بر الآباء

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ دلائل جمع الله بين عبادتِه وبينَ الإحسانِ إلى الوالدين 2/ فضائل بر الوالدين 3/ أهمية بر الأب 4/ عظم تضحيات الأب لأبنائه 5/ كيف نبر آبائنا؟ 6/ صور من البر بالأب عند كبره 7/ دورنا نحو آبائنا بعد وفاتهم.

اقتباس

أيُّها المُباركُ.. لقد تعبَ أبوكَ كثيراً.. وشَقيَ كثيراً في سبيلِ تحصيلِ لُقمةِ العيشِ لكم.. كنتم أنتم همُّه الأكبرُ.. يحبُّ أن يراكم تأكلونَ أفضلَ المأكولاتِ.. وتلبسونَ أفضلَ الملبوساتِ.. وتركبونَ أفضلَ المركوباتِ.. يحزنُ إذا لم يستطعْ أن يستجيبَ لرغباتِكم.. ويغتَّمُ إذا لم يستطعْ أن يُحقِّقَ طلباتِكم.. كنتم له الآمالُ الوحيدةُ.. معكم يرى الحياةَ سعيدةً. شاركهُ الأفراحَ والأحزانَ، احزنْ لحزنِه، وافرحْ لفرحِه، أظهرْ له أن اهتماماتِه هي اهتماماتُك، اجلسْ بينَ يديه كما كنتَ تجلسُ وأنت ذلكَ الطفلُ الصَّغيرُ الذي ربَّاهُ، وكن ذلكَ الابنُ البَّارُ الذي يُحبُّ أن يراهُ، أنصتْ لكلامِه...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونتوبُ إليكَ، سبحانك ربَّنا وبحمدِك، أمرتَنا أن لا نعبُد إلا إيَّاكَ وبالوالدَينِ إحسانًا، قضَى ربُّنا بذلك ووصَّانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملأ قلوبَ أهلِ الإيمانِ بِرًّا وإيماناً، ورحمةً وحنانًا.

 

وأشهد أن نبيَّنا وحبيبَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أشرفُ المُرسلين رسالةً وأفضلُ البشريةِ إنسانًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابهِ الأُلَى كانوا بنعمة الله إخوانًا، وعلى التُّقَى والبرِّ أنصارًا وأعوانًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجُو جناتٍ ورضوانًا..

 

أما بعد: فقد جمعَ اللهُ -تعالى- بين عبادتِه وبينَ الإحسانِ إلى الوالدينِ.. فقالَ سبحانَه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا).. فهم يحتاجونَ لعنايةٍ خاصةٍ عِندَ الكِبرِ.. حيثُ يكونُ المرضُ والتَّعبُ والتَّذمرُ وضيقُ الصَّدرِ.. (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا).. فنُهينا حتى أن يَصدرَ منَّا أيُّ قولٍ يدلُّ على أدنى تضجُّرٍ أو استثقالٍ.. بل أجملُ وأحنُّ وألطفُ وأرقُّ ما تجدُ من الكَلماتِ والأفعالِ.. (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) [الإسراء: 23].

 

 

وأما الفعلُ.. (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، ما أجملَ هذا الوصفَ، كأنكَ ذلكَ الطَّائرُ الذي قد فرشَ جناحيه على صغارِه رحمةً بهم، وأنتَ تفعلُه اليومَ في كِبَرِهما ذُلَّاً ورحمةً بهما؛ ردَّاً لجميلِ تلكَ الأيامُ، التي فرشوا فيها أجنحتَهم لك وكنتَ صغيراً في الفِطامِ، وتُكرِّرُ الدُّعاءَ لهما برحمةِ ذي الجلالِ والإكرامِ.. (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24].

 

عبادَ اللهِ..

إدراكُ الوالدينِ في الكِبرِ أو أحدِهما فرصةٌ عظيمةٌ لدخولِ الجنَّةِ.. والخسارةُ كلُّ الخسارةِ في تضييعِ هذه الفُرصةِ.. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ" – خابَ وخَسرَ والتصقَ أنفُه بالرَّغامِ أيْ التُّرابِ من النَّدمِ -، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"..

 

وذلكَ لأنَّ أوسطَ أبوابِ الجنَّةِ خاصاً ببرِّ الوالدينِ.. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَحَافِظْ عَلَى وَالِدَيْكَ أَوِ اتْرُكْ".

 

وحيثُ إنَّ النَّاسُ قد تحدثوا كثيراً عن برِّ الأمِّ وحُقَّ لها ذلك.. فسيكونُ حديثي اليومَ عن برِّ الأبِّ.

أطِعْ الإلهَ كما أمرْ **** واملأ فؤادَكَ بالحَذَرْ

وأطِعْ أباكَ فإنّهُ **** رَبّاكَ من عَهْدِ الصِّغَرْ

 

إنَّه الأبُّ.. وما أدراكَ ما الأبُّ.

اسمعْ إلى شيءٍ من رحمةِ الأبِّ.. فهذا يعقوبُ -عليه السَّلامُ-.. على ما فعلَه أبناؤه مع ابنِه الحبيبِ يوسفَ.. فلا يزالُ يَحوطُهم بحفظِه ويعتني بهم ويخافُ عليهم فيقولُ لهم: (يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [يوسف: 67]، يخافُ عليهم حتى من العينِ.

 

مَن الذي فَقَدَ بصرَه على الآخرِ، الأبُّ أم الابنُ؟.. (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف: 84].

 

 من الذي لا زالَ يسألُ عن الآخرِ ويتحسَّسُ أخبارَه؟.. (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]..

 

مَنْ الذي عندما جاءَه الأبناءُ مُعترفينَ بخطئهم تائبينَ.. لم يتردَّدْ في قبولِ عُذرِهم والاستغفارِ لهم.. (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يوسف: 97- 98].. فعجيبٌ أنتُم أيُّها الآباءُ.. رحمةٌ.. وشفقةٌ.. وصبرٌ.. ووفاءٌ.

 

أيُّها المُباركُ.. لقد تعبَ أبوكَ كثيراً.. وشَقيَ كثيراً في سبيلِ تحصيلِ لُقمةِ العيشِ لكم.. كنتم أنتم همُّه الأكبرُ.. يحبُّ أن يراكم تأكلونَ أفضلَ المأكولاتِ.. وتلبسونَ أفضلَ الملبوساتِ.. وتركبونَ أفضلَ المركوباتِ.. يحزنُ إذا لم يستطعْ أن يستجيبَ لرغباتِكم.. ويغتَّمُ إذا لم يستطعْ أن يُحقِّقَ طلباتِكم.. كنتم له الآمالُ الوحيدةُ.. معكم يرى الحياةَ سعيدةً.

 

كنا ونحنُ صغارٌ ننتظرُ أبانا عندَ بابِ البيتِ.. فما إن يدخلَ علينا حتى نبادرَه بطلباتنا الصغيرةِ التي لا تنتهي.. فهذا يريدُ أن يذهبَ ليشتريَ الحلوياتِ.. وهذا يريدُ أن يذهبَ إلى المكتبةِ ليشتريَ الأغراضَ المدرسيةَ.. وهذا يريدُ أن يخرجَ للنُّزهةِ ليلعبَ.. وما إن يستمعَ إلى طلباتِنا حتى يُبدِّلَ ثيابَه ثم يخرجُ بنا في سيارتِه فرِحاً مسروراً ليُحقِّقَ لكلٍّ منَّا طلبَه.

 

وأحياناً كثيرةً يتأخرُ في عملِه أو في تجارتِه أو مزرعتِه، فلا يأتي حتى تغربَ الشَّمسُ، أو حتى بعدَ نومِنا، ولم نكنْ نرى أثرَ التَّعبِ على وجهِه، ولا أثرَ النَّصبِ على جِسمِه، بل كُنَّا نفرحُ عندَ تحقيقِ رغباتِنا، ونسخطُ عند عدمِ الاستجابةِ لطلباتنا.

 

كم سابقَ الفجرَ يسعى في الصباح ولا *** يعودُ إلا وضوءُ الشمسِ قد حُجبا

تقولُ أمي: صغارُ البيتِ قد رقدوا *** ولم يَرَوْك، أنُمضـي عمرَنـا تعَبا؟

يجيبُ: إني سأسعى دائماً لأرى *** يوماَ صغاريْ بدوراً تزدهي أدبا

 

كانتْ أجملُ السَّاعاتِ تلكَ التي يجلسُ فيها معنا.. وكانتْ أفضلُ الوجبات تلك التي يُشاركنا فيها.. وكانت أسعد الليالي تلك التي ننام فيها على يدِه.. فنشعرُ بالسَّعادةِ والأمانِ.. وننسى الخوفَ والأحزانَ.

 

هل تذكرونَ موقفَه عندما يُصابُ أحدُنا أو يمرضُ، هل أحسستم بتلك السُّرعةِ الجُنونيَّةِ إلى المستشفى، هل شعرتُم بطولِ انتظارِه بُقربِنا ورأسُه يخفقُ على صدرِه من السَّهرِ، ثُمَّ تتعطَّلُ بمرضِنا جميعُ أشغالِه، وتختلُّ بسببنا جميعُ أحوالِه.

 

ومع ذلك كانَ مُحافظاً على تماسكِه أمامَنا، فلا يبدو عليه شيءٌ من أثرِ القلقِ والخوفِ والتَّعبِ والضَّجرِ، فكنا نرى أبانا هو أقوى النَّاسِ.. وأشجعُ النَّاسِ.. وأكرمُ النَّاسِ.. وأحبُّ النَّاسِ.

 

أيُّها المؤمنُ..

إذا بلغَ أبوكَ الكِبرَ.. كما وصفَ اللهُ تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا).. فكُنْ حَذِراً كلَّ الحذرِ في الكلامِ والتَّعاملِ معه، فهو عندَه ما عندَ الأمِّ من الرَّحمةِ والشَّفقةِ والقلقِ والخوفِ على أولادِه، ولكن يأبى شُموخُ الرَّجلِ أن يُظهرَه لأحدٍ كائناً من كانَ، شاركهُ الأفراحَ والأحزانَ، احزنْ لحزنِه، وافرحْ لفرحِه، أظهرْ له أن اهتماماتِه هي اهتماماتُك، اجلسْ بينَ يديه كما كنتَ تجلسُ وأنت ذلكَ الطفلُ الصَّغيرُ الذي ربَّاهُ، وكن ذلكَ الابنُ البَّارُ الذي يُحبُّ أن يراهُ، أنصتْ لكلامِه ولو كنتَ قد سمعتَه منه كثيراً، فلقد أَنصَتَ لأسئلتِك الصغيرةِ المتكررةِ قديماً.

 

 خُذ منه الخبرةَ، خُذ منه الحكمةَ، خذ منه التجربةَ، أخبره عن أمورِكَ وأمورِ أبنائك، فهو يُحبُّ أن يسمعَها وإن لم يطلبْ منكَ، استشره في كلِّ شيءٍ، خذه حيثُ يريدُ، ودعه يفعلُ ما يريدُ، دعه يتولى أمورَ البيتِ إذا أرادَ، لقد كانَ هذا الرَّجلُ في يومٍ من الأيامِ، هو الآمرُ النَّاهي، فلا تجعلْه يشعرُ أنه أصبحَ اليومَ نسياً منسياً، أو أنه أصبحَ كقطعةٍ من أثاثِ المنزلِ المركونةِ.

 

مِن الأبناءِ من يُريدُ أن يبرَّ أباهُ، فلا يجعلْه يفعلُ شيئاً، إذا قامَ أقعدَه، وإذا أرادَ أن يفعلَ شيئاً فعلَه عنه، وإذا أرادَ أن يخرجَ ليشتريَ شيئاً اشتراهُ له، ارتاح، اجلس، لا تتحركْ، لا تتعبْ، لا تخرجْ، لا تمشِ، فيشعرُ ذلك الرَّجلُ الكبيرُ بأنه أصبحَ لا معنى له في الحياةِ، فإياك أن تُشعرَه أنه أصبحَ ضعيفاً، وإياكَ أن تُشعرَه أنَّه أصبحَ مريضاً، فتريدُ أن تنفعَه أيُّها المسكينُ، وإذا بكَ تقتلُه دونَ سكينٍ.. وباختصارِ أيُّها الابنُ البارُّ: كن لأبيكَ كما يُحبُّ هوَ.. لا كما تُحبُّ أنتَ.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل. لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي أمرَ بالإحسانِ بالوالدينِ والقولِ لهما قولاً كريماً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا).. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، أرسلَه اللهُ مبشراً ونذيراً، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه، الذين شكروا للهِ ولوالديهم، فأولئك كانَ سعيُهم مشكوراً، وعلى من تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

 

فأما أنت يا من فقَدَ أباه.. فأحسنَ اللهُ عزاءَك في أبيكَ وفي بابٍ من أبوابِ الجنَّةِ قد أُغلقَ.. واعلم أن أعظمَ ما يمكنُ أن تقدمَه لأبيكَ بعدَ الموتِ هو الدُّعاءُ.. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".. فكنْ صالحاً يُستجابُ دعاؤك في أبيكَ.. وأكثرْ له من الاستغفارِ.. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟، فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".

 

وعليكَ بعدَ موتِه بأقاربِه وأصحابِه.. صِلْهم.. أكرمْهُم.. فإنه من البرِّ بعدَ المماتِ.. كَانَ اِبنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، إِنَّهُمْ الأَعْرَابُ؛ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ"، وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.

 

اللهم اغفرْ لآبائنا وأمهاتِنا كما ربونا صغاراً اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلَهم ووسع مدخلَهم واغسلهم بالماءِ والثلجِ والبردِ ونقهم من الذنوبِ والخطايا كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنسِ.

 

اللهم من كانَ منهما مَيْتاً فأنزلْ على قبرِه الرحماتِ، اللهم أفسح له في قبرِه مدَّ بصرِه اللهم واجمعنا به في دارِ كرامتِك من غيرِ حسابٍ ولا عقابٍ برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ، ومن كان منهم حيَّاً فأطل في عمرِه وأحسن في عملِه واختمْ لنا وله بخاتمةِ الإحسانِ برحمتِك يا ذا الجلالِ والإكرامِ..

 

اللهمَّ وفق إمامَنا بتوفيقِك وأيده بتأييدِك، اللهم ارزقه البطانةَ الصالحةَ الطيبةَ المباركةَ التي تدله على الخيرِ وتعينُه عليه، اللهم وفقه ونائبيه لما تحبُّ وترضى وخذ بناصيتِهم للبرِ والتقوى.

 

 اللهم أعز الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَ الشركَ والمشركينَ ودمر أعداءَك أعداءَ الملةِ والدينِ، اللهم انصر إخوانَنا المسلمينَ المستضعفينَ في كلِ مكانٍ، اللهم إنهم ضعافٌ فقوِّهم ومظلومون فانتصر لهم وجياعٌ فأطعمهم وحفاةٌ فاكسهم.

 

 ربنا تقبل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتب علينا إنك أنت التوابُ الرحيمُ.

 

 

 

المرفقات

الآباء

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات