 2023-11-02 - 1445/04/18
عناصر الخطبة
1/البشائر تجدد الآمال 2/مع المحن تأتي المنح 3/من قصص الفرج بعد الشدة 4/وجوب حسن الظن بالله

اقتباس

وأحسنوا الظن بربكم وتوكلوا عليه، وافعلوا الأسباب المشروعة، وإذا رأيت -يا عبد الله- أن بعض الأمور تتحول خلاف آمالك ورغباتك فلا تقلق، وثق أن بعد ضيقك -بإذن الله- فرجا، وبعد دمعك ضحكاً وأنسا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كم هي جميلة تلك البشائر التي تساق لنفوسنا، وتجدد بها آمالنا، وتخفف آلامنا مهما اشتدَّت بنا الأحوال، ومهما عصفت بنا ظروف الحياة؛ يبقى الأمل بالله دائمًا يُشرِقُ في قُلوبِنا، ما دام اللهُ ربّنا، وما دُمنا مُؤمِنين بالله إيمانًا قطعيًّا تامًّا، قال -تعالى-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[البقرة: 216]، وقال: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[ النساء: 19 ] وقال: (لا تَدْري لعلَّ اللهَ يُحدِثُ بعدَ ذلكَ أمرًا)[الطلاق: 1].

 

نعم -عباد الله- قد يقع للإنسان شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب!.

 

ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عبراً وشواهدَ كثيرة، لعلنا نذكر ببعض منها؛ عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل محزون، وعزاء لكل مهموم.

 

ومن ذلك: قصة أم موسى وحالها مع ابنها الرضيع الذي ولدته في وقت حرج، حيث أصدر فيه فرعون أمرًا بقتل كل طفل ذكر يُولد من بني إسرائيل، وحينها أوحى الله -تعالى- إليها بقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[القصص: 7].

 

امتثلت أمر ربها فوضعت الطفل الصغير في التابوت وألقته في البحر، ثم وصل بإرادة الله وقدرته وتدبيره إلى من يريد قتله وهو فرعون، وصل إلى بيته وقصره، فقال -تعالى-: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)[القصص: 8].

 

فأراد الله حفظه، فسخَّر له امرأة تحفظه، ولكن ليست كأي امرأة، إنها امرأة فرعون الطاغية الذي يريد قتله، فقال الله: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[القصص: 9].

 

ثم قال الله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا)[القصص: 10]؛ أي: حزينًا لا تعلم: ماذا حدث لابنها الصغير، وما فعل الله به؟ (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[القصص: 10]؛ أي: كادت أن تظهر أمره وتفضح خبره؛ لأنها لم تتحمل ما حدث له، ولكن الله ربط وثبَّت قلبها حتى تكون من المؤمنين.

 

ثم قال الله: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)[القصص: 11، 12]، فأمرت أمُّ موسى أختَه أن تبحث عنه وتسأل عن أخباره، فسمعت أن امرأة فرعون تبحث عن مرضعة ترضع موسى، فقامت فأخبرتهم بامرأة ترضعه وهي أمه وهم لا يعلمون بذلك.

 

ثم ردَّ الله موسى إلى أمه لترضعه في أمن وسلامٍ، بعد أن كانت ترضعه في خوف وقلق، وهذا هو وعد الله الحق لها؛ (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 13].

 

وَهَذِهِ أمُّ سَلَمةَ أمُّ المؤمنين -رَضِي اللهُ عنها- تُخبِرُ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم- قَالَ: "ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها؛ إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها"، قالَتْ: فَلَمَّا ماتَ أبو سَلَمَةَ، قُلتُ: أيُّ الـمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِن أبِي سَلَمَةَ؟! أَيْ: إِنَّه لا أَفضَلَ مِن أَبي سَلَمَةَ -رَضِي اللهُ عنه-، ولَم تكُنْ تَطمَعُ أنْ يَتزوَّجَها رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم- ؛ فهوَ خارجٌ مِن هذا العُمومِ، ثُمَّ بَيَّنت خَيْرِيَّةَ أَبِي سَلَمةَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- في أنَّ بيْتَهُ أوَّلُ بَيْتٍ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، تَقُولُ: ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخْلَفَ اللَّهُ لي رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-.

 

إذا ضاقت بك الأحوال يوماً *** فَثِقْ بالواحدِ الـفَـرْدِ العَلِيِّ

وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ *** فـكـم للهِ مـن لُطفٍ خـفـي

وكَمْ يُسْرٍ أتَى مِنْ بَعدِ عُسْرٍ *** فَفَرَّجَ كُربة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تعالى-، وأحسنوا الظن بربكم وتوكلوا عليه، وافعلوا الأسباب المشروعة، وإذا رأيت -يا عبد الله- أن بعض الأمور تتحول خلاف آمالك ورغباتك فلا تقلق، وثق أن بعد ضيقك -بإذن الله- فرجا، وبعد دمعك ضحكاً وأنسا، وبعد ليلك فجرا محمل بالبشائر واﻷمل من عند الكريم الرحيم الحليم.

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم)، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْ جَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ، وَتَحْكِيمِ شَرْعِكَ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

بشائر الفرج.doc

بشائر الفرج.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات