عناصر الخطبة
1/تحديد فضائل لأمر ما دون مستند شرعي كذب على الله 2/من أسباب نشأة البدع 3/مما أحدث الناس في شهر رجب 4/رجب من الأشهر المحرمةاقتباس
والبدع المذمومة إنما تنشأ عن مثل ذلك، وبالفعل قد نشأت بدع كثيرة في أوقات كثيرة وأماكن كثيرة؛ بسبب ذلك الكذب، ولشهر رجب أوفر نصيب من ذلك، ولأول جمعة نصيب وافر كذلك، ومنه ما يسمى بصلاة الرغائب، وهي صلاة بهيئة خاصة، ولها عدد خاص...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ.
عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن تقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين.
عباد الله: هذا اليوم هو أول جمعة من شهر رجب، وقد استطاع شياطين الجن والإنس أن يجعلوا له مكانة خاصة وفضائلَ ما أنزل الله بها من سلطان، ودعوى الفضائل لزمانٍ معين أو مكان معين أو إنسان معين، من غير أن يثبت ذلك عن الله ورسوله هو من الكذب على الله ورسوله؛ لأن الذي يعطي الفضائل هو الله، ولا يمكن أن يُعرف ذلك إلا من جهة الوحي من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة.
فمن تجرأ أو أثبت شيئًا من ذلك من قِبل نفسه، أو بناءً على أحاديث مكذوبة ومنامات، وكشف وإلهام، وما أشبه ذلك، فقد كذب على الله ورسوله، وقد قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)[النحل: 116]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار"(البخاري).
والبدع المذمومة إنما تنشأ عن مثل ذلك، وبالفعل قد نشأت بدع كثيرة في أوقات كثيرة وأماكن كثيرة؛ بسبب ذلك الكذب.
ولشهر رجب أوفر نصيب من ذلك، ولأول جمعة نصيب وافر كذلك، ومنه ما يسمى بصلاة الرغائب، وهي صلاة بهيئة خاصة، ولها عدد خاص يثبت على أحاديث غير صحيحة، ويروِّجها بعض الناس.
ولكن الأئمة الكبار أنكروها، وكذبوا أحاديثها، وعدُّوها من البدع المنكرة، منهم الإمام الطرطوشي، والإمام ابن وضاح، وأبو شامة، والنووي، والعز بن عبد السلام، وابن رجب الحنبلي وغيرهم.
قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف: "والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء"، وقال الإمام النووي -رحمه الله-: "الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة تُصلَّى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان عادة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحان".
وكذلك يحصل في هذا اليوم بدعة أخرى قبيحة، هي زيارة مسجد الجَنَد بمحافظة تعز، واعتبار أن تلك الزيارة تعدل عمرة إلى البيت الحرام، فهي بدعة قبيحة أُضيفت إلى الدين وأُحدثت فيه، وفوق ذلك يحصل فيها من المخالفات والمعاصي، وانتهاك حرمة المسجد، وغير ذلك الشيء الكثير؛ ولذلك صدرت قبل سنوات فتوى جماعية لعدد كبير من علماء اليمن بتحريم ذلك الفعل والمشاركة فيه، وعدِّه بدعة قبيحة.
وأما ما يحصل في شهر رجب على وجه العموم، فهناك الكثير من البدع:
منها: اعتبار أول يوم منه عيدًا.
ومنها: اعتبار صيامه كاملًا سُنَّة.
ومنها: تخصيصه بنوع خاص من الاستغفار.
ومنها: جعله موسمًا لزيارات بعض القبور والمشاهد.
وعلى كلٍّ، فإن الكذَّابين والوضَّاعين قد كذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رجب، ما لم يكذبوا عليه في شهر آخر.
عباد الله: إن الواجب أن نذكِّر بأن شهر رجب من الأشهر الحرم، وهذا لا يكاد يغفل عنه الناس؛ قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[التوبة: 36]، وفي الآية التنبيه على غفلة الناس بالقتال فيه، والتنبيه على غفلة الناس بارتكاب المعاصي فيه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم