اقتباس
وقد برع العرب في الإيجاز، خاصة في باب التوقيعات للعمال والولاة، حيث كان يتبارى الخلفاء والكتّاب في العبارات الموجزة الرائعة، فقد وقَّع أبو جعفر المنصور في شكوى قوم من عاملهم: "كما تكونوا يؤمَّر عليكم". وكتب إليه صاحبُ مِصْر بنُقْصان النيل فوقع: "طهر عسكرك من الفسادِ يعطِكَ النيل القياد". ووقع على كتاب لعامله على حمص، وقد كثُر فيه الخطأ: "استبدِل بكاتبك، وإلا استُبْدِل بك"، ووقع هارون الرشيد إلى صاحب خراسان: "داوِ جرحك لا يتسع"، ووقع في قصة البرامكة: " أنبتتهم الطاعة، وحصدتْهُم المعصية". ووقَّع جعفر بن يحيى لعامل كَثُرَتِ الشكوى منه: "كثُر شاكوك، وقلَّ شاكرُوك، فإما عدلْت، وإِمَّا اعْتَزَلْت".
الخطبة يحضرها شرائح شتى من المجتمع: منهم المثقف، ومنهم محدود الثقافة، ومنهم المتعلم، ومنهم الجاهل، ومنهم الذكي، ومنهم الساذج. واستخدام اللغة التفسيرية التوضيحية؛ تجعل من الموضوعات المعقدة مثل: " العلمانية وأثرها على الأمة " سهلة الفهم، قريبة من الذهن، فاستخدام عبارات مثل:" ما حدث بالتحديد هو ..." ثم يعرضها بأسلوب يفهمه الجميع تقريبًا. ومثلها-أيضًا-: "والآن، ماذا يعني هذا؟ فكروا فيه. إنه يعني أنه لن يستطيع أي شخص ..." المقصود هنا هو توضيح الأفكار المعقدة قدر الإمكان حتى يغلب على الظن أن الجميع سيفهمها. ولا شك أن اللغة تلعب الدور الأساس في ذلك. وكذلك من المفيد هنا عدم التفصيل وذكر كل ما يتعلق بالقضية.
وهنا تبرز كفاءة الخطيب في كيفية استخدام اللغة العربية وأساليبها وتعبيراتها المختلفة، من أجل توصيل رسالة الخطبة. وهنا يلزم الخطيب أن يراوح بين ثلاثة أساليب من أهم الأساليب المستخدمة لتوصيل المعاني والأفكار، وهي أساليب الإيجاز والإطناب وما بينهما من المساواة، كما ذكر علماء البيان والتبيان. وكل ما يخطر ببال الخطيب من المعاني؛ فله في التعبير عنه بإحدى هذه الطرق الثلاث، فتارةً يوجز، وتارةً يسهب، وتارة يأتي بالعبارة (بين بين)، ولا يُعدُّ الكلام في صورة من هذه الصور بليغاً؛ إلا إذا كان مطابقاً لمقتضى حال المخاطب، ويدعو إليه مواطن الخطاب، فإذا كان المقام للإطناب مثلاً، وعدلت عنه إلى: الإيجاز، أو المساواة لم يكن كلامك بليغاً.
أولاً: المساواة:
المساواة أن تكون المعاني بقدر الألفاظ، والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها على بعض. وهي الأصل الذي يكون أكثر الكلام على صورته، والدستور الذي يقاس عليه. والأمثلة عليها كثيرة من القرآن والسنة وكلام العرب؛ لأنه الأصل في الكلام، وعنوان البلاغة كما قال أهل العلم؛ من هذه الأمثلة: قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ...) [البقرة: 110]، وقوله: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ...) [فاطر: 43]، وقوله: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21]، وكقوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ...) [الروم:43 ])، وكقوله-صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"، فإنَّ اللفظ فيه على قدرِ المعنى، لا ينقصُ عنه، ولا يزيدُ عليهِ، وكقول الشاعر الجاهلي طرفةَ بن العبد:
سَتُبْدِي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهِلاً ***ويأْتِيكَ بالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
وقال النابغة الذبيانيُّ:
فإنَّكَ كاللَّيْلِ الذي هو مُدْرِكِي***وإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ واسِعُ
والخطيب يجب أن يكون أساس خطبته بهذا الأسلوب، فمساواة الكلام؛ يجعله أكثر وضوحاً، وأسرع وصولاً للعقل والذهن، فالمساواة مثل رؤوس الأقلام الجامعة، وعناوين الكتب النافعة؛ مطابقة للب رسالة الخطبة وعنوانها.
ثانياً: الإيجاز:
هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل منها، وافية بالغرض المقصود، مع الإبانة والإفصاح، كقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، فهذه الآيةُ القصيرةُ جمعتْ مكارم َالأخلاقِ بأسرها، وقوله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ...) [الأعراف:54]، وكقوله-عليه الصلاة والسلام-: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ... ".
وينقسمُ الإيجاز إلى قسمين: إيجاز قصر وإيجاز حذف:
فإيجازُ القصر، ويسمى إيجاز البلاغة: يكون بتضمين المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف، كقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 179]، فإن معناه كثير، ولفظه يسير، إذ المراد بأن الإنسانَ إذا علم أنه متى قَتل قُتل امتنع عن القتل، وفي ذلك حياته وحياة غيره؛ لأن القتل أنفى للقتل وبذلك تطول الأعمار، وتكثر الذرية، ويقبل كل واحد على ما يعود عليه بالنفع، ويتم النظام، ويكثر العمران، فالقصاص هو سبب ابتعاد الناس عن القتل، فهو الحافظُ للحياة. وكقوله تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72]، فإن مقتضى الكرامة في كل مقام شيء، ففي مقام الإعراض: الإعراض، وفي مقام النهي: النهي، وفي مقام النصح: النصح، وهكذا. وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]؛ لأن كلمة "الأمن " يدخل تحتها كل أمر محبوب، فقد انْتَفَى بها أن يخافوا فقرًا، أَو موتاً، أو جوْراً، أو زوال نعمة، أو غير ذلك من أصناف المكاره. وقوله تعالى: (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا) [النازعات:31]، فقد دل الله -سبحانه-بكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً، ومتاعاً للناس من العُشب، والشجر، والحطب، واللِّباس، والنار، والماء. وهذا القسْمُ مطمحُ نظرِ البلغاءِ، وبه تتفاوتُ أقدارُهم، حتى إنَّ بعضَهم سُئلَ عن (البلاغةِ) فقال: هي إيجاز القصر. بل إن من معجزاته-صلى الله عليه وسلم-، ومما فُضل به عن سائر الأنبياء؛ جوامع الكلم الذي هو عين إيجاز القصر.
وقد برع العرب في الإيجاز، خاصة في باب التوقيعات للعمال والولاة، حيث كان يتبارى الخلفاء والكتّاب في العبارات الموجزة الرائعة، فقد وقَّع أبو جعفر المنصور في شكوى قوم من عاملهم: "كما تكونوا يؤمَّر عليكم". وكتب إليه صاحبُ مِصْر بنُقْصان النيل فوقع: "طهر عسكرك من الفسادِ يعطِكَ النيل القياد". ووقع على كتاب لعامله على حمص، وقد كثُر فيه الخطأ: "استبدِل بكاتبك، وإلا استُبْدِل بك"، ووقع هارون الرشيد إلى صاحب خراسان: "داوِ جرحك لا يتسع"، ووقع في قصة البرامكة: " أنبتتهم الطاعة، وحصدتْهُم المعصية". ووقَّع جعفر بن يحيى لعامل كَثُرَتِ الشكوى منه: "كثُر شاكوك، وقلَّ شاكرُوك، فإما عدلْت، وإِمَّا اعْتَزَلْت".
أما إيجاز الحذف: فيكونُ بحذف شيءٍ من العبارةِ لا يخلُّ بالفهْم، عند وجودِ ما يدل ُّعلى المحذوفِ، من قرينة لفظيةٍ أو معنويةٍ، وذلك المحذوفُ أنواع عدة:
1-حرفاً كقوله تعالى:( قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) [مريم:20]، أصله: ولم أكن.
2-اسماً مضافاً، نحو قوله تعالى:(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ...) [الحج:78] أي: في سبيل الله.
3-اسماً مضافاً إليه، نحو قوله تعالى:(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ...) [الأعراف:142] أي: بعشر ليال.
4-اسماً موصوفاً، كقوله تعالى: (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)[الفرقان:71] أي: عملاً صالحاً.
5-اسمَ صفةٍ، نحو قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُون) [التوبة:125] أي: مضافاً إلى رجسِهم.
6-شرطاً، كقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [آل عمران:31] أي: فإن تتبعوني.
7-جواب شرط، مثل قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام:27] أي: لرأيت أمراً فظيعاً.
8-مسنداً، نحو قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [العنكبوت:61] أي: خلقهنَّ الله.
9-مسنداً إليه، كما في قول حاتم الطائي:
أَمَاوِيَّ! ما يُغْنِي الثَّرَاءُ عنِ الْفَتَى *** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
أي إذا حشرجت النفس يوماً.
10-متعلقاً، كما في قوله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] أي عما يفعلون.
11-جملةً، في قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [البقرة:221] أي فاختلفوا: فبعث.
12-جُملاً، كقوله تعالى: (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ...) [يوسف: 45، 46]، أي فأرسلوني إلى يوسفَ لأستعبرَه الرؤيا، فأرسلوه فأتاه، وقال له: يوسفُ أيها الصِّدِّيقُ.
واعلم أن دواعي الإيجاز كثيرة منها: الاختصار، وتسهيل الحفظ، وتقريب الفهم، وضيق المقام، وإخفاء الأمر على غير السامع، والضجر والسآمة، وتحصيل المعنى الكثير باللفظ اليسير.
ويستحب الإيجاز في الخطب التي تتناول مواضيع معينة مثل: الشكرُ على النعم، الاعتذار، الوعد، الوعيد، العتاب، التوبيخ، التعزية، شكوى الحال، الاستعطاف، أوامر الملوك ونواهِيهم.
ثالثاً: الإطناب:
وهو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، أو هو تأدية المعنى بعبارة زائدة عن متعارف أوساط البلغاء؛ لفائدة تقويته وتوكيده، نحو قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) [مريم:4]، أي: كبرت، فإذا لم تكن في الزيادة فائدة، يسمى (تطويلاً) إن كانت الزيادة في الكلام متعينة. ويسمى(حشواً) إن كانت الزيادة في الكلام غير متعينة لا يفسدُ بها المعنى. وكل من الحشو والتطويل معيب في البيان، وكلاهما بمعزل عن مراتب البلاغة.
واعلم أنَّ دواعي الإطناب كثيرة، منها تثبيت المعنى، وتوضيح المراد، والتوكيد، ودفع الإيهام، وإثارة الحمية وغير ذلك.
أنواع الإطناب كثيرة منها:
1-ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص، كقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وفائدته التنبيه على مزية وفضل في الخاص، حتى كأنه لفضله ورفعته جزء آخر، مغاير لما قبله، ولهذا خص الصلاة الوسطى بالذكر؛ لزيادة فضلها.
2-ذكر العام بعد الخاص؛ لإفادة العموم مع العناية بشأن الخاص، كقوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [نوح: 28]، وفائدته شمول بقية الأفراد، والاهتمام بالخاص؛ لذكره ثانياً في عنوان عام، بعد ذكره أولاً في عنوان خاص.
3-الإيضاح : بعد الإبهام، لتقرير المعنى في ذهن السامع بذكره مرتين، مرة على سبيل الإبهام والإجمال، ومرة على سبيل التفصيل والإيضاح، فيزيده ذلك نبلاً وشرفًا، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الصف:10،11]، وكقوله تعالى: ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر:66]، فقوله تعالى: ( أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ) تفسير وتوضيح لذلك (الأمر) المبهم وفائدته: توجيه الذهن إلى معرفته، وتفخيم شأن المبين، وتمكينه في النفس، فأبهم في كلمة (الأمر) ثمَّ وضحه بعد ذلك تهويلاً لأمر العذاب.
4-التوشيع: هو أن يؤتى في آخر الكلام بمثنى مفسر بمفردين؛ ليرى المعنى في صورتين، يخرج فيهما من الخفاء المستوحش إلى الظهور المأنوس، نحو: العلم علمان، علم الأبدان، وعلم الأديان.
5-التكرار لداع: هو ذكر الشيء مرتين أو أكثر لأغراض عديدة:
الأول: التأكيد وتقرير المعنى في النفس، كقوله تعالى: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر:3، 4]، وكقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5،6].
الثاني: طول الفصل؛ لئلا يجيء مبتوراً ليس له طلاوة، كقوله تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف:4]، فكرر (رأيت)؛ لطول الفصل، ومن هذا القبيل قول الشاعر:
وإن امرئ دامت مواثيق عهده *** على كل ما لاقيته لكريم
الثالث: قصد الاستيعاب، نحو: قرأت الكتاب باباً باباً، وفهمته كلمةً كلمةً.
الرابع: زيادة الترغيب في العفو، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن:14].
الخامس: الترغيب في قبول النصح باستمالة المخاطب لقبول الخطاب، كقوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ*يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:38، 39]، ففي تكرير (يا قوم) تعطيف لقلوبهم، حتى لا يشكوا في إخلاصه لهم في نصحه.
السادس: التنويه بشأن المخاطب، نحو قوله-صلى الله عليه وسلم-: "الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلاَمُ".
السابع: الترديد وهو تكرار اللفظ متعلقاً بغير ما تعلق به أولاً، كما ورد في الأثر: "السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ".
الثامن: التلذذ بذكره، نحو قول مروان بن أبي حفصةَ:
سقى الله نجداً والسلامُ على نجد **** وياحبذا نجدٌ على القُربِ والبعدِ
التاسع: الإرشاد إلى الطريقة المثلى، كقوله تعالى: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى*ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) [القيامة:34، 35].
(6) الاعتراض: وهو أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين في المعنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب؛ وذلك لأغراض يرمي إليها البليغ غير دفع الإيهام، منها: الدعاء، والتنبيه على فضل العلم، والتنزيه، كقوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) [النحل:57]، وزيادة التأكيد، كقوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14]، والاستعطاف، والتهويل، كقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)[الواقعة:76]، والإيغال، وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها، والتذييل، وهو تعقيب الجمل بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيداً لها ، تأكيداً لمنطوق الأولى، أو لمفهومها، نحو قوله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسراء:81]، ونحو قوله تعالى:(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [ سبأ:17].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم