اقتباس
إنّ دعوة السلف إلى التوحيد الخالص، دائرة بين النفي، والإثبات، وسد الذرائع. وذاك جرياً على مسالك الكتاب والسنّة في تقرير التوحيد. فكانت عنايتهم -رحمهم الله- بتأسيس التوحيد بأقسامه الثلاثة أوّلاً بالأدلة الشرعية والحجج المرعيّة، ومن ثمّ الرد على كلِّ دعيٍّ أفاك، وتجريد العقيدة السمحة من كلّ شوب كلامي، أو درنٍ شركي، مع سدِّ كل الأبواب المفضية إلى الابتداع والشرك بأنواعه.
لقد اشتدّت عناية السلف -رحمهم الله- بالتوحيد واهتمامهم به، أسوة بنبيّهم، وتحقيقاً للغاية التي خلقوا لأجلها، وإنّ الحديث عن هذه العناية يقتضي بيان الأمور الآتية:
1-دلائل اهتمام السلف بالدعوة إلى التوحيد.
2-أصول منهج السلف في تقرير التوحيد والدعوة إليه.
3-أساليب ووسائل السلف في الدعوة إلى التوحيد.
أوّلاً: دلائل اهتمام السلف بالدعوة إلى التوحيد:
إنّ الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة السلف -رحمهم الله-، ومن أبرز دلائل هذا الأصل:
1-البدء بالدعوة إلى التوحيد: فقد درج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم على التزام هذا الضابط والعناية بالأولويات في دعوتهم، والانطلاق في بناء الشريعة ومكارم الأخلاق من منطلق العقيدة وأصول الإيمان، ومن أمثلة ذلك:
بدء الصحابة في دعوتهم وفتوحاتهم وجهادهم بالدعوة إلى التوحيد أوّلاً، من أمثال أبي عبيدة، ومعاذ بن جبل -حينما أرسله النبي -صلى الله علية وسلم- داعياً إلى اليمن(1)، وعمرو بن العاص، وسعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-.
ومن ذلك قول خالد بن الوليد-رضي الله عنه- لباهان قائد جيوش الروم وهو يدعوه إلى الإسلام، حيث يقول له: "ونحن ندعوكم إلى ما دعا إليه نبينا -صلى علية وسلم-، وإلى ما أمرنا به أن ندعو الناس إليه، فنحن ندعوكم إلى الإسلام وإلى أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله (2).
2-استيعاب الدعوة إلى التوحيد جلّ جهود السلف العلمية والعملية:
فالناظر إلى أعمال السلف -رحمهم الله- وميراثهم العلمي(3) يدرك أنّ الدعوة إلى التوحيد هي الأمر الذي أفنوا فيه الأعمار والأوقات، تبييناً لأصله، وترسيخاً لدعائمه، وذوداً عن حياضه، وتصفية لشوائبه، ورداً على مخالفه(4).
ثانياً: أصول منهج السلف في تقرير التوحيد والدعوة إليه(5):
إنّ دعوة السلف -رحمهم الله- قامت على أصول راسخة وقواعد ثابتة، في الأخذ بهذه القواعد أمن من الزلل ونجاة من العطل، ومن أبرز هذه القواعد:
أ-الأثرية:
والمقصود بذلك أنّ السلف -رحمهم الله- اقتصروا على الوحي -من الكتاب والسنّة- في إثبات الحقائق العقدية، ولم يَكِلوا ذلك إلى العقول القاصرة والأهواء المضلّة، ومن أبرز معالم هذه الأثرية:
1-توحيد مصدر التلقي:
وذلك بتجريده من كلّ شوب كلامي مردود، أو فلسفي مذموم، أو مسلكي مبتدع، بالاعتماد على الكتاب والسنّة في تلقي العقيدة والدين كلّه، بفهم الصحابة المرضيين، والثقات الأثبات من علماء خير القرون، والتعويل على إجماعهم واتفاقهم في هذا الباب، فهم أعمق علماً بمعانيها، وأدق فهما لمراميها، وما أجمعوا عليه هو الحق ولا بد، وما اختلفوا فيه فإنّ الحق لا يجاوز أقوالهم، فمن آمن بمثل ما آمنوا به فقد اهتدى، قال –تعالى-: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) (6).
قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: "ألا لا يقلدن رجل رجلاً دينه فإنْ آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنْ كان مقلداً لا محالة فليقلد الميت ويترك الحي، فإنّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة"(7).
2-تقديم النقل على العقل:
والمراد بالنقل: الأدلة والنصوص الشرعية، من الكتاب والسنة، والمراد بالعقل: الأدلة العقلية التي ابتدعها علماء الكلام واتّخذوها ديناً لهم، وأخضعوا النصوص الشرعية لها.
وليس معنى هذا أنّ السلف يعطلون عقولهم، بل المراد أنّهم لا يسلكون في تقرير العقيدة مسلك أهل الكلام في الاستدلال بالعقل وحده.
قال السمعاني(8) -رحمه الله-: "أهل السنة -السلف- قالوا: "الأصل في الدين الإتباع والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي"(9]).
3-الإيمان بظواهر النصوص:
خلافاً للمبتدعة الذين لووا أعناق النصوص وتأولوها وصرفوها إلى غير مرادها.
فمن منهج السلف -الصالح- الإيمان بما دلّت عليه ظواهر النصوص من غير تشبيه ولا تكييف ولا تأويل.
قال ابن كثير -رحمه الله-: وأما قوله –تعالى-: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)([10]) فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جداً ليس هذا موضعَ بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف –الصالح- مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(11)،بل الأمر كما قال الأئمة منهم: نعيم بن حماد الخزاعي قال: "من شبّه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر"، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله –تعالى- ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار -الصحيحة- على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفي عن الله -تعالى- النقائص، فقد سلك سبيل الهدى"(12).
4-الاحتجاج بالسنّة في العقائد:
يرى السلف –الصالح- أنّ السنة بقسميها: المتواتر والآحاد، حجّة في الأحكام والعقائد.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "لم يزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنّة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم يُنقل عن أحد منهم البتة أنّه جَوّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته"(13).
ب-الوسطية والاعتدال:
من نعمة الله –تعالى- على هذه الأمة أن جعلها أمّة وسطاً بين سائر الأمم، قال –تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(14).
وكذلك كان شأن السلف -الصالح -رحمهم الله-، فهم وسط وعدل بين سائر فرق هذه الأمة، ومنهجهم هو المنهج العدل الوسط.
ومن هذه الوسطية، الوسطية في الاعتقاد والأقوال والعبادة.
ومن أمثلة هذه الوسطية:
1-توسط منهجهم في باب الأسماء والصفات الإلهية بين أهل التعطيل(15) وأهل التمثيل(16).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين: إثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِة شَيْء) رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير) رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى، الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدمًا"(17).
2-توسّط منهجهم في باب القدر، بين الجبرية الذين قالوا بأنّ الإنسان مجبوراً على أفعاله ليس له فيها أي قدرةً أو إرادةً، وبين القدرية الذين اثبتوا للعبد مطلق الحرية في أفعاله وتصرفاته(18).
3-توسّط منهجهم في باب الأسماء والأحكام بين الخوارج والمعتزلة الذين كفروا مرتكب الكبيرة وخلّدوه في النار، وبين المرجئة الذين قالوا: بأنّ مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان.
ج-محاربة الشرك ومظاهره:
تقوم الدعوة إلى العقيدة عند السلف على أساسين متلازمين، وهما:
التحلية والتخلية، بمعنى: تأسيس العقيدة -الصحيحة- في النفوس، وإزالة ما يضادها من الشرك والكفر، وهذا هو منهج الأنبياء -عليهم السلام-(19)، ومنهج نبينا -صلى الله عليه وسلم-والصحابة من بعده.
فهذا أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام-، يبتدئ دعوته لقومه ببيان قبح الشرك وعجز الأوثان، ثم يردف ذلك بالدعوة إلى توحيد الواحد الأحد الذي بيده ملكوت كل شيء، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) ... (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (20).
وكذا كانت دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمة على تأسيس التوحيد ومحاربة الشرك المك ومظاهره، والسورية كلّها في تقرير هذا الشأن، قال –تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)(21).
بل كان التحذير من الشرك من أواخر وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن عائشة وابن عباس -رضى الله عنهما-قالا: "لما نزل برسول الله –صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال- وهو كذلك -: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا"(22.
وكذا الشأن عند الصحابة، فقد دأبوا على محاربة الشرك ومظاهره، ومن أمثلة ذلك: قول علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته"(23.
د-الوضوح والبيان والسلامة من التناقض والاضطراب (24:
سار السلف -رحمهم الله- في تقرير العقيدة، على منهجٍ واضحٍ بيِّنٍ لا اضطراب فيه ولا التباس، وذلك لأنّ منهجهم مستمدّ -أساساً- من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواضحة البيّنة، ولقوة صلة أصحابه بالله -عز وجل-، وقوة يقينهم بما معهم من الحق، فسلموا بذلك من الشك والحيرة، التي وقع فيهما المبتدعة، قال –تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)(25.
قال أبو القاسم الأصفهاني(26)-رحمه الله-: "ومما يدلّ على أنّ أهل الحديث -وهم جمهور السلف- كانوا على الحق، أنّك إذا طالعت جميع كتبهم المصنّفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم من الديار... وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة، ونمط واحد يجرون فيها على طريقةٍ لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقاً في شيء ما وإن قلّ، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنّه جاء من قلب واحد، وعلى لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا" (27.
ثالثاً: مضامين دعوة السلف -رحمهم الله- إلى التوحيد:
إنّ دعوة السلف إلى التوحيد الخالص، دائرة بين النفي، والإثبات، وسد الذرائع. وذاك جرياً على مسالك الكتاب والسنّة في تقرير التوحيد.
فكانت عنايتهم -رحمهم الله- بتأسيس التوحيد بأقسامه الثلاثة أوّلاً بالأدلة الشرعية والحجج المرعيّة، ومن ثمّ الرد على كلِّ دعيٍّ أفاك، وتجريد العقيدة السمحة من كلّ شوب كلامي، أو درنٍ شركي، مع سدِّ كل الأبواب المفضية إلى الابتداع والشرك بأنواعه.
وسوف أقتصر على إيراد بعض آثار السلف -رحمهم الله- على أبواب التوحيد؛ ليسهل فهمها ومعرفة وجه الدلالة منها:
1-توحيد الألوهية:
قال بلال بن سعد(28) -رحمه الله- في بيان أثر الإخلاص-: "عباد الرحمن! إن العبد ليعمل الفريضة الواحدة من فرائض الله وقد أضاع ما سواها، فما زال الشيطان يمنيه فيها، ويزين له حتى ما يرى شيئاً دون الجنة، فقبل أن تعملوا أعمالكم فانظروا ما تريدون بها، فإن كانت –خالصة- لله فأمضوها، وإن كانت لغير الله فلا تشقوا على أنفسكم، فلا شيء لكم، فإنّ الله –تعالى- لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، فإنه -تعالى- قال: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(29.
2-العبادة:
قال الحسن البصري(30) -رحمه الله- في أثر العبادات القلبية: "إنّ المؤمنين عجلوا الخوف في الدنيا، فأمّنهم الله يوم القيامة، وإنّ المنافقين أخّروا الخوف في الدنيا، فأخافهم الله يوم القيامة"(32.
3-توحيد الربوبية:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لما أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يهبط من السماء، مسح صفحة ظهر آدم اليمنى فأخرج منه ذريةً بيضاء مثل اللؤلؤ وكهيئة الذر، فقال لهم: أدخلوا الجنة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ)(32)(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ)(33) ثم أخذ منهم الميثاق فقال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) فأعطاه طائفةً طائعين، وطائفة كارهين، فقالت الملائكة: (شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)(34) فلذلك ليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله، ولا مشرك إلا وهو يقول: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)(35) فلذلك قول الله -عز وجل-: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) وذلك حين يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(36) وذلك حين يقول: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(37) قال: يعني يوم أخذ عليهم الميثاق"(38.
4-توحيد الأسماء والصفات:
عن الضحاك عن بلال بن سعد –أنّه كان- يقول فيما يعظ به: "عباد الرحمن إنكم اليوم تتكلمون والله -عز وجل- ساكت، ويوشك الله -عز وجل- أن يتكلم وتسكتون، ثم يثور عن أعمالكم دخان تسود منه الوجوه، فـ (اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(39) (40)، وهذا الأثر في إثبات صفة الكلام لله -تعالى.
عن مجاهد(41) -رحمه الله- قال: "إنّ الله -عز وجل- غرس جنّة عدن بيده، ثم قال حين فرغ منها: قد أفلح المؤمنون، ثم أغلقت، فلم يدخلها أحد إلا من -شاء الله- أن يأذن في دخولها، فإذا كان كل سحر فتحت مرة، ثم يقال عند ذلك: (قد أفلح المؤمنون)"(42)، وفي الأثر إثبات صفة اليد لله –تعالى-.
4-محاربة الشرك ومظاهره:
عن الحسن -رحمه الله- قال: "صوتان فاجران فاحشان ملعونان: صوت عند النعمة، وصوت عند المصيبة، فأما الصوت عند المصيبة: فخمش الوجوه، وشق الجيوب، ونتف الأشعار، ورن الشيطان، وأما الصوت عند النعمة، فلهو باطل، ومزمار الشيطان"(43.
يتبع المقال الثاني...
-----
([1]) حديث معاذأخرجه البخاري 6/2685، كتاب: التوحيد، باب: ما جاء في دعاء النبي ز أمته إلى التوحيد، رقم 6937، واللفظ له، ومسلم 1/51، كتاب: الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم .27.
([2]) تاريخ فتوح الشام، للأزدي، ص 204، وفتوح البلدان، للبلاذري ص 257.
([3]) سوف يأتي ذكر طرف من هذا الميراث العلمي عند الحديث عن مؤلفات السلف في التوحيد.
([4]) وسأرجئ الحديث عن هذه الجهود عند ذكر وسائل وأساليب السلف في الدعوة إلى التوحيد.
([5]) انظر في هذا الموضوع: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، للالكائي 1/9، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، الجزء (3-4-13)، ومنهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، لمحمد الأمين الشنقيطي ص 3-4.
([6]) سورة البقرة، الآية 137.
([7]) سنن البيهقي الكبرى 10/116.
([8]) إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي أبو القاسم التيمي الطلحي الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، من أئمة السلف، وأعيان العباد، إمام في اللغة والتفسير وعلوم كثيرة، توفي سنة:535هـ، سير أعلام النبلاء 20/80.
([9]) "الحجة في بيان المحجة" لإسماعيل بن محمد الأصبهاني 1/315
([10]) سورة الأعراف، الآية 54.
([11]) سورة الشورى، الآية 11.
([12]) تفسير ابن كثير 2/222.
([13]) مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم 2/412.
([14]) سورة البقرة، الآية 143.
([15]) المعطلة: هم الذين عطّلوا الله –تعالى- عن كماله المقدّس، والتعطيل قسمان:
1-تعطيل كليّ: كتعطيل الجهمية الغلاة والقرامطة، الذين أنكروا أسماء الله الحسنى وصفاته العليا.
2- وتعطيل جزئي: كتعطيل الأشاعرة والماتريدية والكلابية وغيرهم، الذين أثبتوا بعض الصفات الإلهية
أنكروا صفات أخرى، انظر: الجواب الكافي لابن القيم، ص 309-314.
([16]) الممثلة: ويسمون المشبّهة، وهم الذين أثبتوا بعض صفات الله –تعالى- للمخلوقين، كادعاء علم الغيب، أو التصرف في ملكوت الله، أو النفع والضر، وغير ذلك من الصفات الإلهية، انظر: الجواب الكافي، ص 309-314.
([17]) مجموع الفتاوى 5/196.
([18]) انظر: خلق أفعال العباد للإمام البخاري، ص 29-119.
([19]) انظر: منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، لربيع بن هادي المدخلي، ص 33-198.
([20]) سورة الأنبياء، الآيات من 51-54.
([21]) سورة الجن، الآية 20.
([22]) متفق عليه، البخاري 1/168، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره مناتخاذ المساجد على القبور، رقم 417، ومسلم 1/377، كتاب: المساجد، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، رقم 22.
([23]) رواه مسلم 2/666، كتاب: الجنائز، باب: في تسوية القبر، رقم 1609.
([24]) المنهج السلفي، د مفرح القوسي، ص 438.
([25]) سورة الحجرات، الآية 15.
([26]) عبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل أبو القاسم الأصبهاني الصيدلاني، الشيخ الجليل المسند الرحالة، توفي سنة 605هـ، سير أعلام النبلاء 21/435.
([27]) الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، لأبي القاسم الأصبهاني 2/255.
([28]) بلال بن سعد بن تميم السكوني الأشعري، أبو عمرو الدمشقي، ثقة فاضل، قال الذهبي توفي سنة نيف وعشرة ومائة، سير أعلام النبلاء 5/91.وتقريب التهذيب، ص 66.
([29]) سورة فاطر، الآية 10.
([30]) الحسن بن يسار مولى الأنصار سيد التابعين، كان ثقة في نفسه حجة رأسا في العلم والعمل، توفي سنة 110هـ، التاريخ الصغير للبخاري 1/244
([31]) رواه ابن المبارك في الزهد، رقم 168.
([32]) سورة الواقعة، الآية 27.
([33]) سورة الواقعة، الآية 41.
([34])سورة الأعراف، الآية 172.
([35]) سورة الزخرف، الآية 22.
([36]) سورة آل عمران، الآية 83.
([37]) سورة الأنعام، الآية 149.
([38]) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 18/85، وأورده ابن القيم في أحكام أهل الذمة 2/554.
([39]) سورة البقرة، الآية 281.
([40]) أخرجه ابن عساكر في تاريخه 10/498.
([41]) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكيالمخزومي شيخ القراء والمفسرين، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، توفي سنة 101 هـ تقريب التهذيب ص 453.
([42]) أخرجه البيهقي في البعث والنشور، رقم 237.
([43]) رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، ص 43.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم