بدع شهر رجب

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-12-20 - 1446/06/18 2024-12-30 - 1446/06/28
عناصر الخطبة
1/خصائص شهر رجب 2/بدع شهر رجب 3/التحذير من الابتداع في الدين 4/الاستعداد لاستقبال مواسم الخيرات.

اقتباس

وليس لهذا الشهر أي مزيةٍ -يا عباد الله- لا في عبادةٍ تُؤدَّى لا في صلاةٍ ولا في صيام، ولا في صدقةٍ، ولا في غيرها، وقد كانوا يُحْدِثون في هذا الشهر أنواعًا من البدع والمحدثات والخرافات، فمنها صلاة الرغائب...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيه وخليله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: هذه مواسم الخيرات أقبلت عليكم، وما بقي بينكم وبين رمضان إلا أقل من شهرين، وأنتم في شهر رجب الحرام، والذي كان يسمى عند العلماء وعند أهل الجاهلية برجب مضر؛ لأن قبيلة مضر من قبائل عدنان كانت تزيد في تفخيمه وتعظيمه على سائر قبائل العرب.

 

وليس لشهر رجب -يا عباد الله- أي مزية إلا أنه من الأشهر الحرم، وهي أربعة أشهر؛ ثلاثةٌ متوالية ذو القعدة وذو الحجة وشهر الله المحرم، ورجب مضر، رجبٌ الفرد الكائن بين جمادى وشعبان، وسُمِّي برجبٍ الفرد؛ لأنه انفرد عن الأشهر الحرم الثلاثة قبله.

 

 وليس لهذا الشهر أي مزيةٍ -يا عباد الله- لا في عبادةٍ تُؤدَّى لا في صلاةٍ ولا في صيام، ولا في صدقةٍ، ولا في غيرها، وقد كانوا يُحْدِثون في هذا الشهر أنواعًا من البدع والمحدثات والخرافات، فمنها صلاة الرغائب؛ وهي صلاةٌ في ليلة أول جمعةٍ من هذا الشهر لم يشرعها الله -عزَّ وجلَّ- ولا رسوله.

 

ومنها ذبيحة العتيرة عند أهل الجاهلية ابتداعًا في دين الله -عزَّ وجلَّ-، لم يشرعه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-، ومنها في آخر لياله ليلة السابع والعشرين احتفالاتٍ ومهرجانات يظنون أنها توافق ليلة إسراء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ثم معراجه؛ إسرائه من مكة إلى بيت المقدس ثم معراجه من بيت المقدس إلى السماء، وليس هذا أيضًا بصحيح، وإنما هو من البدع المحدثة بعد القرن الرابع الهجري.

 

 فاحذروا البدع -يا عباد الله-، واحذروا المحدثات، واعلموا أنه ما تنشأ في الإسلام بدعة إلا وتموت في مقابلها سُنَّة، حتى تفشو البدع وتموت السنن، وحينئذٍ يحق الله -جَلَّ وَعَلا- وباله على أهل الأرض.

 

فأظْهِرُوا -يا عباد الله- سُنّة نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، اعتزازًا بها قولاً وفعلاً وحالاً، واحذروا البدع واحذروا تزيينها، واحذروا تسويغها عند الناس بأنها تُقرِّب إلى دين الله؛ فإن البدع مُبعدةٌ وهي بريد الكفر، ولا تُقبل عند الله -جَلَّ وَعَلا-، كما قال -سبحانه-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21].

 

 وفي الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي لفظٍ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36]. 

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بربوبيته وإيمانًا بألوهيته وأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك ما عاند به أو جحد وكفر، ونُصلِّي ونُسلِّم على سيد البشر الشافع المشفَّع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

أما بعد: عباد الله: فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلا-، وبادروا إلى العمل الصالح، وهيِّئوا أنفسكم لاستقبال مواسم الخيرات، بالاعتقاد الجازم والنية الصادقة على أن تبذلوا فيها عملاً يبيض الله به وجوهكم، فإن المؤمن -يا عباد الله- يُكتب له عمله بنيته ولو لم يعمله، إذا علم الله ذلك من عبده.

 

 ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "قال الله -عزَّ وجلَّ-: إذا همَّ عبدي بالحسنة فاكتبوها له حسنة"، همَّ: أي عزم وجزم على فعلها، "فاكتبوها له حسنة، فإذا عملها فاكتبوها له عشرًا، وإذا همَّ عبدي بالسيئة فاكتبوها له سيئة، فإذا تركها فامحوها واكتبوها حسنة؛ فإنه إنما تركها من جرائي".

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

بدع شهر رجب.doc

بدع شهر رجب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات