براءة الإسلام من الغلو والشدة

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ شهادة التأريخ بانتشار الإسلام بالسماحة والمثل العليا 2/ يُسْر الإسلام وانتفاء الغلو عنه 3/ تشويه الغلاة للدين بمؤازرة المنحرفين من المسلمين 4/ الانتصار للدين بنفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين

اقتباس

والإسلامُ خاتمة الأديان والحضارات كلِّها، فمبعثه -صلى الله عليه وسلم- ليُتمّم مكارم الأخلاق؛ بل ارتبط الدين كلّه بالمعاملة، فهو دينُ الرحمة بشتَّى صوَرِها ومختَلف أنواعها، يدعو لإيصالِ النّفع وتحقيقِ المصالح للعبادِ، يُقال له -صلى الله عليه وسلم-: ادعُ على المشركين، فيقول: "إنِّي لم أُبعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمة"، ويقول أيضاً: "لا يرحَمُ الله من لا يرحَمُ النّاسَ" متفق عليه.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله أعزنا بالإسلام رسالة السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رحمة للأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأعلام، وسلم تسليما.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

 

الإسلام دين العزة والكرامة، فنحن "قومٌ أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".

 

عزةٌ تحقَّقت عبر التاريخ بالتوحيد والجهاد عقلاً وعلماً وحسن تطبيقٍ وفهمٍ للشرع، وليس برغبة إراقة الدماء بالشدة والتنفير؛ فالعهد العمري لأمان أهل القدس مشهور.

 

وفتحَ قتيبةُ بن مسلم الباهلي سمرقند بدون دعوَةِ أهلها للإسلام أو الجزية أو يمهلهم ثلاثاً ثم يقاتلهم كعادةِ المسلمين، فكتبَ كهنتُها لعمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأمر القاضي جُمَيْعَ بنَ حاضر الباجي لينظرَ في شكواهم.

 

ثم اجتمعوا واخبروه، واعترف الجيش بذلك، فقال القاضي: "لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً", ثم قضى بخروج المسلمين وإعادة التفاوض، فما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيش الإسلامي بأرض سمرقند، وأهلها لا يصدقون أعينهم!.

 

ثم دعوهم للإسلام أو الجزية أو القتال، فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة قالوا هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة، فدخل أغلبهم في دين الله.

 

ولا زالت كتب التاريخ تحكي عن صلاح الدين الأيوبي وحسن معاملته مع الصليبيين في جهاده معهم وعهده لأهل القدس، ثم عن دعاة وتجار مسلمين ذهبوا لأصقاع العالم وسواحله فنشروا الإسلام بتعليمهم وخلقهم وحسن معاملتهم فقط، فلا ترى بقعة من الأرض اليوم إلا ويُرفع فيها الأذان أن الله أكبر، وبإعلان شهادة التوحيد والنبوة وإقامة الصلاة في الأرض. بفهمٍ عميقٍ وحسن تطبيق نشر الإسلام في البلدان.

 

رجالٌ ونساءٌ وولاة وعلماء عبر التاريخ ضربوا المثل العالية بدينهم وأخلاقهم وطريقة جهادهم ومعاملتهم، فرأينا ثمرتَهم أن دخل الناس في دين الله أفواجاً، لم يفهموا الجهاد سفكاً للدماء، ولا انتقاماً وإثارةً للفتن والبلاء، وإفساداً للأمن لمصلحة الأعداء؛ ما خرجوا على إمامهم ولا هدموا دور عبادة غيرهم، ولم يعتدوا على الشرطي ولا القريب، فهموا الإسلام توحيداً وفقهاً وجهاداً ومعاملةً صحيحة.

 

رأينا تعايشاً عبر التاريخ أقرّه الخلفاء وأيّده العلماء مع الأقليات والمذاهب رغم ضلالها ومخالفتها فلم يحاولوا تصفيتهم؛ فاهتدوا وانضمَّ أغلبُهم للإسلام لما رأوا من صورةٍ رائعة في الإسلام، قدّمها للعالم أولئك الأفذاذ، وجذبوا الناس إليها، وأقاموا حضارةً نرى آثارها اليوم.

 

هذه عظمة الإسلام التي ينبغي أن لا تُشوهها أفعال متطرفين غلاة نراهم اليوم ينشرون تطرّفهم باسم الجهاد أو بالتشدّد في الدين، ولن ينالَ منه منافق بتعدّيه على الثوابت وتمييع أحكامه، ولا ظالم أو فاسق بالهجوم عليه أو على القرآن أو بالاستهزاء بنبيه -صلى الله عليه وسلم-، فالله تكفل بحفظ دينه: (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21]، وعصم نبيَّه من أذى الناس.

 

وهذا الفهم للإسلام آمن به حديثاً دعاةٌ ودول وجامعات ومراكز إسلامية ومؤسساتٌ دعويّة ومؤسسات معنية بالعمل الخيري فأحيوه في الأرض، ودخل بالإسلام بتوفيق الله ثم بجهودهم الملايين في دولٍ متعددة بُنيت فيها المساجد، وقامت الدعوة بالخلق والبيان والدعوة والقرآن، لا بالسلاح أو التفجير والتطرف الذي شوّهنا وجعل كل ذلك يتراجع بجعل التديّن تهمةً وتطرّفاً وأصوليةً بسبب فعلهم الذي جمع بين تطرّف الخوارج والعمالة لمصلحة كل عدوٍ للإسلام.

 

وزاد الألمُ حين أُبعدت الأمة عن دين الله بالتجهيل والإفساد، كما شوّه الدينَ بعضُ ممارسات المسلمين وأخلاقِهم بالغشِّ والرشوةِ والكذبِ وانتهاكِ النظام وسلبِ الحُرياتِ والظُلم وغير ذلك مما يُعطي صورة سيئة عن الإسلام، وعظم الجرح مع آثارِ الظلمِ بالعالم بمجاملة القوي المتسلّط، والغفلة عن حقوق المسلمين، والسكوت عن الاستهزاء والتطاول على الإسلام بدعوى حريّة التعبير.

 

نحن نعلمُ -إخوتي- أن الله حافظٌ دينَه ومُعلٍ كلمتَه ولو كره الكافرون؛ ولكن، أين جهدنا في دعوة الناس لخاتم الأديان وأكملها لنبرزَ لهم كمالَ شريعتِنا ومحاسنها؟ والجهادُ إنما يكونُ بقواعده ومنطلقاته السليمة واجتماع كلمته وحزم دولته وجلب مصالحه وترك مساوئه لردِّ ظلم المعتدي برقيٍّ وحضارةٍ وحسن تعامل، لا بإثارة الفتن والتطرف وإراقة الدماء وممارسات عنف غير مبرّر؛ بل بإقامة تعاليم المصطفى وهديه وأخلاقه، والقرآن وأحكامه، فالقرآنُ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، ومحمّدٌ -صلى الله عليه وسلم- جاء لينقذَ البشريّةَ أجمع من الظلمات إلى النور، وليكونَ للبشرية خيرًا مطلقًا، وإصلاحًا شاملاً، ورَحْمَةً للعَالَمِينَ.

 

ودينُ الله للناس كافة، بنظام متكامل للحياةِ، سعادةً في الدنيا وفوزاً في الآخرة، ودعوةً للتسامُح والرفق، ونبذاً للعنف، وحفظاً لحقوقِ الإنسان.

 

والحريةُ بالإسلام ليست فوضى وشذوذ خلق، وإنما تقيدٌ بنصوص إلهيةٍ وتوجيهاتٍ نبويّة تُراعِي الإنصاف، حرّيّةٌ مكفولة لا تعتدي على الآخرين أو تضرُّ بالعالمين؛ بل تأخذُ على يد الظالم ويأخذ الضعيفُ فيها حقَّه غيرَ متعتع، حريةٌ للمظلوم وللإبداع والنقد البنّاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي للمسلم وغيره؛ فلا يُجبرُ على اعتناقِ هذا الدين، مع وجوب دعوته للدين، وبيان محاسنِه للعالمين: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين) [يونس:99].

 

قال عمر -رضي الله عنه- لعجوزٍ نصرانيّة: "أسلِمي أيّتها العجوز تسلَمِي، إنَّ الله بعث محمّدًا بالحقّ"، قالت: أنا عجوزٌ كبيرة والموتُ أقرب، قالَ عمَر: "اللّهمّ اشهَد!"، وتلا قوله: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256]!.

 

والله أكرمَ الإنسانَ على كثيرٍ ممن خلقَه تفضيلاً، والناسُ متساوونَ في الحقوقِ، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13]، يحترمُ مشاعرَ الآخرين، نهاه عن سبّ معتقَدات غيرِ المسلمين كيلا ينالوا من مقدَّسات المسلمين، (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام:108]، قال القرطبيّ: "لا يحلّ لمسلم أن يسبَّ صلبانهم ولا دينَهم ولا كنائسَهم؛ لأنّه بَعثٌ على المعصيَة، والمسلمُ يدعو إلى الإسلام بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَيُجَادِلهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".

 

ها هو مُعلِّم البشريّة محمد -صلى الله عليه وسلم- يضرِب مثالاً في احترامِ جنس البشَر فيقول: "إذا رأيتم الجنازَةَ فقوموا حتى تُخَلِّفَكم"، فمرَّت به جنازَةٌ فقامَ لها، فقيل له: إنها جنازة يهوديّ! فقال: "أليست نفسًا؟!" رواه البخاري.

 

دين الإسلام لا يعتدي على من هم ليسوا محاربين، (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُم وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]، والبِرّ هنا هو الإحسانُ قولاً وفعلاً، فعبد الله بن عَمرو يُكرّر على غلامه أن يعطيَ جارَه اليهوديّ من الأضحية، حتى دهِش الغلام، فلما سأله قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتى ظنَنتُ أنه سيُورِّثه" رواه البخاري.

 

هذا الفهم للسلف والعلماء والتطبيق هو ما ضمن بقاء أقليات نصرانية ويهودية تعايشت ببلاد الإسلام عبر التاريخ محتفظةً بحقوقها، بينما نرى المسلمين استؤصلوا في الأندلس وبعض مدن أوروبا لأن الصليبيين آذوهم! وهذا التعامل الحسن السمح والرفق واللين مع المسلمين أيضاً حَقَّق مصالح في الدعوة والتعليم ورسوخ الدين.

 

والإسلامُ خاتمة الأديان والحضارات كلِّها، فمبعثه -صلى الله عليه وسلم- ليُتمّم مكارم الأخلاق؛ بل ارتبط الدين كلّه بالمعاملة، فهو دينُ الرحمة بشتَّى صوَرِها ومختَلف أنواعها، يدعو لإيصالِ النّفع وتحقيقِ المصالح للعبادِ، يُقال له -صلى الله عليه وسلم-: ادعُ على المشركين، فيقول: "إنِّي لم أُبعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمة"، ويقول أيضاً: "لا يرحَمُ اللهُ من لا يرحَمُ النّاسَ" متفق عليه.

 

ولم ولن ترَى الإنسانية رحيمًا مُشفِقًا كمحمّد -صلى الله عليه وسلم-، بأبي هو وأمي رسول الله، تُحِّبه القلوب وتدافع عنه وتُصلي عليه. يرى -صلى الله عليه وسلم- طيراً تدورُ حول نفسها فيقول: "مَن فجَع هذه بولَدِها؟ ردّوا إليها ولدها"، ورَأى -عليه الصّلاة والسلام- قريةَ نملٍ أحرقت، فقال: "من حرّق هذه؟ إنّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار". قرية نمل! وهؤلاء الدواعش يفجرون أنفسهم بالحرم، ويحدثون فيه، ويحرقون من اختلف معهم من البشر؛ لأنهم لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم!.

 

إن رحمة هذا الدين شملت الإنسان والمكان والحيوان، وتستغرب غيابها عند من يزعمون نصرة للإسلام ودولة للخلافة يشوّهون بها الدين ويتنكرون لجميل القربى والوالدين، ويفسدون الأمن والوطن. حسبي الله عليهم ونعم الوكيل!.

 

إن عدل الإسلام ليس بأهواء البشر وإنّما بوحي الله في كتابه ولرسوله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى) [النحل:90].

 

ومن مبادئه الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، وتوجيهاتُه مبنيّة على الأمر بالعدل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].

 

دينٌ يحفَظُ الضروريات الخمس: الدين والنّفس والعقل والمال والعرض؛ حتَّى للمُعاهَدين، ويُوصَى بها القادة، فأبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- يقول لأسامةَ: "إنِّي موصيكَ بعشرٍ: لا تقتُلنّ امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هرِمًا، ولا تقطَع شجَرًا مثمِرًا، ولا تخرِّبنَّ عامِرًا، ولا تعقِرَنّ شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلَة، ولا تغرِّقنّ نخلاً، ولا تحرِّقنَّه، ولا تغلُّوا، ولا تجبُنوا"، هذا هو الجهاد في الإسلام، وليس لغرض الحرق والقتل والسبي والتعاون مع العدو في إفساد بلاد المسلمين.

 

الإسلامُ أصَّل مبادِئَ التكافُلِ الاجتماعي والتعاون قبل أن يعرِفها العالم المعاصِر، أوجَبَ الزكاة، جعل الكفّارات للمساكين، حثَّ على الصدَقات لتُقضَى الحاجاتُ وتنفَكّ الكرُبات، حتى لغير المسلمين، فرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- تصدَّق على بيتٍ من اليهود، ثم أُجرِيَت عليهم الصدَقةُ من بعده، وعمرُ أمر خازِن بيت المال بصرفِ حاجةِ شيخٍ كبيرٍ ضريرِ البصر من غيرِ المسلمين من بيتِ المال.

 

الله أكبر! هذا الإسلام الذي تقوم دعوتُه على الخير والهدَى والإصلاح في الدنيا والآخرة، الرفقُ قاعدتُه واليُسرُ تأصيلُه، ووصيّته -صلى الله عليه وسلم-: "يسِّروا ولا تعسِّروا، بشِّروا ولا تنفِّروا".

 

والشريعةُ جاءَت لتحصيل المصالح وتكثيرِها ودرء المفاسد وتقليلِها، و"لا ضرر ولا ضرار"، وأحكامه الفقهية بُنيت على التيسير، فما خُيّر -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وإن هذا الدين يسر وسماحة، ولن يُشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه، وقاعدة العبادات: اتقوا الله ما استطعتم.

 

والفهم المغلوط لأحكام الدين بالتشديد على الناس يضر ولا ينفع، ونهى عنه رسول الله وحذَّر منه، وهذا التشديد كلٌّ يستطيعه، لكن القوةَ والفقه في السماحة واليسر المنطلقة من أصول الدين، (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116].

 

هذا هو الإسلام! عنوانه السماحة واليسر، وإنما جاء التشدد والغلو من فهم مغلوط وممارسة ذميمة إما بالتشديد، أو حتى بمن يتهاون بأحكامه وينشر الشبه للتشكيك به وإضاعة أصوله فهذا ضلالٌ أيضاً!.

 

ومن المؤسف أن يختلفَ الناس ويتعادون لخلافاتٍ فقهيةٍ يسعهم التعايش معها! (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود:118-119].

 

والإسلام -أحبتي- حفظ حقوق الأشخاص وحقوق الجماعة، ورتّب حقوق الوالي وحقوق الرّعيّة، والمسلمين وغيرَهم، حقوقٌ يلتزِم بها المسلِمون تعبداً لله لا يداخِلُه هوى، ولا يتأثَّر الالتزامُ به بمصلحةٍ أو منفَعَة أو يتغير بحصول مشكلة.

 

أعلى شأن المرأةُ ورفع قدْرهَا وأزال عنها الظلم والهوان، وأكد على حقوقها، وهي شقيقة الرجل إلا فيما يخصّها، هي شريكةُ الرجل، تتعاوَنُ معه، ولكلٍّ دوره وواجباتُه، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228].

 

هذا هو الإسلام، وهذه أصوله، وتلك سماحته ويسره التي نُذكِّر بها؛ لأن هناك مَن يستغل التطرَّف والغلو ليُشوّه الدين والتدين، وينال منهما، فمبادئُ الإسلام لا تتغيرُ بالزمانِ والمصالح، ويُلزمُ بها المتمسِّكين به دينًا وتعبُّدًا لله وحدَه، ولا يمكن مقارنتها بمبادئ وضعها البشر رأيناها تتغير حسب العنصر واللون والأهواء والمصالح فلم تُحقِّق عدلاً ولا سلاماً، ولا أنهت حروباً؛ بل صنعت تطرّفاً مضاداً. فأين هم وأين إسلامنا العظيم؟ (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ:24].

 

إن مسؤوليتَنا -جميعاً- بيانُ عظمة الإسلام، و[عدم] الدفاع عن أفعال ليست منه تُنسب له وتشوّه جماله وتحرّف جهاده. وكذلك جمع كلمة الناس عليه؛ فالمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها والعالم كله بحاجةٍ لقيام الإسلام قولاً وفعلاً، ويخسرون كثيراً بغيابها عنهم.

 

اللهم إنا نسألك نصراً مؤزراً وعِزاً محققاً للإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، واكفه شر الغلاة والمرجفين.

 

أقول ما تسمعون...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده...

 

إذا كنا عرفنا تعاليم الإسلام وسماحته ويسره وانتفاء الغلوّ عنه فواجبنا أن نحذر من نسبة أفعال إليه هو منها براء، إما بجهل وضلال مرتكبيها أو بقصدٍ ومؤامرة من مدبّريها، ولنحذر من الفرقة والتنازع، وكذلك من النيل من الدين والجرأة على أحكامه والعبث بها؛ فليس الإسلام أن تأخذ آية أو حديثاً أو أصلاً من أصوله لتطبقه متجاهلاً أصولاً أخرى ومصالح متعدّدة، فهذا أخذٌ ببعض الكتاب وكفر ببعضه، وجزاء ذلك خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردّون إلى أشدّ العذاب لكل من أخذ من الدين شيئاً أو أهمل أصولاً.

 

الإسلام -أيها الأحبة- لا يسعى لمجرد القتل والتكفير والإفساد والتفجير بقصد الإخلال بأمن البلدان باسم جهادٍ شوّهوا ثقافته وإسلامٍ أفسدوا سماحته وخالفوا دعوته، عليهم من الله ما يستحقون! يُزهقون أنفسهم لقتل غيرهم من المستأمنين ضلالاً وعدواناً، وغسلت أدمغتهم ضدَّ أهاليهم وأوطانهم ورجال أمنهم، مُهملين ما عليه علماء الإسلام وأمته، فأصبحوا أداةً للعدوِّ وعُدَّتَه، وأخَّروا مشاريع الخير وعطلوها بفعلهم.

 

والمصيبة أن إعلامنا ببرامجه وقنواته أصبح مسلوب الهوية والإرادة، فهو يشترك مع الغلاة بتشويه تعاليم الإسلام بما يبثه من فسادٍ أخلاقي وتبعية ببرامجه ساهمت بتجهيل المسلمين وإبعادهم عن دينهم والتمكين لعدوّهم، ويشترك معهم من ينالون من الدين ويتطاولون على مبادئه ظلماً وعدواناً؛ فكانت النتيجة ضعف المسلمين، مع أن دينهم أقوى الأديان وأقبلها عند الله، والله ناصرٌ دينه ومُعلٍ كلمته ولو كره الكافرون. ودورنا المهم أن ننفيَ عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المستضعفين وجندنا المرابطين، واجعل بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم من أراد أمننا وحرمنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فأشغله بنفسه، واجعل كيده تدميراً عليه، واحمنا من شر الأشرار وكيد الفجار، ووفق ولاة أمور المسلمين...

 

 

 

 

المرفقات

الإسلام من الغلو والشدة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات