انظروا هل لعبدي من تطوع

سليمان السلامة

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/وقفة مع قوله عز وجل" انظروا هل لعبدي من تطوع" 2/اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العبادة

اقتباس

أيها الطامعون برحمة الرحيم: باب نوافل العبادات والتطوعات بابٌ واسعٌ ميسرٌ متنوعٌ، ومن صدق في إقباله على الله لن يفرط في أخذ نصيبه منها، فصلوات متعددة كالوتر وسنة الضحى والسنن الرواتب وركعتي الوضوء...

الخطبة الأولى:

 

الحمدلله ذي المعارج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسعت رحمته كل شيء.

 

وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله، أفضل وأكمل وأعظم الخلق تعبدا لله، اللهم صل وسلم عليه وعلى الآل والصحب وعلى من سار على نهجهم وبهداهم اهتدى؛ أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه ولا تعصوه وعظموا أمره واستبقوا الخيرات لعلكم تفلحون.

 

أيها الناس: مشهد سنشهده، وصورة سنعاينها، وموقف سنقفه!!

 

إليكم مشهدا من مشاهد يوم القيامة وصورة من مواقف الحشر والحساب؛ فعن تميم الداري -رضي الله عنه- مرفوعا: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّها كُتبت له تامة، وإن لم يكن أتمَّها قال الله -تعالى- لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك"(رواه أبوداود وصححه الألباني).

 

والشاهد معنا قول الله -جل جلاله- "انظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع فتكملون بها فريضته".

 

يا عباد الله: كل الأعمال المفروضة يسد نقصها ويكمل نقصها من عمل التطوع من النوافل، فمثلا يسد النقص في صيام رمضان من صيام العبد للتطوع، ويسد النقص في فريضة الزكاة من نافلة الصدقة، ويسد النقص في فريضة الحج من نافلة الحج، وهلم جرا.

 

إذاً حاجتنا ماسة جدا للتزود من نوافل العبادات؛ فمن ذا الذي يمكن أن يؤدي فريضة ولا يعتريها نقص؟

 

يا مسلمون: ما أعظم رحمة الله بنا، لا يظلم مثقال ذرة لا تضيع عنده حسنة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه، ما أوسع رحمة ربنا حينما أتاح لعبادة تسديد نقص الفرائص من النوافل؛ لأنه يريد رحمتنا؛ يريد رحمة من يقبل عليه، يريد إكرام من يكثر من نوافل العبادات، فسبحان ربنا شاكر عليم، يشكر لعباده فعل الطاعة فيثيبهم على القليل بالكثير؛ (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 40].

 

فهل يمكن لمن أيقن بذلك أن يزهد بسنة أو يقلل من أهمية نافلة؟

 

نهرٌ جار من الحسنات، هو نوافل العبادات؛ فيا حسرة على من لم يغتسل في نهر نوافل العبادات.

 

أيها الطامعون برحمة الرحيم: باب نوافل العبادات والتطوعات بابٌ واسعٌ ميسرٌ متنوعٌ، ومن صدق في إقباله على الله لن يفرط في أخذ نصيبه منها، فصلوات متعددة كالوتر وسنة الضحى والسنن الرواتب وركعتي الوضوء وصلاة التراويح والتهجد.

 

تأملوا -رعاكم الله- حال قدوتنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في شدة حرصه على النوافل تقول عائشة -رضي الله عنها- فيما يرويه مسلم واصفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل "كان يصلي من الليل تسع ركعات، فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد".

 

قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- كانت صلاته -صلى الله عليه وسلم- بالليل ثلاثة أنواع أحدها وهو أكثرها: صلاته قائما، الثاني: أنه كان يصلي قاعدا ويركع قاعدا، الثالث: أنه كان يقرأ قاعدا فإذا بقي يسير من قراءته قام فركع قائما.

 

أرأيتم كيف الإقبال على الله قياما وقعودا؟ وهكذا يصنع من أراد التجارة مع الله، من أراد رصيدا من النوافل يجده في وقت عسير وشديد هوله.

 

وكان بنينا محمد يصلي النافلة في السفر على راحلته حيث توجهت به ويوتر على راحلته وكان صلى الله عليه وسلم يقضي السنة الراتبة إذا فاتته.

 

وأما جوده وصدقاته وبذله عليه الصلاة والسلام فهو أجود وأكرم الناس أرأيتم إلى لريح شديدة السرعة؟

 

هو صلى الله عليه وسلم أسرع منها في البذل والإنفاق عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"(البخاري ومسلم).

 

فهو كسرعة الريح في البذل والجود بدون تردد ولا تلكئ أو توان، وهو كالريح المرسلة التي تهب بالرحمة ويعم نفعها الجميع.رمضان ميدان لبسط اليد بالنفقة؛ كان الإمام الزهري إذا دخل رمضان قال: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

 

بارك الله لي ولكم في القران والسنة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدلله أما بعد:

 

فرمضان موسم للتزود من رصيد احتياطي، يغطي نقص الرصيد الأساسي من الفرائض رمضان موسم الرباط ووقت الإقبال والنشاط.

 

يا عبدالله: إن ضعفت نفسك عن تأدية نافلة فذكرها بمشهد يوم القيامة يوم يقول الله لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع؟ فيا ترى هل ستجد الملائكة لك تطوعا ونوافل؟

 

وهل ستكون كافية لسد الخلل والنقص في فرائضك؟

 

يا عبدالله: بادر باستثمار صحتك وقوتك في الإكثار من نوافل العبادات، ضع لنفسك حدا أدنى تلزم نفسك بأدائه، اقرع باب الكريم بكثرة النوافل، لا تحتقر نافلة لا تزهد بسنة، رمضان فرصة لا تفوت لادخار الحسنات.

 

هنيئاً لمن قدم على ربه وقد قدم عملا صالحا في حياته.

 

قال الله -تعالى- (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى).

 

وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[المائدة: 9].

 

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[هود: 23].

 

وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)[الرعد: 29].

 

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [فاطر: 7].

 

اللهم اجعلنا من السابقين إلى الخيرات والأعمال الصالحات.

المرفقات

انظروا هل لعبدي من تطوع

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات