بركات وفضائل الخبيئة الصالحة والسريرة الطيبة

ماهر بن حمد المعيقلي

2021-10-22 - 1443/03/16 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/الإخلاص حقيقة الدين 2/تعريف الشرك الأصغر وخطورته 3/مما يعين على الإخلاص الخبيئة الصالحة 4/معنى الخبيئة الصالحة 5/فضائل وبركات الخبيئة الصالحة 6/العبادات الخفية أفضل من العبادات الظاهرة 7/من أصلح سريرته أصلح الله علانيته

اقتباس

صلاحُ السرائرِ طريقٌ للرفعة في الدنيا، والنجاة في الأخرى، فمَنْ أصلَح سريرتَه، أصلَح اللهُ علانيتَه، ومن أصلَح أمرَ آخرته، أصلَح اللهُ له دنياه، ومَنْ أصلَح ما بينَه وبينَ الله، أصلَح اللهُ ما بينَه وبينَ الناس...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي خلَق الخلقَ بقدرته، ومنَّ على مَنْ شاء بالتوفيق لطاعته، الغنيِّ عن كل شيء، سبحانه وبحمده، لا تنفعُه طاعةُ مَنْ تقرَّب إليه بعبادته، ولا تضرُّه معصيةُ مَنْ عصاه؛ لكمال غناه وعظيم عزته، وأَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأَشهَدُ أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، وخِيرته مِنْ خلقه، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -عز وجل- بدوام الطاعات، وهَجْر المحرَّمات، وأخلِصوا لربكم القصد والنية، فإنما الأعمال بالنيات، وبادِروا إلى ما يحبه مولاكم ويرضاه، فكلُّ امرئٍ موقوفٌ على ما اقترفه وجَنَاه؛ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)[الْإِسْرَاءِ: 18-19].

 

أمةَ الإسلامِ: إن الله -تعالى- خلَق الخلقَ، وبعَث الرسلَ، وأنزَل الكتبَ؛ لعبادته وحدَه لا شريكَ له؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، ولا تقوم هذه العبادة إلا بالإخلاص، فلا يبتغي بها العبدُ إلا وجهَ الله -تعالى-، لا رياءَ فيها ولا سمعةَ، فالإخلاصُ هو حقيقةُ الدينِ، وأساسُ العبادةِ، وشرطُ قبولِها، وهو بمنـزلة الروح للجسد، فلا عبوديةَ لمن لا إخلاصَ له، وبه تُرفَع الدرجاتُ، وتُغفَر الزلاتُ، ويطمئنُّ القلبُ، ويرتاح البالُ، والإخلاصُ -يا عباد الله- عزيزٌ، يحتاج إلى مجاهَدة، وإلى دوام محاسَبة، والرياءُ أخفى من دبيبِ النَّمْلِ، على صفاةٍ سوداءَ، في ليلةٍ ظَلْماءَ، وهو يُفسِد العبادةَ، ويُحبِط الأجرَ، والله -جل جلاله- وتقدست أسماؤه هو الغنيُّ الحميدُ، العزيزُ المجيدُ، لا يرضى أن يُشرَك معه غيرُه، فإن أبى العبدُ إلا الشركَ، ترَكَه اللهُ وشِرْكَه، وردَّ عليه عملَه، وفي (مسند الإمام أحمد)، قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُمُ الشِّركُ الأَصغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّركُ الأَصغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعمَالِهِم: اذهَبُوا إِلى الَّذِينَ كُنتُمْ تُرَاؤُونَ في الدُّنيَا، فَانظُرُوا هَل تَجِدُونَ عِندَهُم جَزَاءً"؛ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[هُودٍ: 15-16].

 

إخوةَ الإيمانِ: إن ممَّا يُعِين على تربية النفس على الإخلاص، ودَفْع أسباب الرياء، أن يجعل المؤمنُ لنفسه خبيئةً من عمل صالح، يرجو بها ما عند الله -جل جلاله-؛ ففي مصنف ابن أبي شيبة، قال الزبير بن العوام -رضي الله عنه-: "مَنِ استطاع منكم أن يكون له خبءٌ مِنْ عملٍ صالحٍ فليفعَلْ"، والخبيئةُ الصالحةُ: هي كلُّ طاعة في السر، لا يطَّلِع عليها إلا اللهُ، ركعاتٌ في ظلمة الليل تركَعُها، أو تلاواتٌ وختماتٌ للقرآن تَختِمُها، أو صدقةٌ تُخفيها، أو كُربةٌ تُفَرِّجُها، أو رعايةُ أرملةٍ وأيتامٍ، أو بِرُّ أبٍ وأمٍّ، أو استغفارٌ بالأسحار، أو دمعةٌ في خَلوة من خشيةِ القهارِ، أو إصلاحٌ في السرِّ بينَ الناسِ، أو صيامٌ لا يعلم به أحدٌ من الناس.

 

ومِنَ الخبايا الصالحة: التفكر في اختلاف الليل والنهار ، والنظر في خلق السموات والأرض، وتسبيح فاطرهما، والنية الصادقة، من الخبايا الصالحة، فمَنْ همَّ بحسنة فلم يَعمَلْها، كتَبَها اللهُ عندَه حسنةً كاملةً، ومَنْ سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ، بلَّغَه اللهُ منازلَ الشهداءِ، وإن مات على فراشه، وفي (سنن الترمذي)، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ".

 

فالخبيئةُ الصالحةُ دليلٌ على الصدق والإخلاص، وبها يتقرَّب العبدُ إلى ربه، ويدَّخِرها لنفسه، ويرجو بها أن يكون ممَّن يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلاّ ظِلُّهُ، الَّذِينَ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- في شأنهم: "وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَت عَينَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخفَاهَا حَتَّى لا تَعلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنفِقُ يَمِينُه"(متفق عليه).

 

فالخبيئة الصالحة، لا تَخرج إلا من قلب سليم، قد أحسَن الظنَّ بربِّه، ورَغِبَ فيما عندَه، فأخفى عملَه، وتجرَّد لخالقه، فأهلُ الخبيئةِ الصالحةِ، لهم نورٌ في الوجه، وقبولٌ ومحبةٌ عند الخَلْق؛ وذلك لَمَّا خَلَوْا بالله -جل جلاله-، أحبَّهم وألبسَهم من نوره، وجعَل لهم المحبة والقبول عند خلقه، قال ابن المبارك -رحمه الله-: "ما رأيتُ أحدًا ارتفع مثل مالك -أَيْ: لِمَا له من المحبة والهيبة في قلوب الناس- ليس له كثيرُ صلاةٍ ولا صيامٍ، إلا أن تكون السريرةُ"، "فإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ"(رواه البخاري ومسلم)، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "والله لقد رأيتُ مَنْ يُكثِر الصلاةَ والصومَ والصمتَ، ويتخشَّع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقَدرُه في النفوس ليس بذاك، ورأيتُ مَنْ يلبَس فاخرَ الثياب، وليس له كبير نفل ولا تخشُّع، والقلوب تتهافت على محبته، فتدبرتُ السببَ، فوجدتُه السريرةَ، فمَنْ أصلَح سريرتَه فاح عبيرُ فضلِه، وعَبِقَتِ القلوبُ بنشرِ طِيبِه، فاللهَ اللهَ في السرائر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاحٌ ظاهرٌ".

 

معاشر المؤمنين: من ثمار عبادة الخلوة صلاحُ القلبِ واستقامتُه، وطهارتُه وتنقيتُه، وبُعدُه عن الشهوات والشبهات، وثباتُه عند المحن والفتن؛ (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)[الْمُزَّمِّلِ: 6]؛ ولذا كانت الخبيئة الصالحة، أشدَّ الأعمال على الشيطان، فالشيطانُ لا يزال بالعبد، حتى يَنقُل عملَه من السر إلى العلانية، ومن الإخلاص إلى الشرك والرياء، والعُجْب والشهرة.

 

وحُسن الخاتمة، من ثمار الخبيئة الصالحة، فالفواتحُ عنوانُ الخواتمِ، والمرءُ إذا كان على جادَّةٍ وهدًى، وعملٍ خالصٍ لله -جل وعلا-، فاللهُ لطيفٌ بعباده، وهو أعدلُ وأكرمُ وأرحمُ، مِن أن يَخذُلَ مَنْ كانت هذه حالُه، بل هو أهل للتوفيق والسداد، والثبات وحُسْن المآب، (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إِبْرَاهِيمَ: 27]، وفي الصحيحين، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ"، قال ابن رجب -رحمه الله-: "قوله: "فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ"، إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمرِ يكونُ بخلافِ ذلك، -إلى أن قال -رحمه الله- فقد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ، وفي باطنِه خصلةٌ خفيَّةٌ من خصالِ الخيرِ، فتَغلِب عليه تلكَ الخصلةُ في آخِر عُمُرِهِ، فتُوجِب له حُسنَ الخاتمةِ" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

ولقد كان سلفنا الصالح يستحبُّون أن يكون للرَّجل خبيئةٌ صالحةٌ، لا تعلم به زوجتُه ولا أولادُه، فضلًا عن غيرهم، قال الحسن البصري، في وصفه لِمَنْ أدرَكَهم من الصحابة والتابعين: "ولقد أدرَكْنا أقوامًا ما كان على الأرض مِنْ عمل يقدِرون أن يعملوه في السر، فيكون علانيةً أبدًا".

 

فتصفَّحْ -يا عبدَ اللهِ- في سِجِلِّ حياتِكَ، هل تجد في صحيفة أعمالك خبيئة صالحة تدخرها ليوم القيامة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السَّجْدَةِ: 15-17].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادُف الآلاء، وَأَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وَأَشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، إمام المتقين وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: لقد جاءت نصوص الشريعة بالحَثِّ على إخفاء العِباداتِ، وَاستِحبَابِ نوافلِ الطَّاعَاتِ في الخَلَوَات، فصدقةُ السرِّ، أفضلُ من صدقة العلانية، وصلاةُ الليل، أفضلُ من صلاة النهار؛ لِمَا فيها من تعظيم الرب -جل جلاله-، والرغبةِ فيما عندَه، وتطهيرِ القلبِ من أدران الرِّياءِ، والتّطلعِ لحبِّ الثناءِ؛ (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 271].

 

وأوصى -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه، بأداء نوافل الصلوات في البيت، مع أن الصلاة في مسجده بألف صلاة فيما سواه، إلَّا المسجد الحرام، وفي (سنن الترمذي): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ"، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وليس المرادُ منها اعتزالَ الناس، أو إخفاءَ كلِّ العبادات، فمِنَ العبادات والشعائر، ما لا يتمُّ إلا بإظهاره وإشاعته، واللهُ -سبحانه- مطَّلِعٌ على السرائر، فقد جاءت نصوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ، بالحثِّ على شهود الجُمَع والجماعات، والإحسان والصلات، والتعاون على البر والتقوى؛ فالمقصود أن يصلح العبد ما بينه وبين ربه، وأن تكون له خبيئة من عمل صالح، يرجو ثوابها، وَيَحتَسِبُ أجرها، ويُصلِح بها سريرتَه، فصلاحُ السرائرِ، طريقٌ للرفعة في الدنيا، والنجاة في الأخرى، فمَنْ أصلَح سريرتَه، أصلَح اللهُ علانيتَه، ومن أصلَح أمرَ آخرته، أصلَح اللهُ له دنياه، ومَنْ أصلَح ما بينَه وبينَ الله، أصلَح اللهُ ما بينَه وبينَ الناس، وفي (سنن الترمذي) كَتَبَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه-، إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها وأرضاها-، أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ"، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمينَ، اللهم أَصْلِحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ، اللهم إنَّا نسألُكَ بفضلِكَ ومِنَّتِكَ، وجودِكَ وكرمِكَ، أن تحفَظَنا مِنْ كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، اللهم إنَّا نعوذ بكَ من جَهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء، اللهم إنَّا نسألك من الخير كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما عَلِمْنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بكَ من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما عَلِمْنا منه وما لم نعلم، اللهم إنَّا نسألكَ الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بكَ من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، اللهم أحسِنْ عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأَجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وكن للمستضعفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وفق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم وفقه وولي عهده الأمين، لما فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ شباب المسلمين من الفرق الضالة، والمناهج المنحرفة، اللهم جنبهم التفرق والحزبية، وارزقهم الاعتدال والوسطية، اللهم حبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، اللهم انفع بهم أوطانهم وأمتهم، برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم مَنْ أرادَنا وبلادَنا وأمنَنا وشبابَنا بسوء، فأَشْغِلْهُ بنفسه، واجعَلْ كيدَه في نحره، بقوتك وعزتك يا قوي يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، عاجلًا غير آجل، برحمتك يا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنتَ سبحانك، إنا كنا من الظالمين.

 

ربنا تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا؛ (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

المرفقات

بركات وفضائل الخبيئة الصالحة والسريرة الطيبة.doc

بركات وفضائل الخبيئة الصالحة والسريرة الطيبة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات