عناصر الخطبة
1/طول موقف الحشر 2/أحواض الأنبياء لسقيا الأتباع 3/ردّ أناس عن حوض النبي محمد عليه الصلاة والسلام 4/حديث الشفاعة 5/رفعة مكانة النبي محمد عليه الصلاة والسلام 6/أسباب الردّ عن الحوض.اقتباس
لَا يَزَالُ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْثُرُونَ، وَمُضَيِّفُهُمْ لَا يَرُدُّ أَحَدًا، فَحَوْضُهُ وَقَلْبُهُ يَسَعُ الْجَمِيعَ.. ثُمَّ يَحْصُلُ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْحُسْبَانِ.. أُنَاسٌ يَرِدُونَ الْحَوْضَ فَيُطْرَدُونَ مِنْهُ، أَلَا مَا أَصْعَبَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ! أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنْ...
الخطبةُ الأولَى:
أَمَّا بَعْدُ:
هَا هُمْ مَا زَالُوا وَاقِفِينَ، قَدْ طَالَ قِيَامُهُمْ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ.. السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَالْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَالْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَالْقُبُورُ بُعْثِرَتْ..
تَمُرُّ اللَّحَظَاتُ، تَلُوهَا السَّاعَاتُ، تَلُوهَا الْأَشْهُرُ وَالسَّنَوَاتُ.. الشَّمْسُ تَدْنُو، فَيَتَصَبَّبُ الْعَرَقُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، حَتَّى تَغْرَقَ فِيهِ أَعْضَاؤُهُمْ.
اللَّهِيبُ مُحْرِقٌ وَالْعَطَشُ شَدِيدٌ.. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ الصَّعْبَةِ تُرْفَعُ تِلْكَ الْأَحْوَاضُ، فَرَجًا لِلْمُوَحِّدِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ..
هُنَاكَ حَوْضُ نُوحٍ يَسْقِي فِيهِ قَوْمَهُ وَأَتْبَاعَهُ الْقَلِيلِينَ، وَهَا هُوَ حَوْضُ هُودٍ وَحَوْضُ صَالِحٍ وَحَوْضُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَحَوْضُ مُحَمَّد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-..
تُرْفَعُ الْأَحْوَاضُ فَيَتَقَدَّمُ الْمُؤْمِنُونَ؛ كُلٌّ إِلَى نَبِيِّهِ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فِي مَنْظَرٍ لَا تَرَى فِيهِ إِلَّا مَنْ دَانَ بِالتَّوْحِيدِ دِينًا، أَمَّا حَالُ الْقَادَةِ الَّذِينَ قَادُوهُمْ إِلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ الْيَوْمَ إِلَى سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، فَيَحْكِيه لَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ يَقُولُ: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً".
تَتَقَدَّمُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ خَيْرُ الْأُمَمِ إِلَى حَوْضِ نَبِيّهِمْ الشَّرِيفِ، يُقْبِلُونَ فَيَجِدُونَ نَبِيَّهُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ سَبَقَهُمْ وَتَقَدَّمَهُمْ إِلَيْهِ.. سَبَقَهُمْ لِيَسْتَقْبِلَهُمْ بِنَفْسِهِ، وَيُنْزِلَهُمْ فِي ضِيَافَتِهِ "وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ".
هَا هُمْ يَتَقَدَّمُونَ فَيَعْرِفُهُمْ نَبِيُّهُمْ بِعَلَامَاتِهِمْ الْمُمَيَّزَةِ، يَأْتُونَ إِلَيْهِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، وُجُوهٌ مُبْيَضَّةٌ، وَأَطْرَافٌ مُضِيئَةٌ، أَدَامَتِ الْوُضُوءَ فِي الدُّنْيَا؛ فَأَضَاءَتْ الْيَوْمَ فِي الْآخِرَةِ.
يَتَأَمَّلُونَ فِي سِعَةِ الْحَوْضِ فَإِذَا هُوَ كَمَا كَانَ يَسْمَعُونَ وَصْفَهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا: "حَوْضِي مَسِيرَةَ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ؛ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبْدًا"، يَشْرَبُونَ تِلْكَ الشَّرْبَةَ فَيُصْبِحُ الْعَطَشُ شَيْئًا كَانَ فِي الْمَاضِي وَيُوَدِّعُونَهُ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا.
لَا يَزَالُ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْثُرُونَ، وَمُضَيِّفُهُمْ لَا يَرُدُّ أَحَدًا، فَحَوْضُهُ وَقَلْبُهُ يَسَعُ الْجَمِيعَ.. ثُمَّ يَحْصُلُ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْحُسْبَانِ.. أُنَاسٌ يَرِدُونَ الْحَوْضَ فَيُطْرَدُونَ مِنْهُ، أَلَا مَا أَصْعَبَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ! أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمُوا إِلَى حَوْضِهِ طَامِعِينَ، هَا هُمْ يُرَدُّونَ خَائِبِينَ وَعَنْ حَوْضِهِ مَطْرُودِينَ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِفُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَليُقْتَطَعَنَّ رِجَالٌ دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ"، وَفِي رِوَايَة "فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي"؛ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتِنَا!
شَرِبَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَحْوَاضِ أَنْبِيَائِهِمْ.. وَلَكِنَّ مَوْقِفَ النَّاسِ لَا يَزَالُ صَعْبًا، وَلَا زَالَتْ الشَّمْسُ دَانِيَةً، وَالْعَرَقُ يَتَصَبَّبُ.. وَلَمْ يُؤْمَرْ بِأَحَدٍ لَا إِلَى جَنَّةٍ وَلَا إِلَى نَارٍ..
وَفِي ظِلِّ صُعُوبَةِ الْمَوْقِفِ يُعْقَدُ مَجْلِسٌ اسْتِشَارِيٌّ بَيْنَ النَّاسِ لِلْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ الطَّوِيلَةِ، وَالْآنَ سَأَتْرُكُ حَدِيثِي، وَأَنْقُلُ لَكُمْ نَصَّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِيَصِفَ أَحْدَاثَ هَذَا الْمَجْلِسِ الِاسْتِشَارِيِّ، وَمَا أَعْقَبَهُ مِنْ قَرَارَاتٍ وَتَنْفِيذٍ.
يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أُتِيَ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلكَ؟، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَالاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاس: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ.
فَيَأْتُونَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَيَقُوُلونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوْحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نِحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا، فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبُ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِي -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوُةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: لَهُمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَث كِذْبَاتٍ. نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذَهَبُوا إِلَى مُوسَى.
فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أَنْتَ رَسُوْلُ اللهِ فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُوْلُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى.
فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أَنْتَ رَسُوْلُ اللهِ، وَكَلِمَتهٌ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًا، اشْفَعْ لَنَا أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ عَيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
فَيَأْتُونَ مُحَمَّدً - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُوْلُ اللهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِياَءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخْرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رِبِّ، أُمَّتِي يَا رِبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيِمَنِ مِنْ أَبْوُابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيْمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ". ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحُمَير، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى" (صحيح البخاري 4437، ومسلم: 194).
ذَلِكُمْ يَا عِبَاد اللَّهِ هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ فَتَنْتَهِي شِدَّةُ مَوْقِفِ الْحَشْرِ الَّذِي لَمْ يَصْبِرِ النَّاسُ عَلَيْهِ لِتَأْتِيَ بَعْدَهَا شِدَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ شِدَّةُ الْحِسَابِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ نَشْرِ الصُّحُفِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ، ثُمَّ إِلَى جَنَّةٍ أَوْ إِلَى نَارٍ؛ نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ عِقَابِهِ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
يَتَجَلَّى فِي مَوْقِفِ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ فَضْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَحَبَّتُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى كَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ قَالَهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ أَنْ قَالَ: "أُمَّتِي يَا رَبّ، أُمَّتِي يَا رَبّ".
فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُقَابِلَ هَذَا الْحُبَّ بِالْحُبِّ؛ فَنُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَنَسِيرُ فِي حَيَاتِنَا بِهَدْيِهِ وَنَتَمَسَّكُ بِطَاعَتِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى الدُّعَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ؛ حَيْثُ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
إِنَّ الْحِرْمَانَ كُلَّ الْحِرْمَانِ يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ لِيَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنَالُ هَذَا الشَّرَفَ، ثُمَّ يُبَدِّلُ أَوْ يُغَيِّرُ حَتَّى يُفَاجَأَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالطَّرْدِ مِنَ الْحَوْضِ وَالْمَقْتِ مِنَ اللَّهِ..
وَالَّذِينَ يُرَدُّونَ عَنِ الْحَوْضِ -كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ- هُمْ الْمُرْتَدُّونَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ النِّفَاقِ مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ الْكُفْرَ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ؛ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُدْخِلُ فِيهِمْ بَعْضَ أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَهَذا الْقَوْلِ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنَ السُّنَّةِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ سَيَكُونُ أُمَرَاءُ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ".
فَاللَّهُمَّ ارْحَمْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ وَيَوْمَ الْعَرْضِ..
اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنَا بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا وَأَوْزِعْنَا بِهَدْيهِ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ وَارْزُقْنَا مُرَافَقَتَهُ..
اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ شَرْبَةً هَنِيئَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا..
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم